تريد أن تكون مديراً رائعاً، وتريد من مؤسستك أن تكون مكاناً رائعاً للعمل، وألا تخوض تجربة خسارة الموظفين الأفضل لديك؟ إلا أنه الآن، وفي هذه اللحظة بالذات، إحدى أهم موظفاتك على وشك ترك عملها.
لقد قدّمت دون توقف أفضل ما لديها للعمل وتطورت إلى أن أصبحت مصدر نفع كبير للمؤسسة، إلا أن تعلمها بلغ ذروته، وتوقف تطورها عند حد معين، وهي بحاجة إلى تحدٍ جديد يعيد إليها نشاطها.
وباعتبارك مديرها؛ لا تريد لأي شيء أن يتغير، فعلى الرغم من كل شيء، تُعدّ إنتاجيتها عالية، وعملها لا تشوبه شائبة، وهي تنجز عملها دائماً في الوقت المحدد، وأنت تريد الاحتفاظ بها تماماً في المكان الذي تشغله.
إنها طريقة رائعة لتفقدها إلى الأبد.
كان هذا ما مررت به قبل أكثر من عقد من الزمن، بعد 8 سنوات من العمل كمحللة أسهم حائزة على جائزة مؤسسة "ميريل لينش" (Merrill Lynch)، كنت بحاجة إلى تحدٍ جديد، وبما أنني لطالما أحببت مهام الإرشاد والتدريب، تكلمت مع أحد كبار المدراء التنفيذيين حول الانتقال إلى مجال الإدارة، وبدلاً من أن يقدم دعمه لي؛ رفضني وأحبط عزيمتي، حيث كان رده لي: "نحن نحبك في مكانك"، ونتيجة لذلك غادرت عملي في نفس السنة.
يحدث هذا النوع من السيناريوهات في الشركات كل يوم، وتكون التكلفة كبيرة من حيث الوقت والمال، ولكن لو كنت قد بقيت في عملي وصرفت النظر عما كنت أرغب بالقيام به، فربما كانت التكلفة أعلى. عندما لا يتمكن الموظفون من النمو أكثر في وظائفهم، فإنهم يفقدون نشاطهم، ما يؤدي إلى إحداث فجوات هائلة في الإنتاجية، ووفقاً لمؤسسة "غالوب" للاستشارات الإدارية، فإن الافتقاد إلى إدماج الموظفين "ينطوي على قدر كبير من الإمكانيات الضائعة، إذ إن وحدات العمل في الربع الأعلى من مؤشر قاعدة بيانات مشاركة الموظف العالمي الخاص بمؤسسة "غالوب" ترتفع إنتاجيتها بنسبة 17% وربحيتها بنسبة 21% من تلك الموجودة في الربع الأدنى".
كما أن المشاركة هي مؤشر فعلي، فعندما لا يُسمح للموظفين (وبمن فيهم أنت، كمدير لهم) بالنمو، سيشعرون بأنهم غير فاعلين، وأنهم لا يقدمون الكثير للمؤسسة ويمكن الاستغناء عنهم بسهولة. وإذا لم تستثمر فيهم، فإنهم لن يستثمروا فيك، وحتى لو لم يتركوا العمل، فإنهم سوف يفقدون شعورهم بالانتماء إلى المؤسسة.
اقرأ أيضاً: هل يجب أن تقاتل في سبيل الحفاظ على موظف نجم؟
كيف تتغلب على مشكلة خسارة الموظفين في مؤسستك؟ يبدأ الأمر بإدراكك أن كل شخص في هذه المؤسسة، بمن فيهم أنت، يأخذ موقعاً على منحنى التعلّم، والذي يعني أن كل منصب يشغله الموظف له عمر افتراضي؛ فعندما تبدأ العمل في منصب جديد في المستوى الأدنى من منحنى التعلّم، ترافقك تحديات تريد التغلب عليها في الأيام الأولى، ومع انتقالك إلى أعلى المنحدر الحاد من النمو، فإنك تكتسب الكفاءة والثقة، وباستمرارك في موضع المساهمة الفعّال، سوف تتقن في النهاية ما هو موجود في أعلى المنحنى.
ولكن ماذا يحدث عندما تنضب إمكانيات النمو؟ الذي يحدث هو أن منحنى التعلّم يصبح مسطحاً؛ حيث تم بلوغ قمته؛ فيكون وقت الانفصال وتراجع الأداء اقترب. بحسب تقديري فإن مدة 4 سنوات هي الحد الأقصى لعمر منحنى التعلّم لمعظم الأشخاص في معظم المراكز الوظيفية؛ فإذا استمريت بعد ذلك بفعل الشيء نفسه، فربما تبدأ بالشعور بقليل من الركود.
خذ على سبيل المثال مسيرتي المهنية، حيث انتقلت إلى مدينة نيويورك فور حصولي على شهادتي الجامعية في مجال الموسيقى، كنت عازفة بيانو وأحببت موسيقى الجاز بشكل خاص، لكن سرعان ما جذبتني بورصة "وول ستريت" التي كانت، في أواخر الثمانينيات، المكان الأفضل للعمل، وحصلت على وظيفة سكرتيرة في مؤسسة مالية وبدأت ارتياد مدرسة مسائية لأتعلم عن الاستثمار.
بعد بضع سنوات، ساعدني مديري في العمل على تحقيق قفزة من موظفة في فريق الدعم إلى موظفة في الصيرفة الاستثمارية، كانت فرصة جديدة مثيرة وغير متوقعة تتطلب إشرافه ودعمه، وبعد بضع سنوات، نجحت مرة أخرى في أن أصبح محللة أسهم، وتوسعت في ذلك المجال إلى أن حققت تصنيف مصرفي استثمار لعدة سنوات متعاقبة.
عندما بدأت كنت متحمسة لأن أعمل سكرتيرة في "وول ستريت"، وكنت متحمسة أيضاً لأن أصبح موظفة في قطاع الصيرفة الاستثمارية، كما أحببت أن أكون محللة أسهم، وعلى الرغم من أنني بدأت عند المستوى الأدنى من منحنيات تعلّم كل من هذه المناصب، تمكنت من تحقيق التقدم وإتقان العمل في كل منها.
في نهاية المطاف، شعرت بالضجر قليلاً مع كل وظيفة وبدأت بالبحث عن تحد جديد للانتقال إليه. يَتبع معظمنا أنماطاً مماثلة، إذ إن أدمغتنا تريد أن تتعلم، وتعطينا ردة فعل بشعورها بالطمأنينة عندما نكون كذلك، وعندما نفتقد لذلك الأمر؛ فإننا لا نشعر بأننا بحالة جيدة. لقد صُمم العقل البشري لكي يتعلم، ليس فقط خلال سنوات الدراسة في مرحلة الطفولة، بل طوال مختلف مراحل حياتنا، فعندما نتعلم، نختبر مستويات أعلى من نشاط أدمغتنا وتُنتج أنواعاً عديدة من المواد الكيميائية لتخبرنا بأننا بخير، وإذا ما تذكر المدراء ذلك فإنهم سوف يبلون بلاء حسناً.
اقرأ أيضاً: لماذا تعمل المؤسسات على تدريب موظفيها وتعليمهم مهارات جديدة؟
ولأن كل مؤسسة هي عبارة عن مكان يتجمع فيه أشخاص على منحنيات تعلّم مختلفة؛ يمكنك أن تبني فريقاً رائعاً من خلال الاستفادة المثلى من هذه المنحنيات الفردية بمزيج من الموظفين: حيث يكون 15% منهم في المستوى الأدنى من المنحنى، أي الذين بدؤوا لتوهم تعلّم مهارات جديدة؛ و70% في الموضع المحبب من الاندماج، و15% في المستوى الأعلى من الإتقان. بينما تدير الموظفين على طول منحنى التعلّم، وتدعمهم للانتقال إلى منحنى جديد عندما يصلون إلى القمة، فسوف يكون لديك مؤسسة مليئة بالموظفين المشاركين.
في نهاية الحديث عن خسارة الموظفين أنت وكل شخص في فريقك عبارة عن آلة للتعلّم، فأنت تريد تحدي عدم معرفتك بشيء ما، وتعلّم كيفية القيام به وإتقانه، ومن ثم تعلّم شيء جديد آخر، وعوضاً عن إخماد نشاط موظفيك وإبقائهم جالسين في خمول، قم بتدويرهم: تعلُّم، تقدُّم، تعلُّم وهكذا.