سبتمبر/ أيلول هو غالباً شهر صعب. فأنا أحاول فيه إدراك ما فاتني خلال عطلة الصيف، حالي حال عملائي الذين يحاولون فعل الشيء ذاته. كما أن المشاريع تستعيد زخمها، وواجباتي الاجتماعية تقتضي مني تقليل أيام عملي، وأطفالي يحتاجونني أكثر وهم يستعدون للتأقلم مع بداية العام الدراسي.
لكن الوضع هذا العام يبدو أسوأ. فإضافة إلى الأعمال المعتادة التي أمارسها مع عملائي، هناك ثلاثة اجتماعات خارجية لوضع الاستراتيجيات يجب علي تصميمها وتسهيلها، وهناك ملاحظات الناشر على كتابي التي يجب علي مراجعتها، وهناك حديث تيديكس (TEDx) يجب أن أحضره وألقيه، وذلك كله خلال شهر واحد. وهناك بالطبع مدونتي الأسبوعية.
دعوني أكون واضحاً معكم. أنا هنا لا أتذمر، بل أشعر أنني محظوظ للغاية لأنني مشغول جداً في العمل على أشياء أحبها. ومع ذلك فإن الوضع يمكن أن يكون كاسحاً.
وإليكم الجانب المجنون أيضاً: فقد قضيت اليومين الماضيين "محاولاً" العمل دون أن أفلح في ذلك فعلياً. كنت أبدأ بالعمل على مهمة معينة ثم يأتي شيء ما ليشتت انتباهي، كالإنترنت، أو اتصال هاتفي، أو رسالة إلكترونية، أو حتى فيديو لا قيمة له البتة أتلقاه عبر الإنترنت. في الحقيقة، عندما أحتاج إلى أن أكون في قمة كفاءتي، أصبح أقل كفاءة من ذي قبل.
في بعض الأحيان، عندما يكون لدينا الكثير لننجزه، نصبح منتجين للغاية، ولكن عندما يكون لدينا أشياء زائدة عن اللزوم لننجزها، فإننا نتجمد في مكاننا. هناك أمور كثيرة تتنافس للحصول على انتباهنا، ولا نعلم من أين نبدأ، لذلك لا نبدأ على الإطلاق.
أجرت شينا إينغار، أستاذة الإدارة في كلية كولومبيا للأعمال، دراسة تقوم على تذوق مجموعة من الناس 6 عينات مختلفة من المربى يمكن شراؤها، فيما تذوقت مجموعة أخرى 24 نوعاً مختلفاً من المربى، بما في ذلك الأنواع الستة التي قُدمت إلى المجموعة الأولى. ومع وجود جميع هذه الخيارات، سيخطر لكم أن المجموعة التي عُرض عليها 24 نوعاً من المربى ستكون أميل إلى شراء أحد هذه الأنواع. لكن العكس هو الذي حصل. فمن كانوا في مجموعة الأنواع الستة، كانوا أميل بنسبة 10 أضعاف إلى شراء برطمان من المربى.
كلما كان عدد الخيارات المتاحة أمامك كبيراً، يصبح اختيار واحد منها أصعب، لذلك ينتهي بنا المطاف وقد امتنعنا عن اختيار أي منها. وهذا ما يحصل عندما يكون لدينا أشياء كثيرة زائدة عن اللزوم لكي ننجزها. فنحن نصاب بحالة من التخمة ولا ننجز أياً منها.
للخروج من هذه المعضلة، حاولوا استعمال هذه التكتيكات التي نجحتُ في تطبيقها:
1- امضوا بضع دقائق في تدوين كل ما يجب عليكم فعله. قاوموا الشعور الملح باستعمال التكنولوجيا في هذه المهمة. لماذا؟ لست واثقاً من السبب، لكن الكتابة على ورقة – ومن ثم شطب البنود – يقود إلى حالة من الزخم نوعاً ما.
2- امضوا 15 دقيقة – لا أكثر – في إنجاز أكبر عدد ممكن من المهام الأسهل والأسرع. أجروا اتصالاتكم الهاتفية السريعة. أرسلوا رسائلكم الإلكترونية القصيرة. لا تقلقوا كثيراً إذا لم تكن هذه المهام هي الأهم على قائمتكم. فأنتم تمْضُون قدماً. يتمثل هدفكم في شطب أكبر عدد ممكن من البنود خلال أقصر وقت ممكن. استعملوا ساعة توقيت لتحافظوا على تركيزكم.
3- عندما تنتهي فترة الـ 15 دقيقة، اطفئوا هاتفكم، وأغلقوا كل النوافذ على كمبيوتركم، واختاروا أكثر مهمة مضنية على قائمتكم، أي المهمة التي تتسبب لكم بأكبر قدر من التوتر أو تلك التي تحظى بالأولوية القصوى. ثم اعملوا عليها هي فقط دون أي تردد أو تشتت لمدة 35 دقيقة. خذوا بعد ذلك استراحة لمدة 10 دقائق، ثم ابدؤوا هذه العملية الممتدة على مدار ساعة كاملة من جديد، بادئين بـ 15 دقيقة من المهام السريعة.
أنجزوا أكبر عدد ممكن من المهام الأسهل والأسرع في غضون 15 دقيقة، ثم تولوا إنجاز مهمة شاقة أكثر.
ذات يوم، كتبت آن لاموت في كتابها الذي يحمل عنوان "طائراً تلو طائر" (Bird by Bird) (الصادر عن آنكور في 1995) ما يلي: "قبل ثلاثين عاماً، كان أخي الذي لم يزد عمره على عشر سنوات آنذاك يحاول كتابة موضوع عن الطيور رغم أنه كان لديه ثلاثة أشهر قبل ذلك لكتابته. كان موعد تسليم التقرير في اليوم التالي. كنا وقتها في الخارج في مزرعة عائلتنا في بوليناس، بينما كان هو جالساً إلى مائدة المطبخ على وشك الانفجار بالبكاء مُحاطاً بمجلد سميك من الأوراق ومجموعة من أقلام الرصاص والكتب المغلفة التي لم تفتح بعد حول الطيور. كان يشعر بعجز كامل في حضرة هذه المهمة الجسيمة الجاثمة على كاهله. وقتها جلس والدنا إلى جواره، ووضع ذراعه حول كتف أخي وقال له: "طائراً تلو طائر يا عزيزي. تناول الموضوع طائراً تلو الآخر فحسب".
هذا هو الحل بالضبط. "طائر تلو طائر"، بادئين بمجموعة من الطيور السهلة لتساعدكم على أن تشعروا أنكم قد حققتم إنجازاً، ومن ثم تعاملوا مع واحد صعب لتحققوا تقدماً جدياً وتقللوا مستوى التوتر. واستعملوا الساعة لتوقتوا كل مرحلة من مراحل هذه العملية.
إن العمل ضمن إطار زمني محدد ومحدود هو أمر مهم لأن السباق ضد الزمن يساعدنا في المحافظة على تركيزنا. فعندما نصاب بحالة من التوتر العام لدينا، فإنه ينتشر مما يصعب علينا تدبر الوضع. واستعمال إطار زمني قصير يزيد فعلياً من الضغوط، لكنه يُبقي جهدنا محدداً ومقتصراً على مهمة وحيدة. وهذا يزيد من التوتر الجيد المحفز ويقلل من التوتر السلبي المزعج. لذلك فإن غمامة التوتر تنقشع وتمضي القافة المتحركة إلى الأمام.
عندما أجبر نفسي فعلياً على العمل لمدة 35 دقيقة كاملة على الأقل، فإنني لا أتوقف دائماً عندما تنتهي مدة الـ 35 دقيقة من العمل الشاق لأنني في منتصف المهمة – مثل كتابة هذا المقال – بل أواصل الاندفاع. ولكن رغم أن تجاوز الـ 15 دقيقة المخصصة للعمل السهل والسريع هو أمر مغرٍ إلا أنني لا أقع فريسة لهذا الإغراء. عندما تتوقف ساعة التوقيت، أتوقف لأنتقل فوراً إلى العمل الشاق.
ربما يكون هذا الحل قد نجح ببساطة لأنه جديد بالنسبة لي، وكما هو حال الحمية الغذائية الجديدة، فإنه يمنح بعض التنظيم الذي يحفز جهودي. لكن بالنسبة لي، لا يهمني الأمر كثيراً لأنها أداة مفيدة. وسأواصل استعمالها حتى أصل إلى وقت لا أعود فيه بحاجة إليها أو لا تعود ناجعة بالنسبة لي.
هل ما أزال مهتماً؟ بالتأكيد. لكن أشعر بضغط عارم؟ ربما بات الشعور بالضغط أقل. لأنني أشطب البنود عن قائمة مهامي وأشعر أنني أحقق تقدماً في إنجاز مهامي الصغيرة ومهامي الكبيرة، طائراً تلو طائر.