ستتعرف على نموذج تسعير خدمات البث في هذا المقال.
هل تذكرون عندما كانت شركة "نتفليكس" تعتبر ملكة خدمات البث التدفّقي، منذ وقت ليس بالبعيد؟ حيث كان من السهل للشركة، حينئذ، أن تفرض على العملاء إملاءاتها، مثل أن تقول لهم: "خياركم الوحيد، للاستمتاع بمشاهدة المحتوى الذي نقدمه، هو الاشتراك في خطة الاستخدام غير المحدود". لكن في الوقت الحالي، وفي ضوء وجود عدد كبير للغاية من المنصات التي تقدم خدمات البث التدفّقي، فإن الاقتصار على باقة "مشاهدة جميع المحتوى" يُعد نهجاً خاطئاً. إذ يحِد القيام بذلك من قاعدة زبائن الشركة ويجعلها ضعيفة أمام نهج التسعير الأكثر ملاءمة الذي يقدمه المنافسون.
نموذج تسعير خدمات البث
توجد بالفعل عدد كبير من خيارات خدمة البث التدفّقي، التي تشمل الشركات الراسخة (مثل "أمازون برايم" و"نتفليكس" و"هولو" و"آتش بي أو ناو" و"ستارز" و"شوتايم")، والمنصات المتخصصة في الأفلام (مثل "ذا كرايتيريون شانيل" Criterion Channel)، والخدمات التلفزيونية (مثل "سي بي إس" و"إي إس بي إن")، ومنصات القصص المصورة والأبطال الخارقين ("دي سي يونيفيرس" DC Universe)، بل وتشمل هذه الشركات أيضاً منصتين بريطانيتين تقدمان الخدمات التلفزيونية ("بريت بوكس" (BritBox) و"أكورن تي في" Acorn TV). ومن المقرر أن يبدأ تشغيل خدمة البث التدفقي "آبل تي في بلس" (Apple TV+)، التي أطلِقت مؤخراً، وخدمة "ديزني بلس" (Disney+) وخدمة "آتش بي أو ماكس" (HBO Max) (التي ستتضمن برامج من إنتاج شركة "وارنر ميديا" (WarnerMedia))، وخدمة "بيكوك" (Peacock) التابعة لشركة "إن بي سي يونيفيرسال" (NBCUniversal) الأميركية، في المستقبل القريب.
اقرأ أيضاً: فن رفع الأسعار دون إزعاج الزبائن
وتفرض كل خدمة من هذه الخدمات أسعاراً تتراوح بين 4.99 دولاراً إلى 14.99 دولاراً في الشهر للمشاهدة غير المحدودة. فأين هو الإبداع في التسعير، في قطاع إبداعي؟
ويتمثل الجانب الإيجابي للمنافسة المحتدمة في تقديم هذه الوسائط الإعلامية لبرامج أفضل، حيث بلغت جودة المحتوى المقدم عنان السماء عندما بدأ التلفزيون الكيبلي في منافسة ثلاث قنوات تلفزيونية، هي "أيه بي سي" و"سي بي إس" و"إن بي سي". وقد رفعت خدمات البث التدفّقي مستوى المحتوى المقدم، وسيكون من شأن ازدياد المنافسة إزكاء جذوة الإبداع. ويتمثل الجانب السلبي لاحتدام المنافسة في أن خدمات البث التدفّقي اختارت، بدلاً من تجميع الخدمات وتحشيدها (على غرار ما فعلت التلفزيونات الكيبلية)، بيع خدماتها بصورة مستقلة وتقديم باقات مشاهدة جميع المحتوى فحسب. وما أسفر عنه ذلك، أن المستهلكين سيتعين عليهم تجميع العديد من خدمات البث التدفقي المجزأة معاً لمشاهدة برامجهم المفضلة، ويمكن أن يصبح هذا الأمر باهظ التكلفة.
وتنتهك خدمات البث التدفّقي القاعدة الأولى في تسعير الخدمات وتجهيزها، والمتمثلة في تلبية احتياجات الزبائن. إذ إن المشاهدين يودون مشاهدة برامجهم المفضلة، وتقليل المبالغ التي يدفعونها مقابل البرامج التي لا تستهوي اهتمامهم. لذا، في حين أنني أستمتع بمشاهدة مسلسل "التعاقب" (Succession)، وهي سلسلة تقدمها قناة "آتش بي أو" وتحظى بتقدير رفيع، إلا أنه لا يوجد محتوى إضافي يستحق المشاهدة، بالقدر الكافي، لتبرير دفع 14.99 دولاراً في الشهر مقابل المشاهدة غير المحدودة.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر شخصية الرئيس التنفيذي على سعر أسهم شركته؟
وبالقدر نفسه من الأهمية، إذا بدأت إحدى خدمات البث التدفّقي المنافسة في عرض خيارات أقل سعراً (مثل خطط المشاهدة المقيسة أو الخطط الانتقائية)، فإن المنافسين الذين لا يردون بالمثل سيجدون أنفسهم في موقف تنافسي ضعيف للغاية. بل إن العروض المتضخمة القائمة على مفهوم "كل شيء أو لا شيء" ستغدو أقل جاذبية.
خطواط يجب أن تتبعها خدمات البث التدفقي
ما الذي ينبغي لخدمات البث التدفّقي، إذاً، فعله؟ تتمثل الإجابة في إعادة التفكير بشأن مزايا خطط المشاهدة غير المحدودة، والاحتفاظ بها في الغالب، ودراسة إضافة الخيارات التالية ضمن العروض التي تقدمها:
قياس الاستخدام
يتمثل الحل الأسهل في قياس الاستخدام بعدد البرامج أو وقت المشاهدة. ويمكن تقديم عدد قليل من الخطط المستندة إلى الحجم، لتندرج الباقات في ثلاث فئات: منخفضة ومتوسطة وعالية. وفي حال تخلت الشركة عن الخطة غير المحدودة، فسيعني ذلك أن مشكلة رئيسة قد تم حلها. وسيكون الأصدقاء والأصدقاء المتباعدون أكثر توخياً للحذر بشأن حماية كلمات السر للبث التدفّقي الذي يخصهم إذا كانوا يدفعون رسوماً بسبب "كرمهم".
تقديم عروض جيدة وعروض أجود وعروض أفضل. وثمة طريقة أخرى لتقديم خيارات تخفيض تتمثل في عرض مجموعة متنوعة من الباقات. إذ يمكن تقسيم المحتوى على أساس نوع المحتوى (المسلسلات مقابل الأفلام)، وحصرية المحتوى (المحتوى الأصيل مقابل المحتوى الذي توفره شركات بث تدفّقي أخرى)، وتاريخ الإطلاق (المحتوى الجديد مقابل المحتوى الذي تمر ستة أشهر على إطلاقه). وتتضمن القيود المفروضة على الاستخدام "القدرة على الانغماس في المشاهدة" (نعم/ لا)، وقت المشاهدة (طوال الأسبوع مقابل المشاهدة في عطلة نهاية الأسبوع)، والوسيط المستخدم في المشاهدة (الهاتف المحمول مقابل التلفزيون).
المزج بين نهج "تقديم عروض جيدة وعروض أجود وعروض أفضل" ونهج "قياس الاستخدام"
تعتبر خطط تسعير مكالمات الهواتف الخلوية في الماضي مثالاً على المزج بين نهج "تقديم عروض جيدة وعروض أجود وعروض أفضل" ونهج "قياس الاستخدام". وفضلاً عن تقديم عدد محدد من الدقائق، كانت الدقائق تخصص لفئات مختلفة مثل المكالمات في غير وقت الذروة والمكالمات في وقت الذروة والمكالمات العالمية.
تقديم التخفيضات لتحفيز الارتباط
من الغريب أنه باستثناء خدمة "ديزني بلس"، التي تقدم تخفيضات للارتباط طويل الأجل، فإن خدمات البث التدفقي عادة ما تقدم خططاً شهرية فحسب. وتجعل استراتيجية التسعير هذه من السهل تشغيل خدمات البث التدفقي وإيقافها. (فمن الناحية النظرية، يمكنني أن أشاهد مسلسل "التعاقب" بالاشتراك في خدمة البث التدفقي "آتش بي أو ماكس" لمدة شهر فحسب). ويمكن توظيف التخفيضات المرتبطة بالحجم - الارتباط بفترة من الوقت - لتقليل حالات انتقال الزبائن إلى المنافسين.
اقرأ أيضاً: كيف يستخدم بائعو التجزئة شخصنة الأسعار لاختبار مدى استعدادك للدفع؟
وبالتأكيد، تعتبر الخطط الشبيهة بالهواتف الخلوية مرهقة مقارنة بالبساطة التي ينطوي عليها وجود سعر واحد لباقة "مشاهدة جميع المحتوى". لكن هذا هو بيت القصيد، إذ يجب تعمد أن تكون الخطط الجديدة مرهقة. ويتمثل أحد التكتيكات الشائعة في التسعير في خلق عقبات لتحديد الزبائن الذين تتأثر استجابتهم عند تغيير الأسعار، حيث سيبرز الزبائن المقتصدون ويعلنون بمصداقية أن السعر يعتبر عاملاً مهماً بالنسبة إليهم عن طريق تجاوز العقبات مثل البحث عن قسائم الشراء أو الاستغناء عنها أو استخدامها. ويمكن استخدام المقارنة بين الأسعار والتخفيضات لخلق أنواع مماثلة من العقبات. إذ إن عقبات البث التدفّقي مثل الحجم والمحتوى والقيود المفروضة على الاستخدام تُستخدم لضمان عدم منح التخفيضات إلا للزبائن الذين يتوخون فعلاً الحصول على تخفيض في السعر. أما الزبائن الذين لا يشغل بالهم السعر، فيمكنهم مباشرة اختيار المشاهدة غير المحدودة.
وتخفق استراتيجية السعر الموحد لجميع الزبائن في الاعتراف بالحقيقة البسيطة المتمثلة في أنه بالنسبة إلى أي منتج أو خدمة، فإن الزبائن لديهم احتياجات ينفرد بها كل منهم، كما يختلف استعدادهم لدفع السعر المطلوب. وفي ضوء وجود عدد قليل من المنافسين، فقد كان فرض التسعير وفق نهج "مشاهدة جميع المحتوى" مقبولاً يوماً ما. لكن أضحى يتعين على الشركات، لكي تنجح في السوق التنافسية في الوقت الحالي، تطبيق نموذج تسعير خدمات البث والارتقاء باستراتيجياتها التسعيرية بتوفير خيارات لكي يتسنى لها استيعاب احتياجات زبائنها بشكل أفضل.
اقرأ أيضاً: كيف يطلب تجار التجزئة أسعاراً تختلف باختلاف الأشخاص؟