"مع مرور الوقت، سوف يُطلب من الأسواق تقديم هذه المعلومات".
غالباً ما تظهر شركة "فانغارد"، وهي عبارة عن صندوق للاستثمارات المشتركة معروف بمؤشره المنخفض التكلفة، على قوائم المؤسسات التي تضم أكثر الزبائن ولاءً، وهذا الأمر لم يحصل بالصدفة. فخلال الفترة التي أمضاها جون برينان والمعروف باسم جاك برينان في منصب الرئيس التنفيذي للشركة بين العامين 1996 و2008، كان يشدّد على ما يسميه الحلقة الفاضلة لاستقطاب الزبائن الأوفياء الذين يحافظون على علاقتهم بالشركة ويسهمون في استقطاب زبائن جدد من خلال الدعاية الشفهية. يعتبر جاك برينان، الذي مازال يحتفظ بلقب رئيس مجلس الإدارة حتى بعد تركه لمنصبه في الشركة، من الأصوات الرائدة في المسائل المتعلقة بإفصاح الشركات وقد شغل مناصب في مؤسسة المحاسبة المالية، والهيئة الناظمة للقطاع المالي، ومعهد شركات الاستثمار. تحدّث برينان إلى هارفارد بزنس ريفيو عن السبب الذي يحتّم على الشركات إخبار المستثمرين عن زبائنها – وكيف أن هذا الأمر قد يُفرض عليها قريباً. فيما يلي مقتطفات محررة من هذه المقابلة.
هارفارد بزنس ريفيو: ما الذي دفعك إلى الاهتمام بالقيمة المقدمة إلى الزبائن؟
برينان: في قطاعنا الذي نعمل فيه، أكثر شيء مكلف بالنسبة لنا هو استقطاب العملاء واستبقائهم كزبائن للشركة. فلماذا لا نكون مهتمّين بولاء هؤلاء العملاء؟ العملية ليست ضرباً من الفيزياء المعقدة. فعندما يتخلى عنك الزبائن، فأنت بحاجة إلى البحث عند بدائل، ونحن نرغب في تجنّب تكّبد هذه المصاريف. لذلك فإننا تابعنا وبشكل وثيق الأبحاث التي تجريها شركة "بين آند كومباني" (Bain & Company) حول الولاء منذ سنوات طويلة. وخلال السنوات التي شغلت فيها منصب الرئيس التنفيذي لشركة "فانغارد"، تحوّل أسلوب الإدارة الرامي إلى تعزيز الولاء من مجرّد فكرة إلى هدف نظري إلى ممارسة عملية. ففي مختلف الشركات والمؤسسات عموماً، مازال هذا المفهوم النظري غير منتشر ولا يحظى بما يستحقه من تقدير. يُعتبرُ عمل روب ماركي المخصّص لموضوع استعمال مقاييس الولاء لتكوين فهم أفضل عن قيمة شركة معيّنة وإدارة هذه القيمة في المحطة التالية في رحلة تطور هذه الفكرة.
ما هي المجالات التي يمكن استعمال هذه التقنيات الجديدة فيها من وجهة نظرك؟ المضمار الذي رأيت فيه هذه التقنيات تطبّق بقوّة هو استثمار الأموال الخاصة. إذا تحدّثت إلى شركات استثمار الأموال الخاصة عن عمليات التدقيق الواجبة التي ينجزونها عندما يشترون شركة، فإن قاعدة الزبائن هي جزء أساسي مما يراجعونه. هنا نجد عملاً مكثفاً. هم يطرحون على الإدارة العليا أسئلة من قبيل: ما طبيعة قاعدة زبائنكم؟ كيف تستحوذون على الزبائن؟ كيف تخسرونهم؟ أي من هؤلاء الزبائن يساعدكم في تحقيق الأرباح؟ هم مهتمون بحسابات الزبائن الأفراد وبيانات عملياتهم. ثمة نقاش يُخاض حالياً بخصوص ما إذا كان المستثمرون الذين لا يشترون شركة بأكملها وإنما 1,000 سهم فيها فقط مثلاً، يجب أن يتمكّنوا من الوصول إلى بعض المعلومات ذاتها الخاصة بالقيمة الأساسية لقاعدة الزبائن التي يراها المستثمرون في سوق الأموال الخاصة الذين ينجزون عمليات التدقيق الواجبة أثناء ممارستهم لهذه العملية. وأنا أعتقد أنهم يجب أن يتمكنوا من الوصول إليها.
هل يستعمل مدراء المحافظ في "فانغارد" أدوات لتقويم الزبائن؟ لست قريباً بما يكفي من عملهم لأعرف الإجابة عن هذا السؤال، لكنني أرى المستثمرين الآخرين في الأسواق العامة يستعملونها. أحد مدراء المحافظ الذين أعرفهم يدير صندوقاً مركّزاً جداً – وهو يحتفظ بثمانية أسهم إلى عشرة أسهم في أي لحظة، دون أن أي تقلبات على الإطلاق تقريباً. وبما أنه يحتفظ بعدد قليل من الأسهم فقط ولفترة طويلة من الزمن، فإن تفكيره أقرب إلى تفكير المالك. ومن بين أوائل الأشياء التي يفعلها هو إجراء دراسة معمّقة لقاعدة الزبائن، وتحديداً، مدى سعة هذه القاعدة، وعمقها، ووتيرة نموها. حتى أنه يستعين بجهات أخرى لتساعد في التحليل. هذا مثال يُظهر كيف أن المستثمرين لا يعتمدون ببساطة على بيانات الزبائن التي تفصح عنها الشركة – بل ينشطون بطرقهم الخاصة بحثاً عن بيانات أخرى. إذا دخلت إلى متجر لشركة "وول مارت" (Walmart)، فإنك عادة ترى شخصاً هناك يَعُدُّ شيئاً ما لصالح أحد المحللين. في بعض الأحيان، يستعين المستثمرون بصحفيين استقصائيين حتى للتعمق في البحث عن المعلومات. هم يحاولون التعرّف على زبائن شركة ما بأكبر قدر ممكن.
كيف تقرر الجهات الناظمة ما إذا كانت تريد المزيد من الإفصاح عن المقاييس الخاصة بالزبائن أم لا؟ أعمل على القضايا المتعلقة بالإفصاح المالي منذ سنوات طويلة، وهي عملية مذهلة جداً. يسعى مجلس المعايير المحاسبية المالية (FASB) في أميركا على الدوام إلى الموازنة بين ما هو مهم بالنسبة للمستثمرين وما يشكل عبئاً زائداً عن اللزوم على كاهل الشركات وقد يؤثر سلباً على تنافسية هذه الشركات. هل المساهمون قادرون على الوصول إلى ما يكفي من المعلومات المالية ليحكموا على المخاطر التي تحيط بالشركة وأدائها؟ ما هو الحد الذي يصبح الإفصاح عنده زائداً عن اللزوم؟ ما هي الأشياء التي يمكن التثبت من صحّتها؟ ثمّة خشية لدى الجهات الناظمة من أن تعرض عليها تدابير غير صادرة عن مجلس المعايير المحاسبية المالية – مقاييس لا تتطابق مع الممارسات المحاسبية المقبولة عموماً. وهي قلقة من خطر تراكم الأشياء غير المرغوبة، وتحديداً تشتت الانتباه الناجم عن وجود كميات زائدة عن اللزوم من البيانات التي لا تعتبر مفيدة جداً للمستثمرين. أما الشركات فهي قلقة من اضطرارها إلى الكشف عن معلومات يمكن أن تساعد منافسيها. ودائماً هناك توتر وضغط بخصوص احتمال فرض اشتراطات جديدة بخصوص تقديم التقارير، وهذا ليس بالخوف غير العقلاني. لكن السجال الدائر بخصوص تحديد المعايير هو نقاش صحّي وقيّم.
لدى أمازون ملايين المشتركين في خدمة "برايم" (Prime) لكنها لا تحدد عددهم بالضبط، لذلك فإن المحللين يحاولون تخمين الرقم. ما الضير في الإفصاح عن هذا الرقم؟ من الواضح أن المشتركين في خدمة "برايم" هم جزء أساسي من النموذج التجاري لأمازون. لكن التنفيذيين قد يختارون عدم الكشف عن العدد لأنهم لا يريدون للمستثمرين أن يصبّوا اهتمامهم على رقم وحيد فقط. خذ على سبيل المثال الطريقة التي يراقب بها المستثمرون أعداد المشتركين في نتفليكس. ربما تريد أمازون تجنّب ردود الأفعال المستثمرين في كل مرّة ينخفض فيها عدد المشتركين أو يزداد. وقد تقول الإدارة العليا إن الإفصاح عن الرقم قد يعرّض الميزة التنافسية للشركة للخطر – رغم أنها لا تواجه منافساً مباشراً حقيقياً.
ما هو برأيك شكل الإطار الزمني للمزيد من الإفصاح؟ إذا طالب المساهمون بالإفصاح، فإن ذلك سيلفت انتباه هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، وهنا يأتي مجلس المعايير المحاسبية المالية ليدلي بدلوه بخصوص ما إذا كانت هذه العملية ستُنجز على ما يُرام. أعتقد أن التشريعات ستُفرض، لكن السؤال المطروح هو بأي وتيرة سيحصل ذلك؟ فلطالما أشعر أن هذه العملية شديدة البطء. أعتقد أنها لن تُنجز قبل سنوات، ولكن مع مرور الوقت، سوف تطالب بها الأسواق. لا أعتقد أنها سترى مقياس صافي نقاط الترويج، وهو مقياس معياري واضح جداً، كجزء من القوائم المالية للشركة في أي وقت قريب، لكن بعض المعلومات المتعلقة بالزبائن قد تصبح مطلوبة في المستقبل غير البعيد في قسم الإفصاح والتحليل الخاص بالإدارة ضمن التقرير السنوي أو في الحواشي. هذه هي الطريقة التي تعاملت بها الجهات الناظمة مع الإفصاحات الخاصة بتعويضات التنفيذيين والبيانات البيئية والاجتماعية وبيانات الحوكمة. قد تبدأ الاشتراطات بشيء بسيط من قبيل "بلغ عدد زبائنا يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي (كذا شخصاً) في حين بلغ يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام الحالي (كذا شخصاً)"، وبشيء من التفصيل الدقيق. بطبيعة الحال فإن الشركات الفخورة بقاعدة زبائنها وولائهم لديها حافز لفعل المزيد. فإيجاد حلقة فاضلة من الزبائن الأوفياء هو واحد من الأفكار التي لا تحتاج إلى دليل ولا تستطيع التشديد على أهميتها مهما فعلت.