قد يكون الدخول في نزاع مع زميل يعمل في مكان بعيد أو في منطقة زمنية مختلفة محبطاً ومؤلماً في آن معاً، سواء كان من خلال تبادل رسائل البريد الإلكتروني اللاذعة أو الاختلاف علناً في اجتماع افتراضي أو برود التعامل؛ ودون فرصة للقاء المباشر والتفاعل الشخصي سيستمر الخلاف دون معالجة ويتفاقم بمرور الوقت. لماذا يثير الخلاف مع زميل بعيد إشكالية كبيرة؟ وما أفضل طريقة لحل الخلاف مع شخص يعمل في موقع آخر؟ وكيف يمكنك إصلاح العلاقة دون تواصل بصري معه؟
ما الذي يقوله الخبراء؟
يقول الأستاذ المشارك لمادة السلوك التنظيمي في المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال (إنسياد)، مارك مورتنسن، إن الخلاف مع الزملاء البعيدين يمثّل تحدياً بسبب عدة عوامل: "المشكلتان الرئيسيتان هما عدم اتساق فهم الطرفين لطريقة العمل وغياب الهوية المشتركة". فعندما تنعدم القواسم المشتركة بين الزميلين تقل احتمالية أن يفترض أحدهما حسن نية الآخر فيمنحه فائدة الشك، كما أنه من الصعب تقييم استجابة الطرف الآخر ومعرفة إذا ما كان صمته علامة على أنه ينحّي مشاعره أم أنه غاضب. تقول الأستاذة في علوم الإدارة والهندسة في جامعة ستانفورد، باميلا هيندز، في هذا الصدد: "لن تعرف مشاعر الطرف الآخر دون رؤية لغة جسده أو تعابير وجهه وسماع نبرة صوته، وبالتالي سيستغرق إدراك الخلاف وقتاً أطول مما لو كنتما تعملان في المكان نفسه". ولكن لا يزال بالإمكان إصلاح الأمر، إذ يؤكد مورتنسن أن أساليب حل النزاعات التي تستخدم في التعامل الشخصي يمكن أن تنجح أيضاً في البيئة الافتراضية، ولكن تطبيقها يتطلب جهداً إضافياً. فيما يلي بعض الاعتبارات والأساليب البديلة التي يمكن استخدامها عند التعامل مع زميل بعيد يتصاعد الخلاف معه.
قدّر الإيجابيات
يقول مورتنسن: "هناك العديد من المزايا للعمل عن بُعد، ومنها أنك تتغاضى غالباً عن الإشارات البسيطة؛ إذا التقيت زميلك في اجتماع شخصياً، فقد تكتشف من نظرة واحدة أنه غاضب، أما حين تكلمه على الهاتف فقد تشعر بتغير طفيف في نبرة صوته ولا تولي له اهتماماً". تتفق هيندز مع هذا الرأي، وتقول: "يميل الأشخاص عندما يلتقون شخصياً إلى مناقشة الخلاف الذي يلاحظونه حتى لو لم يفكروا ملياً في موقفهم، أما في التعامل عن بُعد، فيميلون إلى المسامحة أو تجاهل الخلافات البسيطة إذ يقل احتمال ملاحظة علامات الانزعاج أو النظرات المستهجنة وغيرها من العلامات التي تدل على نشوب خلاف، وينصب التركيز أكثر على العمل وسياقه".
افترض حسن نية زميلك وامنحه فائدة الشك
في الواقع، غالباً ما يميل الأشخاص إلى إساءة فهم مشاعر زملائهم أو سلوكهم لأنهم لا يشاركونهم السياق نفسه، فهم لا يجلسون في المبنى نفسه ولا يعانون الطقس السيئ نفسه أو البيئة المحيطة نفسها. إذا كان زميلك على سبيل المثال يتأخر باستمرار عن اجتماعكما الافتراضي الأسبوعي، فقد تفترض أنه لا يحترم وقتك أو أنه غير ملتزم بالمشروع، توضح هيندز: "نميل بطبيعتنا إلى أخذ الأمور على محمل شخصي أو إلقاء اللوم على الطرف الآخر عندما نواجه المشكلة بدلاً من النظر في الظروف التي يعانيها". بدلاً من أن تسيء الظن بزميلك، مثل اعتباره أنانياً جداً، حاول التفكير في تبريرات أخرى محتملة لسلوكه، فربما تأخر لأنه كان يحضر اجتماعاً في مبنى آخر قبل اجتماعك مباشرة، أو لأنه في مزاج سيئ لأن الأمطار تستمر بلا توقف في المكان الذي يعيش فيه. عليك أن تدرك أنه ليس بمقدورك فهم سبب سلوكه وأنه قد لا يكون متعلقاً بك.
أوقف التواصل عبر البريد الإلكتروني
من المرجح أن تجري معظم تفاعلاتك مع زميلك البعيد عبر الرسائل الإلكترونية، وهذه مشكلة؛ إذ أكدت دراسة أجرتها أستاذة قسم الإدارة بجامعة سيراكيوز، كريستين بايرون، عام 2007 ما ندركه جميعاً أو تعلمناه من التجربة: غالباً ما يزيد الاعتماد على البريد الإلكتروني احتمال نشوب الخلافات وسوء الفهم. يقول مورتنسن موضحاً: "لقد تطور البشر وتعلموا ملاحظة الإشارات السياقية، فنحن قادرون على قراءة تعابير الوجه ومعرفة إذا ما كان الشخص يمزح أم لا من خلال نبرة صوته، ولكن عندما لا نكون في المكان نفسه لا يمكننا رؤية هذه الإشارات. لذلك إذا دخلت في جدال مع زميلك عبر البريد الإلكتروني فأوقف المراسلة واتصل به أو حدد موعداً لاجتماع افتراضي عبر سكايب بدلاً من ذلك". تؤكد هيندز ضرورة أن يفهم كل طرف وجهة نظر الطرف الآخر لحل الخلاف، وتزداد صعوبة هذه المهمة عندما لا يمكن للطرفين رؤية أحدهما الآخر ولا يحدث التواصل بينهما في الوقت الفعلي.
ركز على القواسم المشتركة بينكما
عندما تتواصل مع زميلك سواء عبر الهاتف أو مكالمة الفيديو، ابدأ المحادثة بتسليط الضوء على القواسم المشتركة بينكما. يمكنك مثلاً الحديث عن تجربتكما المشتركة في أنكما والدان لأطفال صغار أو خريجان في الكلية نفسها أو الحديث عن تفانيكما المشترك في عملكما. يقترح مورتنسن أن يذكّر كل منكما الآخر بالتجارب والانتصارات والنجاحات المشتركة لتسليط الضوء على أوجه التشابه بدلاً من الاختلاف، ويضيف: "ليس عليك بالضرورة ذكر أوجه التشابه بطريقة مباشرة، مثل قول 'كلانا والدان'، بل يمكنك أن تسأله عن أطفاله أو تخبره بقصة سريعة عن أطفالك. كلما زدت التركيز على هذه الجوانب المشتركة في محادثتك، زاد الشعور بالترابط بينكما".
تفهّم وجهة نظر الطرف الآخر
القدرة على رؤية الموقف من وجهة نظر الشخص الآخر هي إحدى المهارات الأساسية لحل النزاعات، ضع نفسك مكان زميلك البعيد وتخيّل تجربته؛ ما سبب انزعاجه؟ ما الذي يحبطه في هذا الموقف؟ يقول مورتنسن: "سيساعدك ذلك على حل المشكلة وإصلاح العلاقة فيما بعد". إذا كانت معلوماتك حول زميلك محدودة أو لم تلتقِ به شخصياً إلا مرات قليلة، فمن المفيد أن تطرح عليه أسئلة مثل: "كيف ترى هذا الموقف؟" أو "ما الذي قد أغفل عنه بسبب تباعدنا؟" يمكنك أيضاً تشجيع زميلك على فهم وجهة نظرك من خلال سؤاله: "ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني؟"، يؤكد مورتنسن أن هذا النهج مفيد لحل أي خلاف، خصوصاً في الفِرق التي لا يعمل أفرادها معاً في المكان نفسه.
ضع في اعتبارك اختلاف الثقافة
تقول هيندز إن الاختلافات اللغوية والثقافية غالباً ما تفاقم المشكلة؛ فقد يصعب حلّ خلاف مع شخص من ثقافة مختلفة لأنه قد يعبّر عن مشاعره بطريقة مختلفة أو يتحدث لغة مختلفة، توضح هيندز: "إذا قال شخص ما 'لا بأس'، فقد لا يعبّر عما يعنيه بدقة، وقد يعني 'أنا لا أتفق معك تماماً في هذا الشأن ولكني لن أقول ذلك علناً'". تمثل هذه المشكلة تحدياً للأميركيين خصوصاً، حيث إنهم يميلون نسبياً إلى تفضيل التواصل المباشر والواضح، ويفتقرون إلى مهارة فهم الإشارات الأدق المستخدمة في الثقافات الأخرى. إذا لم تكن متأكداً من سبب سلوك زميلك، فاطلب المشورة من زميل ينتمي إلى ثقافته نفسها أو يعمل معه في المكتب نفسه.
أشرِك طرفاً ثالثاً إذا لزم الأمر
إذا لم يكن بمقدورك حل الخلاف بينكما فقد يكون من الضروري الطلب من شخص آخر التدخل، تقول هيندز في هذا الصدد: "من المفيد إشراك شخص ثالث محايد للتوسط في النزاع ومحاولة تقريب وجهات نظر الطرفين، ولا يهم موقعه ما دام المعنيان بالنزاع يتفقان على أن هذا الشخص حيادي ومقبول".
استفِد من النزاع لتقوية علاقتك
يمكن أن يؤدي حل نزاع مع زميل عن بُعد إلى تجربة مشتركة مفيدة؛ من المهم تجاوز الخلافات لكن مناقشتها مفيدة أيضاً. يقول مورتنسن: "بمجرد أن تهدأ حدة النزاع ويصبح بمقدورك مناقشة الأمر بحيادية، يمكنك الخوض فيما حدث لتصبح هذه التجربة مشتركة". تتفق هيندز مع هذا الرأي، وتقول: "إذا نجحتما في حل النزاع وشعرتما بالرضا، فهذا كل ما تحتاجان إليه لتقوية علاقتكما بعد ذلك".
خطّط لزيارة
لتجنب النزاعات المستقبلية، فكر في زيارة مكتب زميلك إن أمكن أو دعوته إلى مكتبك، سيساعدك ذلك برأي مورتنسن على معرفة وجهة نظره وفهم التحديات التي يواجهها.
إذا لم تكن الزيارة الشخصية ممكنة، يقترح مورتنسن تخصيص الدقائق الخمس أو العشر الأولى من الاجتماع للحديث عن سياق عملكما. يمكنك أن تطلب من زميلك مثلاً إخبارك بأمر تجهله عنه أو عن ظروف العمل في مكتبه، أو يمكنك أن تخبره عن بعض تفاصيل وضعك، مثل ترتيب مكان عملك ومن يجلس بجوارك في المكتب والأحداث الجارية. يمكنك أيضاً أن تأخذ زميلك في جولة افتراضية في مكتبك عبر سكايب أو فيس تايم.
عزز التواصل غير الرسمي
أثبت بحث أجراه مورتنسن وهيندز أن التواصل غير الرسمي والعفوي يقلل إلى حد كبير من النزاعات بين الزملاء الذين لا يعملون معاً في الموقع نفسه، لذلك احرص على الاستفادة إلى أقصى حد من فرص التفاعلات غير الرسمية. أبقِ قنوات التواصل غير الرسمية مفتوحة، مثل تطبيقات المراسلة الفورية، لمشاركة الحكايات الشخصية أو النكات على مدار اليوم. خذ فترات استراحة افتراضية متزامنة مع زميلك البعيد، فبينما تستمتعان باحتساء الشاي، تحدثا على الهاتف. يمكنكما أيضاً ترك كاميرات الكمبيوتر تعمل بحيث يرى كل منكما الآخر طوال اليوم. يشير مورتنسن إلى أن هذه الاتصالات المرئية بين المكاتب تخلق مساحة مشتركة وتوفر المزيد من الفرص لإجراء مناقشات عفوية ومثمرة غالباً في مكان العمل.
مبادئ يجب تذكّرها
ما يجب أن تفعله:
- سلّط الضوء على أي قواسم مشتركة، سواء كانت شخصية أو متعلقة بالعمل.
- ضع نفسك في موقف زميلك وحاول فهم وجهة نظره تجاهك.
- اذهب لزيارة زميلك شخصياً إذا كان ذلك ممكناً.
ما يجب ألا تفعله:
- مجادلة زميلك عبر البريد الإلكتروني؛ بل تكلم معه عبر الهاتف أو مكالمة فيديو.
- ظن السوء بزميلك؛ بل أدرك أنه لا يمكنك فهم سبب تصرفه بهذه الطريقة.
- نسيان أمر الخلاف ببساطة؛ بل احرص على أن يكون تجربة مشتركة تستفيد منها لتقوية علاقتك به.
دراسة حالة رقم 1: اتصل بالهاتف
لم تلتقِ راما بزميلتها ندى شخصياً إلا عندما زارت المقر الرئيس لمؤسسة الرعاية الصحية التي تعملان بها في ماريلاند (عُدلت الأسماء وبعض التفاصيل). كانت ندى معروفة بأنها صعبة المراس في العمل، لكن ذلك لم يمنع راما من التواصل معها. تقول راما: "كنت من الأشخاص القلائل الذين انسجموا معها، بل كنت أيضاً أدافع عنها أمام أشخاص آخرين كانوا يعتقدون أنها مزعجة". إلا أن علاقتهما أخذت منحى آخر عندما بدأتا تتعاونان على نحو وثيق في مشروع تقوده ندى. كانت ندى ترسل مراراً رسائل إلكترونية مشتركة مع أعضاء الفريق الآخرين تنتقد فيها عمل راما صراحة، وكانت رسائلها فظة ولم تتضمن أياً من المجاملات المعتادة بين الزملاء. وغالباً ما كانت ترسل هذه الرسائل في وقت متأخر من الليل لتستيقظ راما على وقع الملاحظات القاسية في بريدها الوارد. تقول راما: "تجاهلت في البداية طريقة تواصلها معي، اعتقدت أنها لم تكن تتقصد الإساءة وأن هذه مشكلة في طريقة تواصلها فقط".
لكن سرعان ما أدركت راما أن ندى كانت تتصرف بخبث. تقول: "في الحقيقة، جرحت الرسائل الإلكترونية مشاعري ولم يعجبني توجيه النقد إلي أمام زملائي". طلبت راما من ندى في زيارتها التالية إلى مقر المؤسسة في ماريلاند أن تخرجا معاً لتناول العشاء. تقول راما: "كنت صريحة جداً وأخبرتها بأن رسائلها الإلكترونية تزعجني، وأني شعرت بأنها لا تحترم عملي". فوجئت ندى وقالت إنها لم تتقصد الإساءة إلى راما.
اعتذرت ندى منها ووعدتها بأن تكون أكثر حذراً، لكن الوضع لم يتحسن على الفور. تقول راما: "استمرت ندى بإرسال تلك الرسائل الإلكترونية، لكني كنت أعالج الأمر على الفور بالاتصال بها بدلاً من الرد عبر البريد الإلكتروني. كانت تبدو أقل دفاعية بكثير عندما تسمع صوتي". تقر راما بأن الأمر استغرق منها جهداً مضاعفاً لتحسين علاقتها مع ندى، ولكن ذلك أفضل من الشعور بالاستياء، وتقول إنها لم تستطع تغيير سلوك ندى ولكنها استطاعت أن توضح لها كيف يؤثر سلوكها عليها.
لا تزال راما وندى تعملان على المشروع نفسه، وتقول راما إن العمل يسير الآن بسلاسة أكبر، وتضيف أخيراً: "تفهّم كل منا الأخرى جيداً، وقد طورت أساليب للعمل بفعالية معها. لم تتغير سمعة ندى، لكن لديها أيضاً الكثير لتقدمه".
دراسة حالة رقم 2: لا تفترض أن زميلك لا يحترمك
عندما كُلفت مديرة تطوير المبيعات في شركة إعلامية في نيويورك، ولنسمها ثناء، بالعمل على مشروع بحثي مهم مع زميلتها ربا التي تعمل في المقر الرئيس في سان فرانسيسكو، توقعت أن يكون هذا التعاون صعباً (عُدلت الأسماء وبعض التفاصيل). كانت ثناء تنزعج دائماً من نبرة صوت ربا على الهاتف، تقول موضحة: "لم يعجبني أسلوبها في التواصل، إذ إن طريقة حديثها على الهاتف غريبة وتتوقف وتتردد كثيراً".
تقبَّلت ثناء في البداية أسلوب تواصل ربا، ولكن عندما بدأت تتحدث يومياً إليها لإكمال البحث من أجل عرضه في مناسبة مهمة بعد أسابيع قليلة، ازداد إحباطها ولم تخفِ ذلك. عندما كانت ربا تتوقف عن الحديث على الهاتف، كانت ثناء تقول بحدة: "هل تفهمين ما أقوله؟ هل ما زلتِ على الخط؟ هل اتفقنا على هذه النقطة؟" في حين كانت ربا ترد باقتضاب: "نعم، ما زلت على الخط".
تتذكر ثناء قائلة: "ما كان يحبطني أنها لم تشاركني طريقة عملها ولم تكن تطلعني على ظروفها، لذلك لم أكن أعلم قط ما تفعله". أخيراً، وبعد أسبوع من المكالمات الهاتفية المتوترة، اقترحت ثناء التواصل عبر سكايب ووافقت ربا على ذلك. تقول ثناء: "كانت دون شك تشعر بالغضب أيضاً، ولكن لم يكن بمقدورها أن تفهم سبب نفاد صبري إلى هذا الحد".
أحدث التواصل عبر سكايب فرقاً كبيراً. "كان بمقدوري رؤية تعابير وجهها وهي تتوقف عن الكلام، واكتشفت أنها كانت تسمعني باهتمام ولم تكن مشتتة الذهن أو تؤدي عملاً آخر. كانت تفكر فقط. وقد بدت أكثر راحة واسترخاء أيضاً، ولاحظت تغيراً كبيراً في نبرة صوتها".