كيف تساعد الطرف الآخر على حفظ ماء وجهه للنجاح في التفاوض؟

4 دقائق
مساعدة الطرف الآخر على حفظ ماء الوجه في المفاوضات

ما القاسم المشترك بين مفاوضات حقوق الإنسان في أفغانستان، ومفاوضات أزمة مدينة كالغاري الكندية، ونزاع تجاري بين شخص برازيلي وآخر فرنسي؟ يبدو للوهلة الأولى أنه لا يوجد بينها قاسم مشترك، لكنك إذا دققت النظر في هذه المفاوضات الخطرة، ستكتشف أن هناك خيطاً مشتركاً يربط بينها جميعاً، ألا وهو ماء الوجه.

فما المقصود بماء الوجه تحديداً؟ يعرّف بينيلوبي براون وستيفن ليفنسون ماء الوجه في كتابهما الكلاسيكي عن الأدب بأنه "الصورة الذاتية العامة التي يريد كل فرد في المجتمع أن يدّعيها لنفسه". بعبارة أخرى، ماء الوجه هو الطريقة التي يريد الإنسان أن ينظر بها الآخرون إليه بما يحقق هويته وكرامته. وعند الحديث عن المفاوضات، فإن الأمر يتعلق بالحفاظ على سمعة كلا الجانبين وسمعة مؤسساتهما. ولفهم الطبيعة الحاسمة لحفظ ماء الوجه في نجاح المفاوضات، فكر في الحالات الثلاث التي أشرت إليها آنفاً، والتي أستعرضها في كتابي الجديد.

أفغانستان - تحرير الرهائن

كانت كارين تعمل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2002 كمسؤولة أولى معنية بحماية اللاجئين في ولاية هرات الغربية في أفغانستان. ذات يوم، وبينما كانت تُجري تدريباً في قرية مجاورة وفي أثناء استراحة الغداء، وضع أحد العاملين في مطبخ المفوضية التابع لوزارة الخارجية مذكرة مكتوبة بخط اليد على ورقة مجعدة. زعمت المذكرة احتجاز 20 إلى 25 فتاة وامرأة إيرانية كرهائن في إحدى القرى المجاورة.

شرعت كارين وفريقها في تقصي حقيقة هذا الادعاء، حيث تعقبوا مصدر المذكرة الذي أوضح أنه علم بهذا الحادث لأنه كان يقدم الطعام لهؤلاء النساء. تردد الرجل في البداية خوفاً من أن تطاله غائلة الانتقام (وكان الانتقام في هذه الأحوال إما السجن أو الموت)، لكنه شعر بأن الأمر يستحق المخاطرة.

أرادت كارين وفريقها إبلاغ وزارة الخارجية بالحادث، لكن الأمر بدا وكأن بعض مسؤوليها قد تورطوا في المشكلة ويعجزون عن حلها. كان بإمكانها اتباع نهج المناصرة والتأييد، أي تحويل الحادث إلى قضية رأي عام وممارسة الضغوط الخارجية، ولكنها خشيت إحراج المسؤولين المحليين الذين سيفقدون ماء وجوههم، وتضيع بالتالي الآمال في التوصل إلى صفقة.

لذ، قررت كارين التخلي عن هذا الحل، واتصلت هي وفريقها بمعارفهم سراً، مشيرين إلى أن الواجب يملي عليهم تقصي الحقائق على خلفية أنهم الجهة التي أُبلغت عن الحادث. وقد نجحوا في النهاية في الحصول على تصريح من وزارة الخارجية بزيارة الرهائن. وبعد عدة اجتماعات ومفاوضات أخرى، تم إطلاق سراح المحتجزات، ونقل بعضهن إلى منزل آمن في كابول بينما عاد البعض الآخر إلى أهاليهن في إيران. اتضح أن مسؤولي وزارة الخارجية أدركوا أن ثمة مشكلة ماثلة بين أيديهم وأن فريق المفوضية أتاح لهم طريقة يحفظون بها ماء وجوههم.

كالغاري - مفاوضات متأزمة

تلقى مفاوض متخصص في إدارة الأزمات يدعى غاري مكالمة هاتفية مساء أحد الأيام منذ عدة سنوات مضت. كانت من مسؤول الاتصالات بشرطة النجدة الذي أوضح أن رجلاً من سكان كندا الأصليين في منتصف الثلاثينات من عمره يهدد بالانتحار تحت تأثير تعاطي مادة الميثامفيتامين المخدرة. كانت زوجته مدمنة أيضاً، ولكنها التحقت بإحدى عيادات إعادة التأهيل للتخلص من الإدمان، أما هو فقد رفض الانضمام إليها، وانتابه شعور بالاستياء الشديد حتى انكب على تعاطي المخدرات بكميات كبيرة. ركب سيارته وذهب إلى العيادة ومعه حبل، وأخذ يبحث عن الشجرة الكبيرة التي قالت له زوجته إنها تطل على نافذة غرفتها، وأراد شنق نفسه. رآه أحد المارة، فهرع إلى الاتصال بالنجدة.

عندما وصل غاري إلى مكان الحادث، وجد الرجل تسلق الشجرة ويجلس على فروعها، فسأله: "مرحباً يا صديقي، ماذا تريد لتنزل عن هذه الشجرة؟" أجابه باقتضاب: "لن أنزل إلا جثة هامدة".

بعد ساعة أو ساعتين من الأخذ والرد، سأله غاري مرة أخرى: "ماذا تريد لتنزل عن هذه الشجرة؟" فكر الرجل لمدة دقيقة، ثم قال: "إذا عرفت اسمي بلغة سكان كندا الأصليين، فسأنزل".

كانت هذه هي الثغرة التي يريدها غاري، فطلب منه أن يمهله بضع دقائق للتفكير في الأمر، وعاد إلى سيارته، وتحدث بهدوء مع مسؤول الاتصالات بشرطة النجدة على الهاتف، ثم قال له: "اتصل بغرفة زوجته واعرف لي اسمه بلغة سكان كندا الأصليين". وعاود الاتصال به بعد بضع دقائق.

عاد غاري إلى الشجرة وناداه بأعلى صوته: "أعتقد أن اسمك هو رننغ بافلو (أو "الثور السريع")". فما كان من الرجل إلا أن ألقى حبل المشنقة من رقبته وهرع إلى أسفل. أخذه غاري إلى سيارة الإسعاف في مكان الحادث، وبعد أن استعاد بعضاً من وعيه، سأله عن سبب إصراره على لعبة تخمين اسمه، فأجابه الرجل: "لقد أردت النزول حقاً، لكنني شعرت أنني إذا فعلت ذلك على الفور، فهذا يعني أنك انتصرت عليّ وأنني انهزمت أمامك. فأردت أن أضع أمامك عقبة حتى نكون متعادلين". كان هذا هو المخرج لحفظ ماء وجهه.

البرازيل وفرنسا - لعبة شد الحبل التجارية

احتدم النزاع بين مسؤولين تنفيذيين بإحدى الشركات الدولية، أحدهما برازيلي والآخر فرنسي، حول السيطرة على زمام الأمور في الشركة التي يعملان بها. كان كلا الرجلين على استعداد لإنفاق ملايين الدولارات للانتصار على الآخر في مفاوضات محفوفة بالتوتر وشديدة الدمار، ولم يُبد أي منهما أي نية في التراجع. فتدخل المستشار ويليام. وبعد الكثير من البحث والتحري، وجد أن كلاً منهما ينشد نيل الحرية والاحترام وليس كسب المال وحُب السيطرة. أراد كل منهما العودة إلى حياته الطبيعية في ممارسة الأعمال التجارية وقضاء الوقت مع أسرته والخروج من القتال مرفوع الرأس.

أشار عليهما ويليام بالتركيز على تلك المقاييس كمعيار للنجاح. وعندما عملا بنصيحته، لاحت بوادر الاتفاق في الأفق، حيث أبدى أحدهما موافقته على ترك مجلس إدارة الشركة، ما يمنح نظيره القدرة على إدارتها بالشكل الذي يراه مناسباً. وأعفى في المقابل المسؤول التنفيذي المستقيل من شرط عدم المنافسة لمدة ثلاث سنوات، ما منحه حرية ممارسة أعمال أخرى، واستبدل أسهمه التي لها حق التصويت بالأسهم التي لا يحق لها التصويت حتى يستطيع بيعها في البورصة متى شاء. وهكذا استطاع كلا الرجلين في النهاية الوقوف أمام زملائهما من المسؤولين التنفيذيين والموظفين، وإعلان توصلهما إلى صفقة، وتمنى كل منهما للآخر حظاً طيباً.

تشير هذه الحالات إلى أربع طرق لمساعدتك أنت وشركائك على التفاوض في حفظ ماء الوجه:

1- اعرف الدور الحاسم الذي يلعبه ماء الوجه في المفاوضات بكافة أشكاله.

2- سل نفسك ما إذا كان الحل المقترح سيتسبب في إهدار ماء وجه أي طرف. إذا كان الأمر كذلك، فلا بد من معالجة هذه المسألة، وإلا كان الرد على أي اقتراح بالرفض.

3- حدد كل الجهات الفاعلة المشاركة في المفاوضات، واعلم أن حفظ ماء الوجه سيكون أكثر أهمية إذا كان على المفاوض أن يستشير أطرافاً معينة في الحل المقترح.

4- إذا ظهرت مشكلة خفية في التفاوض، أي مشكلة يصعب فهمها أو يبدو أنها غير منطقية، فاعلم أن مصدرها الرئيسي هو حفظ ماء الوجه.

تشكل الجوانب الظاهرة للعيان عناصر مهمة، كما هو الحال في العديد من المفاوضات، لكن قد تكون العناصر غير المرئية وذات الصلة بحفظ ماء الوجه هي مفتاح النجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي