ملخص: لطالما واجه العمال أصحاب المهارات المنخفضة والمتوسطة صعوبات في العثور على عمل ثابت ومستدام، حتى قبل انتشار جائحة "كوفيد-19". لكن اليوم، يُعتبر العديد من هؤلاء العمال أحد "أهم الموارد"، على الرغم من أن معظمهم عاطلون عن العمل ويسعون جاهدين إلى تجاوز حاجز البطالة. ومع قرب انحسار الجائحة خلال عام 2021، ستعيد الشركات فتح أبواب التوظيف، وسوف تسعى إلى توظيف العمالة منخفضة المهارات، وسيبدي أولئك العمال رغبتهم واستعدادهم للعمل، على الرغم من وجود العديد من العوائق الدائمة التي تعترض سبيلهم، بما في ذلك مسؤوليات تقديم الرعاية والافتقار إلى أوراق الاعتماد الرسمية. لذلك، يحتاج القادة إلى فهم ما يمنعهم من توظيف مثل أولئك "العمال المُهملين" في المقام الأول وكيفية الوصول إليهم لتحقيق أقصى استفادة من مواطن قوتهم ومواهبهم.
لقد أزاحت جائحة "كوفيد-19" الستار عن هوية العمال "الأساسيين" الحقيقيين، الذين تبيّن أنهم العمال ذوو المهارات المنخفضة والمتوسطة، مثل موظفي متاجر البقالة ومساعدي طواقم الرعاية الصحية المنفصلين عن عائلاتهم الذين يقدمون الرعاية لمرضى "كوفيد-19" وعمال المستودعات الذين يقومون بحزم البضائع وشحنها. كما كشفت عن مدى تأثر العمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة عندما توقفت قطاعات كبيرة من الاقتصاد عن العمل فجأة؛ لكن المشكلة لم تنته بعد، إذ قد تكون فرصة عثور أولئك العمال على عمل ثابت اليوم بعد عمليات التسريح ضئيلة، وقد يكونون أكثر احتمالاً لمواجهة صعوبات في دفع فواتيرهم أو إيجارات منازلهم أو تسديد رهونهم العقارية مقارنة بالعاملين الذين يتمتعون بمهارات عالية.
مشكلة فجوة المهارات
وعلى الرغم من أن الجائحة ساعدت في تسليط الضوء على تلك الفجوات، إلا أنها لا تعتبر فجوات جديدة في الواقع. فقبل فترة من توقف الاقتصاد العالمي نتيجة جائحة "كوفيد-19" عام 2019، تعاون القائمون على مشروع "كلية هارفارد للأعمال" حول "إدارة مستقبل العمل" مع شركة "أكسنتشر" (Accenture) بهدف إعداد بحث ينطوي على دراسة طبيعة تلك الشريحة من العمال، خاصة أولئك الذين يرغبون في العمل ولكن جرى تسريحهم، أو أولئك الذين يملكون وظيفة بالفعل ولكن بمقدورهم العمل ساعات أطول في ظل الظروف المناسبة. وما أثار اهتمامنا هو مشكلة فجوة المهارات التي تشتكي منها الشركات، حتى عندما كان ملايين من الأميركيين عاطلين عن العمل أو يرغبون في عمل أكثر ثباتاً واستقراراً. على سبيل المثال، أعلن أصحاب العمل في شهر يونيو/حزيران عام 2019 عن 7.3 مليون فرصة عمل، في حين كان أكثر من 12 مليون أميركي في سن العمل يعانون من البطالة أو يعملون تحت ستار البطالة المقنعة.
وأطلقنا على هؤلاء العمال اسم "العمال المُهملين"، لأنهم يمثلون مجموعة من المواهب الواضحة للعيان والقابلة للتوظيف لكنهم غير قادرين على الانضمام إلى قوة العمل لسبب أو لآخر. ونظراً لأن هؤلاء الأفراد لا يتناسبون مع وصف "المرشح المثالي"، يواجهون صعوبة في الحصول على موعد لإجراء مقابلات شخصية أو حتى الحصول على وظائف ثابتة. وقد أسفر الرفض المتكرر لطلباتهم عن شعورهم بالإحباط وعن تخليهم تماماً عن مهمة البحث عن عمل. وفي حال نجح أحدهم في الحصول على وظيفة بالفعل، يواجه صعوبة في الحفاظ على عدد ثابت من ساعات العمل أو نوع الوظيفة التي يرغب في شغلها. ويمثّل أولئك العمال مورداً مهماً وغير مستغل بالنسبة للشركات التي تضم مناصب شاغرة، خاصة تلك المناصب التي تعتبر ضرورية لنجاح الأعمال والتي يصعب شغلها. ومع ذلك، يتطلب الوصول إلى أولئك العمال المهملين تحولاً في مواقف الشركات. بمعنى آخر، يجب على الشركات التركيز على من يمتلك المهارات التي تحتاج إليها بشكل عاجل بدلاً من شغل نفسها بإقصاء الأشخاص غير المناسبين من عملية التقدم إلى الوظائف. ومن المؤكد أنه عندما تقوم الشركات بمواءمة ممارسات التوظيف الموحدة مع نهج مخصص مستند إلى المهارات، يسهل عليها الوصول إلى مجموعة غير مستغلة وقد تكون منسية من العمال المهملين.
أنواع الأفراد العاطلين عن العمل
وتبيّن لنا عند البحث عن هؤلاء العمال في 3 دول، ألا وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، توزّع مهارات فئة واسعة منهم في قطاعات متعددة. لكن للأسف، يوجد حاجز واحد أو أكثر من الحواجز التي تمنع أولئك العمال من مطابقة الأوصاف الوظيفية التي نشرها أصحاب العمل حول هوية المرشحين "المقبولين". تأمل الأنواع المختلفة من الأفراد العاطلين عن العمل منذ فترة طويلة والعمال مثبطي الهمم في تلك الاقتصادات:
- الجنود الذين يمتلكون العديد من المهارات المطلوبة للغاية، مثل إجراء عمليات اللحام تحت الماء وتقديم الرعاية التمريضية الطارئة، لكنهم فشلوا في الحصول على وظائف مدنية لأنهم يفتقرون إلى التراخيص اللازمة.
- مقدمو الرعاية، معظمهم من النساء، على الرغم من وجود بعض الرجال، الذين يضطرون إلى رفض فرص العمل بدوام كامل وجزئي بغية العمل في المنازل وتقديم الرعاية إلى الأطفال أو المسنين أو كليهما.
- متعاطو المخدرات المسجونون سابقاً أو المتعافون الذين لا يتخطون مرحلة التقدم الأولية حتى.
- الأفراد الذين يعانون من مشكلات صحية، جسدية أو عقلية، والذين غالباً ما يجري الحكم عليهم مسبقاً دون أن تؤخذ طلبات تقدّمهم إلى الوظائف في الاعتبار.
- العمال الأكبر سناً الذين يمتلكون الخبرة والمهارات لكنهم يُمثلون عبئاً مُكلفاً على الآخرين.
- المهاجرون واللاجئون الذين يمتلكون أوراق اعتماد من بلدانهم الأصلية لكنهم يواجهون صعوبات في الحصول على وظائف لأنهم يفتقرون إلى المهارات اللغوية.
وعلى الرغم من أن عام 2019 قد شهد انخفاضاً ملحوظاً في معدل البطالة في الولايات المتحدة، قدّرنا أن أميركا كانت موطناً لأكثر من 28 مليون عامل مُهمل. ولاحظنا وجود ظواهر مماثلة في كل من المملكة المتحدة وألمانيا.
ثم فرضت الجائحة على الدول تنفيذ تدابير الإغلاق العام في أوائل عام 2020. كنا نخشى أن يكون أولئك العمال الأكثر تأثراً بالفوضى الاقتصادية. ورغبنا في فهم تأثير جائحة "كوفيد-19" عليهم، لذلك، أجرينا استقصاءً على ما يقرب من 9,000 عامل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا في الفترة الممتدة من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران 2020.
وأكدت نتائج الاستقصاء مخاوفنا، خاصة بالنسبة للعمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة. وعلى الرغم من أن الجائحة زادت الأمور سوءاً، كانت تلك المجموعة مهملة منذ فترة طويلة ولا تحظى بدعم أصحاب العمل وشبكات الأمان الاجتماعي.
مشكلة إيجاد مصدر رزق آمن
كانت حياة أولئك العمال قبل جائحة "كوفيد-19" صعبة مثل حياتهم في ظلها، فقد أفادت نسبة 44% من العمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة أن العثور على عمل كان أمراً صعباً قبل جائحة "كوفيد-19" كما هو خلالها. وليس من المستغرب أن تُفيد نسبة 52% من العمال أن مهمة العثور على عمل باتت أكثر صعوبة بالنسبة لهم في ظل الجائحة.
عدم القدرة على مواءمة وصف المرشح المثالي
طُلب من المشاركين في الاستقصاء تحديد ماهية الحواجز التي تمنعهم من العثور على عمل. وشملت أكثر تلك الحواجز شيوعاً المشكلات الشخصية، مثل مسؤوليات تقديم الرعاية؛ ونقص التعليم أو المهارات المناسبة؛ وقلة الملاءمة الوظيفية بسبب عائق اللغة أو القضايا الثقافية أو الاجتماعية؛ ونقص الدعم من قبل أصحاب العمل فيما يتعلق بسياسات الإجازات مدفوعة الأجر أو ساعات العمل المرنة؛ ونقص الوظائف والفرص في المناطق التي يقطنون فيها. وبالنظر إلى تلك النتائج مجتمعة، أفادت نسبة 54% من أصل 97% من العمال أن الحواجز المحددة التي منعتهم من العثور على عمل قبل جائحة "كوفيد-19" كانت بقدر صعوبة الحواجز التي واجهتهم في ظل الجائحة، في حين أفادت نسبة 43% منهم أن تلك الحواجز كانت أكثر صعوبة حتى.
الاستعداد لتحمل مخاطر عدوى "كوفيد-19"
كان العديد من العمال المُهملين على استعداد للمخاطرة بأنفسهم وبأسرهم في محاولة يائسة منهم للعثور على عمل. وأبدى أكثر من 60% من العمال استعدادهم لتولي وظيفة حتى لو كان ذلك يعرضهم لخطر الإصابة بعدوى "كوفيد-19" أو نشر العدوى، حيث أفادت نسبة (36%) منهم باستعدادهم لتحمل بعض المخاطر، في حين أكّدت نسبة (28%) منهم استعدادهم لتحمل المخاطر وإن كانت جسيمة. وما ساهم في تعزيز ذلك السلوك هو إدراكهم أن الجائحة قلّصت مجموعة الوظائف المتاحة لهم، إذ يعتقد ما يقرب من ثلث العمال (29%) أن معظم أو جميع الوظائف التي كانوا مؤهلين لشغلها قد اختفت؛ في حين أفاد أكثر من ثلثهم (35%) بأنهم لا يعرفون ما إذا كانت الوظائف التي كانوا مؤهلين لشغلها قد اختفت أم لا. وبينما يتوق أولئك العمال للعثور على عمل، يؤكد يأسهم مدى ضعفهم، وهو تذكير واضح لأصحاب العمل وواضعي السياسات بمدى أهمية توفير تدابير مناسبة فيما يتعلق بصحة وسلامة هؤلاء الأفراد.
انعدام فرص الحصول على حزم الحوافز
أفاد معظم العمال ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة الذين شملهم الاستقصاء (72%) بأنهم لم يستفيدوا من الجولات الأولى من حزم الحوافز لأسباب متباينة، إذ تعتقد نسبة 34% من العمال المُهملين أنهم غير مؤهلين للحصول على دعم حكومي، فيما أفادت نسبة 17% منهم بأنهم لا يعرفون ما إذا كانوا مؤهلين للحصول على دعم أم لا، وتوصّلت نسبة 10% منهم إلى أنه من الصعب للغاية التقدم بطلبات للحصول على الدعم، في حين تقدمت نسبة 11% منهم بطلبات بالفعل لكنهم لم يتلقوا أي دعم مالي من الحكومة. وأفادت نسبة 24% فقط ممن شملهم الاستقصاء بأنهم تلقوا شكلاً من أشكال الدعم.
الإهمال والنبذ
مضت سنوات على معاناة أولئك العمال من التهميش والإحباط والإقصاء من قوة العمل المتفرغة، وزاد شعورهم بالإهمال وتجاهل العالم لهم وإعراضه عن سماع مشكلاتهم بعد أن أسفرت جائحة "كوفيد-19" عن إغلاق المدن والبلدان. وطرحنا عليهم في الاستقصاء سؤالاً تناول ما إذا كانوا يشعرون أن القادة الذين يتخذون القرارات بشأن الجائحة يمثلونهم، وأجابت أغلبيتهم (75%) بالنفي أو الشك. وأسفر إدراكهم لمدى إهمال المجتمع لهم عن زيادة شعورهم بأنهم يمثلون شريحة السكان الأكثر تضرراً من التأثير الاقتصادي لجائحة "كوفيد-19"، إذ تعتقد نسبة 53% منهم أن الأسر ذات الدخل المنخفض هي الأسر الأكثر تضرراً.
العمال المهملون وفرص العمل الضائعة
ولا بدّ أن تشكّل تلك النتائج مصدر قلق بالغ لكل من قادة الشركات وواضعي السياسات، فوجود مجموعة كبيرة من العمال المُهملين يؤكد وجود العديد من الفرص الضائعة بالفعل، ويوضح أن الاقتصاد لا يساهم في تشجيع مساهماتهم في قوة العمل أو سد فجوات المهارات لديهم أو زيادة إنتاجيتهم.
وبينما تستعد الشركات لممارسة بعض مظاهر الحياة الطبيعية في عام 2021 أو 2022، تُعتبر تلك الفرصة مواتية لإعادة النظر في استراتيجيات التعيين واستبقاء العمال. إذ قد تُسفر الجائحة عن تفاقم مستويات خطيرة من عدم المساواة الاقتصادية الواضحة بالفعل في معظم العالم المتقدم. ويمكن للشركات المساعدة في حل المشكلة من خلال إيجاد طرق للوصول إلى أولئك العمال المُهملين. على سبيل المثال، طورت شركة "هوت تشيكن تيك أوفر" (Hot Chicken Takeover)، وهي شركة صغيرة مقرها مدينة كولومبوس بولاية أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية نموذج عمل تجاري مبتكر وجديد بالكامل هدفه توظيف العمال الذين كانوا مسجونين نتيجة تعاطي المخدرات أو الذين هم في طور التعافي بالفعل واستبقائهم وتعزيز مهاراتهم. كما أدركت شركة "سي في إس هيلث" (CVS Health) أنه إذا كان الأميركيون ذوو الهمم من أصحاب الحالات الخاصة يشكلون ما يقرب من خمس إجمالي السكان، فستحتاج الشركة إلى بذل مزيد من الجهد لجذب المواهب التي تحتاج إليها منهم. وطورت الشركة برنامج "القدرات الوفيرة" لتحديد ماهية حواجز التوظيف التي أقامتها دون قصد في ممارساتها، ثم شرعت في تفكيك تلك الحواجز من خلال إجراء تغيير رئيسي واحد، ألا وهو إعادة تنظيم برامجها التدريبية لجعلها في متناول الأشخاص ذوي الهمم.
ولم ينطو هدف الشركة على التشدّق بقضايا المسؤولية الاجتماعية أو توليد علاقات عامة جيدة، بل جعلت مهمة تعيين العمال المُهملين جزءاً أساسياً من استراتيجيتها لاستقطاب المواهب وإيجاد الأشخاص ذوي المهارات المناسبة. كما أعادت النظر في ممارسات اختيار "المرشحين المثاليين" وركزت على عملية التعيين القائمة على المهارات.
في الوقت نفسه، يجب أن يُدرك واضعو السياسات أن شريحة العمال المُهملين كانت كبيرة بالفعل قبل انتشار الجائحة وأن البرامج والمزايا الاجتماعية القائمة لم تساعدهم في الحصول على فرص عمل دائمة. ولهذا السبب، لا ينبغي أن تتجاهل حزم الحوافز العمال الذين مضى على بطالتهم وقتاً طويلاً. ويمكن للسياسات العامة، أن تشجع أصحاب العمل على إزالة الحواجز التي تعيق دخول العمال المُهملين إلى سوق العمل وتطوير مهاراتهم فيه، مثل مساعدتهم في تحقيق التوازن بين الحياة الأسرية والعمل.
وعلى المدى الطويل، يجب معالجة العوامل الهيكلية التي تساهم في زيادة تهميش العمال المُهملين في حال كان الهدف هو تحسين حياة عشرات الملايين منهم، وذلك بدءاً من معالجة مشكلة الافتقار إلى موارد رعاية ميسورة التكلفة وذات مصداقية أو العمل على توفير دعم لمشكلات الصحة العقلية.
وعلى الرغم من أن بحثنا عن العمال المُهملين أو العمالة منخفضة المهارات بدأ قبل أن تنتشر عدوى "كوفيد-19"، سلّطت الجائحة الضوء على محنتهم وإمكاناتهم على حد سواء. لذلك، تنتظرنا في عام 2021 فرصة لبناء اقتصاد أفضل، إذ ستبحث الشركات عن أشخاص يتمتّعون بمهارات يصعب العثور عليها؛ من جهة أخرى، سيكون العديد من العمال المُهملين مستعدين وقادرين ومتاحين لشغل تلك الوظائف وينتظرون إشارة من أصحاب العمل. وبدورهم، كل ما يجب على أصحاب العمل فعله هو توسيع نطاق خياراتهم للوصول إلى المواهب التي تنتظر على مرأى العالم فرص الحصول على عمل.