حلول مبتكرة لأزمة مزمنة: كيف تحول السعودية تحدي التصحر إلى فرصة تنموية؟

3 دقيقة
التصحر
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو العربية، تصميم: محمد محمود)

ملخص: أصبح الابتكار اليوم أداة محورية لمواجهة التحديات البيئية، مثل التغير المناخي، عبر تقديم حلول عملية وفعالة. ومن خلال تبني تقنيات حديثة، يمكن للدول تسريع خططها البيئية وحماية مستقبلها. تواجه السعودية التي تغطي الرمال 33% من مساحتها مشكلة التصحر من خلال:

  • دمج الاستشعار عن بُعد والذكاء الاصطناعي لرصد الغطاء النباتي ومراقبة مساحة الأراضي.
  • الزراعة والتشجير بواسطة الطائرات بدون طيار التي تتميز بسرعة أكبر وتكلفة أقل.
  • تعزيز أنشطة البحث العلمي والانفتاح على التجارب العالمية.
  • تعزيز التعاون والشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمار في شركات تكنولوجيا المناخ الناشئة.

شركة تيراكسي الناشئة في السعودية أسّسها آدير جالو وهيمانشو ميشرا عام 2023، ابتكرت حلولاً زراعية مستلهمة من سحلية الصحراء لتقليل تبخر المياه وتحسين خصوبة التربة القاحلة. منتجها الأول "ساندإكس" يغلف التربة بطبقة نانوية من شمع طبيعي تقلل تبخر الماء بنسبة تصل إلى 80%، أما المنتج الثاني "كاربوسويل" فهو سماد عضوي يُحسِّن التربة ويزيد المحصول بنسبة تصل إلى 70%.

قصة تيراكسي تجمع بين استلهام الطبيعة والتكنولوجيا، وتخدم أهداف الاستدامة في رؤية السعودية 2030، وتظهر الدور الحاسم الذي تؤديه التكنولوجيا في تسريع ابتكار حلول فعالة لمشكلات مثل ندرة المياه وتدهور البيئة، من خلال تقنيات مثل النانو والذكاء الاصطناعي التي تحسن كفاءة الري وجودة التربة.

حيث أصبح الابتكار التكنولوجي أداة مركزية في مواجهة التحديات البيئية، ووفقاً لتقرير صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2025، فإن استخدام الأقمار الصناعية للتصوير الحراري عالي الدقة، يساعد في الكشف المبكر عن إجهاد مياه المحاصيل، ما يتيح للمزارعين تحسين استراتيجيات الري، وما يؤدي إلى تقليل استخدام المياه بنسبة تصل إلى 30%.

يوفر الابتكار تقنيات وأنظمة وعمليات جديدة يمكن أن تقلل من تداعيات تغير المناخ، على سبيل المثال، جعلت التطورات في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مصادر الطاقة المتجددة أكثر فعالية وكفاءة من حيث التكلفة، ويتيح الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات إمكانية النمذجة التنبؤية، وتحسين استخدام الموارد واستراتيجيات التكيف مع المناخ.

كيف تواجه السعودية مشكلة التصحر؟

يعد التصحر وتدهور الأراضي والجفاف من بين التحديات البيئية المعقدة. بعد أن كانت الغابات والشجيرات والمراعي البرية تغطي 71% من مساحة اليابسة، أصبحت مساحة الغابات المفقودة في الدقيقة الواحدة تعادل مساحة 27 ملعب كرة قدم. لكن في المقابل، كل دولار يجري استثماره في استصلاح الأراضي يوفر عائداً اقتصادياً يتراوح بين 7 و30 دولاراً من خلال تحسين جودة المياه والحد من مخاطر الفيضانات ودعم المرونة الزراعية.

وعليه، وضعت المملكة العربية السعودية استصلاح الأراضي ومكافحة التصحر والجفاف، محوراً أساسياً في خططها ومبادراتها الخضراء، إذ تسعى إلى زراعة 10 مليارات شجرة لإعادة تأهيل 74 مليون هكتار (740 ألف كيلومتر مربع) من الأراضي واستعادة خضرتها الطبيعية. لكن الرمال تغطي 33% من مساحة السعودية، فكيف تعمل على تحقيق التحول الأخضر؟

تبنت ابتكارات تجمع بين التكنولوجيا الحيوية والاستشعار عن بعد وعلوم البيانات والممارسات التجديدية لتحسين نتائج استصلاح الأراضي على نطاق واسع. إذ تعتمد وزارة البيئة والمياه والزراعة تقنية دمج الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي، حيث يجري استخدام بيانات الأقمار الصناعية والتحليل المدعوم بالذكاء الاصطناعي لرصد الغطاء النباتي بدقة وفي الوقت الفعلي، ومراقبة صحة النباتات، ورصد تغير مساحة الأراضي، وحساب كميات الأمطار.

ويجري استخدام الطائرات بدون طيار المزودة بالذكاء الاصطناعي لمسح الأراضي المتدهورة وإسقاط بذور تحتوي على مغذيات ومواد هلامية لامتصاص الرطوبة. تسهل هذه التقنية العمل في الأراضي النائية أو التي يصعب الوصول إليها، وتعد فعالة من حيث السرعة والتكلفة، إذ يمكن للطائرة الواحدة زراعة 40 ألف بذرة يومياً بكفاءة عالية، وأسرع بـ 25 مرة وأرخص بنسبة 80% من طرق الزراعة التقليدية.

ويجري العمل على تطوير حلول مبتكرة للتحديات البيئية، من خلال تعزيز أنشطة البحث العلمي في مجالات تنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، وبناء شراكات استراتيجية تسهم في التطوير والابتكار، منها الشراكة مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، للقيام بالأبحاث والدراسات لفهم طبيعة التربة ومدى تأثرها بالضغوط المحيطة من أجل التوصل إلى أفضل الحلول للزراعة والتشجير، بالإضافة إلى التعاون مع المركز في تنظيم المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير، لتبادل المعرفة واستعراض أحدث الابتكارات والتقنيات في مجال التشجير ومكافحة التصحر.

تدرك السعودية أن الابتكار يتيح التكامل بين القطاعين العام والخاص والتنسيق متعدد النطاقات، بما يسهم في تسريع وتيرة تحويل الأفكار إلى حلول مبتكرة ومؤثرة، لذا تعمل على دمج التوجيه الحكومي مع ديناميكية القطاع الخاص لبناء منظومة ابتكارية قابلة للتوسع، ومواكبة للمستقبل، ومنفتحة على المشاركة العالمية، وتعمل على إنشاء منصات وسياسات وشراكات تمكن الشركات الناشئة والمؤسسات من المشاركة في ابتكار حلول، لا سيما في مجالات والبيئة والذكاء الاصطناعي.

وبحسب تقرير "تكنولوجيا المناخ في الشرق الأوسط 2023" الصادر عن شركة التدقيق العالمية "برايس ووترهاوس كوبرز، فإن السعودية تمثل 75% من استثمارات منطقة الشرق الأوسط في الشركات الناشئة بمجال تكنولوجيا المناخ عالمياً، ويشغل قطاع الغذاء والزراعة وإدارة الأراضي النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات بقيمة 39 مليون دولار.

تثبت تجربة السعودية أن الابتكار هو المفتاح لمواجهة التحديات البيئية الصعبة، فمن خلال التركيز على الاستخدام المستدام للموارد، والتعاون لتوسيع نطاق التشجير، يمكن مواجهة تحديات التصحر بفعالية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي