كيف تهيئ مؤسسة لثورة التكنولوجيا الكمومية القادمة؟

5 دقائق
الحوسبة الكمومية
shutterstock.com/Bartlomiej K. Wroblewski

من المتوقع أن تُحدث الحوسبة الكمومية ثورة في حياتنا وأعمالنا، ولكن المراحل الأولى لتطور التكنولوجيا وتعقيدها توحي بأنه لا يمكن للمدراء التنفيذيين معرفة موعد حدوث هذه الثورة. حتى إذا كنت لا تستطيع التنبؤ بموعد حدوثها، فعليك ترقّبها من خلال رصد التطورات التكنولوجية باستمرار والتأهُّب لتأثيرها المنتظَر على أعمالك.

إذا كان لدى الفرعون رمسيس الأول في عام 1290 قبل الميلاد أكثر الحواسيب العملاقة تقدماً المتاحة اليوم، وأجرى عمليات حسابية معقدة للغاية، فستكون النتائج متوفرة الآن: بعد 3,300 عام. ولكن يمكن للحاسوب الكمومي إجراء العملية الحسابية نفسها في 11 دقيقة. لعلك تتساءل كيف ستغير هذه التكنولوجيا المذهلة حياتك وعملك. نعتقد أن الوقت قد حان لأخذ الحوسبة الكمومية بجدية بالغة، وتحديد الفرص العديدة التي توشك على خلقها، وكذلك المخاطر التي ستنطوي عليها.

كما ذكرت شوهيني غوس في محاضرتها الشهيرة على منصة تيد توك (Ted Talk)، الحوسبة الكمومية هي تحول جذري كبير كما كانت المصابيح الكهربائية بالنسبة لأنظمة الإضاءة القديمة كالشموع ومصابيح الغاز. فهي ستسمح بمعالجة مشكلات الأعمال الأكثر تعقيداً بكثير من تلك التي يمكننا معالجتها اليوم. وسيُحدث هذا ثورة في مجموعة كبيرة من التطبيقات، بما في ذلك التشفير واكتشاف الأدوية وتعلم الآلة والتحسين والنمذجة المالية والبحث والتطوير.

هناك فرص، ومخاطر أيضاً

تفتح المجموعة الكبيرة من تطبيقات الحوسبة الكمومية الباب أمام إمكانات جديدة وهائلة للشركات. ولكن علّمنا التاريخ أن الابتكارات الثورية تخلق فرصاً ومخاطر على حد سواء. ولا يحدث ذلك بسبب الابتكارات الثورية في حد ذاتها، وإنما بسبب المدراء والمسؤولين التنفيذيين الذين يستهينون بتأثيرها.

بعد مرور 25 عاماً، لا تزال "معضلة المبتكِر" (innovator’s dilemma) التي تحدّث عنها كلاي كريستنس قائمة: تكافح الشركات القائمة لتبني ابتكارات ثورية لتزعزع أسواقها الحالية أو تغيرها، بسبب تركيزها الشديد على العملاء الحاليين وتحقيق أقصى قدر من الربح.

لذلك، إليك بعض الأخبار السيئة إذا كنت لا تزال تأمل ألا تتأثر أعمالك بالثورة الكمومية: ستتأثر حتماً! في البداية ببطء شديد، ثم فجأة.

الاستعداد للثورة الكمومية

كيف يمكن للمدراء التعامل مع التغيير الجذري الذي ستُحدثه الحوسبة الكمومية؟ الاستجابة الغريزية للعديد من المسؤولين التنفيذيين قد تقودهم إلى محاولة تحديد متى سيحدث هذا التغيير. ووفقاً لشركة ماكنزي آند كو (McKinsey & Co)، قد يكون التاريخ المعقول لرؤية تأثير حقيقي للحوسبة الكمومية على الأعمال هو بحلول عام 2030.

ومع ذلك، طالما أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالمستقبل بدقة، فإننا نقترح أن تتبنى الشركات نهجاً مختلفاً عن التنبؤ، ألا وهو: التأهب. وفي هذه الحالة، التأهب يعني المراقبة المستمرة والتكرار السريع للتكيف مع التغيير.

للاستعداد للثورة الكمومية، يجب أن تعلم أن "الموعد" أقل أهمية من "الكيفية". وتتمثل الكيفية في: رصد التطورات التكنولوجية، واغتنام تأثيرها على الأعمال وإجراء تحولات في الشركات لتكون مستعدة للتغيير.

رصد التطورات التكنولوجية لإثارة الشعور بالحاجة الملحّة إلى إجراء تغيير

فهم التطور التكنولوجي للحوسبة الكمومية يمكن أن يساعد المدراء على إعادة تقييم الشعور بالحاجة الملحة إلى إجراء تغيير جذري في أعمالهم باستمرار.

حتى الآن، تُعد معماريات الحوسبة الكمومية معقدة للغاية، وتنفيذها باهظ التكلفة، وتتطلب أيضاً استثمارات كبيرة في البحث والتطوير. ومن غير المحتمل أن تتطور مثل هذه المعماريات قريباً، وأن يحدث ذلك في أماكن أخرى غير شركات التكنولوجيا الكبرى (مثل آي بي إم وجوجل). فمراقبة تقدمها على صعيد كل من جودة الأداء الأولي والتطبيقات المبكرة ستعطي المسؤولين التنفيذيين فكرة عن الوجهة التي يتجه إليها العالم.

علاوة على ذلك، ينبغي للمدراء الانتباه إلى مسارات التكلفة التي تنخفض بوتيرة متسارعة. فبمرور الوقت، ستنخفض تكلفة تطوير الحواسيب الكمومية بشكل معقول، ما سيفتح المجال أمام منافسين جدد مثل الشركات الناشئة والمشاريع الأصغر. تشمل بعض الإشارات على أن مسارات التكلفة قد تتغير قريباً: زيادة عدد الشركات الناشئة النشطة في مجال الحوسبة الكمومية، وتضاعف التمويل الذي جمعوه (ما يصل إلى 1.4 مليار دولار بين عامي 2020 و2021).

اغتنام تأثير الحوسبة الكمومية على أعمالك

إلى جانب رصد التطورات التكنولوجية، يحتاج المدراء بالتأكيد إلى اغتنام تأثير الحوسبة الكمومية على أعمالهم. للقيام بذلك، ينبغي للمسؤولين التنفيذيين أولاً تحديد جوانب سلسلة القيمة التي يمكن للتكنولوجيا الكمومية إما أن تخلق فيها المزيد من القيمة المضافة وإما أن تؤدي إلى إعادة تصميم العمليات. من المستبعد جداً أن يكون التوسع في التكنولوجيا لحظياً على طول سلسلة القيمة بأكملها. وتحديد الأنشطة الأكثر أهمية التي يمكن أن تستفيد من التكنولوجيات الكمومية سيساعد على إيلاء الأولوية للأنشطة في مجالات الأعمال تلك.

على سبيل المثال، من المتوقع أن تمنح الحوسبة الكمومية إدارات الموارد البشرية القدرة على تحليل الموظفين المحتملين بدقة استناداً إلى آلاف المعايير، بالإضافة إلى مقارنتهم "آنياً" بملايين السير الذاتية الأخرى. على الرغم من أن هذا يبدو فعالاً، فإنه لن يكون استراتيجياً لبعض الشركات كما هو للبعض الآخر. على سبيل المثال، على الأرجح لن تكون شركات التصنيع مهتمة، وستركز بدلاً من ذلك على تطبيقات لتحسين العمليات والخدمات اللوجستية (مثل توجيه المركبات). عندما يحين الوقت، قد تقوم شركات التصنيع بتعهيد مهمات إدارات الموارد البشرية بالكامل، وبدلاً من ذلك ستتعامل مع مهمات الموارد البشرية كخدمة يقدمها مزود خدمة يستخدم الحوسبة الكمومية. للتكنولوجيا تاريخ طويل في إعادة رسم حدود الشركات.

ومع ذلك، يجدر التحذير هنا لأن أكبر التأثيرات التحويلية ليست بالضرورة أول ما يُوصّل إلى مرحلة النضج. وحتى يومنا هذا، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كتهديد للوظائف اليدوية نظراً لأنها تمت أتمتتها أولاً، على الأقل جزئياً. ولكن هناك حداً لمقدار العمل البدني الذي يمكن أتمتته. ومن ناحية أخرى، ووفقاً لمفارقة مورافيك (Moravec’s paradox)، فإن الذكاء الاصطناعي هو في الواقع أكثر ملاءمة للمهمات الإدراكية ذات المستوى الأعلى، وبالتالي من المحتم أن يكون له أكبر تأثير على المهن الفكرية. قد يستغرق حدوث ذلك وقتاً أطول قليلاً، ولذلك لا يكون التأثير والتوقيت متوازيين دائماً.

لذلك، فإن اغتنام التأثير على سلسلة القيمة يستلزم تحديد الإجراءات ذات الأولوية وتجنُّب الاستمرار في إيلاء اهتمام إداري مفرط للتطورات التكنولوجية أو قصص النجاح التي تروجها الأخبار. لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع، ولكن قد تكشف "الفِرق الكمومية" عن طريقة فعالة لإحداث تحولات في الأعمال ودعم عمليتي الاغتنام والرصد تدريجياً.

غيِّر نهجك إزاء الحوسبة الكمومية

لتجنب المفاجأة عندما يحدث التقدم الكبير، ينبغي للشركات تحسين قدرتها على استشعار البيئة ورصدها واغتنام الفرص المتاحة أمام أعمالها. للقيام بذلك، ابدأ تطوير حالات الاستخدام. وهنا يجدر التحذير أيضاً من التبسيط المفرط؛ فهذا النهج قد يصرف الانتباه عن رؤية هذه الظاهرة من منظور أكثر شمولية، وبالتالي يجب التشديد على أهمية الاغتنام.

هناك طريقة أخرى بسيطة للقيام بذلك، تتمثل في اتباع نهج تحويلي. إذ يمكن للمؤسسات إنشاء "فريق كمومي" لتنفيذ أنشطة الرصد والاغتنام. ويجب أن يكون هذا الفريق، المكون من موظفين حاليين، متنوعاً قدر الإمكان (على سبيل المثال، متخصصون في تكنولوجيا المعلومات والعمليات والمبيعات والتسويق)، ولكن ينبغي ألا يكون كبيراً للغاية (يمكن أن يضم 4 إلى 5 أشخاص، على سبيل المثال). وتتمثل مهمتهم في القيام باستطلاع خارجي لرصد التطورات التكنولوجية الكمومية، وفهم كيف ستؤثر هذه التكنولوجيا على عناصر العمل المختلفة.

وفيما يتعلق بالتراتبية، يجب أن يكون هذا الفريق قريباً قدر الإمكان من المناصب التنفيذية العليا. فبذلك يمكن تصعيد الفرص والتهديدات بسرعة إلى المسؤولين التنفيذيين ودمجها في المناقشة الاستراتيجية لتخصيص استثمارات في الحوسبة الكمومية في أقرب وقت ممكن. أياً كان نوع القطاع أو الشركة، فإن الحوسبة الكمومية قادمة. على الرغم من أننا كنا نقترب من "الوقت المحتسب بدل الضائع"، فإن إنشاء فِرق متعددة التخصصات لتتبع التطورات التكنولوجية وتأثيرها في الأعمال بشكل منهجي سيساعد المؤسسات على معرفة آخر الأخبار بشأن هذا التغيير الثوري.

الحوسبة الكمومية هي تكنولوجيا متطورة تستخدم مبادئ الميكانيكا الكمومية لمعالجة المعلومات وتخزينها. وبدلاً من استخدام نظام الحوسبة الحالي الذي يقوم على الأرقام الثنائية (الأصفار والواحدات)، تستخدم الحوسبة الكمومية البتات الكمومية (qbits) التي تسمح بحالات هجينة بين الأصفار والواحدات. تسمح هذه الإمكانية الاستثنائية بزيادة القدرات الحاسوبية والقدرة على حل المشكلات التي يتعذر حلها في الوقت الحالي، حتى بالحواسيب العملاقة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي