إرساء ثقافة حرية التعبير لدى الموظف

3 دقائق
حرية التعبير لدى الموظف

من منا لا يطمح في العمل مع قادة يقدرون مساهماتهم؟ كلنا نتطلع للعمل في مكان تسوده ثقافة حرية التعبير لدى الموظف بنجاح، تلك البيئة التي نشعر فيها بالترحاب والاحتواء، والحرية للتعبير عن رأينا ورؤيتنا، وكلنا ثقة أن أفكارنا لن تذهب سدى وستلقى أذناً صاغية. عندما تسود ثقافة كهذه في مكان العمل، فإنها لا تعود بالنفع على الموظفين فقط. بل على أرباب العمل وأصحاب المصلحة كذلك.

تكشف الأبحاث التي أجريناها في مركز "تالنت إنوفيشن" (Talent Innovation) عن وجود ارتباط وثيق بين القيادة الشاملة، والنتائج المبتكرة، ونمو السوق. وجدنا أنه في الشركات المساهمة العامة ذات التنوع ثنائي الأبعاد –حيث يتمتع فريق القيادة العليابتنوع متأصلمن حيث النوع، والعمر، والعرق من جهة، ولديهم تقدير مكتسب للاختلافالمتعلق بالخبرة والتعليم من جهة أخرى– في تلك الشركات يميل الموظفون بنسبة تزيد عن 70% عن أقرانهم الذين يعملون في شركات لا تتمتع بذلك التنوع - للإبلاغ عن استحواذهم على أسواق جديدة في السنة الماضية، وأنهم أكثر احتمالا بنسبة 45% للإبلاغ عن نمو حصتهم في السوق.

تثبت دراسات الحالة التي أجريناها لإعداد تقريرنا أهمية تلك الاكتشافات. على سبيل المثال، تحولت الرؤية التي طرحتها سيدة مصرفية من الهند إلى ابتكار أدى إلى زيادة صافي المبيعات في فرعين من فروع مصرف ستاندرد تشارترد (Standard Chartered) بنسبة 127% و75% خلال عامين. فماذا كانت تلك الرؤية؟ لاحظت تلك الموظفة أن النساء المحليات سواء العاملات بأجور، أو الرائدات، أو النساء العاديات، كنّ على اختلافهن يتطلعن جميعا إلى الإحساس بمزيد من الحفاوة وقليل من التعالي عندما يذهبن لإيداع المال، أو طلب حساب ائتماني أو لاختيار أحد عروض التوفير أو الاستثمار، أو لطلب استشارة مالية. وقد أقرت الإدارة مقترحها المتضمن تحويل فرعي نيودلهي وكولكاتا إلى فروع ذات فريق عمل نسائي بالكامل. واليوم أصبح مصرف ستاندارد تشارتارد الوجهة الأولى للسيدات في جنوب آسيا.

كما أوضحت دراسات الحالة التي أجريناها لماذا تخفق الشركات التي نجحت أصلا في تنويع صفوفها في الاستفادة من ذاك التنوع: والسبب يعود إلى أن الإدارة تستنبط أفكارها من أشخاص يشبهونها أو يتوافقون معها. يقول أكثر من نصف المشاركين في الاستبيان (56%) أن قادتهم في الشركة لا يرون قيمة في الأفكار التي لا يجدونها هم شخصياً ذات أهمية. يؤدي الافتقار إلى الفهم هنا إلى حصول حالة اختناق لا تقيد تدفق الأفكار فحسب، بل تضيق الخناق على أفكار كان بإمكانها أن تزيد من احتمالية نمو السوق. فعلى سبيل المثال نجد النساء أقل من الرجال بنسبة 26% من حيث المصادقة على أفكارهن ( 43% مقابل 54%).

تظهر البيانات في الولايات المتحدة أن القادة ذوي التنوع المكتسب غالباً ما يتصرفون بأساليب تطلق الإمكانات الابتكارية لدى سائر الفريق. ومن خلال بحث أجريناه في 11 سوقاً من أسواق النمو عام 2015 (البرازيل، الصين، هونغ كونغ، الهند، اليابان، روسيا، سينغافورة، جنوب أفريقيا، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة) توَضح لنا ما هي تلك السلوكيات التي يتبعها القادة عبر مختلف المناطق الجغرافية. وجدنا أن قادة الفرق العالمية الذين يحررون الأفكار هم أولئك الذين يتبعون التالي: 1) يطرحون الأسئلة وينصتون باهتمام؛ 2) يتيحون إجراء نقاشات بناءة؛ 3) يقدمون تقييمات عملية؛ 4) يأخذون بالنصيحة التي يقدمها الفريق ويعملون بها؛ 5) يتبادلون الثناء والتقدير من أجل نجاح الفريق؛ وأخيراً 6) يتواصلون بانتظام مع أعضاء الفريق. إن أعضاء الفرق العالمية الذين يبدي قادتهم ثلاثة على الأقل من تلك السلوكيات يميلون أكثر من أقرانهم الذين لا يبدي قادتهم أياً من تلك السلوكيات، للإفصاح عن تمتعهم بحرية التعبير عن رأيهم ورؤيتهم (89% مقابل 19%) وأن أفكارهم تلقى صدى (76% مقابل 20%).

إن القادة الذين يتبعون أسلوباً كهذا لا يكسبون مزيداً من الأشخاص الذين يمكن أن يدلوا بآرائهم فحسب. فقد أظهرت مجموعة بياناتنا العالمية لعام 2015 أن القادة الشاملين للفرق العالمية (أي أولئك الذين يبدون ثلاثة على الأقل من أصل ستة من السلوكيات الواردة أعلاه) يفوقون بمقدار كبير غيرهم من القادة غير الشاملين في إمكانية تعزيز روح التعاون بين مختلف أعضاء الفريق. يقول 88% من أعضاء الفرق العالمية الذين كان لهم قادة شاملون مقارنة بـ 22% فقط من أولئك الذين لديهم قادة غير شاملين، أنهم يتقبلون مساهمات الآخرين الذين جاؤوا من خلفية مغايرة لهم وذوي خبرة تختلف عن خبرتهم. كما يحث القادة الشاملون العالميون على المجازفة: يقول 63% من أعضاء الفريق العالمي الذين يقودهم قادة شاملون – مقارنة بـ 21% فقط ممن لا يخضعون لقادة شاملين – أنهم لا يخشون الفشل. وتقول الأغلبية (54%) مقارنة بالأقلية (12%) أنه ما من أحد في فريقهم يخشى مواجهة تحديات الوضع الراهن، أو يخشى إجماع الفريق. باختصار يمكن القول أن ثقافة حرية التعبير لدى الموظف تعمل على إطلاق الإمكانات الابتكارية وتعزيز روح التعاون بغض النظر عن بعد المسافة أو الاختلاف - فهي بذلك ميزة تنافسية لأي شركة متعددة الجنسيات.

وفي هذه الحالة لا تتحقق مكاسب الشركة الأساسية على حساب موظفيها، بل تتحقق نتيجة لارتباطهم الوثيق بها. وبالعودة إلى أسواقنا الإحدى عشرة، نجد أن أعضاء الفريق العالمي الذين لديهم قادة شاملون على استعداد أكبر من أولئك الذين لديهم قادة غير شاملين للمضي قدماً وبذل قصارى جهدهم لإنجاح شركتهم (84% مقابل 70%). وعلى صعيد مختلف الشركات، نجد أن أعضاء الفريق العالمي الذين لديهم قادة شاملون أقل احتمالاً ممن لديهم قادة غير شاملين ليخبروا عن عزمهم مغادرة الشركة خلال عام واحد (12% مقابل 28%).

بعبارة أخرى، إن الشركات ذات القادة الشاملين لا تتمتع بنجاحها في السوق فقط، بل تتبوأ موقعها بين أفضل جهات التوظيف على مستوى العالم، ما يضمن جذبها لأفضل الأشخاص الذين يعول عليهم في إذكاء شعلة الابتكار ونمو الأسواق، والحفاظ عليهم. إن تحقيق المنفعة لكل الأطراف المعنية في خضم الأوضاع الجامحة التي تعصف بالاقتصاد العالمي لهو أمر نادر الحدوث اليوم، فكيف يمكن لموضوعنا عن حرية التعبير لدى الموظف أن يمر مجرد مرور الكرام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي