ليس من الضروري أن تحتوي خطة رائد الأعمال على زعزعة الأسواق

4 دقائق
خطة رائد الأعمال

قد يكون التقليد أقوى قوة في العالم. فنحن نميل إلى التقليد الذي أصبح يتخلل معظم مؤسساتنا المبتكرة، حتى وادي السيليكون الذي يصف نفسه بأنه مركز التفكير الابتكاري. بالطبع لا يُطلق مَن يعملون منّا في وادي السيليكون على أنفسهم مقلدين، ولكننا نسمّي أنفسنا مزعزِعين. فما علاقة ذلك بخطة رائد الأعمال؟

مفهوم زعزعة الأعمال

عندما نشر كلايتون كريستنسن مفهوم الزعزعة لأول مرة عام 1997، كانت الفكرة جديدة ومثيرة للاهتمام. ولكن ما أطلق عليه كريستنسن في الأصل اسم "الابتكار المزعزع" تم اختصاره الآن إلى "زعزعة" فقط، وهذه المبالغة في التبسيط لها دلالة عميقة. أسمع عروضاً ترويجية كل شهر من شركات ناشئة ترغب في تدمير اقتصادات بعض القطاعات الحالية. ففي داخل تلك العروض هناك تلميح مخفي جيداً أن اليد الخفية للاقتصاد ستعيد تخصيص الموارد حتى نكون جميعاً أفضل حالاً ونستمتع بالعيش في عالم أكثر فعالية بعد الأزمة. ولكن الأمر لا يحدث دوماً على هذا النحو.

اقرأ أيضاً: هل تريد أن تكون رائد أعمال؟

أسستُ أنا وجاك دورسي شركة "سكوير" (Square) عام 2009 بهدف أولي يتمثل في توسيع نطاق قبول بطاقات الائتمان في الشركات الصغيرة. واليوم يمثل تجار شركة "سكوير" شريحة كبيرة من جميع الشركات الأميركية التي تقبل بطاقات الائتمان، ولكن بالنسبة إلى التجار الحاليين ومَن يزودونهم ببطاقات الائتمان، فإن "سكوير" تسببت في إحداث القليل من الزعزعة، هذا إن وُجدت. ولكن لماذا؟ لأننا بدلاً من أن نزعزع السوق، وسَّعنا نطاقها.

عندما دخلنا السوق، كانت شركة "هارت لاند بايمنت سيستمز" (Heartland Payment Systems) تترنح على حافة الإفلاس، بعد أن نجت بالكاد من أكبر انتهاك لسرية البيانات في التاريخ. وبعد مرور عقد من الزمان، لا تزال "هارت لاند" مستمرة في العمل، بالإضافة إلى جميع الشركات الكبيرة الأخرى المتخصصة في مجال معالجة بطاقات الائتمان التي كانت موجودة عندما بدأنا العمل. صحيح أن بعض هذه الشركات اندمجت أو تم شراؤها من قبل شركات أخرى، ولكن هذا غالباً ما يتكرر في مجال بطاقات الائتمان منذ نشأته. فنحن نتنافس في بعض النواحي مع شركة "باي بال" (PayPal) بشكل مباشر، ولكنها أصبحت الآن أكبر حجماً مما كانت عليه عندما أسسنا شركتنا. وفي الوقت نفسه، زادت "سكوير" عدد التجار الذين يقبلون بطاقات ائتمان إلى 2 مليون تقريباً في 10 سنوات.

خطة رائد الأعمال الصحيحة

المسار الذي سلكناه لإحداث زعزعة لم يكن مساراً للتدمير. وهذا أدهشني، لذلك استعرضت بعض رواد الأعمال العظماء في التاريخ لمعرفة ما إذا كانت مساراتهم تدميرية أم توسعية. وعلمت أن الغالبية العظمى من مشاريع ريادة الأعمال لم تسرق عملاءها من أي شركة راسخة بل جلبت عملاء جدد إلى السوق، كما فعلنا.

عندما انطلقت شركة "ساوث ويست أيرلاينز" (Southwest Airlines)، كانت "الحكمة" السائدة آنذاك أن الأثرياء فقط هم مَن يرغبون في السفر. ولكن "ساوث ويست"، باعتبارها أول شركة طيران منخفضة التكلفة، دعت الأشخاص العاديين إلى السفر، ما لاقى نجاحاً كبيراً. وقد أخبرني هيرب كيليهر بكل فخر ذات مرة أن "ساوث ويست" لم تتسبب في إيقاف نشاط شركات الطيران الأخرى، بل رفعت العدد الإجمالي للمسافرين، حيث قال: "عندما دخلنا سوق الطيران الجوي بين مدينتي دالاس وهيوستن عام 1971، كانت هذه السوق في المرتبة الرابعة والثلاثين من حيث الحجم في الولايات المتحدة. وبعد عام واحد نمت لتصبح في المرتبة الخامسة. إذن بعبارة أخرى، لقد كنا فقط نأخذ جميع هؤلاء الأشخاص الذين لم يركبوا طائرة من قبل ونضعهم على متن طائرة للمرة الأولى في حياتهم. ولكن الشيء الرائع هو أن جميع شركات الطيران الأخرى زادت حركة مرورها على هذا الطريق أيضاً. وبذلك فنحن لم نسلب من أي شركة عملها، بل ساعدنا على نمو السوق". وهذا التأثير لم يكن مقصوراً على سوق الطيران الجوي بين مدينتي دالاس وهيوستن فقط. فقد قال لي هيرب: "عندما ندخل مدناً جديدة، تزداد حركة المرور بنسبة 272% في السنة الأولى".

اقرأ أيضاً: السؤال البسيط الذي يمكنه إنجاح الشركة الناشئة أو إفشالها

بالطبع هناك شركات مثل "تي دبليو أيه" (TWA) و"بان أميركان وورلد" (Pan Am) و"برانيف" (Braniff) و"يونايتد" (United) و"كونتيننتال" (Continental) و"نورث ويست" (Northwest) و"يو إس إيروايز" (US Airways) ومئات من شركات الطيران الأخرى التي انهارت وأعلنت إفلاسها. ولكن "ساوث ويست" ليس لها أي علاقة بذلك، بل يتعلق الأمر برفع القيود التنظيمية. وهذا يفسر سبب فشل بعض شركات الطيران الدولية مثل "بان أميركان وورلد" على الرغم من أنها لم تتنافس بشكل مباشر مع "ساوث ويست".

تتبع شركة "إيكيا" (IKEA)، وهي من الشركات المزعزِعة الشهيرة، هذا النمط أيضاً. فقد افتتحت في عام 2015 أول متجر لها في كوريا الجنوبية، وبدلاً من التهام سوق الأثاث في كوريا الجنوبية، أضافت إليه وساهمت في نموه؛ فقد شهدت كل من شركتي تصنيع الأثاث في كوريا الجنوبية، "هانسيم" (Hanssem) و"إلوم" (Iloom)، زيادة في مبيعاتهما وصلت في بعض الأحيان إلى 10%، كما أن سوق الأثاث في كوريا الجنوبية بأكمله، والذي كان راكداً لعقدين من الزمان، شهد نمواً غير مسبوق بنسبة 7% في العام الذي وصلت فيه "إيكيا". ولكن هل حدثت زعزعة للسوق؟ لقد اختفت بالتأكيد الكثير من شركات الأثاث الكورية، حيث توقف ما يقرب من نصفها عن العمل ما بين عامي 2011 و2016. ولكن بدأ هذا الانهيار قبل 4 سنوات من دخول "إيكيا" السوق، لذا من الصعب أن نعزو جميع هذه التغييرات إلى شركة "إيكيا" السويدية العملاقة.

لا تُعد الزعزعة سيئة في حد ذاتها، ولكنها أيضاً لم تكن قط محور تركيز رواد الأعمال الجيدين، حيث ينبغي أن ينصب تركيز رائد الأعمال على الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على أجورهم أو السفر أو تأثيث منازلهم. فرواد الأعمال الذين يحققون النجاح ويرتقون إلى القمة في قطاعاتهم، هم الذين يأخذون على عاتقهم البناء وليس الهدم. وإذا أحدثوا زعزعة، فستكون مجرد أثر ثانوي،

حيث ينبغي أن ينصب تركيز خطة رائد الأعمال على الفرص الكامنة وراء ما هو متاح حالياً. فإذا ألقينا نظرة على أحد الأنظمة، لا يجب أن يكون ذلك لتقليده ولا لتدميره، ولكن ببساطة لمعرفة كيف يمكننا أن نقدم أكثر من ذلك بكثير.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي