بدا مروان خياراً بديهياً لمجلس الإدارة الذي كان بصدد توظيف رئيس تنفيذي جديد، فقد تميز بين المدراء التنفيذيين بالإدارة العليا؛ إذ نجح في كل منصب تولاه، وكانت تقييمات أدائه السابقة وتقارير التقييم التنفيذي وتقييمات مهاراته الإدارية كلها متميزة.
لكن بعد 6 أشهر من توليه منصب الرئيس التنفيذي، مرت الشركة بمرحلة صعبة. قال مروان في البداية إن لديه خطة للتعامل مع هذه الفترة، لكن بمرور الوقت، بدأ أعضاء مجلس الإدارة يشعرون بأن خطته ليست متوافقة مع توقعاتهم. شك أعضاء مجلس الإدارة بأن مروان شارك المعلومات بصراحة، وأقلقهم موقفه الدفاعي خلال الاجتماعات. بعد سنة، أقال المجلس مروان وبدأ عملية توظيف رئيس تنفيذي مجدداً.
ما هو العيب في عملية الاختيار؟ أدرك أعضاء مجلس الإدارة أنهم اعتمدوا في المقام الأول على بيانات تعكس الأداء السابق لمروان. لقد أجروا معه المقابلات المعتادة وسألوه فيها عن رأيه حول المستقبل، لكنه أجاب بعبارات عامة ومطمئنة لم يدقق الأعضاء فيها، وأدركوا لاحقاً أنهم اتخذوا قرار تعيين مروان لأنهم رجحوا أنه سينجح بناءً على نجاحاته السابقة ووقعوا ضحية التحيز التأكيدي.
هذه مشكلة شائعة؛ إذ تثبت مجالس إدارة الشركات عادة القادة في منصب الرئيس التنفيذي بعد عملية اختيار تركز في أغلبها على سجل الإنجازات السابقة. (هذه مشكلة تظهر أيضاً عند توظيف المدراء التنفيذيين بالإدارة العليا). قد يعرف أعضاء مجلس الإدارة الكثير من المعلومات عن الآليات التي اتبعها مرشح ما لبناء أعمال شركة ما وتعزيز نموها، لكنهم لا يعرفون ما يكفي عن فهمه للمشكلات الحالية أو المستقبلية والطرق المحتملة لتعامله معها.
تكشف المقابلات معلومات مفيدة، لكن في هذا المستوى الإداري العالي تفقد جلسات الأسئلة والأجوبة القصيرة فعاليتها في كشف الإجراءات التي من المرجح أن يتخذها المرشح في منصبه الجديد بصورة واضحة ودقيقة. مقارنة أغلبية بيانات المرشحين صعبة أيضاً؛ إذ تعجز مجالس الإدارة عن إجراء مراجعات المقارنة، بينما تولد المقابلات عادة انطباعاً مثيراً للاهتمام، ولكنه عام ولا يوفر تصوراً كاملاً عن المرشح.
يجب أن تضيف الشركات إلى سجل إنجازات المرشحين والمقابلات الشخصية معهم رؤية مدروسة ومفصلة وقابلة للمقارنة مع معايير الشركة عن تصور كل مرشح لمستقبلها. وذلك بأن تطلب الشركة من كل مرشح وضع خطة للنمو يوضح فيها تطلعاته للنمو، وبذلك يركز مجلس الإدارة على المستقبل في عملية التوظيف، ويضع تصوراً واضحاً حول استجابة المرشح المحتملة لالتزامات الشركة الاستراتيجية.
بصفتي مستشاراً في مجال القيادة، شاركت في العديد من عمليات تعيين الرؤساء التنفيذيين والمدراء التنفيذيين بالإدارة العليا في شركات عالمية رائدة في مختلف القطاعات، وأستخدم غالباً خطط النمو أداة لمقارنة تصورات المرشحين المختلفة حول مستقبل الشركة وتحديد الأولويات الملائمة.
ما هو محتوى خطة النمو؟
تحفز خطة النمو المدراء التنفيذيين على التأمل في احتياجات الشركة قبل التفكير في طرق الاستفادة من مواهبهم، كما أنها تولد معلومات مفيدة للجان تعيين المدراء التنفيذيين بالمناصب العليا، إذ تتيح لها تحديد بعض معايير المساءلة المتعلقة بالإجراءات المتخذة بعد الترقية أو التوظيف.
الهدف هو تحضير نص موجز من صفحتين يحتوي على بعض الأقسام المتعلقة برؤية النجاح: 1) أثر الأعمال، 2) الأثر المؤسسي، 3) أثر أصحاب المصلحة، 4) أثر الأسلوب القيادي الشخصي. يجب أن يحدد المرشح بدقة معايير النجاح الذي يجب أن يحققه بعد 12 شهراً وطرق قياسه.
بدلاً من أن يضع المرشح خطة النمو بمفرده، تستعين بعض الشركات بالرئيس التنفيذي للتعلم أو أحد كبار خبراء تطوير القدرات القيادية أو مستشار قيادي خارجي ليؤدي دور ميسر يساعده، تتضمن هذه العملية أحياناً جلسات شخصية مع تمرينات ومناقشات على السبورة البيضاء. يجب أن يشعر المرشح بالحرية في التعبير عن نفسه، كما يجب أن يطبق طريقة العصف الذهني لتوليد الأفكار ويفكر بصوت عال، واثقاً من أن لجنة الاختيار ستطلع على الخطة المكتوبة النهائية فقط (أي أن النقاشات مع الميسر تبقى سرية). يجب أن يضع كل مرشح خطته الخاصة دون أن تكون مصممة وفقاً لتفضيلات الشركة المتوقعة.
يستطيع الميسر بدء هذه المحادثة بطرق مختلفة؛ فقد يناقش المخاطر التي قد تعرقل خطة النمو التي يضعها المرشح. أحد النهج الشائعة هو نهج "ما قبل الانهيار"، إذ يتخيل الميسر فشل المدير التنفيذي بعد 12 شهراً، ما يتطلب تحديد المخاطر التي يستطيع كل من الرئيس التنفيذي والشركة إدارتها لخفض احتمال الفشل.
قد يناقش الميسر أيضاً مع المرشح الآليات المتاحة لتحديد أولويات المدير التنفيذي بناءً على الخطة بدءاً من اليوم الأول لتوليه المنصب الجديد، يعني ذلك تحديد المسائل التي يجب أن يركز عليها والإجراءات التي يجب أن يتخذها أو يتجنبها في كل مجال من المجالات الأربعة السابقة الذكر، بالإضافة إلى السلوكيات القيادية المحددة التي يجب أن يضعها ضمن أولوياته؛ كل ذلك من خلال إجابات واضحة ومحددة تتضمن إجراءات قابلة للقياس.
أخيراً، يجب أن يحدد المرشح مدى توافق كل ما سبق مع تطلعاته وقيمه الشخصية والمهنية. من المرجح أن يبدي المرشح حماسه واستعداده لمواجهة التحديات، ولكن لا بد من ظهور بعض التفاصيل المهمة.
ما بعد خطة النمو
بعد أن يضع كل مرشح خطة النمو الخاصة به، يستطيع أعضاء مجلس الإدارة الانتقال مباشرة إلى مقابلات المتابعة. لاحظت أن بعض لجان الاختيار تستخدم خطط النمو لتنظيم المحادثات وتعزيز شفافيتها؛ إذ تطلع هذه اللجان على افتراضات المرشحين وطرق تفكيرهم ومستويات طموحهم ووعيهم بعوامل الخطورة ودرجة الوعي الذاتي لديهم وانفتاحهم على كشف مواطن ضعفهم. قد يكتشف أعضاء اللجنة أنفسهم أن رؤاهم عن مستقبل الشركة أقل توافقاً مما كانوا يعتقدون.
تركز اللجان عادة على رؤية المرشح للنجاح وقدرتها على إلهام زملائه وتحفيزهم، وتتحقق من مدى توافق هذه الرؤية مع استراتيجية الشركة. خلال هذه العملية، يستطيع أعضاء اللجنة ملاحظة مدى "قابلية المرشح للنمو"، وهل يتمتع بالمرونة في الاستجابة للتحديات، أم يتخذ موقفاً دفاعياً عندما يتلقى الأسئلة، أم أنه واثق على نحو مفرط من فعالية نهج معين؟
على عكس التقييمات الخارجية التي يصممها مستشارو البحث أو تصممها وكالات التوظيف، تتيح خطة النمو للمرشح التحكم الكامل بالعملية؛ إذ تحدد خطط المحادثات اللاحقة وقد تتمم عملية تحديد الأهداف التجارية ومؤشرات الأداء الرئيسية، التي تتطلب عادة التخطيط الاستشرافي والشفافية. في أحسن الأحوال، من المفترض أن تتيح عملية وضع الخطة للمرشح فهم نفسه بعمق أكبر هو أيضاً إلى جانب اللجنة.
بمجرد تعيين الرئيس التنفيذي الجديد، تستطيع اللجنة تتبع التقدم الذي يحرزه مقارنة بخطة النمو. ربما الأهم من ذلك هو أن هذه العملية تعزز فعالية الحوكمة في الشركة، لأنها توثق العلاقة بين مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي من البداية وتحد من الأحداث غير المتوقعة.
إلى جانب أن عملية وضع خطط النمو توفر لمجلس الإدارة معلومات محددة تمكنه من المقارنة بين المرشحين، فهي تفيد المرشحين الذين لا يقع الاختيار عليهم لشغل المنصب أيضاً؛ إذ يشعرون بأن الشركة تستثمر في تطويرهم بتجارب واقعية. في البداية، يشكك العديد من المرشحين في العملية ولا يتحمسون لخوضها، لكنهم ينخرطون فيها عندما يدركون أنهم يتحكمون تماماً بها؛ إذ يقدرون خوض عملية استكشاف مفتوحة وتأملية تتيح لهم وضع الرؤى بطريقة منظمة تتمتع بالكفاءة من حيث الوقت.
تتميز خطط النمو أيضاً بأنها تجبر المدير التنفيذي على التفكير في نموه الشخصي في ضوء احتياجات الشركة. فقد توقف العديد من المدراء التنفيذيين المخضرمين عن النمو في سعيهم لتحقيق أكبر قدر من الأرباح وغفلوا عن أهمية تحقيق الذات وتطويرها بحق.
يشعر المدير التنفيذي أيضاً بالامتنان لخوض نوع مختلف من الحوارات الميسرة مع مجلس إدارة شركته، سواء كان على علاقة وثيقة بأعضائه ويتحدث إليهم في موضوعات أخرى على نحو متكرر أم لم يكن. يشجع خوض المحادثات كلا الجانبين على إظهار مواطن الضعف ولو قليلاً.
تستفيد اللجنة من هذا البعد الإضافي في التنبؤ بسلوك المرشح عندما يصبح جزءاً من مجموعة المدراء التنفيذيين بالإدارة العليا. المناصب التنفيذية العليا مهمة ومرهقة في الوقت نفسه، ويجب أن يكون المرشح المختار مستعداً للعمل على المسائل المهمة بدرجة عالية من الاندماج والمشاركة. إذا أرادت الشركة اتباع توجه معين في حين يميل المرشح إلى اتباع توجه آخر، فيجب أن تعرف لجنة الاختيار ذلك لتحقيق مصلحة الجميع.
في الحالة المثالية، من المفترض أن يكون المرشحون الداخليون قد وضعوا بالفعل خطط النمو قبل فترة طويلة من سعيهم لشغل منصب الرئيس التنفيذي، وذلك ضمن عملية سنوية يجريها كبار القادة المدرجين في خطط التعاقب الوظيفي. مع ذلك، خطط النمو مفيدة حتى عندما يضعها المرشحون أول مرة.
خطة النمو تكشف العلامات التحذيرية
تساعد خطة النمو أحياناً على تجنب توظيف المرشح غير الملائم. على سبيل المثال، عملت مع مجلس إدارة شركة مزدهرة كانت تسعى لتوظيف رئيس تنفيذي جديد يقودها في المرحلة التالية من النمو. برزت إحدى المرشحات عن غيرها، لكن خطة النمو التي وضعتها بينت أنها تميل إلى التركيز على النمو العضوي، بينما كان مجلس الإدارة يتوقع أن تكون عمليات الاندماج والاستحواذ المحرك الرئيسي للنمو. أثبتت المقابلات عدم التوافق هذا، واختار مجلس الإدارة مرشحاً آخر.
واجه مجلس إدارة شركة كبيرة منقسمة إقليمياً تحدياً مختلفاً؛ إذ سعى إلى تعيين رئيس تنفيذي لإحدى أكبر مناطق أعمال الشركة. تضمنت رؤية أحد المرشحين جعل منطقته المصدر الأكبر للإيرادات على مستوى الشركة عالمياً، وهو تحد صعب بالنظر إلى أن الشركة ركزت حينها على النجاح الإقليمي. مثلت هذه الرؤية علامة تحذيرية لمجلس الإدارة الذي كان يسعى لتوظيف قائد يركز على المنافسة الخارجية لا الداخلية.
قد تكشف خطط النمو أيضاً أن المرشح يتمتع بمستوى مقلق من النرجسية. ركز أحد المرشحين على ما سيحققه المنصب له على الصعيد الشخصي بدلاً من التركيز على ما سيقدمه للشركة.
استخدم مجلس إدارة آخر خطط النمو لتقديم ملاحظات بالغة الأهمية للمرشح الذي اختاره في النهاية. كان المرشح ميالاً إلى معالجة مواطن ضعفه، في حين اعتقد أعضاء مجلس الإدارة أن الفائدة الكبرى ستتحقق مما اعتبره المرشح أنه من مواطن قوته، وهو تحدي الآخرين لتحسين الأداء وتحقيق نتائج أفضل.
تمثل خطط النمو أداة مفيدة في تخطيط التعاقب الوظيفي، ليس فقط للرؤساء التنفيذيين، بل لأي شخص يشغل منصباً من المناصب التنفيذية العليا أو ما يعادلها. من خلال إشراك المرشحين في عملية استكشاف الاحتمالات المستقبلية، تكشف هذه الخطط معلومات بالغة الأهمية لمجالس الإدارة، وتفيد المرشحين الذين لم يقع الاختيار عليهم أيضاً.