لا يخفى على أحد أن الكثيرين من القادة يميزون بين أعضاء الفريق الواحد ويفضلون بعض الأفراد ضمن فرقهم، والأشخاص الذين يفضلونهم هم الذين يشاركونهم معلومات أكثر ويثقون بهم أكثر ويعتمدون عليهم أكثر في إتمام المهام. فقادة الفرق بشر في النهاية، ومن الطبيعي أن يميلوا إلى أفراد بعينهم بناء على أمور معينة مثل التوافق الشخصي وقدراتهم المثبتة في أداء المهام. إلا أنك إذا سألت معظم قادة الفرق إذا ما كان لديهم "أفراد مفضلون" في فرقهم، ستكون الإجابة على الأرجح "بالطبع لا!". فلا أحد يحب أن يفكر أنه سيقدم مصلحة فرد (أو بضعة أفراد) في الفريق على غيرهم.
لكن سواء كان القادة يعتقدون هذا أم لا، نجد إحدى النتائج الأكثر اتساقاً في بحثنا (وأبحاث الآخرين) تشير إلى أن معظم القادة يعاملون أعضاء الفريق بطريقة مختلفة، وغالباً ما يفعلون ذلك دون وعي منهم. وما أشبه هذا بالتحيزات غير الواعية التي يتبعها الأشخاص، والتي تولّد لديهم شعوراً بالدهشة والحرج عندما تنكشف لهم. لا يمكن للقادة التحكم في أفكارهم وما يفضلونه ضمنياً، لاسيما عندما يتعلق الأمر بما يريدون أن يقوم به أعضاء الفريق أو يكونوا عليه. وتؤدي هذه المفاهيم السابقة إلى ما يُسمّيه الباحثون "التمييز" في مستوى جودة العلاقة بين القادة والأعضاء، ويُشار إلى جودة العلاقة غالباً بـ "المعاملة بين القائد وعضو الفريق".
العلاقة بين القائد والمرؤوس
عندما تكون العلاقة بين القائد والمرؤوس متميزة، يقدم المرؤوس عادة النتائج الإيجابية التي يرغب جميع القادة في رؤيتها، كالأداء المرتفع أو الرضا الوظيفي أو الانتماء إلى المؤسسة، أو بذل ما يتجاوز المسؤوليات المعتادة لوظيفته. كما أن أعضاء الفريق الذين يتمتعون بعلاقة متميزة مع القائد يكونون أكثر إخلاصاً لشركاتهم وأكثر رضاً عن قادتهم، كما تقل احتمالات استقالتهم من العمل. فإذا كانت العلاقة المتميزة بين القائد وعضو الفريق تؤدي إلى كل هذه النتائج الإيجابية، لماذا لا يبني القادة مستويات عالية من العلاقات المتميزة بينهم وبين جميع مرؤوسيهم؟ ذكرنا بالفعل الآثار المترتبة على التفضيلات الخفية للقادة، حيث يؤدي هذا إلى حدوث التمييز ببساطة دون الكثير من التفكير الواعي. ولكن إذا نظرنا إلى ما وراء التفسير المتعلق باللاوعي، سنجد تفسيراً أكثر عملية، وهو أن قادة اليوم لا يملكون الوقت اللازم لبناء علاقات عالية الجودة مع جميع أعضاء فريقهم. ويزداد الأمر تعقيداً في المؤسسات الصغيرة، حيث يتحمل الكثيرون من القادة مسؤولية فرق كبيرة (وأحياناً عدة فرق في الوقت ذاته).
لحسن الحظ، يُشير البحث إلى أن تفضيل بعض الأفراد عامل صحيّ لتحفيز الأداء المرتفع في الفرق والأفراد على حد سواء. ففي الواقع، نجد أن الآثار المترتبة على التمييز في المعاملة بين القائد وعضو الفريق - أو مدى تشكيل القادة لعلاقات تختلف جودتها من عضو لعضو في الفريق ذاته- تؤثر إيجاباً على نتائج الفريق والأفراد. ويعتمد ذلك على وجود ظروف معينة. فمثلاً، وجد زملاؤنا "بيرين إردوغان" و"تاليا بوير" في جامعة ولاية بورتلاند أن التمييز في المعاملة بين القادة والأعضاء لا أثر له، أو لا يؤثر إيجاباً على أفراد الفريق طالما يعتقد أعضاء الفريق أن قادتهم يوفرون مناخاً يسوده العدل والإنصاف لكل الفريق. أي أننا لا نجد أي آثار أو تأثير إيجابي طالما يقدم القادة الموارد لأعضاء الفريق باتباع إجراءات عادلة وغير منحازة في عملية صناعة القرار. وقد وجد "إردوغان" و"بوير" بصفة خاصة أن زيادة تميز العلاقة بين القادة وأعضاء الفريق مرتبط بزيادة سلوكيات تقديم المساعدة والتعاون بين أعضاء الفريق عندما يعتقدون أنهم يعملون في مناخ عادل. وبالمثل، وجد "بوب ليدن" وزملاؤه في "جامعة إلينوي" في شيكاغو أن التميز في المعاملة بين القادة وأعضاء الفريق صاحبه ارتفاع في أداء الفريق. إلا أن هذا لم يحدث إلا عندما ازداد التنسيق والتواصل والتكامل داخل الفرق (ما يُعرف بترابط الفرق).
شروط التمييز بين الموظفين
في المجمل، يشير بحث الزملاء إلى أن القادة بإمكانهم التمييز بين أعضاء الفريق كما يشاؤون طالما وُجِدت شروط معينة (مثل المناخ العادل والمستوى المرتفع من الترابط بين الفرق). إلا أن هناك سؤالاً واحداً كان يتردد على أذهاننا: هل توجد حدود للتمييز في معاملة أعضاء الفريق من جانب القادة؟ افترضنا أن المعاملة التفضيلية الشديدة من جانب القادة ستؤدي على الأرجح إلى تكوين مجموعات فرعية داخل الفرق، حيث تتلقى إحدى المجموعات معاملة رائعة، بينما تتلقى أخرى معاملة سيئة. افترضنا أيضاً نشوء احتكاك وصراع هائل بين تلك المجموعات ما سيؤدي إلى انخفاض أداء الفريق.
ولاختبار هذه الأفكار، أجرينا دراسة في 3 مؤسسات في الصين باستخدام بيانات إحصائية من أكثر من 900 فرد يعملون في حوالي 150 فريقاً. وجدنا ما توقعناه بالضبط، وهو أن العلاقة بين التمييز في المعاملة بين القائد وعضو الفريق من ناحية وأداء الفريق من ناحية أخرى، تأخذ منحنى على شكل حرف "U" مقلوب وليست خطيّة. هذا يعني أن أفضل أداء للفريق تحقق فقط عندما اتبع القادة المعاملة التفضيلية باعتدال. أو كما يشيع القول، خير الأمور الوسط! فكر في الأمر في ظل 3 سيناريوهات.
في السيناريو الأول، اتبع القادة عدم التمييز فعلياً، وعاملوا جميع الأعضاء بالطريقة ذاتها بصفة أساسية، سواء كانت المعاملة جيدة أو سيئة أو معتدلة. وجدنا أن هذا أدى إلى انخفاض شديد في أداء الفريق. وفي السيناريو الثاني، عامل القادة جميع الأعضاء بشكل متفاوت بدرجة كبيرة، فنتج عن ذلك انقسام الفريق إلى فرعين وحدوث صراع بينهما وجرح شعورهم. مرةً أخرى -وهو أمر لا يثير الدهشة- وجدنا أن انخفاضاً شديداً في الأداء صاحب هذا السيناريو. في السيناريو الثالث، اتبع القادة مجموعة كاملة من الطرق المحتملة للتعامل مع الأعضاء: تجاهلوا عدد قليل من الأعضاء بدرجة كبيرة، وعاملوا بعضهم باعتدال، وعاملوا آخرين معاملة جيدة جداً. نتج عن هذا السيناريو أعلى مستوى لأداء الفريق. السبب في ذلك أن جميع أعضاء الفريق لم يخلقوا سواءً. فعندما استثمر القادة أكثر في الأعضاء الأكثر قدرة وأعلى أداء، واستثمروا أقل في الأشخاص الذين لا يشكلون جزءاً من نجاح الفريق، وصل أداء الفريق إلى أعلى مستوى.
كشفت دراستنا كذلك عن عوامل "نسبية" تختلف من حالة لأخرى. العامل الأول: بإمكان القادة التمييز بدرجة أكثر قليلاً في الفرق الكبيرة -على عكس الفرق الصغيرة- دون حدوث مشكلات، فالفرق الكبيرة تحقق استفادة أكبر من زيادة التنسيق الناتجة عن التمييز. العامل الثاني: بإمكان القادة أيضاً التمييز بدرجة أكبر في الفرق المعروفة بمستوياتها المتقدمة من القيمة الثقافية، ويُعرف هذا بفارق القوى أو الحد الذي يتقبل الأشخاص عنده اختلافات المركز الاجتماعي والتسلسل الهرمي في المجتمع. لهذا ستكون المعاملة التفضيلية مقبولة أكثر في الدول التي تتميز بمستوى عال من فارق القوى، مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا ودول الشرق الأوسط، مقارنة بالدول ذات المستوى المنخفض من فارق القوى، مثل أستراليا وإسبانيا والدول الإسكندنافية.
نستنتج في النهاية أن المستويات المعتدلة من تمييز القادة بين أعضاء الفريق في المعاملة لها أثر إيجابي على الفرق فيما يتعلق بزيادة إنتاجيتهم. وبالطبع -كما توضح دراستنا- عليك أن تحرص على ألا تبالغ في اتّباع هذا الأسلوب في المعاملة، وإلا سيختلّ فريقك ويتفكك، وعلى الأرجح لن يفي بأدنى توقعات الأداء.