تتعرض شركات الخدمات لانتقادات متعددة، ويصفها البعض أنها غير موثوقة أو غير عادلة، وحينما تلحق بشركة ما هذه الصفة، فإنها تصبح على الطريق المؤكد لخسارة ثقة عملائها بها. وهذه حقيقة توصلت إليها خلال 40 عاماً من البحث في مجالات تسويق الخدمات، وجودتها، والخدمة الصحية، وسبب خسارة الشركات الخدماتية للزبائن. حيث كشفت أبحاثي؛ أن حالة التوتر التي تصيب بعض الشركات الخدمية تتسبب بانخفاض في أداء تلك الشركات وهو ما يؤدي إلى فقدان ثقة عملائها بها. ومن أهم الأمثلة على ذلك، فشل شركة "يونايتد إيرلاينز" مؤخراً في قسم العلاقات العامة، عندما استخدم موظفو الأمن القوة لإخراج زبون يحمل تذكرة مدفوعة من مقعده في الطائرة لإتاحة المجال لأمام أحد موظفيها للجلوس مكانه.
الدروس المستفادة من خسارة الشركات الخدماتية للزبائن
يُبرز هذا الحادث بوضوح كيف تتسبب شركة خدمية ما لنفسها بفقدان ثقة عملائها بها، كما يقدم دروساً عديدة لجميع شركات الخدمات عن كيفية كسب الزبائن والمحافظة على ثقتهم.
الشرط الأول: الإخفاق الفاضح
معظم سلبيات شركات الخدمات ليست صادمة، وهي لا تشبه حادثة جرّ طبيب في التاسعة والستين من عمره على أرضية ممر الطائرة. لكن بوجود الفيديو كشاهد متوفر في الهواتف الذكية، فإن أي إخفاق يتم توثيقه بالكاميرا وبثه إلى العالم في ثوان وببضع نقرات فقط. ويذكرنا فيليب كوتلر من جامعة "نورث ويسترن"، أن "الإنترنت تقف بالمرصاد لتلك لشركات التي تتصرف على نحو سيئ"، وأن فقدان الثقة في هذه الظروف سريع ولا يرحم.
الشرط الثاني: أن يتخذ الحادث نمطاً ينم عن الفشل
إن تكرار خذلان شركة لزبائنها أكثر من مرة، يخلق قصة فعالة عن خدماتها السيئة. وحالما تتشكل القصة، تهوي ثقة الزبائن بالشركة سقوطاً حراً، ويتعاظم الدافع لانتقادها عبر الإنترنت. إن منتج هذا النوع من الشركات هو خدماتها، ولا مجال أمام الزبائن اختبار جودة الخدمة قبل شرائها، وعليه، فإن نشوء نمط ينم عن الفشل، يخلق شكوكاً في العلامة المميزة للشركة، وبالتالي لن تتمكن حتى على أدهى الحملات الإعلانية من محوه.
الشرط الثالث: محاولة الإصلاح ضعيفة، وتؤدي إلى فشل مضاعف
عندما تفشل شركة خدمية في تقديم الخدمات الموعود بها، عليها الاعتذار بالشكل الصحيح أولاً، وألا تُحمّل الزبون مسؤولية فشلها مهما كان السبب (كما حدث في البداية مع شركة "يونايتد" عندما وصفت الزبون الذي أساءت له بأنه "عدواني"). إذ عندما يرى الزبائن أن الشركة لن تتحمل مسؤولية أخطائها، فسيفترضون غالباً أنها شركة لا تهتم بخدمتهم جيداً وبالتالي لا تستحق ولاءهم.
كيف تحافظ الشركات الخدماتية على الزبائن؟
كسب الثقة والمحافظة عليها
هنا بعض الدروس التي على أي شركة خدمية الانتباه لها إن أرادت من زبائنها أن ينظروا لها على أنها منصفة وأهل للثقة.
قم - قدر الإمكان - بحل مشاكل الخدمة قبل أن تصل إلى الزبون
يتنامى عدد المستشفيات التي تستخدم قوائم تحقق لتذكير الطواقم الطبية بالخطوات الأساسية التي تضمن سلامة المريض قبل إجراء العمليات الجراحية، وهي ممارسة أُخذت من صناعة الطيران. ترسل شركة "فيديكس" في كل ليلة طائرة فارغة من الساحل الشرقي إلى مطار أو أكثر ممن لديهم حمل زائد أو مشاكل تقنية، ولولا ذلك لكان حدث تأخير في إيصال الطرود إلى المستلمين المقصودين. في هذه الحالة لم يعلم الزبون بوجود مشكلة، لأن هناك خطوات اتُخِذَت لمنع ذلك في المقام الأول.
احترم "العقد" في ذهن الزبون، وليس العقد القانوني للشركة
بالنسبة للزبون، شراء خدمة هو وعد بالأداء. مثلاً، لا يتوقع من المسافرين مع شركات الطيران قراءة كامل "شروط النقل" ليفهموا بدقة تلك الشروط التي يحق للشركة عند توفرها سحب مقعدهم منهم، حيث تأتي شروط النقل عند شركة "يونايتد" مثلاً في 46 صفحة. وبالمثل، على أي شركة تجعل العميل يوقع على "شروط وأحكام" ملزمة قانوناً، التفكير قبل تنفيذ أحكام تناقض المنطق العام، حتى ولو كانوا يمتثلون لأقصى دقائق الأمور في الاتفاق الموقع. فعندما تقدم الشركة خدمة سيئة، فإن العقود الموضوعة لحماية الشركة قد تتسبب بتدمير الثقة التي تقوم عليها العلاقات مع العملاء.
حدد والتزم بقائمة من القرارات الحيوية "غير القابلة للتفويض" التي يجب رفعها للمدراء الكبار
يجب أن تغطي مثل هذه القرارات الحالات التي يُجبر عندها العملاء على الطرد من المكان، سواء كان مقصورة طائرة أو بهواً في فندق أو مركزاً رياضياً. إذ يجب أن يتم اتخاذ مثل هذه القرارات من قبل مسؤول كبير في منصب رفيع، بحيث يؤخذ في الاعتبار وبتأنٍ سمعة الشركة قبل اتخاذ موقف متشدد بحق العميل.
كن كريماً مع الزبائن عندما تجد أن لا مجال أمامك إلا عدم الإيفاء بالخدمة التي وعدت بتقديمها
لا بد أن يكون التعويض الممنوح عن أخطاء الشركة عادلاً. إذ إن الكرم يبني الثقة، والبخل يهدمها. وكتب داني ماير صاحب أحد المطاعم في كتابه "تحضير الطاولة" (Setting the Table): "إن الروح الكريمة والرفق في حل المشاكل هي -مع قليل من الاستثناءات- الطريقة الأكثر فعالية التي أعرفها لكسب سمعة حسنة لشركتك تدوم طويلاً".
ضمّن اعتذارك شرحاً عن سبب الفشل في أداء الخدمة
يتم النظر في غالب الأحيان للاعتذارات على أنها فارغة إن لم تشرح الشركة أسباب الخطأ الحاصل في الأساس. لهذا، فإن الشرح الصريح يحمل في ثناياه ثقل الاعتراف الصادق، ويجعل ما يتبع ذلك من قول "نحن نأسف فعلاً" ذا مصداقية أكبر.
استخدم شعارات واقعية
التسويق الجيد ليس مجرد قطع للوعود، بل إيفاء بها أيضاً. لهذا، فإن الشعارات التي ترفع كثيراً من سقف توقعات العملاء تُهيىء الشركة للفشل. مثلاً، مع التعقيد الذي تتسم به عمليات شركات الطيران اليوم، والتوتر العاطفي الناشئ لدى خدمة الناقلين الجويين للمسافرين والموظفين، والمنافسة المحدودة (أربع شركات طيران تتحكم في 70% من السوق الأميركية)، كل هذه أمور لا تشجع على استثمارات لتحسين الخدمات وتجعل الشعارات التي تعد بود المعاملة تبدو خداعاً. لهذا السبب، وبعد إخفاقها الأخير، سخر الكثيرون من شعار شركة "يونايتد": "سافر في السماء الودودة" وألفوا شعارات هزلية مضادة.
إذاً، ومن أجل عدم خسارة الشركات الخدماتية للزبائن، يجب أن يتقدَّم الحس السليم والخدمة المحترمة على العقود القانونية والخوارزميات الحاسوبية. إذ إن أنفس ما تملكه الشركات الخدمية في رصيدها هو ثقة العميل بأداء الشركة للخدمة الموعودة. أما نكث وعد الخدمة، فيعني فقدان ثقة العميل.
اقرأ أيضاً: اهتم بزبائنك، لا منافسيك.