من الصعب أن يكون المرء أكثر انتماء لشركة والت ديزني من توماس ستاجيز، مدير العمليات في هذه الشركة. فقد كان كثير من الناس يعدّون هذا المدير المتمرس بأمور الشركة لعمله فيها 26 سنة، الوريث الظاهري لمديرها التنفيذي بوب آيغر، إلى أن تنحى ستاغز عن منصبه فجأة. وصدحت عناوين الأخبار بعبارات مثل "المستثمرون المشاركون في والت ديزني متوترون"، "الفوضى تسود خطة ديزني للإحلال الوظيفي". وبانتهاء عقد عمل آيغر هذا العام، صرحت الشركة أنّ مجلس إدارتها "سيوسع نطاق خطته للإحلال الوظيفي، ليحدد ويقوّم مجموعة كبيرة من المرشحين، لدراسة تعيينهم". وقد يمتد ذلك النطاق الأوسع ليشمل من هم خارج دائرة فريق عمل شركة ديزني.
يلجأ عدد متزايد من الشركات العالمية المرموقة إلى توظيف أشخاص من خارج شركاتهم في عمليات الإحلال الوظيفي التي يخططون لها، وفق دراسة عن نجاح المدراء التنفيذيين للشركات (CEO Success Study) أجرتها شركة الاستشارات الاستراتيجية التابعة لشركة برايس ووترهاوس كوبر (PwC). وقد وجد استبيان شمل 2,500 من كبرى الشركات العامة حول العالم أنّ 22 في المئة من المدراء التنفيذيين الذين تم توظيفهم في خطط الإحلال الوظيفي في السنوات الأخيرة قدموا من خارج تلك الشركات (واستثنت الإحلالات الوظيفية عمليات الدمج والحيازة، والحالات التي تم فيها طرد المدراء التنفيذيين بشكل مفاجئ). تساوي هذه النسبة ضعف النسبة التي سُجلت ما بين عامي 2004 و2007، فقد أصبح المدراء من خارج الشركة بالفعل خياراً قيادياً إرادياً، أكثر من كونهم مجرد توظيف نمطي يتم اللجوء إليه عند حدوث تحول، أو أزمة.
يقول غاري نيلسون من شركة برايس وتر هاوس كوبر، بالولايات المتحدة، وأحد واضعي الدراسة: "كان المدراء التنفيذيون من خارج الشركة يعدّون الحل الأخير، إلا أنهم أصبحوا نوعاً ما حلاً بحد ذاتهم".
تتعدد أسباب ذهاب أعلى المراكز الوظيفية للمدراء من خارج الشركة عند امتلاك المجالس الإدارية للشركات وقتاً كافياً للتخطيط للإحلال الوظيفي، ما ينطبق على حوالي ثلاثة أرباع التوظيفات لمنصب المدير التنفيذي ما بين عامي 2012 و2015.
وسجلت القطاعات التي تواجه القدر الأكبر من الزعزعة توظيفات مدراء من خارج تلك الشركات على نحو يفوق المعدل المسجل. ويعلّق نيلسون على ذلك بالقول: "إنّ مستوى التغيير المتقطع، الذي يحدث حين تحتاج الشركات إلى تغيير نموذجها للأعمال، أو القيام بأمر لم يسبق لها أن فعلته، يوجه الرغبة في توظيف المدراء من خارج الشركة". ويفسّر هذا الكلام سبب توظيف 38 في المئة من المدراء التنفيذيين الجدد في قطاع الاتصالات من خارج الشركة في السنوات الأخيرة. وتشمل القطاعات الأخرى التي تسجل معدلات عالية نسبياً لتوظيف هذا النوع من المدراء قطاعات الرعاية الصحية، والخدمات، والطاقة. ويستطيع المدير من خارج الشركة إجراء تغييرات رئيسية فيها بسهولة، لخبرته بالأوضاع التنافسية المختلفة، وعدم امتلاكه تاريخاً طويلاً وعلاقات معقدة داخل الشركة تثقل كاهله.
ويبدو أنّ خطر دفع المستثمرين النشطين مرشحيهم الخاصين من خارج الشركة ليشغلوا تلك المراكز الوظيفية يشجع مجالسها الإدارية على غض النظر عن المرشحين الأقوياء من داخل الشركة، الذين كانت تلك المجالس تهيئهم لاستلام المراكز الإدارية العليا. يقول نيلسون: "لقد أمضينا وقتاً طويلاً مع شركات تشعر إداراتها العليا بالقلق. إذ يقول رؤساء مجالس إدارتها: "هل تعلمون ماذا؟ لنستبق المشكلة قبل أن نصبح موضع انقلاب مفاجئ تتحدث عنه صحيفة وول ستريت جورنال".
يتمثل عامل آخر في تراجع سلطة المدراء التنفيذيين الذين يحملون لقب "رئيس مجلس إدارة"، إذ يسهّل رئيس مجلس الإدارة المستقل على أعضاء مجلسه مناقشة الإحلال الوظيفي في غياب المدير التنفيذي. وقد حمل 7 في المئة من المدراء التنفيذيين الذين جرى تعيينهم، اللقب المشترك لرئيس مجلس الإدارة، وهي نسبة متدنية سجّلتها الدراسة، مقارنة بنسبة 48 في المئة التي سُجلت سنة 2002.
وللتأثيرات الإقليمية دور في توظيفات المدراء التنفيذيين، فقد أظهرت الدراسة أنّ الشركات في البرازيل، وروسيا، والهند، تشهد ارتفاعاً كبيراً في التوظيف لأهم المراكز الإدارية من خارج الشركة. كما توظف الشركات في أوروبا الغربية ضعف عدد المدراء التنفيذيين الذين توظفهم الشركات في الولايات المتحدة الأميركية وكندا، البلدين اللذين يسير فيهما التراجع الجماعي التدريجي عكس النزعة العالمية. (مع أنّ بعض الأبحاث تشير إلى سيادة التوظيف من داخل أو خارج الشركة في الولايات المتحدة الأميركية، أي تعيين موظفي الشركة الذين يحافظون على مسيرة إيجابية قوية).
ربما يعزز الارتياح المتزايد لدى الشركات العامة الكبرى لتوظيف مدراء تنفيذيين من خارجها احتمال تعيين المزيد من النساء في هذا المنصب في المستقبل، على الرغم من الواقع القاتم الذي يظهر أنّ أقل من 3 في المئة من المدراء التنفيذيين الجدد في الشركات الـ2,500 التي شملتها الدراسة كانوا نساء، وهي أدنى نسبة تسجل منذ عام 2011. (امرأة واحدة فقط كانت من بين الـ87 مديراً تنفيذياً جديداً الذين عينوا في الولايات المتحدة وكندا في الشركات المذكورة). ويعزو سبنسر هربست من شركة برايس وترهاوس كوبر هذه الظاهرة إلى كونها حالة شاذة عن القياس، لا دليلاً على نزعة جديدة.
يقول هربست: "إن نظرت إلى المناطق، وبالأخص القطاعات التي شهدت تحولات شديدة، والتي شكلت الجزء الأكبر من عينة دراستنا، لوجدت أنه، لسوء الحظ، لم يسبق لها تعيين العديد من النساء في منصب المدير التنفيذي".
توحي الشرعية المتنامية لتعيين المدراء التنفيذيين من خارج الشركة في خطط الإحلال الوظيفي أنّ العدد القليل من النساء المعينات في هذا المنصب سيشهد ارتفاعاً. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ الدراسة حول نجاح المدراء التنفيذيين وجدت أنّ المديرات التنفيذيات اللواتي يوظفن من خارج الشركة، عددهن أكبر من نظرائهن الرجال. كان 32 في المئة من المدراء التنفيذيين المغادرين والمعينين حديثاً ما بين عامي 2004 و2015 من النساء ، مقابل 23 في المئة من الرجال. وقد يكون أحد أسباب ذلك، على حد قول ديان أغوير من شركة برايس وتر هاوس كوبر، أنه حين تفشل الشركات بتهيئة النساء لتولي المراكز الإدارية العليا، تزداد أرجحية تعيين أولئك النساء في شركات أخرى.
إذاً ما احتمالات أن يكون المدير التنفيذي التالي لشركة والت ديزني من خارج الشركة؟
الاحتمالات ليست بقوية، ففي النهاية، يبقى التوظيف من داخل الشركة الخيار الأرجح للأغلبية. وتُظهر الدراسة عن نجاح المدراء التنفيذيين أنه كلما طالت مدة بقاء المدير التنفيذي المغادر في مركزه، ازداد احتمال تعيين الشركة أحد موظفيها مكانه. لقد كان آيغر مسؤولاً عن شركة ديزني منذ عام 2005. كما تظهر الدراسة أنه كلما كانت الشركة أكبر، قلّ احتمال توظيفها مديراً تنفيذياً من خارجها.
حتى إن صح ذلك، فلن يكون اختيار أعضاء مجلس إدارة ديزني شخصاً من خارج الشركة مثار دهشة كبيرة. وتظهر الدراسة أنّ المدراء التنفيذيين من خارج الشركات يعدون أكثر فأكثر خياراً صالحاً لخطط الإحلال الوظيفي، إلى جانب احتمال تقديمهم أداء أفضل من نظرائهم داخل الشركات. ونرى من الدراسة: لقد ترك المدراء التنفيذيون المغادرون مراكزهم العليا بعد تحقيقهم عائدات وسطية للمساهمين أعلى من تلك التي حققها المدراء التنفيذيون المغادرون من داخل الشركة. ويعتقد واضعو هذه الدراسة أنه في ما يزداد لجوء الشركات الدولية المرموقة إلى المرشحين من خارجها في عمليات التحول المخطط لها، بدلاً من اقتصار هذا النوع من التوظيف على أوقات الأزمات، يحظى أولئك المدراء التنفيذيون بفرصة أفضل لإظهار قيمتهم.