عمل فريق بقيادة تسيدال نيلي الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال وبول ليوناردي الأستاذ في جامعة كاليفورنيا على متابعة 13 مديراً في 6 شركات لأكثر من 250 ساعة، وسجلوا الرسائل التي أرسلها المدراء وتلقوها في تواصلهم مع مرؤوسيهم، واكتشفوا أن 1 من كل 7 عمليات تواصل أجراها كل مدير حملت نسخة مكرّرة من تعليمات سابقة أرسلها بواسطة تكنولوجيا مختلفة، كما لاحظ الفريق أن المدراء الذين كرّروا التعليمات عمداً أحرزوا تقدماً ملموساً في مشاريعهم على نحو أسرع وأكثر سلاسة. الخلاصة: إذا أراد المدير تحفيز موظفيه على اتباع تعليماته فعليه أن يكررها لهم مرتين على الأقل.
أستاذة نيلي وأستاذ ليوناردي دافعا عن بحثكما العلمي
نيلي: ثبت لنا أن المدراء الفعالين كرّروا تعليماتهم مرة واحدة على الأقل، ورأينا في كثير من الأحيان مدراء كرّروها 3 أو 4 مرات، ولاحظنا بعض الأنماط الواضحة فيما يتعلق بمَن كرر التعليمات وطريقة إرسالها. على سبيل المثال، قسّمنا مدراءنا إلى نوعين: مَن يتمتعون بسلطة رسمية ومَن لا يتمتعون بها؛ وجدنا أن مَن لا يتمتعون بالسلطة كانوا يخططون لتكرار تعليماتهم، وأن الفاصل الزمني بين رسالتي التعليمات الأولى والثانية كان ضئيلاً جداً في أغلب الأحيان.
التكرار يعزز فرص النجاح
أرسل المدراء الذين لا يتمتعون بسلطة رسمية تعليمات مكرَّرة أكثر من نظرائهم الذين يتمتعون بسلطة رسمية، لكنهم نجحوا أيضاً في إنجاز المهام على نحو أسرع وتعرضوا لعراقيل أقل. ويبدو أن المدراء ذوي السلطة يفترضون أن الموظف سيلبّي طلباتهم، وإلا واجه نقمتهم.
- الوسائط المستخدمة في توصيل التعليمات
- كانت الاجتماعات المباشرة وجهاً لوجه والبريد الإلكتروني من أكثر أشكال التواصل شيوعاً التي يستخدمها المدراء.
- النسبة المئوية للرسائل المكرَّرة
- %21 أرسلها مدراء لا يتمتعون بسلطة رسمية
- %12 أرسلها مدراء يتمتعون بسلطة رسمية
هارفارد بزنس ريفيو: هل تعمّدوا تكرار الطلب نفسه مرتين منذ البداية؟
ليوناردي: نعم، هذا صحيح. لاحظنا أن أحد المدراء استغرق 20 دقيقة لإعداد رسالة إلكترونية فور انتهائه من شرح طلبه للموظف في محادثة سابقة؛ وهكذا فهو لا يدرك أنه يكرر رسالته فحسب، بل أخذ الوقت الكافي للتأكد من وحدة مضمون الرسالتين.
نيلي: مع ذلك، كان تكرار المدراء ذوي السلطة لتعليماتهم مبني على رد الفعل؛ أي أنهم يظنون أنهم يستطيعون إخبار موظفيهم بما يجب عليهم فعله مرة واحدة فقط، لكن عدم تلقيهم استجابة ملائمة كان يجبرهم على التكرار.
هل كان كلا النهجين فعالاً بالقدر نفسه؟
نيلي: نجح المدراء بلا سلطة ممن كانوا يكرّرون تعليماتهم عمداً في تغيير مسار الأحداث أسرع من غيرهم. صحيحٌ أن المدراء ذوي السلطة أنجزوا عدداً مماثلاً من المهام، لكنهم استغرقوا وقتاً أطول وأمضوا وقتاً أطول في السيطرة على الأضرار أو عانوا أزمات أكثر؛ لأنهم افترضوا أن موظفيهم سينفذون تعليماتهم تلقائياً دون أن يدركوا أنهم بحاجة إلى المتابعة.
ليوناردي: لا تتوافر لدينا بيانات تثبت تفوُّق إحدى المجموعتين على الأخرى في تسليم المشاريع في موعدها أو الالتزام بالميزانيات المقرَّرة، لكننا رأينا اختلافاً في كيفية استجابة الموظفين للمجموعتين فيما يتعلق بالإعجاب بالمدراء واحترامهم في مقابل الاستياء منهم؛ إذ كان الموظفون يُكنون احتراماً أكبر للمدراء الذين لا يتمتعون بالسلطة.
هل للتكنولوجيا دور في انتشار هذا السلوك؟ فمن السهولة بمكان أن يُمطِر المدير موظفيه بكم هائل من الرسائل الآن.
نيلي: دورها محدود. ثمة عامل آخر لا يقل أهمية، وهو تغيُّر طبيعة العمل، فقد انتقلنا إلى الفِرق القائمة على المشاريع؛ إذ نشكّلها وننجز العمل من خلالها ثم نفككها ونشكّل فرقاً جديدة، وهلمّ جرّاً، وهكذا صرنا نرى قادة فرق دون خبرة إدارية كبيرة، إلى جانب ضعف ثقة الموظفين في هؤلاء القادة؛ وبالتالي لا يصح أن تكتفي بإخبار الموظفين بما يجب عليهم فعله في ظل الديناميكيات الاجتماعية والمؤسسية الحالية، وإلا كانت النتيجة غير مضمونة.
ليوناردي: ترسَّخ في أذهاننا الاعتقاد أن الوضوح هو سر إتقان القدرة على التواصل، وتنصح أدبيات إدارة الأعمال باختيار أفضل وسيلة لضمان هذا الوضوح وتَعتبر أي شيء عدا ذلك نوعاً من الإسراف. إلا أن الأبحاث أثبتت خطأ هذا المعتقد؛ إذ تحتاج إلى استخدام وسائط متعددة، فالأمر لا يقتصر على الوضوح بل يرتبط بجعل حضورك محسوساً أيضاً؛ إذ يتوزع تركيز الموظفين على عدة اتجاهات ويعملون تحت إدارة عدة مدراء ويتلقون الكثير من الرسائل، فكيف تُبقي موضوعاتك على رأس اهتماماتهم؟ التكرار إحدى الوسائل لتحقيق هذه الغاية.
يشكو المدراء عبء المعلومات طوال الوقت، وها نحن الآن نكتشف أنهم يسهمون في ازدياده من خلال تكرار تعليماتهم!
نيلي: ثمة أدوات تكنولوجية مختلفة متاحة، من هاتف وبريد إلكتروني ورسائل فورية ومجلدات مشتركة ومؤتمرات عن بُعد مثل ويبيكس (WebEx) وزووم، وتؤدي كلها إلى زيادة وتيرة التواصل. لذا فالتكرار يساعد على وصول رسالتك من بين الرسائل الكثيرة ويمنحها ثقل أكبر. وأعتقد أيضاً أن المدراء بدؤوا وضع استراتيجيات لكيفية تكرار رسائلهم، ويبدو أيضاً أن اختيار المشاركين في بحثنا للوسائط يختلف باختلاف الأهداف المطلوب تحقيقها.
ما الأنماط التي لاحظتموها؟
ليوناردي: كان المدراء الذين يمتلكون صلاحيات واسعة يبدؤون تواصلهم بأساليب التواصل المؤجَّل؛ أي التي ترسل رسائل قد لا يستلمها المتلقي على الفور، مثل البريد الإلكتروني أو البريد الصوتي. وعندما لا ينجز الموظف المهمة الموكلة إليه يلجؤون إلى أساليب التواصل الفوري. أمّا المدراء الذين لا يملكون السلطة فكانوا يفعلون العكس؛ إذ كانوا يبدؤون بأساليب التواصل الفوري، غالباً من خلال المحادثات المباشرة وجهاً لوجه، ثم يتبعونها برسالة مؤجَّلة. فكِّر في الأمر: المدراء الذين يتمتعون بالسلطة يفترضون أن صلاحياتهم تحفز الآخرين، أمّا المدراء الذين لا يتمتعون بالسلطة فيحتاجون إلى نيل قبول الموظف ودعمه، لذلك يتمحور مضمون رسالتهم الأولى حول التحفيز، في حين تختص عملية المتابعة بتوثيق الموضوع وتذكير الموظف بأنه التزم بأداء مهمة معينة حتى لا يغيب ذلك عن ذهنه.
نيلي: لاحظنا اختلافاً نوعياً في محتوى الرسائل أيضاً؛ إذ وجدنا أن المدراء الذين لا يمتلكون صلاحيات واسعة لم يُكثروا من استخدام الرسائل التوجيهية، وربما كان هذا منطقياً، وكانوا يُكثرون في المقابل من استخدام الإقناع.
هل فوجئ المدراء عندما علموا أنهم كانوا يكرّرون رسائلهم؟
ليوناردي: بالعكس، كانوا ينظرون إلينا كما لو كانوا يقولون: "أتعتقدون حقاً أن هذا مثير للاهتمام؟ إنه أمر بديهي. بالطبع، أُتبع تعليماتي الأولية برسالة أخرى".
أخبراني بالموضوعات التي ستُطرَح على طاولة النقاش في أبحاث تكرار التواصل.
ليوناردي: ثمة مسألة مثيرة للاهتمام في هذا السياق، وهي الشعور بالإعياء. هل هناك حد للتكرار؟ هل سيقول الموظفون في النهاية: "كفى، توقف عن التواصل معي"؟
نيلي: (ضاحكة) ثمة شيء آخر سيكون رائعاً، وهو رؤية مدى انتشار هذا السلوك. هل سيتأثر الموظفون الذين يتلقون الرسائل المكرَّرة بهذا السلوك؟ هل سيحاكونه في العمل في حياتهم الشخصية؟ وما انعكاساته في المستقبل؟