لماذا باتت أدوات جمع آراء العملاء أمراً حيوياً للمؤسسات غير الربحية؟

4 دقائق

كشفت دراسة حديثة أجرتها مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن (Stanford Social Innovation Review) النقاب عن حقيقة مدهشة وهي أنه في عصر يهيمن عليه جمع آراء العملات وتعليقاتهم، وفي عالم يسوده منطق الربحية، فإنّ كل من الفاعلين والمانحين في مجال الابتكار الاجتماعي يصارعون لفهم تفضيلات وتجارب الأشخاص الذين يسعون لمساعدتهم بصورة منهجية: أي العملاء غير الهادفين للربح.

من المؤكد أنّ المبتكرين الاجتماعيين يريدون فهم احتياجات عملائهم. وقد كشفت الدراسة أنّ 88% من أصل 1,986 من المشاركين في الاستطلاع أفادوا أن "جمع آراء العملاء وتعليقاتهم" كان أحد أولوياتهم في تقييم مدى التأثير؛ في حين أنّ 13% فقط كانوا يستخدمونه كمصدر أساسي يعتمدون عليه للرؤى والأفكار التي تسهم في تحسين مستوى الخدمات؛ وقال الثلثان إنّ قلة المصادر والافتقار إلى الموظفين المدربين يُشكلان العائق الرئيس أمام تنفيذ أنظمة "جمع الآراء والتعليقات".

وتوضح هذه الأرقام أنّ القضية الرئيسة ليست نقص الإرادة، بل الجدوى. وقد يرجع ذلك جزئياً إلى الاتجاه الذي لاحظناه في عملنا وهو أن الممولين لا يريدون عادة دفع أموال من أجل جمع الآراء والتعليقات". كذلك، أستُهين بـ "آراء العملاء وتعليقاتهم" تاريخياً في دوائر قياس المؤسسات غير الربحية بصفتها "مقياس تجريبي وغير رسمي"، خصوصاً بالمقارنة مع التجارب المنضبطة باستخدام عينات عشوائية تجريها أطراف أخرى.

ولكن الآن في عصر التصميم المرتكز على العنصر البشري، ظهر تقييم العميل بصفته مكملاً صحيحاً وذكياً لقياس النتائج. وألهم ذلك مؤسسة وليام وفلورا هيوليت للتعاون الوثيق مع كل من مؤسسة بيل ومليندا غيتس، ومؤسسة جيمس إرفين، والعديد من مانحي المشاريع الآخرين لإنشاء صندوق تمويل تعاوني يُسمى "فاند فور شيرد إنسايت" لابتكار أدوات من شأنها التواصل المباشر مع المستخدمين النهائيين والاستماع لهم بأسهل الطرق وأقل التكاليف. ويعد ذلك أمراً مهماً لاسيما في عالم المشروعات غير الهادفة للربح، حيث لا يستطيع عادة المستفيدون من الخدمات والمنتجات اختيار الخدمة أو المنتج حسب ظروفهم المالية.

طوّر الصندوق أداة أو مبادرة تُسمى "استمع لنداء الخير" استناداً إلى نظام صافي مؤشر المروجين (NPS) الذي أنشأه فريد رايكهيلد عام 2003. وتستخدم حوالي 250 مؤسسة غير ربحية الآن هذا الاستطلاع البسيط كوسيلة تجريبية لمعرفة ما المجدي فيما يقدمونه من أعمال، وما هو غير ذلك، وما يمكن تحسينه لخدمة الأشخاص المعرضين لخطر التشرد، وأولئك الذين يلجأون إلى بنوك الطعام لتغطية نفقاتهم المعيشية والأشخاص ذوي الإعاقة، وما إلى ذلك. وتثبت تلك الأدوات التجريبية أهمية الاستماع في المجالات التي يمكن أن يؤدي فيها اختلال توازن القوى بين الممولين والمستفيدين إلى جعل المستخدم النهائي صامتاً لا يشارك رأيه مع الآخرين.

بالطبع، تعتبر مبادرة "استمع لنداء الخير" إحدى الطرق التي تستخدمها المؤسسات غير الربحية في جمع آراء العملاء وتعليقاتهم. وهناك كثيرون يستخدمون برامج أو أدوات قياس منخفضة التكلفة مثل (Lean Data) التي طورتها مؤسسة "أكيومن" (Acumen) لجمع آراء  المستفيدين وتعليقاتهم. وفي مجال الصحة العامة، تقدم تقنيات الاستماع التأملي المساعدة للأطباء في التواصل مع المرضى الذين يتوقون دائماً إلى من يستمع إليهم. وفيما يلي استعراض لفائدتين رئيستين لعملية جمع هذا النوع من التعليقات.

مساعدة العملاء في الشعور بأنهم جزء من المنظومة

تبين من خلال تقييم مبادرة "استمع لنداء الخير" أنه من بين المؤسسات التي بذلت جهوداً لجمع التعليقات، فإنّ 63% منها بدأت إجراء تغييرات على البرامج المقدمة، ونحو 45% منها تجري تغييرات في عملياتها لتصبح أكثر احتراماً واستجابة لتفضيلات العملاء وتجاربهم، وأنّ 31% منها بدأت في تقديم خدمات جديدة.

تمنح هذه التغييرات، التي تستند إلى رد الفعل، المستفيدين مقعداً على طاولة صناعة القرار على نحو فعال وهي طريقة بسيطة لتعزيز إيمانهم بمفهوم المناصرة الذاتية.

لنأخذ على سبيل المثال رد فعل شارونيكا، وهي زبونة لدى مؤسسة "أور هاوس"، ليتل روك، أركنساس، التي تساعد الأسر التي ليس لديها سكن مستقر في تحسين سبل المعيشة والحفاظ على مدخراتهم العائلية والعيش المستقل. دعت "أور هاوس" لعقد اجتماع مجلس المشورة المؤلف من المشاركين في البرنامج والعملاء المتكررين لمناقشة المقترحات التي تلقوها عبر الاستبيان وفرزها، وأوصوا بإجراء تغييرات هائلة ومنها: إضافة ورشات عمل حول اكتساب مهارات وظيفية وتخصيص ساعات إضافية لتناول الوجبات الأسرية، وزيادة الأمن في مساكنهم الانتقالية أو المؤقتة. نالت هذه التغييرات ترحيباً لدى العملاء، وقال بعضهم إن سعادتهم تكمن في شعورهم بأنهم جزء لا يتجزأ من العملية.

قالت شارونيكا التي كانت ضمن الذين حضروا الاجتماع: "من الجيد أن نعرف أنهم يرغبون في الحصول على النتائج التي توصلنا إليها".

وبالنسبة للدراسة الاستقصائية التالية، دعا المجلس ابنة شارونيكا البالغة من العمر تسع سنوات للانضمام إليه كممثل لنادي الأطفال في "أور هاوس".

وقالت شارونيكا: "من الواضح أنهم يريدون أن يستمعوا إلى آراء الجميع".

مساعدة الموظفين على أداء أعمالهم بشكل أفضل

تجري العديد من المؤسسات تغييرات على عملية التفاعل بين الموظفين والعملاء، إذ أن الاستطلاعات ومجموعات التركيز وأدوات التقييم الأخرى تُولِد أفكاراً للابتكار. تُؤسس عملية تبادل الأفكار مع العملاء لعلاقة ذات اتجاهين، يقول عنها أدريان بويس، مسؤول تقييم خبرة العملاء بمؤسسة كليفلاند كلينك، إنها كفيلة بخفض معدل إرهاق الموظفين في العمل، وتعزيز عوامل البهجة لديهم، واستدامة عملية تقديم الخدمات للآخرين.

بدأ الموظفون في "مؤسسة خدمات الدعم الصحي المجتمعي"في ولاية هيوستن الأمريكية (ECHOS) استطلاع رأي العملاء في عام 2017 وما سمعوه، في البداية، كان واقعياً: حيث أعرب العملاء عن إحباطهم بسبب الانتظار لفترات طويلة للحصول على المساعدة في تعبئة نماذج الحصول على الخدمات الصحية والمساعدات العامة الأخرى، ووجدوا الموظفين (كانوا في حالة من التوتر والضغط العصبي) وبالتالي غير ودودين.

ووصف بعض العملاء زياراتهم إلى المؤسسة باعتبارها حالة من "الفوضى"، حيث يصل العملاء في وقت مبكر في الساعة السادسة صباحاً، ويصطفون في طابور طويل، حتى يفتح المكتب الساعة الثامنة صباحاً، وبعد الانتظار والتحرك في الطابور في فترة قد تستغرق أربع ساعات، قد يعود العميل إلى منزله دون إنجاز شيء ربما لأنه أحضر معه الأوراق الخطأ.

وقالت باولا جونسون (باولا جون)، وهي أحد المستفيدين من هذه المؤسسة الخيرية، وتعاني التهاباً في المفاصل: "بكيت بشدة بعد زيارتي الأولى، لأنني لم يكن لديّ سوى آلام مستمرة وبلا علاج".

ولكن تبدل الحال بعد الاستماع لآراء وتعليقات باولا وغيرها من المرضى، حيث أجرت المؤسسة تغييرات دراماتيكية في تدفقات العمل، مما أدى إلى تخفيف الضغوط على الموظفين، وبالتالي تحسنت الخدمة المقدمة.

اليوم، يبدأ الموظفون يومهم بعقد اجتماع صباحي، حيث يجهزون أنفسهم للتحديات المتوقعة خلال اليوم ويقسمون العمل وفقاً لتلك التحديات.

يُرحب الموظفون بالعملاء في منطقة الاستراحة، ويقدمون لهم الوجبات الخفيفة، ثم يقسمون العملاء إلى مجموعات وفقاً للخدمات التي ينشدونها.

في هذه المجموعات، يفحص عدد من المستشارين  يُطلق عليهم "منسقو احتياجات المرضى" أوراق العملاء، ويشرحون ما هو مطلوب. إذا لم يكن لدى العملاء المستندات الصحيحة، فيمكنهم التوجه إلى المنزل على الفور وإحضارها.

تقول باولا: "الآن أذهب إلى المؤسسة، وكأنني بين أفراد أسرتي".

وتقول كاتي مور، المديرة التنفيذية للمؤسسة: "لقد تغيرنا تماماً منذ بدأنا في طلب تعليقات العملاء وآرائهم ومعالجة أوجه الخلل. أصبح الموظفون أكثر سعادة، والعملاء والمتبرعون أيضاً".

إن الالتزام كمؤسسة بجمع تعليقات العملاء وتفسيرها والرد عليها يُثري حياة موظفيك، من خلال وضعهم في موقف لا يسمح لهم بتقديم الخدمة فحسب، بل تقديم خدمة رائعة وغير مسبوقة. ويُعلي الاستماع المتعمد من شأن هؤلاء الذين سمعوا. وهناك حكمة تقول إن "الشخص الحكيم يتعلم من الجميع". وعن طريق استخدام الأدوات الممكنة لجمع تعليقات العملاء المتاحة على نطاق واسع، فإن هذا الإجراء الذي نفتقده في كثير من الأحيان في المؤسسات المجتمعية، يمكن أن يجعلنا أكثر حكمة وحصافة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي