هل يمكنك التوازن بين العمل والهوايات بالفعل؟ اعتاد الآباء والأمهات العاملون على وضع احتياجات الآخرين قبل احتياجاتهم الشخصية، فهم يعتنون بالعائلة أولاً، ويعملون بجد في وظائفهم وغالباً ما يمنحون الأولوية لأوقات العملاء والمدراء وأصحاب العمل قبل تخصيص بعض الوقت لأنفسهم.
لكن، على الرغم من أن هذا سيبدو مبتذلاً، فإن شركات الخطوط الجوية محقة في توجيهاتها للراكب بوضع قناع الأوكسيجين لنفسه أولاً قبل أن يسعى لمساعدة الآخرين. فنحن في جميع الأحوال لن نفيد أحداً إذا ما استنفدت طاقتنا. تزداد صعوبة هذا الأمر خصوصاً أثناء فترة الانعزال الاجتماعي والعمل من المنزل وتبدد الحدود ما بين العمل والوقت المخصص للعائلة، وإحدى الطرق التي تمكننا من الاعتناء بأنفسنا، وبالتالي الاعتناء بالآخرين، تتمثل في قضاء بعض الوقت لتلبية احتياجاتنا الشخصية. وأفضل طريقة لذلك هي ممارسة الهوايات.
كيفية تحقيق التوازن بين العمل والهوايات
لا بد أن كثيراً من الآباء والأمهات يشعرون أنهم لا يملكون الوقت لممارسة أي هواية الآن، ولكن إذا ما فكرنا بالأمر من زاوية أوسع، نجد أن الهواية هي ببساطة الاستخدام الواعي والهادف للوقت الذي تخصصه لنفسك، مهما كان قصيراً. فالهوايات تبعد أذهاننا عما يسبب لنا التوتر، وتساعدنا على مواجهة تحديات العمل والحياة، إلى جانب الفوائد الأخرى، ومنها:
الاسترخاء وتجديد الطاقة
تحمل جارتي عبء وظيفة مرهقة تتمثل في التعامل مع مشكلات الاضطرابات النفسية والصحة العقلية المرتبطة بالعائلة، وهو عمل مرهق. وكثيراً ما أراها تعمل في حديقتها مساء، تقول لي إن الوقت المستمر الذي تمضيه في الخارج وهي تعمل على أشياء بسيطة مثل الاعتناء بالنباتات يبعد تفكيرها عن العمل، ويحسّن مزاجها كي تتمكن من الاعتناء بأولادها والعودة إلى العمل بحماس في اليوم التالي.
صقل مهارات جديدة
تتضمن هوايات كثيرة دراسة أشياء نجدها ممتعة وممارستها. إذا عزفت الموسيقى على الغيتار مثلاً لمدة ساعة من الزمن مرة كل يومين، فستتعلم ألحاناً جديدة وتطور مهارتك وتشعر بالرضا الداخلي الناتج عن تحسن أدائك، حتى وإن لم يستمع إلى عزفك أحد. إذ إن تحسن الأداء في أمر ما عن طريق التدريب الجاد يولد الرضا الداخلي. كما يمكنك اختيار هوايات جديدة كي تتعلم مهارات مختلفة، كالتصوير أو تعلم لغة جديدة أو إطلاق مدونة إلكترونية مثلاً. ففي بعض الأحيان، تصبح هذه المهارات إمكانات يمكنك تطبيقها على نحو أوسع في حياتك وعملك، أو ربما تساعدك على الانطلاق في مسار مهني جديد.
إتقان حل المشكلات
هل عجزت مرة عن حل مشكلة ما في العمل، ثم أتتك نفحة الإلهام لحلها وأنت تعمل على ترتيب الملابس المغسولة؟ غالباً ما تخطر لنا الحلول عندما ننتقل من وضع التفكير المركز إلى وضع إيقاف التفكير. أحياناً، تكون أفضل استراتيجية هي إبعاد تركيزنا الذهني عن المشكلة، ومنح عقولنا فرصة لحل المشكلة على نحو لا واع ولا إرادي، وذلك أثناء قيامنا بعمل آخر كصنع الخبز أو بناء مكتبة جديدة.
التواصل مع الآخرين
يمكننا الاستفادة من الهوايات في قضاء وقت ثمين مع أشخاص مهمين في حياتنا ودعم الآخرين من حولنا. إذا كنت لا تقضي وقتاً كافياً مع أصدقائك مثل معظم الآباء والأمهات العاملين، فيمكنك الاستفادة من هواية ما لقضاء وقت أكبر في التفاعل الاجتماعي. لم لا تجمع ثلاثة من أصدقائك مثلاً للتسجيل معك في جلسات رياضة اليوغا؟ أو إذا لم يكن بالإمكان الحضور إلى مركز اليوغا، فلم لا تبحث عن جلسات على الإنترنت يمكنك حضورها مع أصدقائك عبر اتصال الفيديو؟ بهذه الطريقة، ستحدد أوقاتاً منتظمة للتمرين وقضاء بعض الوقت مع أصدقائك بصورة أسبوعية.
كما يمكن للهوايات أن تتيح فرصاً أكثر لقضاء الوقت مع العائلة. إذا شعرت أن عليك قضاء وقت أكبر مع شريك حياتك لا يتضمن العمل على أداء الأعمال المنزلية أو الاعتناء بالأولاد، فابحثا عن هواية يمكنكما ممارستها والاستمتاع بها معاً. لأن الهوايات المشتركة، كقراءة الكتاب ذاته أو الذهاب للمشي في الطبيعة أو اكتشاف طريقة تحميص قهوتكما المفضلة وطحنها وصنعها معاً، تكون استثماراً في علاقتكما.
كما يحب كثير من الآباء والأمهات العاملين جعل الوقت الذي يقضونه مع أولادهم ذا فائدة ومعنى أكبر، وتطوير هواية مشتركة مع الأولاد هو طريقة رائعة لقضاء وقت مميز وصنع الذكريات معهم. قضيت مع عائلتي كثيراً من الأوقات في صنع الخبز والحلويات أثناء فترة العزل الاجتماعي، يمكنك أيضاً التفكير بهوايات أخرى كالرسم أو بناء مجموعة "ليغو" جديدة أو البحث في تاريخ العائلة مثلاً. كما يمكن لقضاء وقت في الأنشطة المرحة مع أولادك أن يمنحكم فرصاً استثنائية لإجراء محادثات صادقة، وهذا سيؤسس لعلاقة وطيدة بينكم عندما يصبح أولادك بالغين.
وأخيراً، تعتبر الهوايات طريقة رائعة للتعرف على أشخاص في حيك والمساهمة في مجتمعك، حتى وإن كان ذلك عبر الوسائل الافتراضية. فالمشاركة في مجموعة محلية للعمل الخيري تساعدك على تطوير المهارات وبناء الصداقات ومساعدة الآخرين في آن. خذ جارتي التي تعمل في حديقتها مثلاً، فقد التقت بكثير من الأصدقاء في حديقة المدينة، حيث تعمل برفقة زوجها مع مجموعة محلية لتحسين الحديقة العامة. في هذه الأيام، تعمل مدارس ومؤسسات محلية كثيرة على جمع التبرعات وتوصيل الطعام والاحتياجات الأخرى للمسنين ومن لا يستطيعون الخروج من منازلهم. في كثير من الحالات يمكنك المشاركة عبر الإنترنت، ويمكنك الاستفادة من موقع مؤسسة "فولنتير ماتش" (Volunteer Match) للبدء.
لا تنس أنك لن تجني ثمار الهوايات إلا إذا التزمت بها. لذا، خصص لها أوقاتاً منتظمة على جدول مواعيدك، وكن حريصاً على الالتزام بهذا الوقت كحرصك على الالتزام بأوقات اجتماعات الأعمال أو القضايا العائلية المهمة. فنحن نلتزم بالخطة عندما نثبتها على جدول مواعيدنا. وإلا، سيكون من السهل أن نؤجل النشاطات المهمة لأجل أمر أكثر أهمية أو لأننا نشعر بالكسل. ربما كنت تحبين الحياكة وتخططين لقضاء بعض الوقت مع السنارة وكرات الصوف، لكن إذا وردك اتصال من العمل فسيعرقل خطتك. في حين أنك إذا انضممت إلى دورة حياكة أسبوعية، حتى لو كانت عبر منصة "زووم"، فستطفئين هاتفك أثناء الساعة المخصصة لها. إذا كنت تستمتع بلعبة كرة السلة، لا تنتظر أن تسنح لك فرصة المشاركة بمباراة سريعة بين الحين والآخر، بل انضم إلى فريق في النادي المحلي في منطقتك. أو اشترك في دروس الطبخ أو جلسات تمرين على الدراجات الثابتة. قد لا يتوفر كثير من هذه الخيارات في فترة التباعد الاجتماعي، لكن تقدم مؤسسات كثيرة خيارات افتراضية لجلسات تمرين عبر الإنترنت مثلاً أو دروس تعليمية عبر اتصال الفيديو. مهما كانت هوايتك، اعثر على طريقة لتخصيص وقت منتظم لها ضمن جدول المواعيد الأسبوعية، والتزم بهذا الوقت،
ثم تحدث مع عائلتك عنه وقم بالترتيبات اللازمة. قبل الجائحة، كنت أخصص ليلة الاثنين من كل أسبوع لمباراة الكرة الطائرة، وكانت ملاذاً لي. كنت أركز على اللعبة وأقوم بالتمرينات الرياضية واستمتع بالوقت مع أصدقائي. كانت ليلة الاثنين هذه موعداً ثابتاً نرتب أنا وزوجتي مواعيدنا بناء عليه، كي أتمكن من الحضور إلى المباراة كل أسبوع. وكنت أنهي عمل يوم الاثنين قبل الوقت المحدد أو أترك بعض المهمات ليوم الثلاثاء، وفي بعض الأحيان كنا نستعين بجليسة أطفال لتبقى مع ابننا. وعلى الرغم من عدم قدرتي على الذهاب إلى ملعب الكرة الطائرة الآن، إلا أني أخصص وقتاً منتظماً لهوايات أخرى، ومنها "الساعة السعيدة" ليل كل أربعاء ألتقي فيها مع عدة أصدقاء عبر منصة زووم، وأذهب في جولات على الدراجة الهوائية بمفردي حول الحي الذي أقطن فيه. عندما أتمكن من أخذ استراحات بين الفينة والأخرى، أجد نفسي قد أصبحت زوجاً وأباً أفضل، وأصبح أيضاً أستاذاً أفضل لطلابي عندما أحصل على ما يكفي من الوقت بعيداً عن العمل.
في الختام بخصوص تحقيق التوازن بين العمل والهوايات تحديداً، لا شك أن ممارسة هواية جديدة أو العودة للالتزام بهواياتنا القديمة لن يحل جميع مشكلات توازن الحياة والعمل، لكن يمكن أن تكون الهواية جزءاً مهماً من هذه الأحجية. فتوازن الحياة والعمل مشكلة تضم عدة متغيرات وتتطلب حلاً متعدد النواحي. وعن طريق تخصيص بعض الوقت لاحتياجاتك الخاصة، سترقى إلى مستوى التحديات التي تواجهك.
اقرأ أيضاً: