حوار مع الرئيس التنفيذي لشركة ستراتا إسماعيل علي عبد الله

12 دقيقة
كيف وصل هذا الشاب الثلاثيني إلى منصب الرئيس التنفيذي للشركة الإماراتية العالمية لتصنيع أجزاء هياكل الطائرات؟ عندما تخوض الحوار معه وتطلع على المفهوم الذي تأسست عليه شركة "ستراتا" قبل عشرة أعوام، تجد أن روح المبادرة التي يمتكلها هذا الشاب تشبه الأسس التي بنيت عليها ستراتا، إذ كان افتتاحها حدثاً غريباً وتحدياً ولد في خضم الأزمة المالية العالمية جعل الكثيرين يراهنون ويتساءلون عن مدى صوابية هذا القرار باقتحام هذا القطاع الصناعي المعقّد، والذي تسيطر عليه شركات عالمية عملاقة منذ عقود. كيف كان التحدي الذي أخذته شركة "مبادلة"، المالكة لـ "ستراتا"، على عاتقها حينما قررت اتخاذ موقع لها وسط اللاعبين الكبار في قطاع صناعة الطيران عالمياً؟ كيف تمكنت خلال عشر سنوات فقط من القيام بخطوات ضخمة لتأسيس بيئة عمل متكاملة من موارد بشرية وعملاء عالميين يجدون في هذه الشركة الأفضلية في التعاقد؟

لقد كانت قصة صعود الرئيس التنفيذي الحالي ومسيرته المهنية، متوائمة مع تلك الخطوات وحركة التغيير التي أوجدتها "ستراتا" على صعيد بناء مهارات جديدة، لم تكن متوفرة من قبل في قطاع الموارد البشرية الإماراتي، حيث ضخت روحاً جديدة في قطاع البحث والتطوير والتخصص العلمي في القطاع الأكاديمي، ووصلت إلى تأسيس كيان صناعي يمثل أحد أوجه القوة الاقتصادية المستقبلية للإمارات.

كان الشاب إسماعيل علي عبد الله، الرئيس التنفيذي لشركة "ستراتا"، أحد الإداريين الأوائل الذين خضعوا للتدريب والتأهيل في قطاع لم يكن معروفاً من قبل في سوق العمل الإماراتي، ومن خلال عمله في شركة "مبادلة" لعشرة أعوام، لعب إسماعيل دوراً رئيساً في تأسيس "ستراتا"، حيث كلف بمهمة "مدير" مختص بمتابعة سير العمل في "ستراتا" منذ إنشائها في العام 2009. وشغل سابقاً منصب مدير مشروع في مجمع العين لصناعة الطيران (نبراس)، وهو المجمع متعدد الاستخدامات الذي يهدف لدعم جهود تأسيس قطاع مستدام لصناعة الطيران في إمارة أبوظبي. وتدرج في مناصبه وصولاً لمنصب الرئيس التنفيذي.

ومع هذا المخزون من الخبرة ومعايشة التجربة، ستلمسون عمق المعلومات التي يزودنا بها عن تجربة "ستراتا" على مدى عقد من الزمان.

البداية من أجزاء الطائرات والتطور يسير إلى مناطق جغرافية وتخصصات جديدة

لنبدأ بأول سؤال يمكن أن يخطر على البال حينما نتحدث عن وجود شركة لتصنيع أجزاء الطائرات العالمية في بلد عربي، ما هو موقعكم في السوق العالمي اليوم؟

بداية، للإجابة على هذا السؤال، أود أن أقدم لمحة مختصرة عن "ستراتا"، فهي شركة مساهمة خاصة متخصصة بإنتاج أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة، ومقرها في مدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي، وتحديداً في مجمع العين لصناعة الطيران (نبراس). تأسست "ستراتا" عام 2009 وبدأت عملياتها التشغيلية عام 2010، وأبرمت شراكات مع شركات رائدة عالمياً في مجال تصنيع مكونات هياكل الطائرات مثل "بوينغ"، و"إيرباص"، و "ليوناردو – فينميكانيكا لصناعة هياكل الطائرات". فضلاً عن أنها مورد أساسي لشركات "بيلاتوس المحدودة للطائرات"، و "إف أيه سي سي"، و "سابكا لصناعة الطيران"، و "ساب" لصناعة الطائرات.

وستراتا مملوكة بالكامل من قبل شركة "مبادلة للاستثمار" (مبادلة)، الشركة العالمية التابعة والمملوكة لحكومة أبوظبي، والتي تهدف إلى التركيز على الاستثمار الاستراتيجي. وتعد "ستراتا" جزءاً من قطاع صناعة الطيران والطاقة النظيفة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في "مبادلة"، والذي يهدف لترسيخ موقع إمارة أبوظبي كمركز رائد عالمياً في مجال صناعة الطيران.

وبما أن هارفارد بزنس ريفيو متخصصة بالأعمال، فإن لغة الأرقام هي أفضل وسيلة لتسليط الضوء على إنجازاتنا في "ستراتا"، فحوالي 8% من الطائرات التي تطير في الأجواء حول العالم، والتي تتسع لـ 100 مقعد فما فوق، تحلق اليوم بأجزاء أو مكونات صنعتها "ستراتا" هنا في مدينة العين في الإمارات. طبعاً هذا يشمل طائرات النقل المدني، وليس طائرات الشحن الجوي. وفي عامنا هذا، نحتفل بمرور عقد على تأسيس "ستراتا". وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه عندما قررت أبوظبي دخول عالم صناعة الطيران، كان الهدف هو المساهمة في تفعيل هذه الصناعة لتكون محركاً ورافداً أساسياً لاقتصاد أبوظبي بشكل خاص واقتصاد الإمارات بشكل عام.

وباعتقادي فإنّ من أهم العوامل التي ساعدت في تمكين "ستراتا" من أن تكون مورداً موثوقاً على مستوى العالم لدى شركات تصنيع الطائرات الكبرى، هو المرونة ونموذج عمل "أجايل" الذي يمكننا من تبني التكنولوجيا الحديثة بما يتناسب مع أولوياتنا، في حين قد يحتاج غيرنا لسنوات طويلة لاعتمادها.

فعلى صعيد التصنيع وتقنياته، تقوم "ستراتا" اليوم بتصنيع أجزاء الطائرات من ألياف الكربون "الكاربون فايبر"، وهي مواد مركبة تستخدم في عملية التصنيع. وقد تم اختيار مدينة العين لمشاريعنا لوجود الموارد البشرية الكفؤة، إلى جانب المساهمة في دفع جهود التوطين انطلاقاً من حرصنا على الاستفادة من القدرات الوطنية المتميزة، حيث تحرص "ستراتا" على دمج الكوادر البشرية الإماراتية مع نخبة من الخبراء من مختلف أنحاء العالم بهدف تبادل التجارب وأفضل الممارسات العالمية الناجحة.

ومن جانب آخر، أود التطرق إلى أحد التحديات التي نعمل على تجاوزها، ألا وهو تحدي توطين هذه الصناعة، فقد كان هذا النوع من الصناعة جديداً بالنسبة للمواطن الإماراتي، وحتى الجامعات، بل والمنطقة بأسرها. ولذا فقد وقع على عاتقنا مهمة بناء "بيئة عمل" متكاملة لصناعة الطيران بدءاً من دعم تعليم صناعة الطيران وصولاً إلى جهودنا لتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة لدخول هذه البيئة وتطوير أعمال جديدة. وقد عملنا بادئ الأمر على تأسيس شراكة مع شركة "إيرباص"، و"لوكهيد مارتن"، وجامعة الإمارات العربية المتحدة (يو أيه إي يو) بهدف طرح برامج تعليمية مخصصة لتدريب المهندسين وفنيي تصنيع هياكل الطائرات. وقد بدأ برنامجنا التدريبي في العام 2010، ومع تخريج الدفعة الأخيرة في العام 2018، وصلت نسبة التوطين في الشركة إلى 53%، في الوقت الذي تشكل فيه المرأة الإماراتية حوالي 86% من إجمالي المواطنين العاملين لدينا، الذين يبلغ معدل أعمارهم 34 سنة، بينما تصل نسبة الموظفين من جيل الألفية 76% وتتراوح أعمارهم بين 20-25 عاماً.

وعلى الصعيد الهندسي، عقدنا شراكة مع شركة "بوينغ" نبتعث بموجبها عدداً من مهندسينا كل عام للعمل على خطوط الإنتاج في "بوينغ"، وضمت الدفعة الأولى مهندستان إماراتيتان عملتا لمدة 8 أشهر في شركة "بوينغ" على خط إنتاج طائرة "بوينغ 787"، ومن ثم نقلتا هذه الخبرة إلينا، وهما تعملان حالياً ضمن الفريق الهندسي في الشركة.

وتتمثل الأهداف التي حددتها "مبادلة"، باعتبارها الجهة المالكة لـ "ستراتا" في توسيع القاعدة الصناعية وعدم التركيز على أجزاء هياكل الطائرات فقط، وإنما الدخول أيضاً إلى عالم تصنيع محركات الطائرات والمواد الأولية، وهو ما نسعى للعمل عليه من خلال البحث عن شركاء استراتيجيين لمشاركتنا في الأهداف والرؤية.

وفي هذا الإطار، عقدت "ستراتا" شراكة مع الشركة العالمية "سولفاي" للبدء في تصنيع الألياف الكربونية المشبعة، التي يشار إليه أيضاً باسم المواد المركبة. وتستخدم هذه المواد المتطورة وعالية الأداء في تصنيع الهياكل المركبة لصناعات الطيران. وتعتبر هذه الشراكة تاريخية، فعلى مدار الـ 30 عاماً الماضية، استطاعت ثلاث شركات عالمية فقط تصنيع المواد المركبة. وبموجب علاقاتنا الاستراتيجية ومصداقيتنا في مجال الطيران، استطاعت "ستراتا" الدخول في هذا المجال مما يجعلها الشركة الرابعة على مستوى العالم، التي ستقوم بتصنيع المواد المركبة.

وستعمل منشأة التصنيع الجديدة التابعة لـ "ستراتا"، والتي نعمل على بنائها على مساحة 8,500 متر مربع تقريباً، على تزويد شركة "بوينغ" بألياف الكربون المشبعة مسبقاً (المواد المركبة) لاستخدامها في صناعة الهياكل الأساسية لبرنامج طائرات "بوينغ 777 إكس" الجديدة. ويتم استخدام المواد المركبة لصناعة أجزاء تمتاز بأداء قوي لكنها أخف وزناً بالمقارنة مع الهياكل المعدنية.

إذا عدنا إلى مرحلة تأسيس "ستراتا"، ما هي المعايير التي تم على أساسها تحديد جهوزية دولة الإمارات لتأسيس شركة تعمل على تصنيع أجزاء هياكل الطائرات وتنافس اللاعبين العالميين الكبار؟

تتمثل رؤية الإمارات منذ التأسيس بضرورة بناء قاعدة اقتصادية مستدامة بعيداً عن النفط والغاز. واليوم، وجهت حكومتنا أنظارها نحو استغلال الثروات النفطية الموجودة وعائداتها لتنويع مصادر الدخل. وقد أسست "مبادلة" كذراع استثمارية هدفها الاستراتيجي الأول تنويع مصادر الدخل لحكومة أبوظبي بشكل خاص وللإمارات بشكل عام، وقررت "مبادلة" الاستثمار في عدد من القطاعات ومنها قطاع صناعة الطيران وذلك لعدة أسباب: أولها، الموقع الاستراتيجي لدولة الإمارات، حيث إنّ 30% من سكان العالم يبعدون عن دولة الإمارات ما يعادل 4 ساعات بالطائرة، و60% - 70% يبعدون حوالي 8 ساعات طيران. كما أنّ الإمارات تملك مطارين من أسرع المطارات نمواً في العالم هما: مطار أبوظبي الدولي ومطار دبي الدولي. وتملك الإمارات اثنتين من أسرع شركات الطيران نمواً في العالم. ولقد ساعدتنا هذه الأسباب السابقة على قبول التحدي للدخول في عالم صناعة الطيران، إذ يتوجب علينا تحدي أنفسنا والدخول في مجالات جديدة، ويعتبر التصنيع بمثابة ركيزة أساسية لأي اقتصاد حقيقي في العالم، لذلك، فقد درسنا عام 2007 حوالي 22 تخصصاً في قطاع صناعة الطيران، وفكرنا البدء في عمليات تصنيع أجزاء هياكل الطائرات من المواد المركبة، باعتبارها مواد المستقبل، حيث تعمل شركات الطيران على أن يكون تصنيع أي طائرة يحتوي على نسبة 50% على الأقل من ألياف الكربون.

وحين وقعنا العقد مع شركة "إيرباص" بقيمة مليار دولار أميركي في العام 2008، لم نكن نملك مصنعاً أو قطعة أرض خاصة، وكان معظم الموظفين العاملين على المشروع هم من موظفي القسم المالي مع عدد من المهندسين. وفي ذلك الوقت كانت "ستراتا" عملياً عبارة عن وثائق ومستندات فقط، لكننا كنا مصممين على النجاح. بدأنا عام 2007، ثم وضعنا حجر الأساس في عام 2009 بحضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، وفي عام 2010، قمنا بتسليم أول شحنة من أجزاء الطائرات لشركة "إيرباص"، لقد بدأنا بخط إنتاج واحد في العام 2009 ووصلنا اليوم إلى 12 خط إنتاج.

تصنع شركة "ستراتا" اليوم أجزاء طائرات "إيرباص أيه 330"، و"إيرباص أيه 350"، و"إيرباص أيه 380". وتصنع الشركة أيضاً أجزاء طائرات "البوينغ" من طراز "777"، وطراز "787"، وأيضاً نصنع أجزاء طائرات شركة "أيه تي آر" (ATR) التابعة لشركة ليوناردو الإيطالية، مثل طراز "أيه تي آر 42/72"، وقد وقعنا السنة الماضية مع شريك استراتيجي جديد، شركة "بيلاتوس" (Pilatus) في سويسرا، لتصنيع أجزاء من الطائرات، كما فزنا بعقد جديد مع "بوينغ" لتصنيع أجزاء طائرة "777X". واستطعنا خلال عشرة أعوام منافسة كبرى الشركات العالمية في هذا المجال.

كيف عملتم على إيجاد جيل من الكوادر البشرية المؤهلة لهذه الصناعة؟

أستطيع القول إن إنشاء "ستراتا" وفر فرص عمل جديدة لم تكن موجودة في الإمارات أو المنطقة من قبل، إذ لم تكن وظيفة فني صناعة أجزاء هياكل الطائرات موجودة في الإمارات. وعندما بدأنا تحديد فكرة "ستراتا"، فكرنا بضرورة وجود جهود توطين قوية، لأن استدامة الصناعة لا تكون إلاّ بأيدي المواطنين، ولذلك أسسنا برنامج تدريب فنيي هياكل الطائرات الذي يمتد على مدار 22 شهراً، منها 10 أشهر تدريب نظري في الجامعة، و12 شهراً كتدريب عملي في شركة "ستراتا".

عقد من الزمن ساهمت خلاله ستراتا في ولادة قوى عاملة متخصصة وظهور مناهج علمية وبحثية جديدة

وكيف أثر وجود ستراتا وتخصصات العمل الجديدة التي طرحتها على بيئة التعليم ومناهجه في الإمارات؟

اخترنا مدينة العين كمقر للشركة لأنها تعتبر المدينة الأكاديمية في الإمارات، فهي تحتضن أكثر من 22 معهداً وجامعة وكلية، وفيها أول جامعة في دولة الإمارات، جامعة الإمارات العربية المتحدة (يو أيه إي يو). لذلك قررنا العمل مع المجتمع الأكاديمي لتعزيز قدراتنا وتنافسيتنا، فأسسنا في عام 2015 وحدة خاصة بالأبحاث والتطوير، تعمل بالتعاون والشراكة مع مختلف الجامعات في الدولة، مثل جامعة خليفة. وتركز هذه الوحدة على ثلاثة محاور رئيسة هي: الروبوتات المتقدمة، والمواد المتقدمة والعمليات الرقمية المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة.

بحسب بيانات الشركة، فإن حوالي 40% من الموردين هم شركات محلية. ماذا يقدم هؤلاء الموردون؟ وهل تساهم هذه النسبة من التوريد المحلي بخفض التكاليف؟

نهدف في شركة "ستراتا" إلى بناء سلسلة توريد محلية لقطاع صناعة الطيران وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة لدخول مجال صناعة الطيران، إذ ستمكننا سلسلة التوريد المحلية من تعزيز مكانة أبوظبي كمركز عالمي لقطاع صناعة الطيران.

ونحن نسعى لتأسيس بيئة عمل متكاملة بشكل فعلي، ولدينا عقود طلبات جاهزة دائماً، وهناك فرص استثمارية كبيرة، ونرغب بالتعاون مع شركات ومشاريع تنمو وتتطور في ظل بيئة العمل التي نؤسس لها في "ستراتا". على سبيل المثال، لم يكن لدينا مختبر في السابق فكنا نشحن المواد إلى أوروبا ليتم اختبارها واعتمادها والتصديق عليها، ثم أسسنا مختبراً خاصاً بنا. كما توجد أعمال جانبية يمكن لشركات أخرى أن تقوم بها وتستفيد منها مثل ورشة الطلاء، وهو عمل نقوم به حالياً ضمن ستراتا، لكن في حال توفر متعاقدين محليين يستطيعون الالتزام بالمواصفات فسنرحب بذلك وسيكون أمامهم فرصة للعمل والنمو.

هل هناك شركات منافسة تمتلك بعض المواد الأولية التي تحتاجها الصناعة في بلدها نفسه، ألا تعتقد أنّ هذا النوع من الشركات قادر على منافستكم؟

مفهوم المواد الأولية في طريقه للتغير مع التقدم التقني، حيث ستصبح المواد الأولية في مرحلة الطباعة ثلاثية الأبعاد عبارة عن بودرة متوفرة في كل مكان. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن قدرتنا التنافسية في الوقت الحالي مبنية على التخصص، حيث تعتمد استراتيجية ستراتا على تصنيع أجزاء هياكل الطائرات باستخدام المواد المركبة، وتتركز هذه الأجزاء في ذيل الطائرة وجناحها في الوقت الحالي. وقد اعتمدنا هذه الاستراتيجية لعدة أسباب، منها، أنّ التطور التكنولوجي يكون في جناح الطائرة وذيلها، حيث إنّ تكنولوجيا الجناح تطورت خلال الـ 40 سنة الماضية بشكل كبير.

ومن المتوقع بحسب دراسات السوق والجدوى، أن تتجه شركات تصنيع الطائرات إلى زيادة نسبة المواد المركبة في أجزاء الطائرة.

ذكرت في بداية الحديث أنكم متجهون نحو تصنيع محركات الطائرات أيضاً. السؤال: في حال دخولكم هذا المجال، ما هو العامل الذي سيجعلكم منافسين للشركات العاملة في هذا المجال على مستوى العالم؟

بعد مرور عقد من الزمن على تأسيس ستراتا وخلال هذه الفترة القصيرة من العمل في قطاع صناعات الطيران، تمكنت "ستراتا" من ترسيخ موقعها كشركة عالمية ومورد مهم لأجزا الطائرات ومكوناتها لكل من "إيرباص" و"بوينغ".

وتستهدف الشركة خطة استراتيجية متكاملة في مختلف مجالات صناعات الطيران خلال الفترة المقبلة، من خلال الدخول في مجال صناعة أجزاء محركات الطائرات.

ونحن نذكر أنفسنا دوماً أن أحد العوامل الرئيسة التي ستمكننا من المنافسة في قطاع الطيران هو استخدام التكنولوجيا المتقدمة. إنّ التكنولوجيا في تطور مستمر، وما يُستخدم اليوم في خطوط الإنتاج قد يصعب تنفيذه بعد 5 أو 6 سنوات، لذلك يجب أن يكون هناك سعي دائم لتطوير خط الإنتاج وتقليل التكلفة وزيادة الأرباح وهذه خطط مستمرة بشكل سنوي ودوري.

إذا أردت تقسيم مسيرة ستراتا على مدار 10 أعوام إلى ثلاثة معالم أو إنجازات، كيف تقسمها؟

أولاً، المساهمة في تعزيز مكانة أبوظبي كمركز عالمي لقطاع صناعة الطيران، وقطاع التصنيع بشكل عام. أما الإنجاز الثاني، فيتمثل في الحركة الأكاديمية أو العلاقة المتقاربة مع المنظومة الأكاديمية في الإمارات عبر إجراء أبحاث وتطوير. الإنجاز الثالث، يتمثل في تطوير كوادر بشرية قادرة على المنافسة في مجال صناعة الطيران، حيث يمثل الكادر البشري الإماراتي نسبة 53%، إضافة إلى تمكين المرأة عبر مشاركتها في هذا القطاع، حيث إنّ 86% من العاملين الإماراتيين في مصنعنا هم من النساء.

ماهي خطواتكم المستقبلية لتكريس ستراتا كلاعب عالمي في مجال الصناعة؟

هدفنا هو توسيع القاعدة الصناعية بحيث لا يقتصر تخصصنا على أجزاء هياكل الطائرات فحسب، بل سنتجه إلى تصنيع مواد التقوية، كما سنتوسع نحو تصنيع أجزاء المحركات، وهناك العديد من المشاريع التي نقيّم جدواها حالياً.

وستكون شركة ستراتا مركزاً متميزاً ليس في صناعة هياكل الطائرات فقط، وإنما لصناعات أخرى تنطلق أيضاً من الإمارات. ومن ضمن أهدافنا الاستراتيجية خلال السنوات الخمس القادمة، تأسيس مراكز تصنيع بالقرب من شركائنا الاستراتيجيين.

بمناسبة الحديث عن مرحلة الروبوتات المستقبلية، هل بدأ التطبيق العملي أم ما زالت ضمن مرحلة الدراسة؟

بدأنا هذا العام تجارب التصنيع باستخدام الروبوتات، والتي تعمل عن طريق وضع طبقات المواد المركبة المستخدمة في صناعة مكونات الرفارف الداخلية لأجنحة طائرات "إيرباص 900- 350A".

إن إضافة الروبوتات إلى المحفظة التكنولوجية، تعد خطوة مهمة تسمح للشركة بتطوير قدراتها من خلال تبني تقنيات التصنيع المؤتمت. كما أن التقنية الجديدة تساهم في توفير الوقت والجهد بدلاً من عملية التصنيع اليدوي التقليدية.

كما يساعد التبني السريع لأحدث التقنيات والحلول المتوفرة مثل تقنية التصنيع المؤتمت على تعزيز تنافسية ستراتا في قطاع صناعة الطيران العالمي.

وتعتمد وحدة الفحص غير المدمر، والتي نقيس فيها جودة الأجزاء باستخدام الروبوتات، حيث قمنا بإدخال روبوتين جديدين للقيام بعملية التصوير واستخدام الأشعة فوق الصوتية. كما وقعنا اتفاقية للتطوير والتعاون مع شركة "دي جي روبوتيكس" في دبي، بهدف تطوير روبوت يدخل ضمن عمليات التجميع، إذ تقسم عملياتنا إلى نوعين: عمليات تصنيع وعمليات تجميع.

لا شك أن إدخال الروبوتات في مجال التصنيع هو جزء من هدفكم المعلن ببناء مصنع المستقبل والذي لابد أن تكون الطباعة ثلاثية الأبعاد جزءاً منه، فكيف تسير الخطة؟

فيما يتعلق بالطباعة الثلاثية الأبعاد فقد بدأنا بالفعل الخطوات العملية، ووقعنا قبل عامين اتفاقية مع كلٍ من شركة "طيران الاتحاد"، وشركة "سيمنز" الألمانية، بحيث تصبح ستراتا أول شركة في المنطقة تقوم بتصنيع الأجزاء الداخلية للطائرة وهي عبارة عن إطار من البلاستيك يحيط بالشاشات الموجودة على متن طائرات الاتحاد للطيران باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.

نحن نراهن على تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تتسم بأهمية كبيرة في عمليات التصنيع في المستقبل، ونعتقد أن هذه التقنية ستكون إحدى الفرص التي ستتيح لنا التوسع في صناعات أخرى غير صناعة الطيران، حيث سندخل مجالات أخرى متسلحين بخبرتنا وموثوقيتنا العالية في مجال تصنيع أجزاء الطائرات.

بناءً على ما ذكر، كيف تحضر ستراتا لمصنع المستقبل؟

تصورنا لمصنع المستقبل يستند إلى ثلاثة محاور رئيسة.

أولاً: المبنى الذكي القادر على استخدام الطاقة بكفاءة والتحكم بدرجة الحرارة حسب عدد الأشخاص الموجودين في الغرفة، ويكون الزجاج فيه قادراً على حجب أشعة الشمس عبر تقنية التصوير الحراري.

ثانياً: عمليات التصنيع الذكية، وتعني ربط الآلة مع الموظف ووحدة المراقبة المركزية، وتستطيع هذه الوحدة توفير المعلومات بشكل مباشر، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يتطلب تصنيع قطعة معينة ما يقارب آلاف العمليات، وإذا حدث أي خلل في خط الإنتاج يمكنك تحديد سببه لاحقاً، لذلك فإن مصنع المستقبل يعمل على تحقيق التكامل بين الآلة والفني ووحدة المراقبة المركزية.

ثالثاً: الموظف الذكي، حيث يمكن مراقبة إنتاجية الموظف بشكل مباشر، حيث أنه في الوقت الراهن لا يمكن تحديد ذلك إلا بعد الانتهاء من تصنيع القطعة.

كيف تستعد ستراتا لمصنع المستقبل فيما يتعلق بتدريب الكوادر على وظائف واختصاصات جديدة لم تظهر بعد؟

نخطط لتدريب عددٍ من مهندسينا في مجال تحليل البيانات ليتمكنوا من تطوير مهاراتهم في تخصصات تخدمنا اليوم ومستقبلاً، وذلك من خلال وحدة الأبحاث والتطوير، الأمر الذي سيكون له دور كبير في دعم مسيرة الشركة، فاليوم هناك نقص كبير على الصعيد العالمي في هذا المجال، وهنالك منافسة شديدة لاجتذاب المهارات المستقبلية النادرة.

كيف ترى موقع ستراتا عالمياً بعد 5 إلى 10 أعوام؟

سوف تتوسع القاعدة الصناعية لشركة ستراتا خلال السنوات الخمس القادمة، وسندخل مجال تصنيع أجزاء أخرى للطائرات، ويمكن أن ندخل مجالات تصنيع أخرى بعيداً عن صناعة الطيران، إذ نهدف إلى أن نكون شركة تكنولوجية وصناعية أيضاً، لذلك لن يكون التركيز على صناعة الطيران فقط. كما أننا سنكون أكثر قرباً من شركائنا الاستراتيجيين، إذ سيكون هناك توسعة خارج حدود الإمارات والمنطقة. كما أعلنت شركة "مبادلة" تعاونها الاستراتيجي مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) وقد حددت مذكرة تفاهم بين الشركتين الإطار الاستراتيجي للاستثمار المشترك والتعاون على المدى الطويل في مجال البحث والتطوير والتصنيع والإصلاح والصيانة والعمرة والهندسة، وذلك استكمالاً لخطط التحول الصناعي الطموحة التي تبنتها كل من السعودية وأبوظبي، بما في ذلك استراتيجيات التطوير والنمو، عبر سلسلة القيمة لقطاعي صناعة الطيران والصناعات الدفاعية. ويستند هذا التعاون الاستراتيجي إلى شراكة طويلة المدى، تستفيد من خبرة "مبادلة" التي تمتد على مدى عشر سنوات في تطوير نظام بيئي متكامل لقطاع صناعة الطيران المتمثلة في شركة "ستراتا للتصنيع".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي