يعتبر التصميم الشامل أمراً ضرورياً في عالم الأعمال، سواء كنت تقدم خدمات أو منتجات مادية أو برامج. إن التصميم الشامل يعني جعل المنتجات متاحة وقابلة للاستخدام من أكبر عدد ممكن من الأفراد. وتُعدّ واجهات المستخدم الصوتية أداة رائعة لتحقيق هذا الهدف.
لا تزال واجهات المستخدم الصوتية سائدة منذ أكثر من 20 عاماً، بدءاً من أول أنظمة الهواتف الآلية المتمثّلة في تقنية الاستجابة الصوتية التفاعلية. لقد صُممت هذه التقنية في الأساس بهدف مساعدة الشركات على توفير الأموال، إذ يُعدّ العمال والموظفون البشر أكثر تكلفة من الأنظمة الآلية. وكان تطور هذه التقنية مرتبطاً بالنتائج المادية المطلوب تحقيقها أكثر من ممارسة إنسانية لمساعدة الآخرين.
ونعايش اليوم ما أدعوه "الحقبة الثانية" من واجهات المستخدم الصوتية، وذلك بفضل ظهور مكبرات الصوت الذكية في عام 2014. تُستعمل واجهات المستخدم الصوتية حالياً في الكثير من المجالات، وليس فقط في أنظمة الهاتف الآلية، وتشمل المساعدين الصوتيين مثل جوجل أسيستانت وأمازون إيكو وبيكسبي وكورتانا وسيري وغير ذلك. وتستخدم هذه الواجهات اليوم مجموعة متنوعة من التقنيات التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي، مثل تحسين التعرف على الكلام ومعالجة اللغات الطبيعية. كانت مهمة السماعات الذكية في البداية تنحصر في توفير الوظائف الأساسية فقط، مثل ضبط المؤقتات وتشغيل الموسيقى. إلا أنها توسعت في السنوات التي تلت ذلك لتشمل تفاعلات أكثر تعقيداً مثل تشغيل الأجهزة المنزلية والمساعدة في الطهي وتوفير الترفيه.
وعلى الرغم من أن هذه الأنواع من الأجهزة توفر الراحة للمستخدم العادي من خلال إتاحة تجربة طبيعية أقل احتكاكاً بالشركات، ينطوي مستقبل واجهات المستخدم الصوتية على هدف أكبر بكثير، ألا وهو تمكين الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.
فعلى سبيل المثال، يعاني ما يقدر بنحو 62 مليون شخص في الولايات المتحدة إعاقات جسدية أو حركية. وتتوفر واجهات المستخدم الصوتية الآن على مئات الملايين من الأجهزة، بما في ذلك مكبرات الصوت الذكية وسماعات الرأس والساعات، وتستخدم بالفعل بهدف مساعدة الأشخاص في إدارة مراسلاتهم، مثل رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية، بالإضافة إلى التحكم في الأجهزة المنزلية. كما تساعد واجهات المستخدم الصوتية الأشخاص الذين يعانون الضمور العضلي في استخدام أصواتهم لضبط ارتفاع أسرّتهم طوال الليل، لتجنب التقرحات الجسدية الناجمة عن ملازمة السرير.
يمكن أن تحقق واجهات المستخدم الصوتية الشعور بالاستقلال والكرامة لما يقرب من 285 مليون شخص مصاب بضعف البصر في العالم، إذ يمكنهم استخدام أصواتهم بهدف العثور على هواتفهم الذكية عند فقدانها، فضلاً عن الاستماع إلى الموسيقى دون الحاجة إلى الاستمرار في تجربة الكثير من الأقراص المضغوطة في جهاز الاستريو، ومعرفة مقدار الوقت المتبقي على جهاز ضبط الوقت. وبوصفنا متخصصين تقنيين نفكر غالباً في الأشياء المهمة، مثل مساعدة الأفراد على ارتداء ملابسهم وإطعامهم ومساعدتهم على التنقل وما إلى ذلك، ولكننا ننسى الأشياء البسيطة التي قد يعتبرها الكثيرون منا أمراً مفروغاً منه، مثل تصفح القنوات. وبالتالي، يمكن لواجهات المستخدم الصوتية المساعدة في المهمات التي تجعل الأفراد أكثر انخراطاً في حياتهم.
ولا تنحصر تقنيات واجهات المستخدم الصوتية في مساعدة الأفراد المصابين بالإعاقة الجسدية فحسب، بل يُعدّ المساعدون الصوتيون وسيلة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون الخرف من خلال تذكيرهم بتناول الأدوية دون توجيه أية أحكام انتقادية لهم، وكذلك في الإجابة عن الأسئلة نفسها مراراً وتكراراً دون الحاجة إلى سؤال مقدم الرعاية الذي قد يكون مرهقاً من الناحية النفسية بالفعل.
كما يُعدّ المساعدون الصوتيون حلاً مثالياً لكبار السن الذين قد لا يملكون هواتف ذكية أو كمبيوترات محمولة، أو الذين لا يشعرون بالراحة في التعامل مع هذه التقنيات، وذلك عبر تمكينهم من الوصول إلى الإنترنت والبقاء على تواصل مع الأسرة. وفي تجربة أجرتها شركة فرونت بورش (FrontPorch) على مجموعة مركّزة في كارلسباد في كاليفورنيا، قامت الشركة بتركيب مكبرات صوت ذكية في منشأة لرعاية المسنين، وهو ما جعل العديد من المقيمين يشعرون بحماسة كبيرة، فقد تمكنوا من إرسال رسائل إلى أفراد أسرهم، ومارسوا الألعاب، واستمعوا إلى الموسيقى المفضلة لديهم، إضافة إلى تبادل الرسائل فيما بينهم. وكما قال أحد المشاركين:
كان الأمر الأكثر متعة هو مراسلة صديقين بدأا كذلك باستخدام هذا الجهاز السحري. أعلم أنه يمكننا الانتظار حتى يرى كلٌّ منا الآخر في البهو، وأعلم أنّ بإمكاننا استخدام الهاتف، ولكن يوجد شيء شخصي وخاصّ وممتع في استخدام هذا الجهاز. لم أشعر بهذا القدر من المرح منذ أن كنّا صغاراً، نربط سلكاً بين علبتي قصدير ونلعب لعبة "الهاتف".
ومن الممكن أن توظّف واجهات المستخدم الصوتية وسيلةً للتغلب على ارتفاع معدلات الأمية أيضاً. وقد نُشر مقال في صحيفة وول ستريت جورنال بعنوان "نهاية الكتابة: سيعتمد المليار مستخدم الجدد للهواتف المحمولة على الفيديو والصوت"، تحدث فيه المؤلف عن رجل يمتلك هاتفاً ذكياً، ولكنه لم يكن قادراً على الاستفادة من ميزات هذا الهاتف بسبب ضعف إلمامه بالقراءة والكتابة. بيد أنه تمكن اليوم من الوصول إلى معلومات مهمة مثل مواعيد القطار، وتشغيل أغانيه المفضلة بفضل تقنيات الصوت. وبإمكان تقنيات الصوت أيضاً بناء الثقة باستخدام الإنترنت عن طريق السماح للأفراد بالتصفح بطريقة مريحة.
وينطوي الجانب الآخر من هذه التكنولوجيا على مساعدة أولئك الذين فقدوا قدرتهم على الكلام، أوالذين يتصف نمط كلامهم بأنه غامض ومخالف للقواعد المعيارية العامة. لا يمكن لهؤلاء الأشخاص استعمال واجهات المستخدم الصوتية دائماً، إذ يطبّق تدريب أنماط الكلام على اللغة العادية التي يعرفها الجميع. وثمة طريقتان لحل هذه المشكلات. أولاً، بالنسبة إلى أولئك الذين يفقدون القدرة على التحدث بسبب أمراض مثل التصلب الجانبي الضموري، يمكن تسجيل الصوت ومن ثم تحويله إلى صوت آخر واضح بواسطة تقنية تحويل النص إلى كلام. بهدف تمكينهم من التواصل. وفيما يتعلق بالمشكلة الثانية، هناك أكثر من 100 مليون شخص في الولايات المتحدة وأوروبا لديهم أنماط كلام لا يمكن لواجهات المستخدم الصوتية الحالية التعرف عليها، مثل الأشخاص الذين يعانون التلعثم أو أولئك الذين تعرضوا إلى سكتة دماغية جعلت لغتهم أقلّ وضوحاً. ويكمن الحل في ابتكار المزيد من نماذج الكلام التي يمكنها التعامل مع هذه الاختلافات.
ومع ذلك، تُعدّ فوائد التكنولوجيا الصوتية والتصميمات الشاملة منطقية للجميع. يعاني الكثير منا حالات إعاقة مؤقتة تجعلنا عاجزين عن التواصل لفترات محدودة، ومن أمثلة ذلك، شخص ما يحمل المشتريات أو طفلاً صغيراً وهو غير قادر على استخدام يديه مؤقتاً، أو شخص آخر يعاني ضعفاً في الكلام أثناء نزلات البرد أو الإنفلونزا، فيمكن المساعدة في هذه الحالات باستخدام برامج الذكاء الاصطناعي الممكّنة للصوت. وحتى في حالات بسيطة كأن ينسى أحدنا نظارات القراءة ويتعذر عليه قراءة شاشة هاتفه، يمكن للقدرة على استخدام الصوت أن تُحدِث فرقاً حقيقياً.
وفي حين تمتلك تقنيات الصوت القائمة على الذكاء الاصطناعي القدرة على المساعدة في تحسين المنتجات والخدمات للمجموعات التي قد تكون غير ممثلة بالقدر الكافي، يجب علينا التفكير أيضاً في نماذج التعرف على الكلام نفسها. إذ فقد يوجد أشخاص لا تعمل نماذج تَعرّف الكلام القياسية على هواتفهم بشكل جيد، وهدفنا هو ضمان أن تغطي بيانات التدريب الخاصة بنا مجموعة متنوعة من المستخدمين كي نتمكن من تحسين جودة التعرف على الكلام للجميع. ويُظهر أحد الأمثلة التي أبرزناها في مؤتمر جوجل آي/ آو الأخير كيفية استخدامنا الذكاء الاصطناعي بهدف تحسين المنتجات للأشخاص الذين يعانون ضعف الكلام. وأشجع الشركات بشدة على التفكير في مقدار الفائدة التي يجنيها عملاؤها من توظيف التصميم الشامل، إذ يمكن للتقنيات الصوتية أن تساعدنا جميعاً حقاً.