قاعدة 80/20 أم التوزيع الطبيعي: أيهما يعكس الواقع العملي فعلاً؟

10 دقيقة
مصدر الصورة: أنتوني أونيوفريينكو/ غيتي إميدجيز

دارت بيني وبين أحد كبار مدرائنا محادثة حول القسم الجديد المختص بشؤون الصيرفة في شركتنا، فأخبرني أن 80% من الإنفاق مرتبط بـ 21% فقط من عملائنا من حاملي البطاقات المصرفية. أثار هذا الخلل في التوازن قلقه الشديد، وتساءل عما يمكن فعله لجعل سجل الإقراض أكثر توازناً. وقد دارت بيني وبين مديرة حملات التمويل في مؤسسة ربحية أشغل منصب رئيس مجلس الإدارة فيها محادثة مماثلة ذات مرة، إذ أخبرتني أن الجزء الأكبر من التمويل يغطيه 20 مانحاً فقط، وهو وضع غير مستدام. وبحسب وجهة نظرها، فإن المؤسسة في طريقها نحو الهاوية. تكشف كلتا ردتي الفعل عن خطأ معرفي شائع له آثار عميقة على القيادة.

فعلى غرار مدير شؤون الصيرفة ومديرة حملات التمويل، ينظر معظمنا إلى العالم على أن الظواهر فيه تتبع منحنى غاوس إلى حد كبير، ما يعني أننا نعتقد أن معظم الأشياء مُوَزَّعة، أو يجدر بها أن تكون موزعة، وفق المنحنيات الجرسية. في هذا العالم، يقترب توزع معظم حاملي البطاقات والمانحين، على سبيل المثال، من حيث الإنفاق أو المساهمة في التمويل، من القيمة المتوسطة للمبالغ التي يُظهرها منحنى التوزيع، في حين يتوزع الباقون بصورة متناظرة على كلا جانبي ذلك المقدار المتوسط من المال. في هذه الحالة، ستكون قيم المتوسط الحسابي والوسيط الحسابي والمنوال متوافقة كلها، حيث سيكون نصف الأشخاص أدنى من المتوسط، في حين سيكون النصف الآخر أعلى من المتوسط. وفي هذا العالم، المتحولات (القيم المتغيرة) مستقلة فيما بينها دون أن يؤثر بعضها في بعض.

لماذا نفكر على هذا المنوال؟ أولاً، أدمغتنا مبرمجة بطبيعتها على اعتبار العدالة أمراً إيجابياً ومجزياً، ولا تتقبل فكرة التفاوت أو عدم المساواة. ولهذا، فإن العالم الغاوسي، حيث يتجمع معظم الأشخاص حول متوسط مستقر، يبدو عادلاً ويسهل التنبؤ به. كما أننا نحب التناظر كثيراً، سواء في الوجوه أو الفن أو الإحصائيات. إضافة إلى هذا، فإن غالبية معلوماتنا المدرسية ما زالت مبنية على التوزيعات "الطبيعية" والتفكير النيوتوني، الذي يحلل الظواهر التي تجري في العالم الحقيقي إلى متحولات مستقلة وعلاقات سببية. وقد انتشرت هذه النظرة إلى العالم في عدة تخصصات، بدءاً من الطب وصولاً إلى الإحصاء والإدارة. أخيراً، ثمة ظواهر تتبع التوزيعات الغاوسية بالفعل. ولنأخذ نتائج الامتحانات مثالاً على ذلك. فالمتحولات المقيسة (وهي نتائج الامتحانات في هذه الحالة) هي نواتج عمليات تراكمية، وهذا ما يمثله مجموع الدرجات المقابلة لكل سؤال.

وعلى الرغم من أنني تعرفت على العديد من التوزيعات الإحصائية عندما درست الإحصاء ونظرية الاحتمالات، فقد تشكلت لدي وجهة نظر بديهية مفادها أن غالبية الأشياء تتبع توزيعاً على شكل جرس.

لكن هذا ليس صحيحاً. دعني أخبرك فيما يلي سبب قولي هذا، ولماذا تُعد هذه المسألة بالغة الأهمية.

منذ نحو 10 سنوات تقريباً، بعد أن اطلعت على معلومات حول التحيزات المعرفية، فوجئت باكتشافي أن غالبية النشاطات البشرية، وغالبية التخصصات أيضاً –بدءاً بالفيزياء وعلم الأحياء وصولاً إلى اللسانيات والعلوم المالية وعلوم الكمبيوتر- تتبع توزيع باريتو بدلاً من المنحنى الغاوسي "الطبيعي".

في توزيعات باريتو (التي سُميت بهذا الاسم نسبة إلى الاقتصادي فيلفريدو باريتو، الذي لاحظ في بدايات القرن العشرين أن 20% من سكان إيطاليا يمتلكون 80% من الأراضي)، يقترن تغير صغير في أحد المتحولات بتغير كبير في متحول آخر، لأنه يعبّر عن ضرب (جداء) قيَم هذه المتحولات، وليس مجموعها كما في حالة التوزيع الطبيعي. يشار إلى هذا أيضاً بمصطلح "القانون الأسّي" (Power Law). يبدو توزيع الملاحظات أو النتائج أقرب إلى عصا الهوكي بذيل طويل، كما يظهر في الشكل أدناه، بدلاً من منحنى جرسي متناظر. في هذا الشكل، ثمة عدد كبير من الملاحظات ذات القيم المنخفضة، وعدد صغير من الملاحظات ذات القيم المرتفعة، أو القيم المتطرفة.

إذا أمعنت النظر، فستلاحظ أن هذا النمط منتشر في كل مكان تقريباً، وطوال الوقت تقريباً. فالقانون الأسي ينطبق على تكرار الكلمات التي نستخدمها في الكلام، وشدة الزلازل والأعاصير، وحجم الشركات والمدن، ومبيعات الكتب، ونمط البلدان التي تفوز بالميداليات الأولمبية. منصات التواصل الاجتماعي لا تُستثنى من هذا، فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أميركية أن 25% فقط من معظم مستخدمي منصة تويتر "Twitter" (منصة إكس اليوم) النشطين ينتجون 97% من التغريدات. وفي شركتنا المتخصصة بالتأمين القصير الأجل، ديسكفري إنشور (Discovery Insure)، يتسبب أسوأ 30% من السائقين بنسبة 60% من حوادث السيارات الخطيرة. كما أن انتشار كوفيد-19 يتبع قانون باريتو؛ ففي ولايتين هنديتين، تبيّن أن نسبة 60% من الإصابات الجديدة كانت ناجمة عن نسبة أقل من 10% من الأفراد الحاملين للمرض -أي مجموعة صغيرة من "الناقلين الفائقين للعدوى"- في حين لم تتسبب المجموعة الباقية من الأفراد بإصابة أي شخص آخر والتي شكلت نسبتها 71%. (وقد لوحظ نمط الانتشار هذا في بلدان أخرى أيضاً).

لكن، لماذا يمثّل توزيع باريتو المعيار الفعلي بدلاً من التوزيع الغاوسي "الطبيعي"؟ والأهم من ذلك، لماذا تزداد أهمية توزيع باريتو بوصفه المعيار الفعلي؟ يتبع معظم الظواهر القانون الأسي لأن هذا هو سلوك الأنظمة المترابطة. وقد أصبحت القوانين الأسية أكثر انتشاراً من أي وقت مضى لأن عالمنا يعمل وفق أنظمة معقدة ومترابطة بصورة متزايدة. فكلما كانت الأنظمة المعقدة أكثر ترابطاً، أصبح القانون الأسي أوضح.

أصبحت الاقتصادات وسلاسل التوريد والتجارة والأسواق أكثر تشابكاً وتتبع سلوكاً واسع النطاق على مستوى العالم. فقد تسببت أنظمة النقل وتكنولوجيا المعلومات بتعميق الترابط القائم بين الأنظمة المتعددة التي نمثل جزءاً منها إلى درجة كبيرة. في شبكات العلاقات المترابطة هذه، لا تتغير المتحولات تراكمياً ولكن يؤثر بعضها في بعض، ما يتسبب بإنشاء عمليات ديناميكية متآزرة ومتتالية، وهي غير خطيّة ومتضاعفة، كما يصعب التنبؤ بها إلى حد كبير. في الواقع، يمكن لهذه الأنظمة أن تسلك سلوكاً يسمى بسلوك "البجعة السوداء"، لأن التباين -الذي يقيس مدى تشتت نقاط البيانات حول المتوسط في توزيع معين- غير مُعرف بصورة جيدة في معظم توزيعات باريتو، على عكس ما نراه في التوزيعات الغاوسية.

إضافة إلى الانتشار الكبير للقوانين الأسية، فهذه القوانين راسخة إلى حد كبير. فبغض النظر عما نفعله، فإن عدداً صغيراً من نقاط البيانات -مثل الأفراد أو القرارات أو غير ذلك من الملاحظات- يبقى مسؤولاً عن معظم النتائج. على سبيل المثال، فإن الأنظمة السياسية المصممة لتحقيق درجة أعلى من المساواة في الدخل، لا تستطيع أن تحيد عن توزيع باريتو بسهولة. فالصين تفوق معظم البلدان الأخرى من حيث تركيزها على المساواة في الدخل، وعلى الرغم من هذا، فإن معامل جيني (Gini coeffecient) لديها أكبر مما لدى ألمانيا والمملكة المتحدة. أيضاً، تكرر هذه التوزيعات نفسها على غرار الدمى الروسية المتراكبة، كما نرى في أعمال التأمين الصحي لدينا؛ فبالنسبة إلى العملاء المرضى، إذا حددنا الشريحة الأعلى من بينهم إلى أن نصل إلى 20% من عددهم الكلي، فسنجد أنها مسؤولة عن 79% من تكاليف الرعاية الصحية، ويمكن اكتشاف هذا التوزيع المختل نفسه ضمن هذه المجموعة، حيث سنجد أن الشريحة الأكثر مرضاً فيها، إلى أن نصل إلى 20% منها، مسؤولة عما يقارب 60% من تكاليف الرعاية الصحية. وإذا واصلنا البحث في الأرقام، فسنجد على الدوام أن عدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص مسؤولون عن الجزء الأكبر من التكاليف.

هذا الانفصال بين تصورنا الغاوسي والواقع الذي يتبع توزيع باريتو ليس مجرد مسألة فكرية مجردة، بل يحمل عواقب عملية خطيرة. فبسبب هذا الخطأ، أصبح أسلوبنا في حل معظم المشاكل دون المستوى الأمثل في أفضل الأحوال. على سبيل المثال، كتب مالكولم غلادويل عن ضعف الحلول النمطية المخصصة لمعالجة مشكلة التشرد -مثل الملاجئ والمطاعم المفتوحة المجانية للمشردين- لأنها كانت مبنية على افتراض خاطئ مفاده أن أغلبية المشردين يتبعون المتوسط: متوسط عدد الأيام التي يقضونها في العراء، متوسط تكلفة الشخص الواحد التي يتحملها الاقتصاد الحكومي، ومتوسط الأسباب التي تؤدي إلى التشرد. لكن التشرد يتبع القانون الأسي في هذه الأبعاد كلها أيضاً. على حد تعبير الفيزيائي الفائز بجائزة نوبل، فيليب أندرسون، يجب أن نحرر أنفسنا من التفكير "المتوسط"، أو التركيز على المتوسط، الذي يُعد مضلِّلاً في أغلب الأحيان. ثمة دعابة بشأن هذه الفكرة، تقول إنه عندما يدخل بيل غيتس إلى مقهى، يصبح مَن في الداخل مليونيراً في المتوسط. يُصرف النظر عن النقاط المتطرفة والذيلية بوصفها نقاطاً شاذة، في حين أنها الأكثر تأثيراً في الواقع، سواء أكان هذا التأثير إيجابياً أم سلبياً. على سبيل المثال، يمكن أن يتحول حدث فيروسي صغير إلى جائحة فيروس كورونا على مستوى العالم ويتسبب بكارثة اقتصادية.

إن إدراكنا بأننا نعيش في عالم يتبع توزيع باريتو إلى حد كبير، الذي يتصف بطبيعته بأنه غير عادل وغير متناظر ويصعب التنبؤ به، قد يدعو إلى الضيق في بادئ الأمر. لكن الناحية الإيجابية هي أن التغير المنهجي في عالم كهذا أسهل وأسرع بكثير. في عالم غاوسي، يجب أن تتغير العناصر كلها في النظام حتى يحدث التغير المطلوب، وهي عملية مجهدة وتتطلب الكثير من الوقت، ومستحيلة في أغلب الأحيان. أما في عالم باريتو، على المقلب الآخر، فإن تغيراً في النقاط الذيلية يمكن أن يحدث تغييراً في النظام بأسره، سواء نحو الأفضل أو الأسوأ.

ما معنى هذا كله بالنسبة إلى قادة الأعمال؟ إليكم فيما يلي 3 نتائج عملية بالنسبة إلى الابتكار وإدارة المخاطر والموظفين.

الابتكار

ركز على القرارات الجريئة التي تقع نقاطها في مناطق الذيل، بدلاً من اللجوء إلى التغييرات التراكمية.

ففي عالم باريتو، تصبح المشاكل التي تبدو مستعصية قابلة للحل عبر تغير إيجابي في الذيل. هذا هو الأسلوب الذي اعتمدته بعض المدن، مثل دنفر، لتحقيق تقدم في مجال مواجهة التشرد. فقد صممت إجراءات تدخلية محددة تركز على الذين يعانون التشرد المزمن، المتسببين بمعظم تكاليف الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية، الذين يمثلون الحالات الأكثر استعصاء على الحل، ولكنهم يشكلون جزءاً صغيراً من مجموع المشردين.

في نظام باريتو، يمكن لفرد واحد أو قرار واحد أن يحدث فرقاً هائلاً. على سبيل المثال، يمكن لرؤية رائد أعمال واحد مثل ستيف جوبز وقيادته أن تؤديا إلى إحداث صناعة بأكملها. ولمزيد من التوضيح، لنتخيل أثر شركة آبل لو أن جوبز أطلق الشركة في مدينة جوهانسبرغ بدلاً من منطقة وادي السيليكون، ففي هذه الحالة، لكان الدخل الإجمالي الحالي للشركة يكافئ تقريباً نصف الناتج المحلي الإجمالي لدولة جنوب إفريقيا.

وبالمثل، فإن الابتكارات المؤثرة التي يمكن أن تُحدث تغييراً شاملاً في شركات أو صناعات بأسرها تقع في منطقة الذيل. هذا ما جعل تأسيس برنامج فايتاليتي (Vitality) نقطة تحول جذرية بالنسبة إلى شركة ديسكفري؛ فقد أدى قرار واحد في نقطة متطرفة إلى إحداث أثر هائل في عملنا بأسره، وما زال يحدث هذا الأثر حتى الآن. بعد بضعة أعوام من إطلاق شركتنا في مجال التأمين، أدى إجراء محادثات أولية مع سلسلة من الصالات الرياضية حول البيع المتقاطع إلى إطلاق فكرة مختلفة تماماً: ماذا لو أنشأنا برنامجاً يكافئ الأشخاص الذين يتبعون عادات صحية؟ ماذا لو قدمنا اشتراكاً مجانياً في الصالات الرياضية للأعضاء المشاركين في هذا البرنامج؟ ما زلت أتذكر بوضوح الدقائق العشر الأولى التي استغرقتها صياغة هذه الفكرة. وقد أدى قرار تطبيقها إلى تحول جذري في عملنا. فقد وضع حجر الأساس لنموذج جديد للتأمين بناءً على الاقتصاد السلوكي والقيمة المشتركة، وهو نموذج أعمال منطقي بالنسبة إلى شركة ديسكفري وعملائها ومورّديها ومجتمعها المحلي، حيث يحصل أعضاء فايتاليتي على المعرفة والأدوات والحوافز اللازمة لعيش حياة صحية أكثر من ذي قبل.

لقد أسهم الكثير من القرارات الذيلية الصغيرة في تحويل الفكرة الأولية إلى وضعها الحالي. لكن نجاح ديسكفري يمكن إرجاعه إلى ذلك القرار الذيلي الأولي، الذي ما زال يمثل جوهر هويتنا ونمونا، والذي أحدث أثراً هائلاً من خلال خلق فوائد مضاعفة تتعلق بالقيم المشتركة بالنسبة إلى الأعضاء والمساهمين. فقد أدى هذا القرار دوراً جوهرياً في إنشاء نظام ربط بين تغيير السلوك من جهة والمخاطر والمكافأة من جهة أخرى.

لا أقصد هنا أن التحسينات التدريجية ليست مهمة، لأنها مهمة فعلاً. لكن ما أقوله هو أن الابتكار الثوري الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير منهجي وجوهري، يبدأ بقرار جريء في منطقة الذيل، ولهذا، ما يعني أنها المنطقة التي يجب أن يركز القادة فيها وقتهم واهتمامهم.

إدارة المخاطر

يجب أن تتبنى القانون الأسي بدلاً من أن تقاومه، وحدد مشاكل منطقة الذيل مبكراً.

يمكن أن يؤدي تحول منظورنا نحو عالم باريتو إلى التأثير في كيفية تعاملنا مع المخاطر وعدم اليقين. فنحن نقضي قدراً هائلاً من الوقت والطاقة في محاولة "تصحيح" الظواهر اللاخطية، مثل عدم التناظر في حملات التمويل أو الإقراض بالبطاقات المصرفية، لأننا نعدّها غير طبيعية ومحفوفة بالمخاطر. قد تكون هناك اعتبارات تتعلق بالعدالة والأخلاق يجب أخذها بالاعتبار، لكن بما أن توزيعات القانون الأسي هي القاعدة وليست الاستثناء، وبما أنها راسخة للغاية، فإنها تتطلب حلولاً مختلفة للتعامل مع المخاطر والتركيز على الديناميات في منطقة الذيل.

وكما يمكن للابتكار في منطقة الذيل أن يحدث تغييراً شاملاً في الأنظمة نحو الأفضل، يمكن للقرار السلبي في منطقة الذيل أن يقوّض نظاماً بأكمله، وهو سيناريو يثير قلقي. إذاً، كيف نتعامل مع عدم اليقين والفوضى في عالم باريتو؟ كيف نتخذ القرارات؟ كيف نتفادى القرارات الخاطئة في منطقة الذيل، أو نصححها بسرعة قبل أن تصبح كارثية؟

أحد السبل الواعدة هو الجمع بين النتائج المتطرفة وإمكانية ظهور سيناريوهات مستقبلية متعددة -وفقاً لنظرية المفاجأة المحتملة التي وضعها الاقتصادي جورج شاكل- للمساعدة على التعامل مع القرارات في ظل حالة من عدم اليقين الشديد. استخدام الاحتمالات التقليدية أمر مثير للمشاكل، لأنها تعتمد على نتائج محددة مسبقاً ويستبعد بعضها بعضاً، ومن المفترض أن تغطي السيناريوهات المحتملة كلها، التي لا يستطيع أحد التنبؤ بها بطبيعة الحال. من ناحية أخرى، يختار صانع القرار الذي يستخدم نظرية المفاجأة المحتملة من بين العديد من السيناريوهات المحتملة بناءً على مزيج يجمع بين درجة عدم التصديق أو درجة استبعاد (لا معقولية) النتائج المحتملة والمكاسب والخسائر المحتملة المتوقعة المرتبطة بكل من هذه السيناريوهات. يترك هذا الأسلوب مجالاً للمفاجآت والاحتمالات الجديدة، على عكس الاحتمالات التقليدية. إذاً، يجب أن نفكر في المعقولية والعواقب بدلاً من الاحتمالات. يجب أن نفكر بأسلوب أوسع أفقاً بكثير في الأشياء السيئة التي يمكن أن تحدث.

نحن لا نستطيع بالتأكيد أن نتوقع أحداث البجعة السوداء (الأحداث السلبية في منطقة الذيل) أو نمنعها. لكن تعلّم كيفية تمييزها واحتوائها في وقت مبكر يمكن أن يساعد على تفادي وقوع كارثة. عندما تفشى كوفيد-19 أول مرة في كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، أدت الإجراءات السريعة والحاسمة التي اتخذتها السلطات من حيث الاختبار والتتبع والعزل إلى احتواء انتشار المرض، مقارنة ببلدان مثل البرازيل والولايات المتحدة. وبالمثل، يمكننا أن نكشف القرارات الذيلية الخطيرة ونعكس أثرها. تخيل ما كان يمكن تفاديه لو أن بنك ليمان براذرز (Lehman Brothers) اتخذ، على سبيل المثال، قراراً يقع في منطقة الذيل بتوسيع القروض العقارية العالية المخاطر والأعمال المشتقة المدعومة بالرهون العقارية إلى الحد الذي قد يؤدي فيه انخفاض بسيط في قيمة العقارات إلى محو رأس ماله.

إدارة الأفراد

يجب بناء فريق متميز للاستفادة من أثر العناصر الفاعلة المؤثرة.

ما زال المنحنى الغاوسي مستخدماً في معظم الأحيان لقياس أداء الأفراد. في الواقع، فإن عدداً صغيراً من أصحاب الأداء المتفوق مسؤولون دائماً عن معظم الأثر الناجم. تتألف النتيجة هنا من شقين.

الشق الأول، يجب استقطاب أفضل الكفاءات الممكنة عموماً والحفاظ عليها. سيظل نجوم الأداء في منطقة الذيل مسؤولين عن التأثير الأكبر في النتائج -يجب ألا ننسى مدى رسوخ القوانين الأسية- لكن هذا لا يعني تركيز جهود التوظيف والاحتفاظ عليهم فقط. سيؤدي الاستقطاب المستمر للكفاءات الاستثنائية وإعادة تدريبها في أنحاء المؤسسة كاملة، إلى رفع منحنى الكفاءات بالكامل، مع تأثيرات عميقة على النتائج. لذا، على الرغم من أن جزءاً صغيراً من الموظفين ما زال مسؤولاً عن جزء كبير نسبياً من النتائج، فإن وجود مواهب أفضل عموماً يمكن أن يرفع النتائج بصورة مطلقة.

الشق الثاني، يجب التركيز على تحسين بيئات الفِرق وفاعليتها ودينامياتها على المستويات جميعها. عندما يصبح النظام المعقد الذي يمثّل الشركة مترابطاً أكثر فأكثر وبصورة أفضل، فإن الأثر المضاعف للموظفين المتميزي الأداء في منطقة الذيل يتضخم في أنحاء النظام كافة.

قد تبدو إعادة ضبط منظورنا من التوزيع الغاوسي إلى توزيع باريتو عملية غامضة، لكن النتائج العملية عميقة. إن تغيير العدسة التي نفهم العالم من خلالها يؤثر على أسلوبنا في التعامل مع التغيير المنهجي، وكيفية اتخاذنا للقرارات وتعاملنا مع المخاطر، وأسلوبنا في القيادة. وبما أن حياتنا مكونة من شبكات معقدة ومتداخلة من العلاقات البشرية، بدءاً من العائلات وشبكات العلاقات المهنية وصولاً إلى المجتمعات التي نعيش فيها، فإن حياتنا بأكملها تتبع القوانين الأسية؛ فقد تؤدي بضعة خيارات مفصلية -بدءاً من خيار الزواج وصولاً إلى اختيارنا للمهنة- إلى آثار هائلة تغير مستقبلنا بأكمله. أعتقد أن تفكيرنا يتبع القانون الأسي نفسه. فمن خلال تصحيحنا مجموعة أخطاء معرفية، بدءاً من هذا الخطأ، يمكننا إحداث تحول جذري في أدائنا وأثرنا وحياتنا بالكامل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي