كثيراً ما يحدث ألا ترتقي خدمة إحدى الشركات إلى مستوى توقعاتك وأن تشعر بضرورة المطالبة باسترداد حقك. ولكن عندما تتصل بقسم خدمة الزبائن في تلك الشركة لتسجيل شكوى، غالباً ما يتم وصلك بمجيب آلي أو تضطر للانتظار أو يخبرك الوكيل الذي يتحدث معك أنه غير مخول بأن يعيد لك نقودك.
يقضي المستهلك الأميركي وسطياً 13 ساعة في السنة منتظراً دوره للتحدث هاتفياً مع الشخص المطلوب. وبحسب دراسة أجراها مايك ديسماريز عام 2010 في مجلة "إدارة التكاليف"، فإنّ ثلث الزبائن الذين يتقدمون بشكوى لدى خدمة الزبائن يضطرون للاتصال مرتين أو أكثر قبل أن تحل مشكلتهم؛ هذا ما عدا أولئك الزبائن الذين يستسلمون ولا يتابعون شكواهم بسبب غيظهم وسخطهم بعد الاتصال الأول. وقد أظهرت دراسة استقصائية أخرى أجرتها مجموعة قياس خدمة الزبائن وتقديم الاستشارات حولها في كلية كاري للأعمال التابعة لجامعة ولاية أريزونا عام 2017، أن أكثر من ثلاثة أرباع الزبائن المشتكين كانوا غير راضين من أداء قسم خدمة الزبائن في الشركات المعنية.
وتبدو هذه الأرقام مناقضة تماماً للوعود والتعهدات التي تقدمها شركات كثيرة بأنها ملتزمة بتوفير خدمة زبائن ممتازة. خذ على سبيل المثال شركة الطيران يونايتد إيرلاينز التي تعد واحدة من أسوأ شركات الطيران الكبرى من حيث خدمة زبائنها، ولكنها تدعي تقديم "مستوى خدمة زبائن يجعلها رائدة في قطاع النقل الجوي". وتتفق هذه النتيجة مع ما توصلت إليه دراسات استقصائية أخرى ممتدة عبر الزمن، والتي تدل على أن المستهلكين يشعرون دائماً بأن خدمة الزبائن سيئة عموماً، ويتوقعون أنها ستغدو أسوأ في المستقبل. وعلى الرغم من الوعود التي تقطعها الشركات على نفسها بأن تقدم لزبائنها خدمة جيدة، يبدو أن أولئك الزبائن لا يأخذون تلك الوعود على محمل الجد.
هنالك بعض المؤشرات على تعذر التخلص كلياً من جعل الزبائن أحياناً ينتظرون دورهم للتحدث مع الشخص المسؤول؛ إذ إنّ ورود شكاوى الزبائن غالباً ما يكون عشوائياً، الأمر الذي يستحيل معه حجز العدد الكافي من الوكلاء للتعامل مع التقلبات غير المتوقعة في حجم اتصالات الشكاوى الواردة. غير أن أبحاثنا تشير إلى أن بعض الشركات قد تتقصد وضع العراقيل أمام الزبائن المشتكين حتى لو كانت خدمتهم مباشرة لا تكبدها أي أعباء تشغيلية إضافية، وذلك لأن وضع تلك العراقيل يجلب لها الأرباح.
نستكشف منذ عام 2015 الهيكليات والبنى التحفيزية داخل أقسام خدمة الزبائن في أكثر من 10 شركات في قطاعات المال والتكنولوجيا وخدمات السفر، وذلك بهدف فهم الأسباب التي تقف وراء معاناة الزبائن الدائمة من العراقيل إذا ما اضطروا إلى تقديم الشكاوى. وقد وجدنا أنّ تلك الشركات تتعامل مع اتصالات شكاوى الزبائن بالاعتماد على هيكلية تنظيمية هرمية. ووفق ما نرى فإنّ هذه الهيكلية تعمل على تخفيض مبالغ التعويضات التي يسعى الزبائن المشتكين إلى استردادها. وبعبارة أخرى، تنجح الشركات في تخفيض مبالغ التعويضات التي تدفعها للزبائن المشتكين من خلال إجبارهم على الاتصال بأكثر من شخص في الشركة والانتقال من سوية هرمية إلى أخرى.
وكجزء من الدراسة التي سنوصفها في مقالة قيد النشر في مجلة "علم التسويق"، أجرينا مقابلات مع مدراء مراكز الاتصال لنتعرف على الهيكلية التنظيمية لأقسام خدمة الزبائن في شركاتهم وعلى الإجراءات التي يتخذونها لتعويض الزبائن المشتكين. وقد وجدنا أنّ تلك الهيكلية في غالبية الشركات مؤلفة من سويتين اثنتين من الموظفين على الأقل.
يتلقى موظفو السوية الأولى جميع اتصالات الشكاوى الواردة ويستمعون إلى شكوى كل زبون. وعادة ما تكون صلاحية أولئك الموظفين في دفع التعويضات للمتصلين محدودة. فعلى سبيل المثال لا يسمح لموظفي السوية الأولى في مراكز اتصال إحدى الشركات الهندية المتخصصة ببيع منتجات التعلم اللغوي بإقرار أي تعويضات مالية، بل من صلاحيتهم استبدال البضائع وتقديم المعلومات حول مدى تنفيذ أحد الطلبات فقط. وإذا ما أصر أحد المتصلين على الحصول على تعويض مالي، يُطلب منه الاتصال بالمقر الرئيسي للشركة في الولايات المتحدة وأثناء ساعات الدوام الرسمي، الأمر الذي يولد صعوبات وعراقيل إضافية أمام أي زبون يصر على الحصول على المزيد من التعويضات من مدير مركز الاتصال أو من أحد موظفي السوية الثانية. ويقوم هذا التصميم للبنية الهرمية على حقيقة أن هنالك أشخاصاً ليسوا على استعداد لتخطي هذه العراقيل الإضافية، وحينئذ تكون الشركة قد وفّرت على نفسها دفع أي تعويضات إضافية.
وقد يكون هنالك أيضاً طبقة مخفية من التمييز والتفرقة بين الزبائن. فقد أظهرت الأبحاث والدراسات الاستقصائية أنّ بعض شرائح الزبائن مثل السيدات والأميركان أصحاب الأصول الأفريقية أو الأميركية اللاتينية ربما يعانون من عقبات وعراقيل إضافية لدى احتكاكهم بموظفي خدمة الزبائن. ولقد وجدنا عموماً أنه كلما تعرض الزبائن المستهدفين لكمّ أكبر من العراقيل والمصاعب لدى محاولتهم استرداد حقوقهم عن طريق الاتصال بخدمة الزبائن، انخفضت سوية مطالباتهم وتراجعوا عن مطالبهم. وبالنتيجة، فإن الهيكلية الهرمية تؤدي إلى انخفاض حجم الأموال التي تستردها الشرائح المستضعفة وسطياً.
ولكن ماذا عن الفكرة القائلة أن إزعاج الزبائن يمكن أن تكون له تبعات سلبية بخصوص الاحتفاظ بالزبائن وسمعة الشركة على المدى البعيد؟ فعلى سبيل المثال ينصح بعض الخبراء الشركات التي لديها زبائن محبطين وعلى وشك الابتعاد عنها بأن تتواصل معهم مباشرة لإرضائهم واستعادتهم إلى أحضانها. غير أن بعض الشركات لا تهتم كثيراً بسمعتها من هذه الناحية، وبخاصة إذا كانت تسيطر على حصة كبيرة من السوق. وهذا ما تعكسه الحقيقة التي خلصت إليها استبيان أجرته كلية كاري للأعمال، حيث أفاد المستجيبون بأنهم محبطون إلى أبعد الحدود من مزودي خدمات الطيران والإنترنت والقنوات التلفزيونية والهاتف. ولعل معظمنا يذكر مقطع الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع والذي يظهر الطريقة العنيفة التي استبعد بها أحد ركاب طائرة شركة الطيران يونايتد إيرلاينز في ربيع العام 2017. ومع أن الشركة قد دفعت بعض التعويضات لقاء الفوضى التي أحدثتها، بقيت أرباحها مرتفعة جداً ولم تخسر شيئاً يُذكر من حصتها في السوق. ولسوء الحظ، يعني هذا أن الشركات التي ليس لها سوى عدد صغير من المنافسين قد تجد أن من مصلحتها استبعاد زبائنها غير الراضين والتخلي عنهم من أجل توفير التعويضات والمبالغ المالية التي يطالبون بها.
وبالطبع هنالك ميزات أخرى للهيكلية الهرمية الرادعة في أقسام خدمة الزبائن، إحداها استبعاد المطالبات غير المشروعة باسترداد المبالغ المدفوعة، حيث يمكن القول أن إجبار الزبون على جلب جهاز اللابتوب إلى تاجر التجزئة على سبيل المثال لإثبات أنه معطوب من شأنه أن يمنع الزبون الكاذب من الحصول على تعويض مالي لا يستحقه في الواقع. وعلى العموم يظهر بحثنا أن فوائد الحد من تكاليف التعويضات للزبائن هي التي تفسر الاستخدام واسع الانتشار للهيكلية الهرمية السائدة في مراكز اتصال أقسام خدمة الزبائن لدى الكثير من الشركات. وهذا ما قد يساعدنا على فهم الأسباب التي تجعل أبغض الشركات في أميركا هي الأكثر ربحاً، وأقسام خدمة الزبائن، لسوء الحظ، محبِطة إلى هذا الحد.