في عالم الأعمال المليء بالبيانات والمعلومات، تصبح القدرة على سرد القصص المقنِعة أداة قوية بيد القادة للتواصل ببراعة وجذب الانتباه وإلهام الموظفين والعملاء؛ سواءً كانت الغاية إيصال قيم الشركة، أو صياغة الاستراتيجية، أو مواجهة التحديات. لكن، كيف يمكن صياغة القصص المقنعة؟ حسناً، تبين أن ثمة فرق كبير في الطريقة التي نروي بها القصص الحقيقية عن الطريقة التي نروي بها القصص المُختلقَة أو المُتخيلَة؛ إذ غالباً ما نروي أحداث القصص الفعلية المستمدة من ذكريات حقيقة وفق ترتيب مختلف عن الترتيب الزمني الذي حدثت وفقه؛ وذلك لأن عواطفنا تؤدي دوراً محورياً في توجيه ذكرياتنا.
بكلماتٍ أخرى، كلما مررنا بحدث كان أقوى تأثيراً في عواطفنا، زاد ميلنا لأن نجعله النقطة المحورية في القصة وأول ما نتحدث عنه، في حين نروي التفاصيل الأقل تأثيراً في عواطفنا لاحقاً (حتى إن وقعت أساساً قبل الحدث المشحون عاطفياً). وانطلاقاً من هذه النقطة، إليك ما يميز بنية القصص الحقيقية عن تلك المُختلقة، وكيف يمكن للقادة توظيف هذه البنية السردية لصياغة قصص أعمق أثراً وأكثر انتشاراً.
ما الفرق ما بين بينة القصص الحقيقية والمختلقة؟
إذاً، غالباً ما نبدأ رواية القصص الصادقة بالحدث الدرامي الأكبر، لكن هذا لا يعني أن كل قصة لا تبدأ بالدراما هي قصة مفبركة! في الواقع، حتى وإن كانت أحداث القصص الصادقة لا تُروى وفق التسلسل الزمني الصحيح، فإن ثمة ما يميزها، وهي أنها تتألف من ثلاث مراحل متميزة هي: المقدمة والعرض والخاتمة. وإليك كيف تميز بين القصص الحقيقية والمختلقة بناء على كل منها.
المقدمة
تعد مقدمة القصة عنصراً حاسماً، سواء كانت تحتوي على تفاصيل من بداية القصة أو من نهايتها. وغالباً ما يكون هذا القسم موجزاً وقليل التفاصيل في حال كانت القصة صادقة، ويستغرق نحو ثلث إجمالي وقت السرد أو أقل. في المقابل، تكون المقدمة متخمة بالتفاصيل في حال كانت القصة مفبركة؛ إذ يعمد الراوي إلى توضيح عناصر عديدة تتعلق بأوقات وأماكن وظروف محددة. لماذا؟ لأن المقدمة هنا تعمل بمثابة منطقة راحة يشعر فيها الراوي بالأمان، فهو لم يبدأ بالخداع أو الكذب بعد، لذا يحاول أن يبنِ أساساً للقصة يبدو راسخاً في محاولة لإثبات مصداقيته، كما يطيل البقاء في هذا القسم من القصة بغية تأخير ظهور الخدعة. يعد التعرف على هذه الفروق الدقيقة في السرد القصصي، وتحديداً في المقدمة، أداة قيمة بالنسبة للمدراء والقادة؛ فالقادة الذين يتبعون الأصالة والإيجاز والوضوح في مقدماتهم يؤسسون للثقة بين فرقهم. في حين تمثل المقدمة التفصيلية الطويلة إشارة حمراء تساعد القادة على تحديد الخداع المحتمل في وقت مبكر، ما يمكّنهم من التعامل مع المواقف بحكمة.
العرض (قسم الحدث الرئيسي)
يمثِّل هذا القسم جوهر القصة الصادقة، وهو الجزء الأطول منها، حيث تجد القصة هدفها وتتكشف غالبية الأحداث. إنه الجزء الذي يجيب عن السؤال الأساسي: "ماذا حدث؟". في القصة الحقيقية، يصبح قسم الحدث الرئيسي بطبيعة الحال النقطة المحورية، حيث يقدم وصفاً تفصيلياً وشاملاً للأحداث المعنية. على النقيض من ذلك، في القصص الخادعة، يميل الراوي إلى التقليل من أهمية هذا القسم أو تغطيته على عجل. وفي سياق الأعمال، ينبغي على القادة توضيح الحدث الرئيسي بوضوح مع مراعاة الدقة والشفافية والتفاصيل الشاملة، ما يجعل السرد مقنعاً وصادقاً وذا صدى عميق عند المتلقين. علاوة على ذلك، ينبغي أن يكون قسم الحدث المختصر قليل التفاصيل بمثابة علامة تحذير للقادة والمدراء، ما يساعدهم على اكتشاف القصص الخادعة واتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على صحة المعلومات المقدمة
الخاتمة
غالباً ما تنتهي القصة الصادقة بخاتمة بعد الحدث الرئيسي، وعلى الرغم من أن الخاتمة لا تكون الجزء الأكثر دراماتيكية، فإنها غالباً ما تحمل ثقلاً عاطفياً كبيراً، بل تكون ذا طابع عاطفي أكبر من القصة الرئيسية نفسها. وهذا ليس مستغرباً، فنحن عندما نواجه أحداثاً مفاجئِة أو مؤثرة، ننشغل تماماً بما يحدث لنا، ولا نمتلك في البداية الوقت الكافي لمعالجة ما نشعر به تجاهها، ثم وبعد انتهاء الحدث، سنهدأ ونتمكن من التعرف إلى المشاعر التي أثارتها.
في المقابل، غالباً ما يحذف الشخص الذي يختلق القصة الخاتمة مختتماً روايته بالحدث الرئيسي؛ إذ إن الخاتمة هنا تتطلب اختلاق التأثير العاطفي لأحداث لم تحدث فعلاً ولم تؤثر فيه. في الواقع، مَن يختلق قصة غير حقيقية، سيبذل قصارى جهده لأن يتجنب الكذب دون داع، لذا سيتوقف عن الحديث بمجرد أن يقول ما يظنه كافياً. خُلاصة الكلام، غالباً ما تكون القصص المختلقة ذا طبيعة منطقية ومبسطة وخالية من الأوصاف الحسية الحية، في حين تكون القصص الصادقة غنية بالتفاصيل العاطفية.
يمكن للقادة استخدام هذا الفهم لتعزيز ثقافة التواصل الحقيقي داخل فرقهم. فتشجيع أعضاء الفريق على مشاركة ليس فقط الحقائق، وإنما أيضاً العواقب العاطفية للأحداث، يسهم في ثراء القصص وصدقها ويعزز الشفافية ويقوي الروابط بين الأشخاص. في التواصل الاستراتيجي، يستطيع القادة نسج الخاتمات في رواياتهم، ما يعزز صحة قصصهم ويبني الثقة مع جمهورهم. كما يصبح إدراج الخاتمة أو استبعادها في نهاية المطاف مؤشراً قوياً للتمييز بين رواية القصص الصادقة والمخادعة في السياقين المهني والشخصي.
ختاماً، يمكن أن نستخرج مما ذكر أعلاه مجموعة من النصائح تساعد على صياغة القصص بطريقة أكثر إقناعاً؛ وهي:
- العاطفة ترشد الذاكرة: تؤثر شدة المشاعر في أثناء حدث ما على كيفية تذكرنا وسردنا للقصة. تسليط الضوء على الجوانب العاطفية يمكن أن يجعل السرد أكثر تأثيراً.
- ليس من الضرورة اتباع الترتيب الزمني الفعلي للأحداث: على عكس الترتيب المنطقي، غالباً ما تتمتع القصص الصادقة بتسلسل زمني غير الذي حدث، لذلك، يكون البدء بلحظة مؤثرة وملء التفاصيل لاحقاً عامل جذب فعال للمستمعين.
- الدراما العالية تلفت الانتباه: بدء القصة بحدث مثير أو مقنع يجذب انتباه المستمعين. يزيد العمق العاطفي للحدث من احتمالية تذكر الأشخاص للسرد والتفاعل معه ومشاركته.
- تتألف القصة الصادقة من ثلاث مراحل: القصص الفعالة الصادقة لها هيكل محدد غالباً ما يشمل المقدمة الموجزة، والحدث الرئيسي الغني بالتفاصيل، والخاتمة العاطقية. يساعد هذا الإطار على تنظيم ونقل السرد على نحو متماسك.
القصص الصادقة ضرورية: على الرغم من أن القصص قد لا تتبع دائماً ترتيباً زمنياً صارماً، فإن الصدق أمر بالغ الأهمية. فالروايات الأصيلة، حتى لو أعيد ترتيبها، تحافظ على مصداقيتها.