ملخص: غالباً ما تفتقر الشركات الصغيرة الحجم والمتوسطة الحجم إلى الموارد اللازمة لعقد معتكف تخطيط استراتيجي سنوي أو لإيقاف عملياتها كلها مؤقتاً لمواجهة التحديات أو الأحداث غير المتوقعة التي قد تؤثر في أرباحها، وذلك يضعف قدرتها على منافسة الشركات الأكبر حجماً. توضح هذه المقالة كيف أصبح دور الذكاء الاصطناعي قوة تحويلية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. يستعرض المؤلفون 3 حالات عن أزمات تمكنت فيها هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة من التوصل إلى استراتيجيات مبتكرة بفضل العصف الذهني وتوليد السيناريوهات اعتماداً على الذكاء الاصطناعي.
غالباً ما تفتقر الشركات الصغيرة الحجم والمتوسطة الحجم إلى الموارد اللازمة لعقد معتكف تخطيط استراتيجي سنوي أو لإيقاف عملياتها كلها مؤقتاً لمواجهة التحديات أو الأحداث غير المتوقعة التي قد تؤثر في أرباحها، وذلك يضعف قدرتها على منافسة الشركات الأكبر حجماً.
لكن الذكاء الاصطناعي يقدّم حلاً لهذه المشكلة. إذ يمكن للشركات الأصغر حجماً التغلب على قيود الوقت والموظفين والموارد من خلال استخدامه لتوليد أفكار وخيارات وحلول تتجاوز قدرات فريق الإدارة الصغير وربما المحدود الموارد أيضاً. في هذه المقالة، نقدم 3 دراسات حالة توضح كيف مكّن الذكاء الاصطناعي الشركات الصغيرة والمتوسطة من تعويض أوجه القصور في صياغة الاستراتيجية.
غارقة في التفاصيل المرهقة
تعمل جوليا رئيسة تنفيذية لشركة تضم 45 موظفاً، وتصفها لنا بأنها "شركة تسويق محتوى متمرسة تقدم للعملاء الإبداع والمرونة وعقلية الخدمة التي توفرها وكالة متخصصة، بالإضافة إلى رؤى ثاقبة وتحليلات محوسبة ووصول واسع".
بسبب الزعزعة الكبيرة التي يشهدها قطاع الإعلام، أرادت جوليا وضع مجموعة من السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك السيناريو الأكثر ترجيحاً للسنوات القليلة المقبلة، وذلك لمساعدتها في تخطيطها الاستراتيجي. لكنها واجهت مشكلة مع فريقها، حيث قالت إن موظفيها "يواجهون صعوبة في التفكير الاستراتيجي البعيد المدى. لقد كانوا مشغولين بمتابعة القضايا اليومية ما جعل من الصعب عليهم التنبؤ بمستقبل الشركة والتخطيط له على المدى الطويل".
كيف أنقذ الذكاء الاصطناعي الموقف؟
لجأت جوليا إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي لإلهام فريقها التفكير الإبداعي. فبدأت برسم خريطة سيناريوهات؛ عبارة عن جدول ثنائي الأبعاد يساعد الشركات على تصنيف الاحتمالات المستقبلية المختلفة. في أعلى الجدول، حددت نوعين من النماذج التنظيمية المحتملة: "تكنوقراطية" أو "متمحورة حول العملاء". وعلى الجانب، حددت الظروف الاقتصادية المستقبلية المحتملة: "مُدارة بفعالية" أو "فوضوية". وفرّ ذلك 4 سيناريوهات محتملة للمستقبل.
استخدم فريق جوليا المكون من 6 أفراد بعد ذلك الملاحظات اللاصقة لتوليد أفكار حول كل ربع من المربعات الأربعة، حيث اقترحوا عشرات الأفكار لكل منها. على سبيل المثال، في الربع تكنوقراطية/مُدارة بفعالية، كانت اثنتان من الأفكار المحتملة "اللوائح الصارمة" و"تكامل الأنظمة القوي".
بعد ذلك، أدخلوا هذه الأفكار في منصة الذكاء الاصطناعي يو دوت كوم (you.com)، وطلبوا منها استخدام المعلومات لتحديد "سيناريوهات" لكل ربع. وكان من نتائج المنصة التفصيلية سيناريو يتمحور حول العميل وفوضوي، حيث يسود التسويق الشخصي في ظل بيئة تتسم بتغيرات سريعة في السوق.
حفزت هذه السيناريوهات الواضحة الفريق على التعمق أكثر في التفكير في الاحتمالات المستقبلية وكيفية التخطيط لها، وهكذا تمكن فريق جوليا من مناقشة كيفية إعداد المؤسسة للازدهار في أي منها.
أحد الاستنتاجات التي توصل إليها الفريق كان أن أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحالية المنعزلة إلى حد كبير لن تصمد في مستقبل "فوضوي" على الرغم من أنها مناسبة للظروف "المُدارة بفعالية". لذلك اقترح أفراده بنية جديدة أكثر تكاملاً لتكنولوجيا المعلومات لخدمة المؤسسة جيداً بغض النظر عن السيناريو المستقبلي الذي سيتحقق. ومثلما أقرّت جوليا لنا: "يمكننا الآن أن نرى أن المستقبل سيكون على الأرجح أكثر تركيزاً على العملاء وفوضوياً، وأننا بحاجة إلى الارتقاء بمستوانا وفقاً لذلك. لقد وفّر الذكاء الاصطناعي معلومات ضرورية جداً لمناقشاتنا".
خطر يهدد الشركة
تقدم شركة لوك شاحنات متخصصة للشركات والإدارات الحكومية بالإضافة إلى منتجات أخرى. تستورد الشركة الشاحنات من الخارج ثم تخصصها لتلبية متطلبات العملاء مثل إضافة وحدات جمع القمامة والرافعات ومرشّات المبيدات الزراعية. شهدت المبيعات نمواً سريعاً على مدار العام الماضي، ثم وقعت الكارثة.
دون سابق إنذار، تلقى لوك رسالة إلكترونية من مورّد الشاحنات يعلن فيها زيادة أسعارها بنسبة 30%. يقول لوك موضحاً: "لم يكن لدينا أدنى فكرة عن أن ذلك يمكن أن يحدث. يبدو أن المورد كان يحقق هامش ربح ضئيل للغاية على الشاحنات التي استوردناها ولم يدرك ذلك إلا بعد إجراء بعض التحليلات. أعتقد أن الأمر يتعلق بسوء الإدارة".
كان لوك غاضباً في البداية. لم يعلم ماذا يجب أن يفعل، ولم يرغب في أن يفقد موظفوه البالغ عددهم 95 وظائفهم. أصبح مستقبل الشركة على المحك.
كيف أنقذ الذكاء الاصطناعي الموقف؟
لجأ لوك إلى منصة تشات جي بي تي للذكاء الاصطناعي واستخدم الأمر النصي الآتي لتوليد مقترحات لإنقاذ الشركة: "نحن شركة تبيع شاحنات مخصصة للشركات والإدارات الحكومية، وهو ما يشكّل 25% من إجمالي مبيعاتنا. رفع المورّد أسعار الشاحنات مؤخراً بنسبة 30%. نحن مقيدون بعقد يمنعنا من التعامل مع أي مورد آخر في العالم يبيع منتجاً مشابهاً أو منافساً. ما الخيارات المتاحة أمامنا لإنقاذ الشركة؟".
قدّم تشات جي بي تي 6 خيارات استراتيجية لتخفيف تأثير رفع الأسعار وحماية مستقبل الشركة، وهي:
- التفاوض مع المورد
- هندسة القيمة وخفض التكلفة
- تنويع عروض المنتجات
- تعديل استراتيجية التسعير والتمركز في السوق
- الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا
- إبلاغ العملاء وإدارة العلاقات
كما قدّم الذكاء الاصطناعي شرحاً مفصلاً لكل خيار. على سبيل المثال، تضمن شرح خيار "إبلاغ العملاء وإدارة العلاقات" ما يلي: "حافظ على التواصل الشفاف مع العملاء حول أسباب زيادة الأسعار والخطوات التي ستتخذها الشركة لتقليل تأثيرها. ركّز على بناء علاقات قوية مع العملاء تستند إلى الثقة والموثوقية وخدمة العملاء المتميزة للحفاظ على ولائهم على الرغم من زيادة السعر. ابحث عن طرق لتقليل التأثير المالي على العملاء".
أعجب لوك بالقائمة ويستبعد أنه كان ليبتكرها بنفسه، خاصة في ثوانٍ قليلة، وهو الآن يعمل على تنفيذ كل بند منها في محاولة لإنقاذ الشركة.
سوق ميتة
لوسي هي الرئيسة التنفيذية لشركة صغيرة الحجم لصناعة المشروبات في أستراليا ومالكتها، ويعمل لديها موظفان بدوام كامل. كما توظف الشركة الصغيرة عمال قطاف موسميين وعمال مزارع.
قبل عام 2021، كانت شركة لوسي تصدّر المشروبات إلى الصين، لكن الصين فرضت في ذلك العام تعرفة جمركية بنسبة 200% على المشروبات المستوردة من أستراليا. جرى الإعلان عن هذه التعريفة الجمركية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020. صُدمت شركة لوسي، مثل العديد من شركات إنتاج المشروبات الأسترالية، لأن الصين كانت أكبر سوق للمشروبات الأسترالية. ففي عام 2019، باع منتجو المشروبات الأستراليون ما قيمته 1.24 مليار دولار أسترالي من المشروبات إلى الصين، وهو ما يمثل 40% من الحصة السوقية. لكن بحلول عام 2023، انهارت المبيعات إلى أقل من مليون دولار أسترالي. بينما تمكنت الشركات المنتجة الكبيرة مثل شركة بينفولدز (Penfolds) من تعويض بعض النقص في المبيعات عن طريق زيادة الصادرات إلى أسواق راسخة أخرى، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، افتقرت الشركات المنتجة الأصغر للموارد للتنافس في هذه الأسواق الناضجة وأغلقت العديد منها أبوابها. بالكاد تمكنت لوسي من الحفاظ على استمرار عملها التجاري خلال عامي 2021 و2022، ولكن بحلول عام 2023 كانت قد استنفدت رأس المال.
كيف أنقذ الذكاء الاصطناعي الموقف؟
لم يكن أمام لوسي خيارات كثيرة في هذه المرحلة، ومع ضعف التوقعات، لجأت إلى تشات جي بي تي بحثاً عن أفكار لتوسيع نطاق أعمالها بعيداً عن السوق الصينية. أثبت تشات جي بي تي فعالية كبيرة حقاً. عملت الأداة بمثابة مساعد فعال في أبحاث الاستراتيجية، حيث سمحت لها باستكشاف إمكانات التصدير بسرعة إلى مختلف دول العالم، بالإضافة إلى العثور على فرص جديدة في السوق المحلية. تقول لوسي موضحة: "لقد ساعدتني هذه العملية في العثور على أفكار جديدة لتوسيع نطاق عملي، منها استضافة فعاليات مميزة لتذوق منتجنا هنا في ملبورن". مكّنت الاقتراحات التي قدمها تشات جي بي تي لوسي من الحفاظ على أعمالها حتى عام 2024، حيث ألغت الصين التعرفات الجمركية التي فرضتها سابقاً.
لم تتوقف لوسي عند هذا الحد، بل استمرت في استخدام تشات جي بي تي، وبنت نموذجها المخصص للمحول المدرب لتوليد النصوص (جي بي تي) لمساعدتها على تتبع الميزانيات والنفقات. توضح قائلة: "لقد كان إنشاؤه بسيطاً. استطعت تخصيصه ليتناسب مع طريقة تتبعي لميزانياتي ونفقاتي الخاصة. لقد مكنتني أتمتة وظائف الماليات من التركيز على شغفي؛ صنع مشروبات استثنائية. كل ما تحتاج إليه هو أن تكون على استعداد للتعلم".
لقد أثبت الذكاء الاصطناعي أنه قوة تحويلية يمكن أن تساعد الشركات الصغيرة الحجم والمتوسطة الحجم على التغلب على القيود المتأصلة في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات. توضح هذه الأمثلة أن توليد الأفكار وإنشاء سيناريوهات مختلفة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي يمكّن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من تجاوز القيود المتأصلة فيها لوضع استراتيجيات مبتكرة. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر خيارات استراتيجية في أوقات الأزمات ويمكن أن يسهم في استكشاف أسواق جديدة، حتى إلى حد تمكين إعادة ابتكار الشركة بالكامل.