قبل يوم ميلاده الخامس والثلاثين وقف هامبتون بيرغر*، وهو أحد أفراد الجيل الرابع في شركة صناعية ناجحة ومملوكة لعائلته، خارج مكتب والده ينتظر بتلهف مناقشة خطة خلافة والده في الشركة. قضى هامبتون سنوات حياته في تحقيق المتطلبات اللازمة، لأنه كان يأمل أن يضعه ذلك في موقع يخوله تولي إدارة الشركة العائلية في يوم من الأيام، إذ حصل على ماجستير في إدارة الأعمال، بالإضافة إلى العديد من الترقيات في الدور الذي يضطلع به في مجال البحث والتطوير في شركة تصنيع سيارات عالمية قبل انضمامه إلى الشركة العائلية.
شعر هامبتون بالراحة عندما أعلن الوالد أن هامبتون سيرث دور المالك المسيطر على الشركة ويصبح الرئيس التنفيذي لها على الفور، تماماً كما فعل والده وجده. لكن عندما أدرك هامبتون أن حلم طفولته قد أصبح حقيقة، فكر في نفسه: "ما الذي قد لا يسير على ما يرام؟".
اتضح فيما بعد أن هناك الكثير من الأمور التي قد لا تسير بصورة صحيحة.
كما هو حال العديد من الشركات العائلية التي يكون قصدها خيّر، فإن تولي رئاسة شركة هامبتون العائلية تمحورت حول فكرة أن قادة الجيل التالي يمكنهم ببساطة تولي الدور المهم لأسلافهم وإدارة الشركة (والعائلة) تماماً كما فعل كل من الأم أو الأب. لكن ذلك لا يأخذ في الاعتبار أن كل جيل جديد من القادة من المحتمل أن يكون لديه مهارات واهتمامات مختلفة، وأن سياقات واحتياجات الشركة تتغير حتماً بمرور الوقت. عندما تفترض الشركة العائلية أن الجيل التالي يمكنه تولي مهامها ببساطة من دون التوقف قليلاً للنظر في توصيف وظيفة الرئيس التنفيذي، أو الحوكمة، أو سياق العمل المتطور، فقد تجازف في احتمال مواجهة الفشل، ونميل إلى تسمية هذا بـ "مغالطة التعاقب".
في هوليوود على سبيل المثال، خُلقت العديد من التعاقبات في العقد الثاني من القرن العشرين، كتدبير لخفض التكاليف الذي سمح للمدراء بإعادة استخدام المواقع والأزياء والدعائم. لقد ازدهر هذا المفهوم ليصبح عملاً مدراً للربح الكبير في هوليوود، لأنه يبني الوعي المسبق، إذ يشعر الجمهور بالراحة والألفة مع المفهوم الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى توافد أعداد كبيرة من الناس إلى شباك التذاكر اليوم.
مفهوم التعاقب في الشركات العائلية له سمات مشابهة للتعاقب السينمائي. لكن في الشركات العائلية، لا يعاد استخدام المواقع والأزياء، بل هياكل الملكية وتوصيفات الأدوار، وعمليات صنع القرار. ومن الناحية النظرية، فإن اللجوء إلى مفهوم التعاقب في الشركات العائلية أمر منطقي تماماً. بعد كل شيء، ما الذي نجح مع الجيل القديم ينبغي أن ينجح مع أولادهم، أليس كذلك؟ غالباً ما يوفر اتباع مفهوم التعاقب مساراً أقل مقاومة، فهو لا يطلب من الجيل الأقدم تغيير مسؤولياته استعداداً لتولي أحدهم خلافة الشركة، أو بعد توليه، أو حتى تغيير كيفية اتخاذ الشركة للقرارات. لكن ذلك المسار قد يؤدي إلى مواجهة تحديات كبيرة.
في مثالنا السابق، نقلت عائلة بيرغر بصورة تقليدية حق السيطرة على ملكية الشركة ومنصب الرئيس التنفيذي إلى الابن البكر في كل جيل متتابع، من دون التفكير في المرشحين الآخرين. وأصبح أفراد العائلة الآخرين من ذلك الجيل مالكين مشاركين، لكن لم تُمنح لهم فرصة قيادة الشركة، وكان من المتوقع أن يكون موقفهم سلبي كمالكين. لقد نجح هذا التدبير في جيل والد هامبتون على أكمل وجه، إذ سُمح لوالده بإدارة الشركة كما يراها مناسبة.
لكن قيادة هامبتون لم تسر بصورة سلسة، فبعد وفاة والده، أصبح هامبتون وأفراد عائلته يتشاركون إدارة الشركة، مع بقاء هامبتون في منصب الرئيس التنفيذي. وبعد اتباع الدليل الإرشادي التقليدي لوالده، اتخذ هامبتون عدة قرارات حاسمة من دون التشاور مع باقي أفراد العائلة، وكان قرار هامبتون المنفرد لاستبدال العديد من مدراء مجلس الإدارة الذين شغلوا مناصبهم منذ فترة طويلة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. على الرغم من أن نواياه كانت جيدة، فقد كان يستقطب أعضاء جدد إلى مجلس الإدارة من ذوي الخبرة في قطاع متنام من الأعمال، شعر أفراد عائلة هامبتون بالغضب بسبب تصرفاته، ليس لأنهم أقاموا علاقات وثيقة مع المدراء الذين استبدلهم فحسب، بل لأن الخوف قد تملكهم أيضاً من أن تكون آرائهم قد أُغفلت بصفتهم مالكين مشاركين. تحولت علاقة هامبتون مع أفراد عائلته إلى صراع داخلي، وتحملت الشركة خسائر كبيرة، ورُفعت دعاوى قضائية في نهاية المطاف، وكان هذا التعاقب على خلافة الشركة بمثابة فشل ذريع.
كيف تتجنب هذه التحديات المتعلقة بخلافتك في الشركة؟
ربما تتجنب شركتك العائلية مغالطة التعاقب نتيجة الصدفة الخالصة، فقد يبني النجوم البارزون في الجيل التالي العلاقات الصحيحة مع أفراد عائلاتهم من أجل الحد من الشعور بالغيرة. أو قد يخلق سياق عمل الشركة الفرص لأفراد العائلة الآخرين للعثور على تخصصهم والتعايش ضمن الهيكل الحالي، أو ملاحقة شغفهم في مكان آخر، وبالتالي تجنب شعور الغيرة أو الصراع على السلطة.
لكن من خلال تجربتنا، يمكننا القول أن قصص النجاح هذه هي الاستثناء. فقد تفككت العائلات، وفقدت السمعة، وفشلت الشركات، وقد حصل كل ذلك لأن الجيل الذي تحمل مسؤولية إدارة الشركة لم يتوقف عن اتباع التقاليد، ولم يفكر في كيفية إعداد الجيل التالي للنجاح. لم يدرك هامبتون ولا والده أن الشركات العائلية في الأجيال المتعاقبة تحتاج عادة إلى إشراك أشخاص مختلفين، ممن لديهم اهتمامات وعلاقات وتطلعات مختلفة، ويعملون في بيئة أعمال مختلفة، ضمن سياق ملكية وثقافة مختلفين، من دون إغفال أزواج أو زوجات أفراد العائلة الجدد. عندما تتغير الشركة والعائلة، ويبقى النهج المتبع في امتلاكها وإدارتها على حاله، فإن النهاية تكون غير سعيدة في أغلب الأوقات.
مثلما ينبغي على الشركات أن تعيد ابتكار نفسها مع تحول الأسواق، ينبغي كذلك على الشركة العائلية إعادة ابتكار نموذج الملكية والقيادة، أو على الأقل إعادة النظر فيه وتحديثه. من خلال تجربتنا، نرى أنه يجب على العائلات اتخاذ خمس خطوات قبل اتخاذ القرارات المتعلقة بتعيين الشخص الذي سيخلف مالك الشركة المسيطر:
- توضيح الديناميات المتغيرة. لا مجال للشك بأن العائلة تصبح أكثر تعقيداً مع نموها، وما قد يحدث في ظل أحد تلك الأجيال يمكن أن يمتد بسرعة إلى العديد من الأسر. وغالباً ما ينتج عن خوض تجارب مختلفة، تشكّل مجموعة من الأفراد ممن لديهم طائفة متنوعة أكثر من الاهتمامات والتوقعات والسلوكيات. كما أن تنسيق هذه المجموعات المتنوعة بكثرة يمثل تحديات مختلفة جداً. ابحث عن فهم الأطراف الفاعلة والديناميات المتغيرة عن طريق تحديث شجرة عائلتك وتحليل التغييرات من الفترة الانتقالية الأخيرة إلى اليوم، حتى تحصل على سياق أفضل لما تحتاج إليه شركتك وعائلتك والذين يشاركونك ملكية الشركة في المستقبل. وبمجرد فهمك لتلك الاختلافات، ذكرهم صراحة وأجري عدة نقاشات مع عائلتك ومالكي الشركة لاستكشاف كيف يمكن أن تؤثر هذه الاختلافات على المستقبل.
- ابحث عن المشورة خارج الشركة. تواصل مع أفراد شركات عائلية أخرى لفهم كيفية إدارتهم لعملية الانتقال. على الرغم من أن ظروفهم قد تختلف عن ظروفك، فإن التعرف على أفكارهم ونهجهم والأسباب التي دفعتهم لاختيارها قد يلقي الضوء على التحديات التي تواجهها بنفسك وعلى قراراتك. على سبيل المثال، كيف قرروا نقل ملكية الشركة إلى الجيل التالي، ولماذا؟ ما هي الخبرة التي بحثوا عنها في هذه العملية؟ كيف بنوا التوافق بين الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء؟ احرص على أن تكون منفتحاً عند خوضك لهذه النقاشات، لأنها غالباً ما تقدم وجهات نظر جديدة لم تفكر فيها من قبل. كما أن رؤية أمثلة حية أمامك تساعد في الكثير من الأحيان على التحلي بالشجاعة التي تحتاجها من أجل كسر التقاليد.
- احرص على أن تكون منفتح الذهن. احترم التقاليد وافهم سبب اتخاذ أسلافك لتلك القرارات في الماضي، لكن لا تتعثر في النقاش الذي يبدأ بالجملة التالية: "ولكن هذا ما فعلناه على الدوام". عوضاً عن ذلك، تحدث مع زملائك المالكين حول ما ستفعله عند الابتعاد عن اتباع التقاليد. هل يمكنك أن تبقى مخلصاً لماضيك وتتبنى الأفكار الجديدة في وقت واحد؟ هل يمكنك رسم مسار أفضل للمضي قدماً إذا أزلت بعض التصورات المسبقة التي لم تعد سارية؟ هذا ما فعله بالضبط أفراد عائلة أنتينوري في إيطاليا عندما تقاسمت ثلاث فتيات الملكية بالتساوي، وتشاركن قيادة الشركة وفقاً لقدرات كل واحدة منهن، كان ذلك بعد 25 جيلاً من تمرير الملكية وقيادة الشركة المختصة بصناعة المشروبات إلى الأبناء. لقد كانوا قادرين على فعل ذلك جزئياً لأنهم أزالوا التصورات المسبقة حول كيفية نجاح الخلافة وبدؤوا من جديد. قد ترشدك التقاليد في نهاية المطاف، لكن لا تدعها أن تكون المسير الرئيسي للاستمرار في طريقك لتعيين الشخص الذي سيخلفك في الشركة.
- لا تلتزم باتخاذ قرارات متعلقة بالشخص الذي سيخلفك في وقت مبكر جداً. إن الشعور بالفخر الذي يرافق إدخال الجيل التالي في الشركة، خاصة عندما يتعلق الأمر بإدخال فرد من أفراد عائلة الجيل التالي الذي يكرم تقاليد العائلة، قد يقود البعض منهم إلى اتخاذ قرارهم بشأن الشخص الذي سيخلفهم في وقت مبكر جداً. يمكن أن يؤدي الالتزام مبكراً من قبل إما أحد أفراد العائلة من الجيل الأقدم أو الأصغر سناً، إلى شعور ورثة الشركة بالضغط الذي لا لزوم له، وإبعاد أفراد الأسرة الموهوبين، وربما الأكثر موهبة بينهم. بدلاً من ذلك، ضع خطة وعملية يمكن أن تتطورا بمرور الوقت، مع الأخذ في الاعتبار المعلومات الجديدة عند توفرها وتصحيح المسار حسب الحاجة. بعبارة بسيطة، اجعل التخطيط لخلافتك في الشركة موضوعاً يناقشه مالكو الشركة بانتظام، واستمر في طرح الأسئلة: كمثال ذلك: "هل لدينا الأشخاص المناسبون الذين يشغلون مناصب مناسبة لهم، ويعملون معاً على نحو جيد لاتخاذ القرارات الصحيحة بالاستناد إلى المعلومات الصحيحة عن ملكية الشركة وعائلتنا؟".
- تحدث بصراحة حول خطط المستقبل. يعد التخطيط لخلافتك في الشركة عملية وليس حدثاً، كما أنه يؤثر على العائلة والشركة والمالكين والمجتمعات التي تعمل فيها كل مجموعة من هذه المجموعات بالقدر نفسه. لذلك، احرص على مشاركة الجميع، ولاسيما الجيل التالي، في عملية التخطيط لخلافتك. وتحدث معهم حول الأمور التي نجحت وتلك التي مثلت تحدياً في الماضي، وشارك تطلعاتك وآرائك حول الشكل المثالي للمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، اعترف بالتقاليد والاختلافات والابتكارات الجديدة والجوانب الشخصية للشخص الذي سيخلفك. على سبيل المثال، بينما يكون قائد الجيل الحالي قادراً على اتخاذ أغلب القرارات حول الشركة بصورة فردية بصفته المالك المسيطر، ربما يكون الجيل التالي أفضل حالاً من خلال إجراء عملية حوكمة تفوّض بعض القرارات إلى مجلس مستقل، وتطلب موافقة غالبية المالكين المشاركين حول القرارات المهمة ليجري اعتمادها. وقد يدعم الجيل التالي هذا التعاقب أو قد يكون لديه أفكار مختلفة. إن اتباع كل ما سبق لن يخلق رؤية مشتركة للمستقبل ويدفع نحو الالتزام من قبل كلا الجيلين فحسب، بل إنه سيوفر أيضاً للجيل التالي خارطة طريق لكيفية نقل الشركة إلى الأولاد في نهاية المطاف.
في عالم السينما، تقدم شركة الإنتاج "مارفل ستوديوز" (Marvel Studios) مثالاً ممتازاً حول كيفية تجنب مغالطة التعاقب. إذ أصدرت سلسلة أفلام ومسلسلات "عالم مارفل السينمائي" (Marvel Cinematic Universe) أكثر من 22 فيلماً في غضون ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن، وحققت أكثر من 18 مليار دولار خلال ذلك الوقت، من دون إعادة بناء نفسها أو استبدال فريقها. لكن كل فيلم لاحق قد تطور بمقدار ضئيل، إذ أصبحت الشخصيات الفردية أكثر أو أقل بروزاً، ويجري تطوير شخصيات لأبطال خارقين جدد، وسياق التحدي الذي يواجهونه يتحول مساره بحيث تتاح أمام الأبطال الخارقين المختلفين فرصة لعب أدوار مهمة. أما فيما يتعلق بقادة الشركات العائلية والمالكين، فإنها وظيفتهم (وفرصتهم) لتولي دور المخرج من أجل خلق مستقبل يمكّن كل شخصية من شخصياتهم العيش فيه وتحقيق النجاح لأجيال قادمة.