لعلك سمعت عن فضيحة الحسابات الوهمية في مؤسسة "ويلز فارغو" (Wells Fargo) المصرفية، حيث تعرّض الموظفون للضغط لإنشاء حسابات وإصدار بطاقات ائتمان وهمية. ولكن هل سألت نفسك عمّا كنت ستفعله لو كنت مكان الموظف يتعرض لمثل هذا النوع من الضغوطات؟ كيف ستتعامل مع موقف ينطوي على بواعث تحفزك لفعل أمر تعتقد أنه مسيء لزبائنك وعملائك، أو أنه مخالف للقانون؟ وماذا لو اتضح لك أن مديرك يطلب منك فعل ذلك، وأنت تعلم أن رفضك قد يكلفك خسارة زياداتك السنوية أو ترقيتك أو حتى وظيفتك بأكملها؟
من السهل أن نقول إن هذه المواقف واضحة تماماً ولا يختلف عليها أحد، فإما أن تساير المدير فيما يريد أو أن تتحمل عواقب تصرّفك. قد يكتنف الغموض أحياناً هذه المواقف لأنها تقع في منطقة رمادية، وهذا ما تحدّثتُ عنه في كتابي "الإدارة في الرمادي" (Managing in the Gray). ونصيحتي الأولية في مثل هذه الأحوال هي: حين تواجه مشكلة صعبة بحق، حلّلها مثل مدير، بعدها توصّل إلى حل لها بصفتك إنساناً صاحب ضمير. ستساعدك هذه المنهجية على تجنب الوقوع في اختيارات صعبة بين المضي قدماً وفعل أمر تعتقد أنه خاطئ.
سأوضح لك هنا كيفية تطبيق هذه النصيحة عندما تكون في موقف تشعر فيه بالحافز لفعل الشيء الخطأ
تأكد من أنك تفهم الموقف جيداً: كان الخطأ الذي وقعت به "ويلز فارغو" واضحاً لا جدال فيه، ولكن ثمة مواقف أخرى قد لا تكون بمثل هذا الوضوح. لذا يجب أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة: هل سيلحق أي ضرر بالعملاء؟ هل هذا الإجراء يخالف المعايير المحددة في قطاع العمل أو يخالف أفضل الممارسات؟ حدد بوضوح كيف يخرق هذا الإجراء قواعد الأخلاق أو لا يحقق مصلحة العملاء أو يخالف القانون؟ هل ثمة طريقة أخرى للنظر إلى الموقف تدعي أنه ملائم أو أنه في صالح العملاء والأطراف الأخرى، وهل هناك أي دليل مبني على هذا الرأي؟
سيساعدك طرح هذه الأسئلة والإجابة عنها من جانبين. الأول هو أنك ستشكل فكرة أفضل عن رأيك الأولي في المشكلة ومعرفة ما إذا كان مناسباً أم لا. أما الجانب الثاني، هو أنك إذا اكتشفت أن هذا الإجراء خاطئ حقاً، فستكون مسلحاً بالحجج التي تثبت رأيك أمام الآخرين وتقنعهم بأخذ مخاوفك على محمل الجد. أيضاً، عندما تحلل الموقف بطريقة متكاملة، ستتمكن من الالتزام بالرأي الذي توصلت إليه.
اطلب رأي الآخرين إن أمكن ذلك
من الأفضل ألا تبدو وكأنك تغرد بمفردك. ابحث عن شخص ثقة وواسع المعرفة في شركتك وأبلغه بما يقلقك. أظهر له شهادتك وناقش معه منطق الآراء التي لديك، ثم اسأله إذا فاته شيء لم تأخذه بعين الاعتبار، وهل هناك طريقة أخرى للتفكير في الأمر. إذا اتضح، مع ذلك، أن الأمر لا يزال يسبب مشاكل كبيرة، فحاول معرفة السبب الذي يدفع مديرك أو من هم فوقه إلى دعمه. من الضروري أن تفهم طريقة تفكير الطرف الآخر لتعرف كيف تصل إلى الرأي الذي لديه، حتى تكون كلماتك فعالة ومقنعة. قبل المتابعة، يجب أن تعرف ما إذا كنت على وشك الوقوع في حقل ألغام سياسي.
ارسم مخططاً صغيراً لاستكشاف الخيارات
من الطبيعي أن تأخذك العاطفة في مثل هذه المواقف، فقد يراودك الغضب أو القلق أو ربما الخوف بسبب المأزق الذي وجدت نفسك فيه، ولكن عليك أن تحافظ على وجهة النظر الموضوعية. فاكتب على قصاصة ورق صغيرة الخيارات التي لديك، وحاول تصور العواقب المحتملة على كل منها، واسأل نفسك عن احتمالية حدوث تلك العواقب. إن قررت الكشف عن المخالفة أو التجاوز الحاصل، فماذا سيحدث لك، وما فرصة حصول ذلك فعلاً؟ ولو فعلت ما يطلبه منك المدير، فما المخاطر المترتبة على ذلك؟ ما العواقب الوخيمة، ولو كان احتمال وقوعها ضعيفاً، كأن تخضع للتحقيق من قبل السلطات أو المحاكمة، والتي يجدر بك أن توليها مساحة كبيرة من تفكيرك. وهكذا فإن رسم مخطط بالخيارات وعواقبها واحتمالاتها سيساعدك على تكوين نظرة موضوعية عن الأمر ويمكّنك من دراسة تلك الخيارات جيداً، كما لو أنك تتعامل مع أي مسألة إدارية أخرى.
كن مبدعاً وعملياً في تفكيرك
عندما يأتي شخص ما إلى مدير متميز حقاً ويخبره بأن الخيار هو إما (أ) أو (ب)، فإن رده عادة يكون: وماذا عن (ج) و(د)؟ فالمدير الجيد يتمتع دوماً بالتفاؤل الخلاق عند التعامل مع المشاكل. إنه يستكشف دوماً خيارات جديدة أفضل ويبذل جهداً ليصل إليها. فاسأل نفسك إن كانت هناك طريقة أخرى يمكنك من خلالها مساعدة مديرك لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها، مع تفادي تجاوز أي خطوط أخلاقية أو قانونية. ولعلك تتفاجأ حين تجد مخرجاً من هذا المأزق يريحك ويحقق مصلحة مديرك في آن معاً.
تجهّز للدخول في حوار صريح نوعاً ما مع مديرك
سيظهرُ هذا الخيار في أي مخطط خيارات ترسمه، ولكنه ليس بالخيار السهل. فتعثّر الحوار مع المدير قد يفضي إلى التأثير عليك في وظيفتك. من أجل زيادة فرصك في النجاح عند الدخول في حوار مفتوح مع المدير، فأنت بحاجة إلى بديل مناسب تقدمه أمامه بطريقة ملائمة، وربما لا تحتاج إلى اتباع أسلوب هجوم في هذه الحالة. فمصارحة الشخص بأن سلوكه غير أخلاقي سيُؤخذ على أنه اتهام لا محاولة للحوار. والأفضل أن تنقل فكرتك بطريقة أقل اندفاعاً وتقول على سبيل المثال: "أعتقد أننا نقدم على مخاطر قانونية كبيرة، وقد يكون لهذا الأمر نتيجة عكسية من قبل العملاء أو الهيئات الرقابية، أو أن آثار هذه الخطوة على المدى الطويل ستعود بالضرر علينا وستؤثر على أعمالنا. حاول التعبير عن تحفظاتك باعتبارها قضايا عملية أو شؤوناً إدارية عاجلة.
من الضروري أن نحافظ على قدر من الموضوعية في هذه الظروف الصعبة. حتى إذا التزمت بالخطوات الخمس المذكورة أعلاه، أي حتى إذا تعاملت مع الموقف بعقلية المدير، فقد تصل إلى طريق مسدود. عليك بعد ذلك أن تتخذ قراراً صعباً، ولكن هذه المرة من موقعك الإنساني الأخلاقي. عليك أن تتمهل قليلاً وتسأل إن كنت ستصفح عن نفسك إن أقدمت على تلك الخطوة وفعلت أمراً أنت لست مرتاحاً بشأنه أو إن كان يجب عليك أن تتخذ موقفاً صارماً وتحجم عن الالتزام بما تمليه عليك إدارتك. وهذا قد يعني أن تقع في ورطة عويصة مع مديرك أو تخسر وظيفتك، ولكن الأهم أنك لم تتنازل عن قيمك.