الدروس المأخوذة من محاولة شركة “يلب” التوجه نحو التنوع

4 دقائق

توجهت العديد من شركات التقنية، مثل "جوجل" و"لينكد إن" و"فيسبوك"، و"يلب" (Yelp) (حيث يعمل بعضنا)، إلى دراسةَ التنوع العرقي والجنسي في ميادين العمل، وإصدار نتائج تلك الدراسات، وذلك منذ عام 2013. وكانت الأرقام التي ظهرت في تلك النتائج مخيبة للآمال للغاية. فعلى سبيل المثال، في عام 2014، شغلت النساء نسبة 10% من فئة المهندسين في شركة "يلب". وشغل الأشخاص من أصول لاتينية 7% من إجمالي الموظفين، بينما شغل السود 4% فقط منهم. ولم تكن أرقام شركات التقنية الأخرى مختلفة كثيراً، إذ كانت نسبة النساء اللاتي شغلن المناصب التقنية في تلك الشركات أقل من 20%، بل وكانت نسبة الموظفين السود واللاتينيين أقل من ذلك. ورأت شركة "يلب" وغيرها أن تلك الأرقام بمثابة جرس إنذار.

وأراد قادة "يلب" تغيير هذه الأرقام لسببين رئيسين: الأول، إن جلب مرشحين للعمل من خلفيات متنوعة يمكن أن يساعد الشركةَ على توظيف أفضل الأشخاص وألمعهم. لأنه بطبيعة الحال، فإن الشركات التي تستثني النساء والأقليات عن العمل تقصي عمداً 40% من القوى العاملة. والثاني، أن وجود مجموعة متنوعة من الموظفين سيساعد الشركة على تخصيص خدماتها لمجموعة متنوعة من المستخدمين أيضاً. وقد كانت تجربة شركة "إير بي إن بي" (Airbnb) بمثابة رسالة تحذيرية في هذا الشأن. فعندما أجرينا البحث مع آخرين، تبين أن هناك تمييزاً عرقياً منتشراً في تلك المنصة، واعترفت شركة (Airbnb) أنه كان يمكن معالجة هذه المشكلة لو كانت القوة العاملة تضم تنوعاً أكثر. وكما قال الرئيس التنفيذي للشركة برايان تشيسكي: "كواحد من مؤسسي الشركة يمكن القول إننا كنا متأخرين في هذا الأمر.. فعندما صممنا المنصة كنا ثلاثة رجال بيض، وكان هناك الكثير من الأمور التي لم نضعها في الحسبان".

وبالعودة إلى شركة "يلب"، شهدت الشركة تحسناً كبيراً، في عام 2017، بعد ثلاث سنوات من العمل، إذ ازدادت نسبة النساء في الوظائف التقنية في الشركة في أميركا من 10% إلى 18%. وعلى مستوى الشركة بأكملها، زادت نسبة عدد الموظفين اللاتينيين إلى 10% والسود إلى 6%. وبهذا، وضعت شركة "يلب" أهدافاً محددة من أجل التنوع الجنسي والعرقي. وتتضمن هذه الأهداف توافق فرق المبيعات مع المجتمعات المتنوعة التي تعمل ضمنها، وزيادة نسبة الإناث في وظائف الهندسة، وجعل ثقافة الشركة أكثر شمولية. وترتبط هذه الأهداف مع اطلاع العاملين على التطورات، وتوظيف الموارد الأولية، واتصالات الرئيس التنفيذي. وتُنفذ تلك الأهداف بزيادة كل من خطوات توظيف الخبرات (ببرامج توظيف موسعة)، وإنتاجية الشركة (بالعمل أكثر على إقناع الأشخاص الذين عُرضت عليهم الوظيفة لقبولها، على سبيل المثال). وفي النهاية، وضعت شركة "يلب" بعض البرامج لخلق بيئة عمل متعاونة، ابتداءً من مجموعات موارد الموظفين، وانتهاءً ببرامج تدريبية للمدراء والموظفين.

وقد تطلّب توجّه الشركة نحو التنوع تجربة مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، ونحن الآن بصدد تحليل تلك البيانات. وبعد مراجعة الأبحاث الأكاديمية وتقارير مجالات العمل في "يلب"، خلُص قادة الشركة إلى اعتماد آليات تجريبية مثل تنوع التأليف الجنسي للجان التوظيف، وتمويه الأصوات أثناء المقابلات الهاتفية، وتوسيع جهود التوظيف في الجامعات ليشمل جامعات مشهورة بنسبة الطلاب السود بها، والكليات النسائية، والمدارس التي تضم عدداً كبيراً من الطلاب اللاتينيين.

وكما في معظم المحاولات الأولية، أدت بعض تلك الإجراءات إلى نتائج ملموسة، بينما لم تثمر إجراءات أخرى عن أي شيء. فعلى سبيل المثال، حاولت "يلب" استخدام طلبات توظيف دون إظهار شخصية المرشح، واستخدام المرشحين للعمل أداة لتمويه الصوت في المقابلات الهاتفية الأولى (وكان الهاتف يَظهر وكأنه يحاور الشخصية الخيالية كيلو رين). وربما يبدو من النظرة الأولى أن هذه الإجراءات من شأنها أن تخفف من التحيز إلى جنس ما أو عرق ما. وبعد ذلك أبعدنا عاملي العرق والجنس من العملية برمتها. وفي هذا الشأن تحديداً، كانت هناك جهود مشابهة في سياقات مختلفة، أفضت إلى نتيجة فعلية: إذ وجدت دراسة اقتصادية أن الاختبارات العمياء لقبول عازفي الأوركسترا- أي يتم الاختبار دون رؤية العازف- زادت بشكل ملحوظ من توظيف النساء الموسيقيات.

ولكن هذا الإجراء في "يلب" لم يغير أبداً من التركيب الجنسي للتوظيف. وبينما ما زلنا نحلّل سبب ذلك، يظهر أن أحد الأسباب المحتملة قد يكون أن النساء تستخدمن كلمات مختلفة عن المرشحين الذكور (على سبيل المثال من المحتمل أن يقلن "نحن" بدل "أنا"، وهذا ما يقلل من شأن نِسب إنجازاتهن لذواتهن). وبهذا يمكن أن تفاقم طريقة الاختيار العمياء من التحيز.

وفي 2017، توصلنا إلى صلب المشكلة، وهو أن زيادة التنوع في شركات التقنية لا يأتي من حل وحيد وفوري. وإنما يتعلق الأمر باتباع عملية منهجية، تتضمن خطوتين مهمتين، وهما غالباً مفقودتان في العمليات المتبعة.

تكمن الخطوة الأولى في ضرورة أنّ تكون الشركات واضحة في هذا الأمر قدر الإمكان، وليس في عرض المشكلة فقط، بل في عرض تجاربها والصعوبات التي واجهتها. ويكون هذا على صعيدين، الصعيد الداخلي أي ضمن حدود الشركة الواحدة، والصعيد العام. فالشركات بحاجة إلى مشاركة الآخرين في الأمور التي جربتها، سواء الأمور التي أثمرت معها، أو الأمور التي لم تنضج ثمارها. ففي 2013، ساعدت تريسي تشو - مهندسة البرمجيات في شركة "بنترست" (Pinterest) سابقاً، والآن مشاركة في تأسيس مشروع "بروجكت انكلود" (Project Include) - في التحرك نحو الشفافية، وذلك عن طريق إنشاء جدول بيانات مشترك لتضع الشركات فيه التركيبة السكانية للموظفين. وكنا نأمل في عام 2017 أن تأخذ الشركات خطوات متقدمة أكثر من ذلك، بوضع قائمة بالسياسات التي نفذتها لتضمن التنوع في ميادين العمل، وتكون واضحة بشأن إن أثمرت تلك السياسات أم لا.

أما الخطوة الثانية فتكمن في اتخاذ الشركات خطوات استباقية بوضع تقييم صارم للسياسات التي انتهجتها، مستغلة التجارب أو الإجراءات القائمة على الاستدلال السببي. وكجزء من عملية التقييم أيضاً لابد أن يُسلّم المدراء أنه ليس كل المبادرات تثمر، (ومما تعلمنا) أن الجهود التي آتت أكلها في مكان ما قد لا تفلح في مكان آخر. وعلى سبيل المثال، قد تنجح الاختبارات العمياء بامتياز في تحقيق التنوع بين عازفي الكمان، لكنها قد تفشل في مساعدة عملية المقابلات في شركات التقنية.

وفي الوقت الحالي، تقوم الكثير من المساعي على أسس الحدس، والأحداث، والدلائل المأخوذة من سياقات متعددة لم ترتبط بشكل مباشر بالصناعة التقنية. وهذا يعني أننا لا ندري حقاً ما هي أفضل طريقة لزيادة التنوع، تاركين أثناء المسير الكثير من التخمينات تعمل عملها. ولكن، يمكن أن تساعد زيادة مستوى الشفافية والشواهد الدقيقة في تغيير ذاك المنحى السائد.

ومن أجل الوصول إلى مرادنا، فنحن نؤسس الآن مجموعة متعاونة من الباحثين والمدراء لاستكشاف ما ينجح وما لم ينجح، ولماذا. وستكون غايتنا هي إدارة أبحاث متاحة للجميع بإيضاح السياسات التي اتبعتها الشركات وتقديم دلائل دقيقة عن النجاحات التي تحققت والتي لم تتحقق في الأمور ذات الصلة. وسنهدف في النهاية إلى إيجاد أسس من الدلائل من أجل معالجة مشكلة التنوع في عالم التقنية. وستعمل "يلب" على هذا الأمر، ونأمل أن تفعل ذلك بقية الشركات أيضاً. وبالنسبة للشركات، سيتضمن الانخراط في هذا الميدان مشاركتها للممارسات بشكل علني، وكذلك البيانات، واختبار الأفكار بشكل عملي. وفي النهاية، سنتمكن، معاً، من تطوير آلية تستطيع شركات التقنية استخدامها لخلق مجال صناعة أكثر شمولية وحيوية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي