إنها معضلة تواجه ملايين الموظفين! عندما تخطط لعطلة تنال فيها قسطاً من الراحة، وتجدد حياتك، لتنسى كل ضغوط العمل وتوتراته؛ فتجد نفسك مُثقلاً بأعمال إضافية ملقاة على كاهلك قبل الإجازة، ثم تواجهك مشكلة تعويض الوقت المفقود لدى عودتك، ولا تستطيع التقليل من التوتر خلال الإجازة حتى. إذ لا غرابة في أن دراسة هولندية خلصت إلى أن المستجمّين ليسوا أكثر سعادة من غيرهم بعد قضاء العطلة.
يمكن لهذه المشكلة أن تظهر بشكل حادّ في مختلف دول العالم، ففي الولايات المتحدة غالباً ما تضغط الثقافة السائدة على الناس لعدم أخذ الإجازات على الإطلاق؛ فأكثر من نصف الموظفين الأميركيين 52% لا يستخدمون بعض وقت إجازاتهم على الأقل. ويرجع السبب في ذلك إلى التوتر السابق واللاحق للإجازة. وفي استطلاع للرأي، قال 40% من الرجال و46% من النساء إن مجرد التفكير في "جبل العمل" الذي سيعودون إليه، كان سبباً رئيساً لعدم استخدامهم أيام العطلات.
أظهر استطلاع آخر أيضاً أن استقطاع وقت للراحة كان مصدراً للقلق، وذلك على الرغم من أن الإجازة المدفوعة كانت مزية قد اكتسبوها. وقال أحد المشاركين في الاستطلاع: "في الأسبوعين الماضيين، عملت 24 ساعة إضافية، على الأقل"، وذلك في خضم التحضير لإجازته. في حين أعرب شخص آخر، كان - على عكس سابقه - عائداً للتوّ من الإجازة، قائلاً: "لقد شعرت بالتوتر الشديد بشأن مقدار الوقت الذي استغرقته للتعويض واللحاق بالركْب".
اقرأ أيضاً: إرسال بريد إلكتروني أثناء إجازتك: طريقة سريعة لتقويض ثقافة الشركة
يعكس هذا الحديث المخاوف التي سمعتها، بصفتي مدرب تأمُّل للناس في عالم الشركات. وأنا أسمع منهم بانتظام عندما يشعرون بالتوتر على أوجِه، وهو ما يحدث في أغلب الأحيان قُبَيل العطلة وبُعَيدها. ومع مرور الوقت، ومن خلال تقديم المشورة للعملاء، والخروج باستراتيجيات لنفسي؛ استطعت تحديد خطوات حاسمة تساعد على تقليل التوتر، مع زيادة الإنتاجية.
قبل الإجازة
يحدث الكثير من العمل الأساسي قبل مغادرتك المكتب؛ من أجل عودة من الإجازة أقل إجهاداً.
1- أدخل الاسترخاء في روتينك
ليس عليك أن تتخلى عن فكرة التخلص من التوتر حتى مجيء العطلة. بشكل عام، أوصي بأخذ بضع دقائق للتأمل كل يوم. وحين تقترب الإجازة أكثر فأكثر، حاول تصوّر ما سيكون عليه الأمر. وإن لم يكن لديك الوقت لتغمر نفسك بتجربة تأمل كاملة، فعلى أقل تقدير، اتخذ وضعها (الجلوس بظهر مفرود وعمود فقري مستقيم) مع التنفس بعمق؛ باستخدام سعة أكبر للرئة، وتخيل الشعور الإيجابي الذي ترغب في اكتسابه، مثل الوضوح أو الهدوء في أثناء العطلة. وتساعد هذه التقنيات البسيطة على الوصول إلى حالة أكثر تأملاً في أي وقت، وستساعدك على التركيز والحفاظ على بعض الهدوء، وأنت مستمر في تنفيذ بقية الخطوات.
2- حدِّد أولوياتك
قبل بضعة أسابيع من الإجازة، ضع قائمة بالمهام التي لا مفرّ من تأديتها قبل ذهابك، واعرضها على مديرك وانظر تعليقاته، ثم استخدم هذه القائمة المتفق عليها بينكما؛ لتحديد أولوياتك والتخطيط لعملك في كل يوم. وستظهر مهام وفرص أخرى، ولكن ما لم تكن ضرورية؛ ركّز على قائمتك. وإذا لم تلتزم بأولوياتك تتراكم مهامك، ما يسبب بتُوترك.
لاحظ أنني قلت: "قبل الإجازة ببضعة أسابيع"؛ أي لا تنتظر حتى أسبوع إجازتك للقيام بذلك. وإذا كانت إجازتك أسبوعاً واحداً، فابدأ قبل موعدها بأسبوعين على الأقل. أمّا إذا كانت أسبوعين، فابدأ تحديد الأولويات قبل شهر من موعد المغادرة.
3- انشر الخبر
تأكد أن رئيسك وزملاءك وعملاءك يعلمون بفترة غيابك. وأخبرهم أنك تخطط للانفصال عن العمل تماماً في أثناء العطلة؛ فبهذا تقع عليهم مسؤولية تكليفك بأي مهام ضرورية يجب إنجازها قبل أن تمضي في إجازتك، ويمكنك أيضاً وضع تواريخ إجازتك القادمة في توقيع بريدك الإلكتروني؛ تذكيراً بأنك ستكون بعيداً.
يشعر بعض الناس بالقلق من أن الابتعاد، وعدم القدرة على التواصل مع الموظف في أثناء الإجازة، سيضر بعلاقات العمل، لكنني وجدت دائماً أن العكس صحيح، بل يشعر الناس بالإعجاب إزاء الملتزمين بوقت إجازتهم كما يلتزمون بعملهم.
4- سلّم العمل
في معظم الأعمال التجارية، يمكن لشخص ما أن يتولى مهام طارئة بدلاً منك في أثناء غيابك، أو على أقل تقدير، أن يشرح للعملاء أنك ستتابع معهم عند عودتك. ابحث بين زملائك عمّن يمكنه التعامل مع كل مهمة من مهام عملك على أفضل وجه، واسأله إن كان بإمكانه الحلول مكانك في أثناء غيابك والحاجة إليك. واعرض عليه أن تفعل الشيء نفسه له في وقت ما. أرسل إليه رسالة متابعة عبر البريد الإلكتروني واشكره على مساعدته، وأمِدَّه بأي معلومات قد يحتاج إليها. وأبلغ رئيسك في العمل بمن سيتولى ماذا، في أثناء إجازتك.
قد يبدو الأمر مبالغاً فيه، لكن معرفتك أن ثمّة شخصاً قادراً على التعامل مع هذا الأمر من أجلك، يمكن أن تساعد كثيراً على تخفيف توترك. وسيساعد ذلك على ضمان أن يشعر زملاؤك بمسؤولية حقيقية عن تغطية تلك المهام في أثناء غيابك؛ ويعني هذا عملاً أقل بالنسبة إليك لدى عودتك.
5- رتّب مكتبك
قد يبدو هذا غير بديهي؛ لماذا تضيف المزيد من المهام إلى قائمتك قبل الإجازة؟ السبب بسيط: الفوضى يمكنها زيادة التوتر، أمّا الحفاظ على بيئة أكثر نظاماً للعودة إليها، فسيساعد على تخفيف أعباء عودتك من العطلة.
6- صُغ رسالة غيابك عن العمل
فكّر في الطريقة التي يمكنك بها تصميمها؛ ليكون ثمّة عمل أقل يُطلب منك عند العودة. على سبيل المثال، يمكنك القول إنك لن ترد على رسائل البريد الإلكتروني التي تتلقاها في أثناء إجازتك، وأن تشجع مرسليها على إعادة إرسالها إليك بعد عودتك، إذا كانت لم تفقد قيمتها وما زالت مناسِبة. وقد ترغب أيضاً في أن تخبر عملاءك وغيرهم في الرسالة أنك ستعود إلى مكتبك وتكون مُتاحاً، بدءاً من الثلاثاء أو الأربعاء حتى وإن كانت العودة يوم الإثنين. واقضِ يومك الأول بعد العودة من الإجازة بلا مواعيد على أجندتك إن كان في استطاعتك؛ حتى لا تغرقك الاجتماعات.
أثناء الإجازة
أظهرت الدراسة التي أُجريت على الحاصلين على الإجازات من الهولنديين، أن هناك مجموعة فرعية من المستجمين يشعرون بتحسن بعد قضاء إجازاتهم، وهم هؤلاء الذين حظوا برحلات "مريحة جداً". إن رحلتك هي فرصتك لإعادة شحن طاقاتهم؛ فاحرص على تحقيق أقصى استفادة منها:
1- حدِّد الهدف
كثير من الناس محكومون في العمل بتحقيق الهدف؛ فحاول تطبيق تلك المهارة نفسها على عطلتك. قرر أنك سوف تركز على الشعور بمزيد من البهجة أو الطاقة أو الهدوء.
2- افصل تماماً
عندما تقرر الانعزال عن العمل تماماً، يزيد احتمال أن يحقق عقلك وجسدك نوع الاسترخاء الذي تستحقه. والحد من استخدامك التكنولوجيا بشكل عام يزيد من احتمال استمتاعك بإجازتك وانغماسك فيها. (كم مرة التقطت هاتفك أو الكمبيوتر المحمول للنظر فيه فقط، ثم لاحظت أن ساعة أو أكثر قد مرت فجأة، وأنت على تلك الحال؟).
3- انغمس
تمشَّ في كنف الطبيعة وأحضانها، وأطرِب أذنيك بأصواتها، وتنفس نسائمها وهواءها، واسبح في بحيراتها، واذهب إلى منتجع صحي. لقد شعر عملائي الذين شملتهم الدراسة والذين عاشوا هذه الأنواع من الأنشطة الغامرة، التي اشتركت فيها حواسهم، باسترخاء أكبر بنهاية عطلتهم.
اقرأ أيضاً: عزيزي المدير: لماذا لا تذهب في إجازة؟
لأني أُمّ لثلاثة أبناء؛ أعرف أن هذا قد يبدو أسهل مما هو عليه؛ ولهذا السبب، أوصيك بالتخطيط لبعض هذه الأنشطة مقدَّماً، والتيقّن من أن لديك على الأقل بعض اللحظات لنفسك تماماً.
بعد الإجازة
إذا كنت قد جهزت العمل الأساسي قبل العطلة، واستمتعت بإجازتك تماماً، فأنت حقاً قطعت شوطاً كبيراً لتحقيق عودة أقل توتراً، ولكن حتى إذا فشلت تماماً في تحديد الأولويات أو الاستعداد قبل إجازتك، وحتى إذا تحولت الرحلة نفسها إلى فوضى من الرحلات الجوية المتأخرة، وصراخ الأطفال، والقطارات الفائتة، فلا تزال ثمّة أشياء يمكنك القيام بها؛ لجعل عودتك أقل اضطراباً:
1- ضع خطة
لا يتعين عليك الوصول إلى العمل، وتشغيل الكمبيوتر، وتسلُّم المهام الملقاة إليك، والتعامل مع كل شيء على الفور. خذ أول ثلاثين دقيقة من عودتك لوضع قائمة بالأولويات. ويمكنك فعل ذلك حتى قبل التحقق من البريد الوارد؛ فغالباً ما يكون لدينا منظور أوسع بعد بضعة أيام أو أسابيع قضيناها بعيداً عن العمل. إن منح نفسك بعض الوقت للتأقلم مع ما ينتظرك، وتصميم إستراتيجية مناسبة ووضعها، يساعدك كثيراً على زيادة الإنتاجية وخفض التوتر.
2- أعد تحديد الأولويات
قد لا تتطابق مهامك الأكثر أهمية الآن مع تلك التي وضعتها قبل الإجازة؛ لذا، تابع مع الأشخاص المسؤولين في العمل في أول يوم من عودتك؛ لمناقشة ما فاتك وما تحتاج إلى التنبه إليه. واشكر كل شخص ناب عنك في غيابك، واطلب منهم ما يحتاجون إليه منك الآن. وإذا شعرت بأن عليك قراءة رسائل البريد الإلكتروني، التي وصلتك في أثناء الإجازة، فابدأ بتفقّد بريدك الوارد بحثاً عن أسماء رئيسة مثل رئيسك أو عميل كبير؛ لقراءة رسائلهم أولاً. وابحث في بريدك الوارد عن الكلمات الرئيسة التي ترسل رسالة جماعية (مثل "إلغاء الاشتراك")، ثم أشِر فقط بعلامة "مقروءة" أو احذفها.
3- تابع نفسك
عند استئناف العمل، اسأل نفسك إذا كنت لا تزال تشعر بتحقيق الهدف الذي حددته لقضاء عطلتك: هل أشعر بمزيد من السعادة أو النشاط أو الهدوء؟ خذ لحظات لتذكر بعض أفضل تجارب رحلتك، واستخدمها لتوجيه نفسك نحو هذا الهدف. وعندما تفعل ذلك، ستبدأ بملاحظة بعض التوتر الذي يُضبَط ويُتصدى له. وستذكّر نفسك أنّ طاقتك قد شُحنت، وأنك أهل للمهمة.
وحتماً، مارس التأمّل. يمكن لبضع دقائق فقط أن تجلب لك ما لا يحصى من الفوائد، بما في ذلك زيادة الإبداع. ويمكن حتى أن تغيّر دماغك.
أنت تستحق إجازة منشّطة، وقد حصلت عليها. لا تستحق توتراً إضافياً مقابلها. باتباع هذه الخطوات؛ ستتمكن من الحصول على فوائد الاستراحة الحقيقية، وجعلها تدوم، وستنجح في التقليل من التوتر خلال الإجازة.
اقرأ أيضاً: كيف تتجنب الإجهاد الذي يسبق الإجازة؟