عند الاستحواذ على شركة أخرى… تعلم طرح هذه الأسئلة

5 دقائق
خطوات الاستحواذ على شركة

تقوم شركات كبرى في قطاعات متنوعة، تتراوح بين تجارة التجزئة والفضاء الجوي والخدمات المالية، بشراء المواهب والتقنيات لتطوير قدرات رقمية جديدة ولإعادة ابتكار ذاتها بسرعة. ولكن سيتوجب عليها تبني الأسلوب الصارم الذي تستخدمه شركات وادي السيليكون لتقييم الاستحواذات كي تثمر صفقات هذه الشركات، فما هي خطوات الاستحواذ على شركة بشكل صحيح؟

في الواقع، هناك علامات على أنّ قادة الشركات يكررون أخطاء العام 2000، عندما كان الخوف من الضياع في بعض الأحيان يتفوق على منطق الصفقة المطروحة. عندئذ، وبحسب بحثنا المتعلق بالملكية، قامت الشركات غير التقنية بشراء 707 شركات كمبيوتر وإلكترونيات، (أغلبها مقابل أسعار هائلة). وفي المقابل، قامت الشركات غير التقنية في العقد التالي بالاستحواذ على 262 شركة سنوياً بصورة وسطية، وذلك بحسب قول شركة ديلوجيك (Dealogic).

اقرأ أيضاً: دراسة حالة: هل يجب تقليص محفظة العلامات التجارية بعد عمليات الاندماج؟.

وتوضح بياناتنا أنه منذ العام 2015، عاد معدل استحواذ الشركات غير التقنية على شركات تقنية للتضخم بما يقارب أربعة أضعاف ليصل إلى معدل 1,000 صفقة سنوياً. بينما قامت الشركات التقنية بالاستحواذ على 250 شركة تقنية سنوياً بين عامي 2002 و2011، واستحوذت على 350 شركة فقط في السنوات اللاحقة. وهذا يعني أنّ الشركات من خارج قطاع التقنية قامت بما يعادل 70% من عمليات الاستحواذ على شركات التقنية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.

خطوات الاستحواذ على شركة ما

في خضمّ فورة الصفقات هذه، يكون السؤال البديهي الذي يجب على من يقومون بعمليات الاستحواذ طرحه هو: هل تطابق المعايير التي يستخدمونها لتقييم صفقاتهم الاختبارات الصارمة التي يطبقها عمالقة التقنية؟ وهل يحققون في نهاية المطاف القيمة الحقيقية للأهداف المحتملة كما يجب؟ والإجابة في حالات كثيرة هي: "لا".

اقرأ أيضاً: لماذا أصبحت عملية الدمج والاستحواذ التقليدية أقل أهمية؟.

أولاً، تحرك أهداف عديدة ومختلفة الفورة الحالية في الصفقات التقنية. في مقدمتها قيام الشركات خارج قطاع التقنية بعمليات الاستحواذ من أجل وضع أيديها على التقنيات التي تعتبرها مكمّلة (أو مهددة) لأعمالها الحالية. وبالأخص التقنيات التي يمكنها تعزيز تجارب وافية تعتمد على النظام الرقمي بصورة أكبر لزبائنها الحاليين. ثانياً، تحاول الشركات الحصول على مواهب ترى أنها لن تتمكن من توظيفها بصورة مباشرة،  وذلك غالباً من أجل المساعدة على تحقيق تحول رقمي أشمل أو تحدي عمليات تكنولوجيا المعلومات الحالية لديهم. وأخيراً، يحاول المستحوذون شراء شركات تقنية ذات قواعد مستخدمين هامة استراتيجياً لم تتمكن عروضهم الحالية من تحقيقها ببساطة.

ولكن على الرغم من حساسية هذه الاستراتيجيات، استطاعت بضع شركات من خارج قطاع التقنية فقط تحقيق عائداتها المرجوة على الأسعار الهائلة لبعض هذه الصفقات، وذلك يرجع بصورة جزئية إلى منح التقنيات البراقة قيمة مبالغ فيها. ويجب على الشركات عوضاً عن ذلك تبنّي عقلية الشركات التقنية المستحوذة صاحبة الخبرة الأكبر التي تدرك أنّ التقنية قابلة للمحاكاة غالباً، وأنّ المواهب متقلبة في الغالب أيضاً.

اقرأ أيضاً: كيف يمكنك أن تتطور في معمعة عملية الاندماج والاستحواذ؟.

إلى جانب ذلك، يجب أن تبدأ الشركات غير التقنية بطرح ذات الأسئلة العميقة التي يطرحها المستحوذون التقنيون. مثلاً: ما هي التكلفة الفعلية لإعادة إنشاء خدمة تقنية؟ إذا كانت الموهبة المستهدفة يافعة ومندفعة وغير مثقلة بالعوائق الموروثة لعمليات تكنولوجيا المعلومات، لمَ لا ننشئ فرعاً يحاكي الشروط ذاتها؟ عندما توفّر شركة ما الوصول إلى شريحة مهمة من الزبائن، لماذا لا نستهدفهم بأنفسنا بعرض مغر أكثر؟ تعتمد القيمة التي تحملها عملية الاستحواذ على البدائل المتوفرة من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية ذاتها والمدة التي ستستغرقها هذه البدائل في ذلك.

يمكن أن تكون إجابات هذه الأسئلة مفاجئة غالباً، بما أنّ التقنية الجديدة نفسها قد تكون العنصر صاحب القيمة الأقل في المعادلة. خذ هذا المؤشر بعين الاعتبار: عندما طلب مقال جديد على موقع ذا نيكست ويب (thenextweb.com) تقييم كلفة إنشاء التقنية الأساسية التي ترتكز عليها شركات تقنية كبرى مثل فيسبوك وتويتر وواتساب وأوبر، قام رؤساء أفضل شركات تطوير المواقع والهواتف النقالة والمؤسسات الحاضنة والوكالات والمختبرات بتقدير إمكانية إنشاء أبسط نسخة صالحة عن عديد من هذه المواقع بميزانية صغيرة تتراوح بين 50 ألف و1.5 مليون دولار.

ذلك لأن المحرك الحقيقي لقيمة الشركات الرقمية هو قوة النموذج التجاري الذي يؤطّر التقنية وليس التقنية ذاتها. لا تدفع شركات التقنية أسعاراً هائلة للاستحواذ على شركات تقنية أصغر من أجل شراء تقنيات أو مواهب ذات مستقبل واعد، بل من أجل النماذج التجارية القوية واسعة النطاق والوصول إلى أسواق وزبائن وإمكانيات توزيع جديدة وقيمة.

خنادق دفاعية

تشتهر شركات مثل أوبر مثلاً بشرائها العديد من الخدمات التقنية التي تشكل ركيزة لتطبيقاتها. ولكن السر الذي يتيح لأوبر البقاء في مقدمة منافسيها يكمن في تجميع النموذج التجاري الذي يقدّم قيمة استثنائية للزبائن والسائقين على حد سواء، مع وجود خندق دفاعي قوي حولها. ويمكن لأوبر تقديم خدمة توصيل أسرع وأقل كلفة من شركات النقل المنافسة لها لأنها تملك أكبر شبكة سائقين. ويترجم ذلك بطلب أكبر من الزبائن على خدماتها وعمل تجاري يحركه الحجم، الذي يشكل بدوره ميزة تجذب السائقين.

مستخدمون في نظم إيكولوجية مختلفة

عندما تدفع الشركات التقنية أسعاراً مرتفعة مقارنة بعائدات الشركات الناشئة، يكون ذلك غالباً لأنها تجد قيمة في الاستحواذ على جانب أساسي من نموذج الأعمال التجارية للشركة الناشئة والذي يصعب على الشركة المستحوذة إعادة إنشائه لديها بسرعة، كقاعدة المستخدمين والآثار الشبكية القوية. على سبيل المثال، ذهل العديد من المحللين والمستثمرين عندما دفعت فيسبوك مليار دولار لشراء إنستغرام في العام 2012 ثمّ 19 مليار دولار لشراء واتساب بعدها بعامين. كان من السهل على فيسبوك إنشاء خدمة خاصة بها للمراسلة المشفرة بنظام "إند تو إند" (end-to-end) بسهولة، أو موقع مشاركة صور اجتماعي مع امتلاك الشركة العديد من المواهب المتحمسة. ولكن ما برر هذه الأسعار الهائلة هو قيمة قاعدة المستخدمين الحاليين المحصورة بنظام إيكولوجي له آثار شبكية قوية. لقد دفعت فيسبوك ما بدا أنه سعر خيالي لكلا الخدمتين مقابل ما تحملانه من قاعدة بيانات وبرنامج عمل، والأمر الذي أتم صفقات البيع هذه هو تقديرات كل مستخدم ومعدل النمو في قواعد الزبائن لديها.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو عمليات الاندماج والاستحواذ في ظل الجائحة الحالية؟.

قنوات توزيع جديدة

كما توجد حالات كشفت فيها الشركات الناشئة عن قنوات توزيع جديدة يحتاج بناؤها من الصفر وقتاً طويلاً وجعلتها محصورة بها، مجازفة بذلك بنمو المنافسة أو إمكانية الإهلاك. على سبيل المثال، بقيت أسهم شركة مايكروسوفت ثابتة على الرغم من إعلانها عام 2016 عن شرائها لموقع لينكد إن غير الربحي مقابل 26 مليار دولار، وكانت هذه أكبر عملية استحواذ في تاريخها. ولكن إدارة مايكروسوفت رأت في لينكد إن قناة مبيعات قيّمة لم ينتبه لها السوق. إذ منحت الصفقة خدمة السحابة الإلكترونية في مايكروسوفت دخولاً فورياً إلى شبكة احترافية متفوقة تضمّ أكثر من 450 مليون مستخدم. والآن، يصف بعض المحللين موقع لينكد إن أنه أثمن ما لدى مايكروسوفت، حيث يساهم بحوالي مليار دولار من عائدات أعمال مايكروسوفت كل ربع عام و تستمر خدمة سحابته الإلكترونية بالنمو بأرقام مضاعفة.

في حين تبحث شركات في قطاعات أخرى عن طرق مختصرة للوصول إلى مصداقية رقمية، نجد أنّ المنافسة المتأججة على إيجاد الفرص الخام لتحقيق مكاسب حقيقية غالباً ما تدفع المستحوذين إلى الانقضاض على أول هدف محتمل يقومون بتقييمه، حتى لو لم تكن التقنية مفصلية أو ذات مستقبل واعد كما يرغب الشاري تماماً. يجب على الشركات في سوق الشراء أن تعيد توجيه انتباهها، بعيداً عن التقنية والموهبة، لتركز على العنصر المفصلي الحقيقي، والذي هو نموذج العمل التجاري. هذه هي الوصفة السرية اليوم، كما في العام 2000، التي ستحدد ما إذا كانت عملية الشراء في نهاية المطاف قيمة مضافة أم كارثة. يمكن للشركات المستحوذة التعلم من الشركات الموجودة في الميدان منذ زمن طويل.

اقرأ أيضاً: ما هي الاستراتيجية؟.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي