دراسة حالة: هل تنفذ الأوامر المريبة أم تتدخل وتعارضها؟

12 دقيقة
موظفة متدربة محتارة في أمرها: هل عليها أن تتنازل عن قيمها كي تنال الوظيفة؟
في البداية لم تكن سوزان متأكدة من الأوامر التي سمعتها من المدير الجديد.

لقد كانت المكالمة واضحة تماماً بين مكتب سان فرانسيسكو وسول، ومع ذلك فإنها طلبت من سوكبين مون أن يكرر ما طلبه منها. ومون كما تدعوه سوزان هو مدير فرع شركة "زانتيك" في سول الكورية، وهي شركة في مجال أمن الشبكات الحاسوبية يقع مقرها الرئيسي في أمستردام، هولندا.

وكانت سوزان قد شرعت للتو في برنامج التدريب العملي في الشركة، ومن المفترض أن تكون في سول تعمل ضمن فريق مون، لكن الانتقال تأخر لأسباب تتعلق بتأشيرة السفر، فاقترحت إيما فيسر، مديرة برنامج التدريب في الشركة، أن تبدأ سوزان عملها من مقر الشركة في سان فرانسيسكو. ومن بين أهم واجبات سوزان في فترة التدريب هذه أن تساعد مون بأبحاث السوق عبر التواصل مع شركات تقنية أخرى، من بينها منافسون مباشرون للشركة، للحصول على معلومات حول المنتجات والخدمات والعملاء والمبيعات وغير ذلك من التفاصيل. ثم بدأ مون يطلب منها أن تقوم عند التواصل مع الأشخاص في القائمة التي حددها باستخدام عنوان بريدها الإلكتروني الخاص بالجامعة، وأن تعرف عن نفسها بأنها طالبة في برنامج ماجستير إدارة الأعمال.

وحين شعر بتردد سوزان قال لها: "هذه ممارسة شائعة، فهي الطريقة الوحيدة للحصول على معلومات دقيقة".

تململت سوزان بانزعاج وقلق في الكرسي التي تجلس عليه، فهذا أول حوار لها مع مديرها الجديد، وكانت ترغب في أن تترك انطباعاً جيداً لديه. ثم كسر مون لحظة الصمت مجدداً وقال لها: "لن نتمكن من الحصول على المعلومات إلا بهذه الطريقة، وهذا ما فعله متدربون آخرون قبلك، لا داعي للقلق".

بقيت سوزان محتارة بشأن كيفية الرد، متسائلة عن مقدار الصراحة المناسبة في هذه اللحظة، خاصة أنّ والدها نبهها إلى أنّ المواجهة المباشرة أمر غير محبذ في معظم الثقافات الآسيوية، ولذلك قررت الاكتفاء بقولها "حسناً". ثم طرحت بضعة أسئلة أُخرى حول المعلومات التي يفترض منها الحصول عليها ثم أنهت المكالمة.

لقد كانت سوزان حريصة كل الحرص على الاستمرار في هذا العمل. إذ عملت فور تخرجها من الجامعة في شركة استشارات إدارية، ووقع عليها الاختيار لتعمل في مشروع شركة في أمن المعلومات. وكانت منذ البداية شغوفة بهذا العمل، حتى أنها قررت العودة إلى الجامعة للحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وكانت خطتها العودة للعمل في شركة مختصة بهذا المجال الذي يشهد نمواً كبيراً. ففي هذا القطاع الذي يتوقع أن يحقق إيرادات بقيمة 170 مليار دولار أميركي بحلول العام 2020 أدركت سوزان أنها ستحظى بالعديد من الفرص. وغمرتها الفرحة حين حصلت على عرض من شركة "زانتيك"، فإذا أثبتت سوزان جدارتها وأحسنت استغلال هذه الفرصة ربما تحصل على وظيفة بدوام كامل عند تخرجها. لكن المشكلة الآن هي أنّ مون يطلب منها أن تعرّف عن نفسها بهوية مختلفة. وتعرف سوزان أن جمع المعلومات التنافسية يتطلب قدراً من "الإبداع"، فهي تسعى للحصول على معلومات يحرص المنافسون على سريّتها، لكنها شعرت أيضاً أنها بهذه الطريقة تتجاوز الحدود وترتكب أمراً خاطئاً.

ومن بين النصائح العديدة التي تحدث عنها والد سوزان حول أسلوب العمل في آسيا ذكر لها بأنّ التوقعات وحتى المعايير الأخلاقية تختلف في سول، فهل مواراة الحقائق "ممارسة شائعة" في كوريا الجنوبية أم أنها أمر شائع في "زانتيك"؟

وضع الأمور في سياقها

حين استيقظت سوزان صباح اليوم التالي وجدت عدة رسائل في البريد الإلكتروني من مديرها مون تتضمن عدداً من الأمثلة على طرق الحصول على المعلومات. ولاحظت على الفور أنه أشرك في هذه الرسائل إيما فيسر وشخصاً آخر لم تعرف من يكون. وبقليل من البحث عرفت سوزان أنه مدير أبحاث السوق لمنطقة آسيا في الشركة.

وكان يفترض بسوزان أن تبدأ اتصالاتها اعتباراً من يوم الاثنين، في حين تلقت تلك الرسائل يوم الخميس، لذا عليها أن تعرف ما الذي ستفعله بشأن ما طُلب منها بسرعة. وبدلاً من الرد على الرسائل فوراً قررت سوزان أن تخرج لتركض قليلاً، على أمل أن تصفي ذهنها. وبعد مرور 30 دقيقة أثناء جريها، لم يتغير شيء، وبقيت مشغولة البال لما طلب منها مديرها القيام به. وفجأة تلقت اتصالاً من والدها، فأسعدها ذلك لأنها كانت تريد أي شيء ينقذها من دوامة التفكير التي غرقت بها، وكانت تأمل أيضاً بتلقي نصيحة مناسبة منه. وكان هذا روتيناً معروفاً بينهما، إذ يتصل بها دوماً في وقت الغداء، أو الوقت الذي يفترض أنها ذاهبة فيه لتمرينات الصباح أو للجري في الخارج. كانت المكالمات بينهما قصيرة عادة، ولكنها محببة لسوزان. حيث وضحت سوزان لأبيها ما جرى معها، وحدثها هو عن أهمية امتلاك وظيفة جيدة تحقق التطور الوظيفي. فاستمعت سوزان لمواعظ أبيها، حتى نفد صبرها.

قالت له: "أبي، تكفيني هذه المواعظ الآن، أنا أعرف تماماً أنني أريد هذه الوظيفة".

فقال لها: "أنا لا أريد منك سوى أن تتخذي القرار السليم يا عزيزتي".

ردت سوزان: "جيمس يرى أن علي تقديم استقالتي، وأخبرني أنه من حق الناس معرفة الحقيقة حين نطلب منهم الإفصاح عن معلومات حساسة". وجيمس هو خطيب سوزان، لكن والد سوزان ليس معجباً به كثيراً.

فأجابها والدها: "من السهل عليه أن يقول ذلك، هل هو على استعداد ليدفع لك إيجار الشقة هذا الصيف؟ أو أن يؤمّن لك وظيفة العام المقبل؟ إنك بحاجة لهذه الوظيفة يا سوزان، وأنا وأمك مستعدان دوماً لمساعدتك، ولكننا أيضاً نملك دخلاً ثابتاً هذه الأيام".

وعبارة "الدخل الثابت" هي المفضلة التي اعتاد والد سوزان استخدامها منذ تقاعده. حيث حصلت سوزان وأخوها على دعم من والديهما في مرحلة البكالوريوس، ولكن الوالدين أوضحا لهما بعد ذلك بأن عليهما الاعتماد على أنفسهما. لقد وفرت سوزان بعض المال خلال عملها لثلاث سنوات في شركة الاستشارات قبل الالتحاق بكلية الأعمال، ولكنه مبلغ لا يكفي لتغطية أجرة الشقة في سان فرانسيسكو.

سألته سوزان: "هل تقترح إذاً أن أقدم على فعل هذا الأمر بلا قلق؟ هل تريدني أن أنسى كل شيء تعلمته منك عن الأمانة والاستقامة وأن أقوم بأي أمر يطلبونه مني؟". كانت تعرف سوزان أنها دخلت في حالة من الميلودراما في حوارها مع أبيها، ولكنها كثيراً ما تفعل ذلك عند الحديث مع والديها.

فقال لها: "يا سوزان، عليك أن تضعي الأمر في سياقه الصحيح. ما طلبه منك مون لا يخالف القانون، بل إنك حتى لا تكذبين في ذلك. فأنت بالفعل طالبة ماجستير إدارة الأعمال، وفي حال سألك أي شخص ممن تتواصلين معهم إذا كان لديك ارتباط بشركة ما، فيمكنك عندها قول الحقيقة. ثم يبدو الأمر متفقاً عليه في "زانتيك"، ويعرفه الجميع. فإذا كان مدير قسم أبحاث السوق يعرف عنه، فكوني مطمئنة".

وردت سوزان: "كل ما في الأمر هو أنني لست مرتاحة لذلك يا أبي، فأنا أشعر بأنني أكذب، وأعتقد أن علي الرد على مون وأخبره عن تخوفي هذا، أو ربما أناقش الأمر مع مديرة برنامج التدريب، إيما".

فقال لها والدها: "هذان خياران مناسبان جداً، ولكن عليك أن تتعاملي بحذر شديد، كي لا يأخذوا عنك انطباعاً بأنك صعبة المراس في العمل".

أطلقت سوزان تنهيدة على الهاتف وقالت: "المفارقة في الأمر هي أن هذه الشركة التي تتمثل مهمتها في حماية هويات الناس ومعلوماتهم، هي التي تطلب مني اليوم أن أخدع الناس وأتحدث معهم بصفة أخرى".

فقال والدها: "أهلاً بك في واقع حياة العمل يا عزيزتي، إنه مليء بالتناقضات".

المستقبل مع الشركات الأخرى

قررت سوزان أن تلتقي ماليندا، وهي مديرة في شركة الاستشارات التي عملت بها سوزان سابقاً، ودعتها لمقهى قريب. لقد عملت الاثنتان في عدد من المشاريع المشتركة، فنشأت صداقة بينهما، وقررتا التعاون دوماً كلما سنحت الفرصة. وحين تركت سوزان الشركة لتبدأ دراسة الماجستير في إدارة الأعمال، كتبت لها ماليندا رسالة توصية، واستمرت الصديقتان في اللقاء بين الحين والآخر، خاصة وأنهما تقيمان في المدينة نفسها.

وحين سألتها ماليندا عن سبب عدم ذهابها إلى كوريا الجنوبية، وضّحت لها سوزان مسألة تأشيرة السفر، ونقاشها مع مديرها مون، وجدالها مع جيمس ووالدها. وقالت سوزان: "لقد وصل بي الأمر حدّ الحديث مع الرئيس التنفيذي".

فسألتها ماليندا: "هل تحدثتِ مع الرئيس التنفيذي؟ عن هذا الأمر؟"

وأجابت سوزان: "كلا، كلا. كل ما في الأمر هو أنه اتصل بي في الأمس ليعتذر عن التأخر في صدور تأشيرة السفر لكوريا". كان بيتر كارلسن، الرئيس التنفيذي، حضر الخريف الماضي من بيركلي للمشاركة في ندوة نقاشية حول أمن الإنترنت. وتعرفت إليه سوزان بعد الندوة، وأخبرها بأنه معجب جداً بالأسئلة التي طرحتها، وشجعها على التقدم لبرنامج التدريب في الشركة. ولقد فاجأها أن تسمع صوته على الهاتف، وتساءلت إذا كان من عادته أن يطمئن عن كافة المتدربين، أو أنه يهتم بها اهتماماً خاصاً. وأثناء حديثه معها على الهاتف، تذكرت القضية مع مون، وخطر لها أن تتطرق لها، ولكنها أحجمت عن ذلك. وقالت لماليندا: "قلت في نفسي لم لا أحدثه مباشرة عن هذا الأمر، خاصة أنني سمعته في تلك الندوة يتحدث عن أهمية الجانب الأخلاقي في هذا القطاع".

فقالت ماليندا: "أنا متأكدة من أن لديه أموراً أُخرى أكثر أهمية من هذا. ثم هل تريدين أن تكوني المتدربة التي وشت على مديرها المباشر للرئيس التنفيذي؟ لا أعتقد أنك تريدين أن تنالي هذه السمعة". ثم سألت ماليندا: "كم حجم هذه الشركة؟".

فأجابت سوزان: "يعمل فيها حوالي 1,500 موظف حول العالم، ولكنه مكان لطيف حقاً. فبغض النظر عن هذا الموقف، لم أتعرض لأي أمر سلبي، سواء في مرحلة المقابلة وتواصلي مع قسم الموارد البشرية وحتى في الرسائل الأولى التي تبادلتها مع مديري مون. فالجميع بذلوا أفضل ما لديهم كي يرحبوا بي، ولم يكن هنالك أي أمر يدعو للريبة".

ثم عادت ماليندا وسألت: "هل يمكن تأجيل القيام بذلك حتى تذهبي إلى هناك؟ وماذا لو تحدثت مع إيما حول ذلك، فهي مديرتك أيضاً، أليس كذلك؟".

فأجابت سوزان: "هذا ليس واضحاً تماماً. الأمر يظهر وكأن الاثنان مسؤولان عني، ولكني لم أفهم الأمر تماماً من مون على الهاتف، وبما أنه وضع إيما في المراسلة ضمن ذلك البريد الإلكتروني، فيبدو أنها على معرفة بما طلب مني فعله".

ثم قالت ماليندا: "سيكون هذا بالتأكيد أسهل لو تمكنت من معرفة كيف سيتعامل أي من هذين الشخصين مع استفساراتك. فلو طرحت هذه المسألة مع أي طرف معني، كمديرك مون، أو إيما، أو قسم الموارد البشرية، فعليك أن تكوني مستعدة لأسوأ السيناريوهات. إذ من الممكن طبعاً أن يتيحوا لك فرصة الحصول على المعلومات المطلوبة بطريقة أُخرى، ولكن الاحتمال الآخر، وأنا لا أقصد إخافتك طبعاً، هو أنهم سيلغون عرضهم في متابعة برنامجك التدريبي معهم، فأنت لست موظفة بعد، ولن يصعب عليهم القيام بذلك".

ردت سوزان: "وأنا لا أطيق أن اضطر لتفسير ما حصل معي لوالديّ".

وأشارت ماليندا: "وليس بصالحك أيضاً أن تضطري لتفسير ذلك لأصحاب عمل آخرين في المستقبل. فأنت تعرفين جيداً أنّ فرصك المستقبلية ربما تتأذى بسبب ذلك. لكن لو وافقت على الحديث مع الآخرين دون بيان هويتك الحقيقية، واكتشفت تلك الشركات الأمر، فهذا سيقضي على أي فرصة للعمل في هذا القطاع خلال المستقبل بشكل كامل. كما أن لديك التزاماً تجاه الجامعة أيضاً. فإن عرّفت عن نفسك بأنك طالبة تعملين لمشروع جامعي، واكتشفت الشركات التي تتواصلين معها أنك تكذبين، فهذا الأمر قد يؤثر سلباً على موقفك أمام الجامعة وبرنامج إدارة الأعمال الذي تدرسين فيه".

نكست سوزان رأسها، فهي لم تفكر بهذا الأمر من قبل، ووجدت نفسها في حيرة كاملة بشأن ما يجب عليها فعله.

رأي الخبراء

هل يجدر بسوزان التعبير عن وجهة نظرها بشأن ما طلبه مون؟

طلب مون من سوزان القيام بأمر غير ملائم. يبدو هذا بسيطاً للبعض، إلا أنّ الحصول على معلومات من الآخرين دون الإفصاح عن هويتك الحقيقية يعد ممارسة غير أخلاقية، ولست متفاجئاً لأن الأمر لم يرق لسوزان. وبالرغم من سنّها ووضعها كمتدربة، إلا أنني أعتقد أن على سوزان إخبار مون وإيما فيسر، المديرة في أمستردام، بأنها لا تحبّذ التواصل مع الآخرين بإخفاء هويتها الحقيقية.

إذ تُعتبر السنوات العشر الأولى من مسيرتك المهنية مرحلة مهمة للتعلم بشأن عالم الأعمال وتحديد الأدوار والوظائف التي تفضلها، ومعرفة القيم التي تؤمن بها. ولقد حالفني الحظ حين تكوّنت لدي الأسس الأخلاقية في شركة "آي بي أم" (IBM) في الثمانينات. إذ كانت الأمانة والاحترام جزءاً من الأخلاق التي تلتزم بها الشركة، فكان لا يمكن التغاضي إطلاقاً عن كتم المعلومات أو تقديمها بشكل غير دقيق. وهذا الأساس ساعدني في التعامل مع العديد من المواقف المحيرة أخلاقياً، سواء حين كنت موظفاً شاباً أو حين ترقيت إلى مناصب أعلى على امتداد مسيرتي المهنية خلال أربعين عاماً. وحريّ بسوزان أن تبحث عن شركة من هذا المستوى، والتي توفر لها الانطلاقة السليمة مهنياً وتمكنها من معرفة بيئة الأعمال الجيدة من سواها.

وأوصيها بأن تجري بعض الأبحاث عن شركة "زانتيك"، لكي تحدد إن كانت هذه الشركة تعكس القيم التي تؤمن بها أو لا. حيث يمكنها البحث في موقع (Glassdoor) وغيره من المواقع التي يقدم فيها الموظفون آراءهم حول الشركات التي عملوا فيها. كما عليها البحث مثلاً إذا كان الموظفون ذكروا شيئاً عن طلب الإدارة منهم القيام بممارسات غير نزيهة، أو هل كانت هنالك شكوى من المنافسين أو العملاء أو الموردين حول ممارسات الأعمال التي تتبعها هذه الشركة، أو إن كان على الشركة دعوى قانونية ضدها. فإذا تبين وجود أمر من هذا القبيل، فيمكنها العدول عن العمل فيها.

أما إذا تبين لها بعد استقصائها عن الشركة أنها تلتزم بالمعايير الأخلاقية وتحافظ على الانفتاح والشفافية وبيئة العمل السليمة، فلا يلزمها سوى أن تخاطب مون وإيما برسالة عبر البريد الإلكتروني، وتشرح لهما عدم تقبلها للقيام بهذه المهمة على هذا النحو. فربما يكون والدها محقاً بشأن عدم تقبل المدراء في كوريا للمصارحة في الحديث، ولكن إن اكتفت بالحديث مع إيما، ستفقد الفرصة لمعالجة المسألة مع مديرها، باعتباره الشخص الذي تعمل لديه.

ويجب أن تكون الرسالة التي تكتبها إيجابية وتركز على المخاطر التي تتعرض لها الشركة عموماً، ولا تكتفي بالحديث عن مشاعرها وحسب. يمكنها مثلاً أن تقول: "إنني أقدر حقاً الفرصة لأكون جزءاً من هذا المشروع المهم، ولكني أخشى إذا أخفينا عن الآخرين حقيقة أنني أعمل لصالح شركة "زانتيك" أن يتم اكتشاف الأمر، وينعكس ذلك سلباً على الشركة". ومن الضروري أن تحافظ سوزان على لهجة تعاونية وبنّاءة، وتحرص على استخدام الضمير "نحن" قدر الإمكان.

في الوضع المثالي، وعلى الأغلب، فإن كلاً من مديرها مون وإيما سيحترمان سوزان وصراحتها، وسيتفهمان موقفها ويسمحان لها بأداء المهمة بطريقة مختلفة. كما قد يكون ذلك دافعاً ليعيد مون التفكير بما طلبه من سوزان. إذ تُظهر آخر الأبحاث التي أجريناها في شركة "ديلويت" أنّ الشركات تركز على الرسالة والهدف والمبادئ الأخلاقية التي تحقق أداء أفضل من الشركات الأخرى على المدى الطويل. كما أنّ الشركات التي تمتلك هذا النوع من الثقافة تشجع موظفيها على التعبير عن تخوفاتهم وآرائهم وتكون مستعدة للنقاش حول القضايا الأخلاقية. ونلاحظ أنّ فضائح الشركات تحدث بوتيرة مخيفة، وتكون هذه الفضائح في معظم الحالات ذات أثر وخيم على الشركات وعلامتها التجارية وسمعتها. وفي كثير من الأحيان يكون موظفو الشركة ممن كان بوسعهم منع تلك الفضيحة فضلوا البقاء صامتين، لأنهم افترضوا غالباً أن أحداً لن يستمع إليهم.

أما لو تجاهل مون وإيما ملاحظات سوزان، فهذه إشارة على ضرورة أن تبدأ سوزان بالبحث عن شركة أخرى. فالأشخاص أصحاب المعرفة التقنية والحاصلين على درجة الماجستير في إدارة الأعمال مطلوبون بشدة، وما زال المستقبل الواعد أمام سوزان على الصعيد المهني. فإن تنازلت عن قيمها الآن، فسيبقى هذا الأمر يلاحقها لفترة طويلة.

 

 

 

 

 

على سوزان ألا تتبع الأوامر بدون سؤال. ولكن نظراً إلى أنها متدربة، فواجبها يقضي بالقيام بما يوجه إليها من تعليمات. ولذا فنصيحتي هي أن تجد وسيلة أُخرى للقيام بالمهمة التي أوكلت إليها، بشرط ألا تتعارض مع الأخلاق والقانون والنزاهة.

حين أفكر بالمسائل الأخلاقية، فإنني أتصور مصفوفة يكون الجانب القانوني فيها على محور، والجانب الأخلاقي على المحور الآخر. فأنا أحب احتواء الأمور بسلاسة ضمن القالب القانوني والأخلاقي، ولكن الوضع ليس كذلك دوماً في عالم الأعمال. فمن الشائع والصعب أيضاً مواجهة المواقف التي لا تتطلب منك مخالفة أي قانون أو تعليمات، ولكنها في الوقت ذاته تتعارض مع قيمك. إذ واجهت العديد من هذه المواقف الضبابية في مسيرتي المهنية، وكان من ضمن ذلك إجراء تحقيقات داخلية حول أكبر عملية احتيال وإساءة استخدام للوظيفة في تاريخ المصارف، وتمكنت على الدوام من الالتزام بمبادئي. ولو كنت مكان سوزان فلن أقبل بالتأكيد أن أتواصل مع منافسي شركة "زانتيك" دون الإفصاح عن هويتي الحقيقية، ولكني لن أقدم على مواجهة مون أو إيما فيسر مباشرة. فالأعراف والمعايير تختلف بين الشركات والدول، وهي لا تملك المعرفة الكافية بالشركة ولم تتح لها فرصة العمل في كوريا بحيث يكون في وسعها الاعتراض بثقة على طريقة العمل. وأعتقد أن الرفض المباشر لطلب مون ووصفه بأنه غير أخلاقي سيضر بسوزان على المدى الطويل. لكن أمام سوزان خيارات أُخرى غير الرضوخ أو المواجهة، إذ يمكنها اقتراح طريقة بديلة، أي أن تقدّم لهم حلاً بدل من تقديم لهم المشكلة، وهذا ما يفعله المتدرب أو الموظف الجيد. فكيف ستتمكن سوزان من الحصول على المعلومات التي تريدها دون ادعاء هوية مختلفة؟

أحد الخيارات الممكنة هو التواصل مع أهم عملاء شركة "زانتيك"، إذ لا شك أن هؤلاء العملاء أجروا تقييماً لموردين آخرين في هذا القطاع قبل توقيع العقد مع "زانتيك". ويحب العملاء عادة أن يتواصل معهم الآخرون من أجل الحصول على استشارة، ويمكن لسوزان من خلال الحديث معهم جمع بعض المعلومات عن المنافسين والتعرّف على تفاصيل معينة عن المنتجات المنافسة لتحديد طريقة عملها.

وهنالك خيار آخر وهو التواصل مع أطراف أخرى، مثل شركة "آي بي أم" (IBM)، أو "بي دبليو سي" (PwC)، وشركات استشارية ساعدت "زانتيك" في طرح منتجاتها، أو مع شركات تحليل مختصة في تحليل الوضع التنافسي ضمن القطاع الذي تنشط به "زانتيك". فيمكن أن يكون لدى هذه الشركات معلومات مشابهة لتلك التي لدى العملاء، ويمكن كذلك أن تكون أكثر استعداداً للحديث حول مواطن القوة والضعف النسبية لدى "زانتيك".

والخيار الثالث هو البحث داخل "زانتيك" نفسها للتوصل إلى بعض المصادر. فهذه شركة كبيرة يعمل بها 1,500 موظف، ولا شك أن بعض هؤلاء الموظفين عملوا من قبل مع شركات منافسة، وبوسعهم تقديم بعض المعلومات التي ستُظهر فائدتها عند جمعها. وربما يكون بعضهم ملزماً ببند سريّة المعلومات، ويجب على سوزان مراعاة ذلك بالتأكيد، ولكن يمكن أن يكون لدى آخرين معلومات مهمة وليست ذات طابع سريّ يمكن الاستفادة منها بسهولة.

هذه الأساليب ليست كفيلة بإخراج سوزان من ذلك المأزق الأخلاقي وحسب، ولكن ستساعدها أيضاً على أن تكون أكثر فعالية، ولاسيما إذا عرفنا أن مكالمة غريبة من متدرب مع شركة منافسة لن يؤدي غالباً إلى نتيجة مجدية في رأيي ولن تفلح سوزان في الحصول على معلومات ذات فائدة حقيقية إذا اتبعت طريقة مون. ولست أقترح هنا بالتأكيد أن تذهب سوزان وتقول لمون: "هذه الطريقة لن تجدي نفعاً"، ولكن يمكنها أن تختبر الطريقة التي اقترحها على "زانتيك" نفسها، فتجري بعض الاتصالات لتحصل على المعلومات، وترى إن كانت الطريقة مجدية أو لا. وهكذا سيكون بالإمكان أيضاً الكشف عن مدى حرص موظفي "زانتيك" الآخرين على عدم الإفصاح عن معلومات الشركة الحساسة. حيث تُعتبر نزاهتي أساس سمعتي كمدير تنفيذي، وأنا حريص كل الحرص على هذا الأمر، ولكني كذلك أفتخر بمقدرتي على الإنجاز وتجاوز العقبات، وهذا هو التوازن الذي يجدر بسوزان أن تحرص على تحقيقه.

وفي حال تمكنت من حلّ هذه المعضلة بالشكل المناسب، فعليها أن تُبقي نصب عينيها فكرة التدريب باعتبارها مقابلة مطوّلة. أي عليها تقييم الشركة التي تتدرب فيها تماماً كما يقوم المدراء بتقييمها. فعليها أن تسأل نفسها: هل هذه حقاً الشركة التي أود العمل فيها؟ هل قيمي منسجمة مع القيم السائدة في هذه الشركة؟ وعليها تعلم أن إجابة هذه الأسئلة لن تأتي من المشرف عليها، أو من أبيها أو صديقها، بل سيكون عليها أن تتوصل للإجابة بنفسها.

تعليقات مجتمع هارفارد بزنس ريفيو

لا داعي للقلق

لو اتصل بي شخص وطلب مني الإفصاح عن معلومات حساسة تخص شركتي، فلن أقدمها له، سواء عرّف عن نفسه بأنه موظف أو طالب. يجب أن لا تقلق سوزان من خداع الآخرين، لأنها لن تحصل على ما تريد من معلومات على أية حال.

أرديتا جيتشي، مديرة إدارة التغيير، شركة جيتشي.

عبري عن رأيك بصراحة

لقد أشرفت على متدربين في شركة كبيرة، وكنت أشجع الآخرين دوماً على الحديث مع المدراء ومعارضتهم مع التزام الاحترام بالتأكيد. فالأسئلة التي يطرحها الموظف تساعد الشركة على التطور، والمدير الجيد يحسن تلقي المدخلات من مرؤوسيه.

تيريل فيش، مدير مشاريع، شركة إم كيه إي سي للهندسة.

لا تتابعي التدريب مع الشركة

الشركات ذات القيم الراسخة لا يمكن أن تنزل لهذا المستوى من الممارسات، وتقدم لموظفيها النصائح القانونية حول التعامل مع المعلومات السرية الخاصة بالمنافسين. فإن كانت الشركة تطلب هذا من متدربة، فتخيلي ما الذي تطلبه من الموظفين. اتركي هذه الشركة ولا تندمي على ذلك.

شارون هوي تنغ، مدير معلومات العملاء، شركة جنرال ميلز

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي