بغض النظر عن دوافعك لبناء الخبرة في مجال جديد، سواء للحصول على أجر أفضل، أو من أجل زيادة المتعة في العمل، أو لأن ذلك يُعد شرطاً أساسياً للحصول على ترقية، فالسؤال المطروح هو كيف تُحقق ذلك؟
يتمثّل هدفك بالطبع في أن تصبح صانع قرار يتّسم بالحكمة والسرعة في هذا المجال الجديد، بحيث تكون قادراً على تشخيص المشكلات وتقييم الفرص في سياقات وظروف مختلفة. إذن، أنت بحاجة إلى اكتساب ما أسميه "المعارف العميقة"، وهو المعرفة القائمة على الخبرة والضرورية للعمل. يستغرق اكتساب هذا النوع من المعارف عادة سنوات عديدة؛ فهو ثمرة عمل شاق ومجهود مستمر. لكنّ ذلك لا يعني فوات أوان انتقالك إلى مجال مختلف. يمكن أن تساعدك الخطوات التالية على تسريع عملية اكتسابك لمثل هذه الخبرة.
تحديد أفضل الأشخاص أو النماذج المثلى في المجال الجديد
من هم الأشخاص الأكثر تميزاً في المجال الذي تسعى للانتقال إليه؟ أي من هم الخبراء الذين يحظون بتقدير كبير من نظرائهم ومشرفيهم المباشرين؟ من هو الشخص الذي تود أن تحذو حذوه؟
تقييم الفجوة القائمة بينك وبينهم
يتطلّب هذا الأمر تقييماً ذاتياً صارماً. ما حجم الجهد والعمل الذي سيتطلبه هذا التغيير؟ وهل أنت مستعد لتحمله؟ إذا اكتشفت أن الفجوة المعرفية ضئيلة إلى حد ما، فهذا من شأنه أن يعزز ثقتك بنفسك، أما إذا وجدت أنها كبيرة جداً، فخُذ نفساً عميقاً وفكّر في مدى امتلاكك الشجاعة والعزيمة لتقليصها.
اجتهد في دراسة المجال الجديد بمفردك
فكّر في الخطوات التي يمكنك اتخاذها للبدء بسد الفجوة المعرفية بينك وبين الخبراء في المجال الجديد، لا سيما إذا كانت هذه الفجوة كبيرة. يمكن أن يساعدك التعلّم الذاتي والتحدث إلى زملاء مطّلعين على هذا المجال الجديد، بالإضافة إلى حضور بعض الدورات التدريبية عبر الإنترنت على تحقيق التقدم.
حاول إقناع الخبراء بمشاركة خبراتهم ومعارفهم
سيُسَر كثير من هؤلاء الخبراء بذلك، لا سيما إذا كنت قد أعددت نفسك جيداً واكتسبت بعض المعلومات الأساسية، لكن قد يرفض بعضهم ذلك لأسباب مختلفة محتملة، مثل ضيق الوقت والخوف من سعيك لنيل وظائفهم. تعتمد ردود فعل الخبراء بدرجة كبيرة على كل من شخصياتهم والثقافة المؤسسية. يمكنك أن تُعزز موقفك من خلال التركيز على الطريقة التي سيستفيدون فيها من خلال مساعدتهم لك. ربما يمكنك أن تتولى بعض المهام الروتينية التي تُعد مملّة بالنسبة لهم، لكنها جديدة بالنسبة لك. إذا كان الخبراء يعملون في مؤسستك، فقد تكافئ الإدارة أي استثمار يقدمونه في مجال تنمية المواهب. أكّد لهم أن الوقت المطلوب منهم سيكون محدوداً للغاية، وستتمكن من إيجاد فترات زمنية صغيرة ومناسبة للتواصل معهم وطلب المشورة.
تعلّم طريقة اقتناص المعرفة
يجب عليك أن تكون شخصاً يقظاً يسعى لاقتناص الفرص بذكاء ومستعداً لاكتساب المعرفة والمعلومات. لا تتوقع من الخبراء أن يقدموا لك أهم معارفهم وخبراتهم العملية بطريقة مباشرة وبسيطة ومختصرة، سيكون ذلك مستحيلاً (لأنهم يُظهرون معرفتهم في سياق معين عندما تستدعي الظروف ذلك)، وسيكون بمثابة إساءة أو إهانة لهم (لأن سهولة نقل المعرفة بهذا الشكل تقلل من قيمة هذه الخبرات)، بالإضافة إلى ذلك، سيكون ذلك الأمر محبطاً لكليكما (لأن الشرح النظري حول كيفية تنفيذ شيء ما لا يضمن بالضرورة التعلم واكتساب المهارة الحقيقية). بدلاً من ذلك، استخدم أهم سؤالين يُطرحان من أجل استقاء المعرفة وهما: "لماذا؟" و"هل يمكنك أن تعطيني مثالاً؟".
مراقبة الخبراء في أثناء عملهم
غالباً تكون الملاحظة المركّزة أكثر فعالية من المقابلات لأنها تُظهر لك طريقة تفكير الخبراء وتصرفهم في الوقت الفعلي. اطلب حضور الاجتماعات المهمة، ورافقهم في حضور المؤتمرات وزيارة العملاء، وتابعهم في أثناء معالجتهم للمشكلات. هذه ليست عملية سلبية أو غير نشطة على الإطلاق، بل تتطلب جهداً مستمراً؛ إذ يجب عليك أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية باستمرار: "لماذا فعل ذلك؟ ما الآثار المترتبة على ذلك؟ هل كنت سأفعل ذلك بطريقة مختلفة؟" بعد ذلك، احرص على إجراء حوار سريع لمناقشة ما حدث واستخلاص المعلومات والدروس المستفادة، حتى لو كان ذلك في أثناء المشي إلى موقف السيارات. قارن ما لاحظته مع نوايا الخبراء وتحقق من إمكانية استخلاص الدروس وتعزيز فهمك لما جرى من خلال شرح الخطوات المتبعة والأسباب التي دفعتهم لاتخاذ تلك الخطوات.
اسعَ إلى خوض تجارب مصغّرة
تتمثّل الخطوة التالية، كما وصفتُ في كتابي "نقل المعرفة الحاسمة" (Critical Knowledge Transfer)، في تحديد فرص إجراء تجارب محدودة في البيئات أو المواقف أو الأدوار التي أدت إلى اكتساب الخبير لهذه القيمة والأهمية الكبيرة بالنسبة للمؤسسة. على سبيل المثال، قد لا يمكنك الحصول على مستوى الخبرة الطبية نفسه الذي يحصل عليه الخبير الذي تتبعه، لكن يمكنك قضاء أسبوع في عيادة طبيب، ما يمنحك فرصة للتعرف إلى بعض جوانب العمل الطبي. قد لا تكون بدأت مسيرتك المهنية في مركز الاتصالات الموجود في شركتك، على غرار مدير المبيعات المتميز الذي تحذو حذوه، لكن يمكنك بالتأكيد العمل في قسم الاتصالات الهاتفية لبضعة أيام بهدف اكتساب الخبرة. ستساعدك التجارب البسيطة والمصغّرة، التي تمنحك لمحة عن الفهم العميق الذي يمتلكه الخبير للسياق الذي يؤثر على قراراته، على اكتساب رؤى ثاقبة وفهم أعمق. على الأقل، ستتمكن من طرح أسئلة أفضل واستخلاص المعرفة بفعالية أكبر.
المساهمة بإيجابية وإضافة قيمة واضحة بسرعة
سيرغب الخبراء ومدراؤك الجدد أو المستقبليون في رؤية دلائل ملموسة على جدوى الجهد الذي تبذله. يوضّح دفتر الملاحظات، الذي تدوّن فيه ما فعلته وتعلمته، الجهد الذي بذلتَه والتقدم الذي أحرزته. لكن إذا كنت تستطيع بالفعل أن تتولى بعض المهام الصغيرة من عمل الخبير، التي يكون مستعداً للتخلي عنها، فهذا أفضل بكثير. ربما يمكنك حضور مؤتمر أو اجتماع رابطة، أو التدريس في دورة تدريبية داخلية، أو صياغة التقارير.
تستغرق عملية اكتساب الخبرات وتطويرها وقتاً؛ إذ تشير التقديرات إلى أن اكتساب الخبرة يتطلب عادة فترة زمنية تتراوح بين 7 سنوات أو أكثر، لكن إذا اتبعت الخطوات المقترحة أعلاه، فستكتسب هذه المعارف والمهارات وستتمكن من استخدامها في وقت أقصر بكثير.