بناء ثقافة الشفافية في الرعاية الصحية

5 دقائق
الشفافية في الرعاية الصحية

يدور الحديث اليوم حول الشفافية مع "المستهلك" في قطاع الرعاية الصحية، تلك الشفافية التي يتمكن من خلالها "المستهلك" أو المريض من الاطلاع على احتمالات العلاج وتكاليفه والمخاطر المحتملة ونتائجه الواقعية، وأكثر من ذلك بكثير. إذ يجب أن يوفر مقدمو الرعاية الصحية أكبر قدر ممكن من المعلومات لضمان تقديم الرعاية المناسبة، ولاسيما في ما يتعلق بالجودة والسلامة، ويمكن للمرضى وفريق الرعاية أن يتخذوا قرارات مدروسة تخص الرعاية. فكيف يمكن تعزيز الشفافية في الرعاية الصحية تحديداً؟

أعتقد بأن من المستحيل الحصول على شفافية كاملة مع المرضى دون تطوير ثقافة قوية من الشفافية الداخلية بداية - بين جميع أعضاء الفريق، وعند كل المستويات، وفي شأن كل القضايا - في مختلف أنحاء مؤسسة الرعاية الصحية نفسها.

اقرأ أيضاً: 3 طرق يمكن لقادة قطاع الرعاية الصحية من خلالها التشجيع على التجريب

وعندما يكون أعضاء الفريق منفتحين وصادقين مع بعضهم بعضاً، دون خوف، يؤدي ذلك إلى الثقة المتبادلة والتعاون وتبادل أفضل الممارسات بين التخصصات. ويكون المرضى هم المستفيدين النهائيين.

الشفافية في الرعاية الصحية

ووفقاً للتقرير الصادر عن "المؤسسة الوطنية لسلامة المرضى" بمعهد لوسيان ليب (National Patient Safety Foundation's Lucian Leape) في عام 2015 بعنوان: "تحت الضوء: رعاية صحية أكثر أماناً من خلال الشفافية" (Shining a Light: Safer Health Care Through Transparency)، الذي جاء فيه: "إذا كانت الشفافية عبارة عن دواء، فستلقى إقبالاً شديداً، وستبلغ مبيعاتها مليارات الدولارات وستنتشر في كل أنحاء العالم". ويعرّف التقرير الشفافية بأنها التدفق الحر وغير المقيد للمعلومات المفتوحة أمام تدقيق الآخرين.

الحواجز التي تحول دون الشفافية الداخلية

لا تأتي ثقافة الشفافية الداخلية بين ليلة وضحاها. فقد يبرز العديد من الحواجز، وقد يكون بعضها معقداً تماماً. مثلاً، قد يحجم الموظفون عن الإبلاغ عن مشاكل أو أخطاء تتعلق بالسلامة خوفاً من أن يوبخهم مدرائهم أو يتجنبهم زملاؤهم.

ووفقاً لما جاء في تقرير معهد لوسيان ليب: "من منظور الجودة والسلامة، تُعَد الشفافية أساساً للتعلم من الأخطاء ولإنشاء بيئة داعمة للمرضى والعاملين في مجال الرعاية الصحية".

وفي "مركز فيرجينيا ماسون الطبي" (Virginia Mason Medical Center) في مدينة سياتل، مثلاً، يُعتبَر كل موظف مفتش سلامة بغض النظر عن الوظيفة أو اللقب. ويُتوقَّع من جميع أعضاء فريقنا أن يرسلوا تنبيهاً حول سلامة المرضى كلما رأوا أي شيء يشكل خطراً فورياً أو محتملاً على السلامة ويُشجعون على ذلك. ويُعَد هذا المستوى من الشفافية الداخلية ضرورياً لعدم قدرة القادة وأعضاء الفريق على حل المشاكل ما لم يعلموا بوجودها.

وتتعرقل الشفافية الداخلية عندما لا تُتبادَل الدروس المستفادة بحُرية في المؤسسة. وبينما تعقد العديد من المؤسسات الكثير من الاجتماعات الروتينية، فمن الضروري إعطاء الأولوية لعقد اجتماعات منتظمة بين متخصصي الرعاية الصحية من مختلف التخصصات وتشجيعهم على اختراق حاجز العزلة من خلال تبادل المعلومات مع زملائهم في التخصصات والأقسام الأخرى.

اقرأ أيضاً: عودة ثقافة شفاء المرضى إلى مراكز الرعاية الصحية

وغالباً ما يتردد مزودو الرعاية الصحية في الكشف عن الأخطاء لمرضاهم على الرغم من توصل دراسة نُشِرت في عام 2006 في مجلة "الطب العام الداخلي" (Journal of General Internal Medicine) إلى أن الإفصاح الكامل من قبل الطبيب لمريضه يؤدي إلى بناء الثقة والرضا، وتخفيض احتمال تغيير المريض لطبيبه.

يجب على القادة تأسيس ثقافة "عدم اللوم" في المؤسسة

تبدأ الطريقة الأكثر فاعلية لبناء ثقافة الشفافية بأولئك الذين يشغلون مناصب قيادية. وتقع على عاتق فريق القيادة مسؤولية لخلق مناخ تكون فيه المساءلة متوازنة والتحسين مستمراً، وهذا هو الواجب المشترك للجميع. ويجب أن يقود القادة عن طريق تقديم أمثلة تُحتَذى.

وجاء في مقالة نُشِرت في عام 2013 في "مجلة أوكسنر" (The Ochsner Journal)، بعنوان: "الثقافة العادلة: أساس للمساءلة المتوازنة وسلامة المرضى" (Just Culture: A Foundation for Balanced Accountability and Patient Safety)، أن: "الثقافة العادلة والمنصفة تعمل على تحسين سلامة المرضى من خلال تمكين الموظفين من مراقبة مكان العمل في شكل استباقي والمشاركة في جهود السلامة في بيئة العمل".

نموذج جديد لتحقيق الشفافية في قطاع الرعاية الصحية

عندما لا تنجح إحدى طرق العمل في قطاع الرعاية الصحية، فإن تغييره ليس بالأمر السهل، وقد يستغرق وقتاً طويلاً، لكن يمكن لمقدمي الرعاية إيجاد طريقتهم الخاصة للإبداع والتغلب على الروتين عبر طرقي تعمل كمحفز للتحول على المدى الطويل.

في مركز فيرجينيا ماسون الطبي، بدأنا قبل حوالي 20 سنة في إنشاء ثقافة يمكن لأعضاء فريقنا من خلالها الاعتقاد بأن الرعاية الصحية الخالية من العيوب ممكنة، وأن لديهم الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك. لقد أدركنا أن هناك حاجة إلى نقلة نوعية لتحقيق هذا التحول. ولم يكن نهج الإدارة لدينا آنذاك ذكياً بما فيه الكفاية لمواكبة البيئة المتغيرة للرعاية الصحية: فقد كنا بحاجة إلى التخلص من العناصر المهدرة في رعاية المرضى، وأردنا تمكين موظفينا من أن يكونوا مشرفين على سلامة المرضى، بغض النظر عن مُسمّاهم الوظيفي.

ولإيجاد طريقة مبتكرة للمضي قدماً، نظرنا إلى أبعد من قطاعنا الذي لم تتطور فيه المنهجيات التقليدية في إدارة الرعاية الصحية كثيراً على مدى العقود الماضية. ففي عام 2002، طبَّقنا نظام إنتاج في مركز ماسون فيرجينيا الطبيي (VMPS)، وهي طريقة إدارية توظف المبادئ الأساسية لنظام الإنتاج في شركة تويوتا، بهدف التخلص من الهدر (بمعنى أي شيء يفتقر إلى القيمة من منظور المريض)، وتحسين الجودة والسلامة، والتحكم في التكلفة.

ولم يحدث هذا التغيير بسهولة. فقد كان هناك مشككين ورافضين، بالإضافة إلى متحمسين كانوا منفتحين على استكشاف مسار جديد. وتبنى بعض أعضاء الفريق وضعية الانتظار والترقب. وقرر القليل منهم مغادرة مؤسستنا. وساد مزيج من التفاؤل والشعور بالخسارة إذ أصبح من الواضح أن القيام بالأشياء التي اعتدنا القيام بها لم يعد جيداً بما فيه الكفاية.

ومن خلال مشاركة المعلومات في شكل مفتوح في منتديات الموظفين وخلال المحادثات الفردية على مدار عدة أشهر، عملنا على مساعدة أعضاء فريقنا على فهم ضرورة التغيير لمستقبل المؤسسة. وأبرمنا اتفاقيات مع أطبائنا وأعضاء مجلس الإدارة والقادة على كل المستويات التي أوضحت بدورها توقعات المؤسسة وما يمكن أن يتوقعوه في المقابل من المؤسسة. فالمطلوب من قادتنا - بما في ذلك رؤساء الأقسام ومدرائها - ممارسة أساليب النظام الإنتاجي في مركز ماسون فيرجينيا الطبي وتعليمها لفرقهم. ويُعَد إكمال مساق في أساسيات النظام الإنتاجي في مركز ماسون فيرجينيا الطبي جزءاً مهماً من عملية الإعداد للموظفين المعينين حديثاً. والنتيجة هي بيئة أكثر أماناً للمرضى والموظفين.

أنا أؤمن بأننا جميعاً في الرعاية الصحية لدينا واجب أخلاقي لجعل الرعاية الصحية أفضل وتوفيرها بأسعار معقولة أكثر. والسلامة هي أساس الجودة.

في عام 2004، توفيت إحدى مريضاتنا، ماري ماكلينتون، بسبب خطأ طبي كان يمكن تجنبه بينما كانت في رعايتنا. وقد زلزل هذا الخطأ أعماق مؤسستنا. وكان أيضاً مصدر إلهام لإنشاء بيئة آمنة لكل مريض وعضو في الفريق، وأن نكون منفتحين مع مرضانا وموظفينا والمجتمع حول عملنا من أجل تحسين السلامة في شكل مستمر. ولتكريم إرث السيدة ماكلينتون، أنشأنا جائزة سنوية لتمييز الفريق الذي يُحسّن الجودة والسلامة من خلال الابتكار. وتجري مشاركة مشاريع الفرق على نطاق واسع في مؤسسة فيرجينيا ماسون حتى يدرك الجميع كيف سيستفيد المرضى ومقدمي الرعاية من المبادرات الحائزة على جوائز. ويَحضُر أفراد عائلة السيدة ماكلينتون حفل توزيع الجوائز الذي يحمل اسمها.

في الولايات المتحدة، لدينا معلومات أكثر من أي وقت مضى حول كيفية توفير رعاية مناسبة وعالية الجودة والحفاظ على سلامة المرضى. وتُعتبَر الشفافية في الرعاية الصحية ومع الأطراف المعنية الداخلية والخارجية ضرورية للجودة والسلامة والمساءلة واتخاذ القرارات بشكل مدروس. وكما يشرح تقرير معهد لوسيان ليب، فإن الشفافية بين الأطباء والمرضى، وبين الأطباء ومؤسسات الرعاية الصحية، وبين مؤسسات الرعاية الصحية والجمهور تنتج رعاية أكثر أماناً ونتائج أفضل وثقة أكبر بين كل الأطراف المعنية.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي