يشبه توظيف الأشخاص كثيراً اختيار الأسهم، إذ إنه يتمحور كلاهما حول بيان التفاصيل المتعلقة بالسهم وبالمرشح للوظيفة، حيث نبدأ بطرح السؤال: "أي نوع من الأسهم هذا؟". هل هو السهم الأفضل في مجاله، الذي يتبوأ موقعاً قوياً في السوق ويحقق باستمرار نتائج ملموسة؟ وكلما كانت هناك بعض المصاعب فثمة مؤشرات على تحقيق نتائج طيبة في المستقبل القريب، أم أنه سهم يعتبر استثماراً مربحاً، حيث إن الإيرادات ثابتة لكن الشركة ستدفع عائدات في المستقبل المنظور، أم أنه سهم يمثل قصة نمو مستمر، وينطوي على إمكانية تسريع وتيرة الإيرادات وتوسيع نطاق هوامش الأرباح؟
عندما بدأت مهنتي بصفتي محلل أسهم، في عام 1997، كانت أول شركة حللت أسهمها هي شركة تُدعى "سي آي إي" (CIE)، حسبما تُنطق، التي تعمل في مجال الترويج للحفلات الموسيقية وتشغيل المسارح في أميركا اللاتينية. وكانت مهمتي تتمثل في وضع نموذج مالي وتقييم فريق الإدارة والبحث عن المحفزات الممكنة أو العوامل التي من شأنها أن تدفع الأسهم للأعلى أو للأسفل، والتي سيترتب عليها بالتالي، تقديم توصيات استثمارية بشراء الأسهم أو الاحتفاظ بها أو بيعها.
وبعد أشهر من القيام بالاستقصاء اللازم، فقد حان الوقت لطرح توصياتي بشكل علني. وكان التقييم الذي وضعته يبدو معقولاً، حيث لم يكن ثمة سبب واضح يمكن أن يبرر انخفاض سعر سهم الشركة، بيد أنني - خشية أن أبدو مغفلاً إذا انخفض السهم فوراً - قررت تقييم سهم شركة "سي آي إي" بأنه "محايد"، بمعنى أنك إذا لم تكن تمتلك أسهماً في الشركة، فلا تشتر أسهماً فيها، وإذا كنت تمتلك فيها أسهماً، فلا تبعها. وقد وصفني زميلي بـ "المحلل المنكمش"، واستجوبني مديري قائلاً: "ما الذي يمنع استمرار سعر السهم من مواصلة الارتفاع؟". إذ ترتفع أسعار الأسهم استناداً إلى ما تتوقعه أن تكون عليه الأرقام، فإذا توقعت أن تكون الأرقام طيبة، فهذا يعني أنك تبحث عن سهم آخذ في النمو. إذاً، ما المانع في تقييم سهم شركة "سي آي إي" بوصفه سهماً يوصى بشرائه؟
لذا، توقفت عن الانكماش وبدأت في التمدد، ووضعت توصية بشراء السهم. وقد كانت هذه التجربة مفيدة للغاية في حياتي المهنية، لأنها قادتني إلى اكتشاف حقيقة شخصية متجذرة. إذ دفعني السؤال الذي يقول: "ما الذي يمنع استمرار سعر سهم شركة "سي آي إي" من مواصلة الارتفاع؟" إلى طرح سؤال آخر مفاده: "هل أعتقد حقاً أنني ومعي الأشخاص الذين أعمل برفقتهم نتمتع بالقدرات اللازمة لتحقيق النمو؟". ففي مرحلة ما من حياتنا، نعتبر جميعنا - تقريباً - بمثابة قصص تحوّل، وبمثابة استثمار مربح، أحياناً. بل إنه ثمة أوقات نكون فيها الأفضل في مجالنا، لكنني أعتقد أننا جميعاً نتمتع بالقدرة على أن نتحلى بصفات الأسهم التي تحقق النمو. فنحن متعلقون، بطبيعتنا، بالتطور والزيادة، ونتوق إلى التعلم.
ما السبيل الذي يكفل لك، بصفتك رئيساً أو قائداً أو مديراً، التفكير على غرار المحلل الذي ينتقي الأسهم، وتكوين مجموعة من الموظفين ذوي النمو المرتفع في شركتك، باختيار الأشخاص الذين يتمتعون بالقدرة على الاستمرار في الأداء بوتيرة متصاعدة؟ فيما يلي ثلاثة اقتراحات تساعدك في هذا الصدد:
وظّف أشخاصاً ذوي إمكانيات عالية وليس ذوي أداء رفيع اختر أشخاصاً في نقطة الانطلاق من منحنى التعلم، حيث إننا استخدمنا، في "صندوق الابتكار المزعزع" (Disruptive Innovation Fund)، الذي أسسته بالاشتراك مع كلايتون كريستنسن في كلية هارفارد للأعمال، المنحنى السيني (على شكل حرف "إس" باللغة الإنجليزية) (S Curve) الذي نشره إيفريت روجرز (إي إم روجرز)، لمساعدتنا في قياس مدى السرعة التي يمكن بها تبني أحد الابتكارات، حيث يكون النمو، في قاعدة المنحنى، بطيئاً إلى أن تبلغ نقطة تحول في الانعطاف الأسفل من المنحنى. وما أن تصل إلى نقطة التحول، فإنك تنتقل إلى النمو المفرط أعلى الجزء المنحدر من المنحنى، إلى أن تبلغ قمة المنحنى، وعندها يتباطأ النمو، ويتوقف في بعض الأحيان.
وبعد أن طبقنا منحنى النمو السيني هذا على استثماراتنا، فقد أدركت أن المنحنى السيني يمكن استخدامه أيضاً لفهم كيفية نمو الأشخاص. وأطلقت على هذه العملية "المنحنى السيني للتعلم" (S Curve of Learning)، حيث إنه عندما توظف شخصاً لأداء دور وظيفي جديد، فإنه يكون في المستوى الأدنى من منحنى التعلم، وسيكون نموه بطيئاً. ويمكن أن يشعر هذا الشخص بالإحباط، وربما ينفد صبرك تجاهه. وحالما يبلغ هذا الشخص نقطة التحول، فإن وتيرة نموه تتسارع ليصل إلى الكفاءة والثقة. وعندما يبلغ مرحلة الإتقان، تصبح المهام سهلة، لكنه يمكن أن يتململ بصورة ضئيلة، أو بدرجة كبيرة. وسيعتريك القلق من إمكانية مغادرته الشركة. أو، يصبح هذا الشخص متقاعساً في أداء عمله، وتتمنى أن يغادر.
عندما توظف شخصاً في المستوى الأدنى من منحنى التعلم، بحثاً عن الإمكانيات وليس الإنجاز، فأنت توظف الشخص بناء على "قابليته للتطور". حيث إن الموظفين الجدد ذوي الإمكانات العالية يرتقون عبر منحنى التعلم وسيصبحون من ذوي الأداء الرفيع المهرة مع تلقيهم التوجيه منك ومن زملائهم، ويصبحون موظفين ذوي قيمة بشكل متزايد، وهي القيمة التي تستطيع أنت ومؤسستك الاستفادة منها.
صياغة التحليل الاستثماري عند التوظيف. كن واضحاً بشأن سبب توظيفك لهذا الشخص والقيمة التي سيخلقها لمؤسستك. وعلى غرار كل سهم لديه قصة، كذلك الحال بالنسبة للموظفين. هل هذا الشخص هو الأفضل في مجاله، وفي المكان الأمثل له، ومستعد للقيام بدور مهم؟ إذ ربما يمثل قصة تحوّل: مهارات قوية ولكنه مغلوب على أمره قليلاً. وربما تدحرج منحنى أدائه في تجربة سابقة ولكن مع المزيد من التشجيع والتوجيه، يمكنه التألق. أو لعله يمثل استثماراً ناجعاً، وموظفاً في قمة منحنى أدائه، وشخصاً ليس مبتكراً في حد ذاته، لكنه يوفر الاستقرار للأشخاص المبتكرين.
وثمة سلاسة ينطوي عليها التحليل الاستثماري لكل مرشح لوظيفة. إذ يمكن أن يكون كل موظف جديد محتمل في موقع مختلف من المنحنى السيني. وبصرف النظر عن موقعه على المنحنى، فإن السؤال الأهم الذي يُطرح هو: "هل يعتبر هذا الموظف قصة نمو، وعلى استعداد للمضي قدماً وارتقاء المنحنى صعوداً؟
مساعدة موظفيك في تطوير إمكانياتهم باستمرار. شجّع موظفيك للإقدام على تولي المهام داخل مؤسستك حالما يبلغون قمة مُنحناهم السيني، سواء كان الأمر تولي زمام دور وظيفي جديد بالكامل، أو مساعدتهم في الارتقاء إلى مكانة أعلى من خلال توسيع نطاق المهام الموكلة إليهم، أو دعوتهم إلى أن يصبحوا مرشدين لمختلف الموظفين الجدد في مؤسستك. هذه هي أشكال المساعدة التي تقدمها لموظفيك في تطوير إمكانياتهم، بتوجيههم لمنحنيات تعلّم جديدة لتفادي حالة الجمود والحيلولة دون تآكل القيمة التي خلقوها.
وبعد العديد من السنوات التي حققت فيها شركة "سي آي إي" نمواً عالياً، توقفت عن النمو، حيث توقف الفريق التنفيذي عن النمو، وكفّ عن إحداث تغيير مزعزع وتغيير جذري على طريقة عمله. وأضحت قمة المنحنى تشكل موقعاً مريحاً أكثر مما ينبغي، لذا فقد بدؤوا يتدحرجون عنها، حيث إن الأشخاص الذين يشعرون بالملل والتقاعس لا يُقدمون على الابتكار، بل تطالهم التغييرات المزعزعة. وتحتاج المؤسسات ذات النمو العالي إلى موظفين ذوي نمو عال. ومع استمرار الموظفين في النمو، يجب علينا أن نسأل: "ما الأمور التي يفعلها هذا الموظف للبقاء في المكان الأمثل لهم في منحنى التعلم؟".
إذ إنه عندما توظف شخصاً باتباع نهج الخبراء الذي ينتقون الأسهم، ضع في اعتبارك هذه الإمكانيات المتأصلة. فالتعلّم يشبه الفائدة التي تجنيها على مالك، فثمة أثر تراكمي ومضاعف يترتب على الاثنين. وبالمثل، فإن الموظفين ذوي الإمكانيات العالية الذين توظفهم اليوم، من المرجح أن يستمروا في إضافة قيمة إلى فريقك في المستقبل. وعندما توظف أشخاصاً بناء على إمكانياتهم، وتقوم بإدارتهم وفق المنحنى السيني للنمو والتعلم، فستحظى بمجموعة من الموظفين الذين يحققون لك عوائد أعلى على الاستثمار فيهم، في كل مرة.