من المعروف أن الإنفاق على الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يستهدف الوصول إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي وأن نسبة 5% من المرضى الذين ينطوي علاجهم على تكاليف باهظة يمثلون 50% من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية. فما هي فوائد الرعاية الصحية المنزلية؟
تشتمل هذه النسبة من المرضى على كبار السن الضعفاء الذين يعانون من أمراض مزمنة متعددة، كما أن لدى معظم هؤلاء المرضى احتياجات سلوكية وصحة عقلية غير مُلباة. لقد أثبت برنامج "كير مور هيلث" (CareMore Health) في ولاية كونيتيكت بالولايات المتحدة الأميركية، أن اتباع نهج ما قد يعمل على خفض تكاليف المستشفيات التي تعتبر السبب الرئيس في ارتفاع تكاليف رعاية هؤلاء المرضى. كيف سيكون ذلك؟ عن طريق علاج هؤلاء المرضى في المنزل.
نجحت مؤسسة "كير مور هيلث"، المتخصصة في تقديم الرعاية الصحية عبر أطبائها لأكثر من ربع قرن، في بناء نموذج لعلاج المرضى ذوي الاحتياجات العالية والتكاليف العلاجية الباهظة. إذ تستثمر مؤسسة "كير مور هيلث" مدفوعات رسوم التأمين التي تتلقاها من مؤسستي "ميدي كير" (Medicare)، و"ميديك إيد" (Medicaid) في تطوير برامج الوقاية والتدخل المبكر، وفي المزايا الإضافية التي لا تغطيها برامج "الرسوم مقابل الخدمات" في مختلف المجتمعات عبر البلاد. وتنفق مؤسسة "كير مور هيلث"، بموجب هذا النموذج، نصف ما تُنفقه برامج الرعاية الطبية التقليدية على المرضى. وتتأتى غالبية المدخرات نتيجة الاعتناء بصحة المرضى، وهو ما يُجنبهم دخول المستشفيات مرتفعة التكلفة.
اقرأ ايضاً: برنامج "جايزنجر" للرعاية الصحية المنزلية يقلل التكاليف ويحسن النتائج العلاجية
دخلت مؤسسة "كير مور هيلث" إلى سوق كونيتيكت عام 2017، بهدف نشر نموذجنا الذي يهدف إلى خدمة المرضى ذوي الاحتياجات العالية والتكاليف العلاجية الباهظة في الولاية. واقتضت خطّتنا على تأسيس مراكز طبية في أماكن ملائمة لمرضانا، كما فعلنا في أسواق أخرى، وحدّدنا في البداية عناوين منازل مرضانا. ولاحظنا آنذاك اتجاهاً مثيراً للاهتمام، إذ كان الكثير من مرضانا يقطنون في مجموعات، ويبعد كل مريض عن الآخر حوالي 30 إلى 45 دقيقة بالسيارة.
فوائد الرعاية الصحية المنزلية
وألهمتنا هذه الخريطة فكرة، يميل المرضى من أصحاب التكلفة العلاجية المرتفعة والاحتياجات الطبية العالية إلى قضاء معظم أوقاتهم في المنزل تقريباً. وغالباً ما يكون هؤلاء المرضى من كبار السن الذين يعيشون بمفردهم. كما يفتقر الكثيرون منهم إلى وسائل نقل موثوقة، ويشتكون عادة من عدم قدرتهم على الحصول على مواعيد معاينة طيبة ملائمة وفورية مع الأطباء. لذلك سألنا أنفسنا: بدلاً من مطالبة المرضى بالحضور إلى المراكز الطبية لتلقي الرعاية الطبية، لم لا نذهب نحن إليهم بدلاً من ذلك؟
واستنتجنا أن ذهابنا إلى المرضى يمكّننا من تجاوز عوائق صعوبة توجههم إلى المراكز الطبية. وبهدف تحقيق النجاح لا بدّ لنا من ممارسة إحدى العادات القديمة المتمثلة في إجراء مكالمات هاتفية مع المرضى، والتي اعتدنا مشاهدتها في مسلسل الطبيب ماكروس ويلبي مع أطبائه الساحرين الذين يظهرون على عتبات المنازل مع حقائب طبية سوداء في أياديهم. بينما تخلت الرعاية الصحية في الولايات المتحدة حديثاً عن استخدام المنزل كموقع صالح لتقديم الرعاية الطبية، باستثناء الخدمات الأساسية التي تقدمها وكالات الرعاية المنزلية.
اقرأ ايضاً: الرعاية الصحية الافتراضية يمكن أن توفر على أميركا المليارات سنوياً
ووفقاً لنموذج "كير مور هيلث" الذي أطلقناه في ولاية كونيتيكت عام 2017، يوفر أعضاء "الفريق المنزلي" رعاية صحية بدنية وعقلية متكاملة لمرضانا في المكان الذي يشعر فيه جميع المرضى بالراحة، ألا وهو منازلهم.
نحن نعالج المرضى الذين نزورهم في المنزل تماماً كما نعالجهم عند زيارتهم لنا في المركز الطبي، نضبط جرعات الأدوية، ونفحص الجروح ونضمدها، ونُجري التشخيصات. لكن الرعاية المنزلية المتكاملة تقدّم أكثر من ذلك بكثير، إذ تتألف فرق الرعاية لدينا من أطباء الرعاية الأولية، والممرضات، والمرشدين، والمساعدين الطبيين، والعاملين في مجال الخدمات الاجتماعية، وغيرهم من مقدمي الرعاية المحترفين الذين يعملون بتضافر، بهدف تقديم الرعاية الوقائية الشاملة، وتقديم الخدمات الصحية للحالات المزمنة، فضلاً عن تقديم خدمات الرعاية العاجلة وخدمات ما بعد التخريج من المستشفى. ونعمل، عندما نزور المرضى، على تقييم صحتهم العقلية والبدنية، ونضمن أن يقوموا بملء بياناتهم الشخصية على الوصفات الطبية، وأن يتناولوا أدويتهم في مواعيدها المحددة. كما ابتكرنا حلاً في حال واجهنا أي مشكلة فيما يتعلق بتناول الأدوية، إذ بنينا علاقات قوية مع الصيدليات المحلية التي تقوم بإعداد أدوية المرضى مسبقاً وإيصالها لهم، فضلاً عن إمكانية إجراء تعديلات على النظم العلاجية بأكملها.
تُضيف زيارة المرضى في المنزل بعض الألفة إلى العلاقة بين الطبيب والمريض، وغالباً ما تكون نتائج هذه العلاقة إيجابية. قبل زيارتنا أحمد، الذي كان يعاني من أمراض مزمنة متعددة، بما فيها أمراض الكلى المتقدمة، كان أحمد يقصد غرفة الطوارئ كل أسبوع تقريباً. وفي زيارتنا الأولى له، استخدمنا مصفاة مطبخه لشرح كيفية تصفية كليتيه للدم. وخلال سلسلة من المحادثات في غرفة معيشة منزله، تحدثنا مع أحد أصدقائه المقربين، ومقدم الرعاية الشخصي المقيم معه يومياً، ومع شقيقه في بورتوريكو. ووضعنا معاً نظاماً طبياً صارماً يُركز على ضبط مرض السكري، وضبط ضغط الدم لدى أحمد، إذ يُعتبر مرضا السكري وضغط الدم عاملين رئيسين يتسببان غالباً في تلف الكلى. واليوم، استقرت وظيفة الكلى لدى أحمد.
كما تُمكننا زيارة مرضانا في منازلهم من الاطلاع على "العوامل الاجتماعية المحددة للصحة" بسهولة، بما في ذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي قد تؤثر عليهم بشكل كبير. على سبيل المثال، علمنا أن لمى تعاني من العزلة الاجتماعية عند زيارتها في منزلها، إذ لم تكن معتادة على التواصل مع الآخرين. وافترضنا أن عزلتها الاجتماعية هي السبب الرئيس للعديد من مشكلات الصحة السلوكية التي تعاني منها، وقمنا بتعريفها بأخصائية اجتماعية لربطها بالمؤسسات المجتمعية بهدف إبقاءها على تواصل مع الآخرين. وخلال 18 شهراً من التواصل الدائم معها باعتبارها إحدى مرضانا، لم تُنقل لمى بعد إلى المستشفى. ولم نكن لنتمكّن من إدراك الديناميات الاجتماعية الأساسية التي تؤثر على صحة لمى، لو لم نزُرها في منزلها.
اقرأ ايضاً: كيف يحسّن نظام الرعاية الصحية عن بعد الرعاية في المناطق الريفية؟
تثبت هذه القصص نجاح برنامجنا، فضلاً عن نتائج الإحصائيات التي أجريناها أيضاً. إذ قارنا مؤخراً فترة 10 أشهر بعد إطلاقنا برنامج العناية المنزلية المتكاملة في ولاية كونيتيكت، من 1 سبتمبر/ أيلول 2017 إلى 30 يونيو/ حزيران 2018، مقابل فترة 10 أشهر سابقة من 1 سبتمبر/ أيلول 2016 إلى 30 يونيو/ حزيران 2017، لمجموع 105 حالات من المرضى الذين تعاملوا مع برنامج "كير مور هيلث"، والذين اتبعوا خطة صحية متواصلة طوال الفترة بأكملها. ولاحظنا انخفاض معدل دخول هؤلاء المرضى المستشفى بنسبة 12.5%، فضلاً عن انخفاض معدل زيارات غرف الطوارئ بنسبة 27.2%. وتوضح هذه الأرقام أننا نجحنا في تحقيق هدفنا المتمثل في تقليل دخول المستشفيات وتحقيق نتائج أفضل بتكلفة أقل. وتخدم "كير مور هيلث" اليوم 2,100 مريض في ولاية كونيتيكت فقط، بموجب نموذج الرعاية المنزلية المتكاملة.
ومن البديهي أن المنزل لا يُعتبر المكان المثالي لجميع أنواع الرعاية الطبية اللازمة. على سبيل المثال، إذا كسر شخص ما ذراعه، فيجب عليه إجراء تصوير بالأشعة السينية في مركز الرعاية العاجلة، وإذا احتاج مريض آخر إلى الخضوع إلى جراحة القلب المفتوح، فمن البديهي إجراء هذه العملية داخل بيئة غرفة عمليات معقمة.
لهذا، ابتكر نظامنا الصحي أيضاً نظاماً لنقل المرضى إلى المستشفى يركز على المرضى المصابين بأمراض حادة، وكان ذلك على حساب نمو المؤسسة وبناء أنظمة الرعاية لإدارة الأمراض المزمنة. ونظراً لأن تكلفة العناية بالمرضى الضعفاء والمسنين تقترب من 10% من إجمالي الناتج المحلي لدينا، نحتاج كدولة إلى التفكير في فشل نظامنا الصحي في علاج هؤلاء المرضى دون تكبّد نفقات باهظة. إذ تُكلف الغالبية العظمى من المستشفيات ما بين 3,000 إلى 4,000 دولار أو أكثر في اليوم الواحد لعلاج الأمراض المزمنة التي كان من الممكن علاجها على نحو أكثر فاعلية وأقل تكلفة لو اتخذ فريق رعاية المريض نهجاً شخصياً لإدارة حالة المرضى.
إن ما نقوم به في ولاية كونيتيكت هو في الواقع نهجٌ قديم الطراز، إذ اعتاد الأطباء إجراء الاتصالات المنزلية مع المرضى طوال الوقت، وكان من السهل عليهم المشي إلى منازل مرضاهم، كما كانوا على صلة بأعضاء مجتمعهم ويثقون ببعضهم البعض. بينما ما قام به النظام الصحي الحديث القائم على المعاملات هو أكثر من مجرد إنشاء نظام معقد مليء بأوجه القصور والتكاليف الباهظة والنتائج المتباينة، لقد حوّر نهج الرعاية الصحية في مجتمعاتنا.
وهدفنا هو إعادة نهج الرعاية الصحية الفاعل. ونعتقد أن الآخرين سيحذون حذونا قريباً في ما يتعلق بالاستفادة من فوائد الرعاية الصحية المنزلية.
*تم تغيير جميع الأسماء.
اقرأ أيضاً: نموذج مبتكر للرعاية الصحية المنزلية من مستشفى ماونت سيناي