كيف تُقسم العمل إلى مهام يمكن أتمتتها؟

3 دقائق

تصارع جميع المؤسسات تقريباً من أجل التعامل مع الأتمتة وتجربتها. إلا أن غالبية المؤسسات تغيب عنها المنافع المستخلصة من التغيّر العميق والمنهجي. ومن بين أكبر الإخفاقات في تقديرنا الشخصي هو أن المؤسسات لا تنفق الوقت الضروري في فهم العمل الذي تدرس أتمتته فهماً متعمقاً. وهي لا تبادر بتفكيك الوظائف بحيث يمكن الوقوف على المهام المحددة التي يجوز أتمتتها. ومن دون ذلك التفكيك، تخاطر الشركات بوقوع أضرار جانبية كبيرة وتقليص عوائدها الاستثمارية إلى أقصى حد ممكن بينما تحاول أتمتة وظائف برمتها.

وعليه، كيف نبادر بتفكيك الوظائف كي نحدد الطريقة المثلى لتعميم الأتمتة على مهام معينة؟ وما الدور الذي قد تؤديه الأتمتة المزعومة؟

هناك العديد من السبل لتفكيك الأنشطة المكونة للوظائف وتصنيفها، لكننا نعتقد أنه يمكن إيضاحها بثلاث خصائص جوهرية للعمل:

العمل التكراري في مقابل العمل المتغير

العمل التكراري عادة ما يكون متوقعاً وروتينياً ومحدداً بمعايير مسبقة، بينما يتسم العمل الأكثر تغيراً بأنه غير متوقع ومتغير ويقتضي معايير مرنة وقواعد لصنع القرارات.

على سبيل المثال، أغلب مهام العمل الخاصة بمحلل الائتمان تكرارية الطابع. فهو يجمع بيانات متشابهة لكل طلب من طلبات القروض ويؤلف بينها. ويبحث عن مؤشرات الخطر نفسها في كل تفصيلة من تفاصيل بيانات العميل المستخلصة من سجلات البنك وبيانات هيئة التصنيف الائتماني والسجلات الحكومية وبيانات مواقع التواصل الاجتماعي. وعموماً، فالعمل التكراري أكثر توافقاً مع فكرة الأتمتة بحلول راسخة مثل أتمتة العمليات الروبوتية. ويمكن أن تقوم أتمتة العمليات الروبوتية تلك بالتحليلات أسرع 15 مرة من المحلل البشري ومن دون أخطاء تقريباً.

وعلى الطرف الآخر من المتوالية، فإن عمل استشاري الموارد البشرية متغير جداً. فكل موقف لعميل مختلف، وكل مشكلة متفردة بحد ذاتها. ويعمل استشاريو الموارد البشرية باستخدام مجموعة أدوات تحليلية، ويغيرون أطر عملهم الإدارية ويعالجون تقنيات التصميم التي لا بد من تخصيصها لتشخيص مشكلات وحلول فريدة. وهذا العمل أقل انقياداً للأتمتة، إلا أن القفزات في الأتمتة الإدراكية ربما ساعدت على أتمتة بعض المهام التحليلية أو "التعلم" من تعاملات سابقة مع العملاء.

العمل المستقل في مقابل العمل التفاعلي

إن العمل المستقل إما يتطلب قليلاً من التعاون والتواصل مع الآخرين أو لا يتطلب ذلك على الإطلاق، بينما العمل الذي يُنجز بطريقة تفاعلية ينطوي على المزيد من التعاون والتواصل مع الآخرين، ويعول على مهارات التواصل والتعاطف.

والمحاسب الذي يُعد تقارير قانونية للجهات الرقابية باستخدام قوالب محددة مسبقاً وقواعد لصنع القرار يُنجز في الأساس عملاً مستقلاً. وبوسعه جمع البيانات من العديد من المصادر، والتوليف بين النتائج، واستخدام الأدوات التحليلية المعترف بها، ووضع تقارير بالنتائج التي توصل إليها دون الحاجة إلى التواصل مع الآخرين. وجزء كبير من هذا العمل متوافق مع الأتمتة باستخدام الأساليب الراسخة. على سبيل المثال، تستطيع أتمتة العمليات الروبوتية الاضطلاع بجمع المعلومات والتوليف بينها، بينما يستطيع الذكاء الاصطناعي إنجاز جزء كبير من التحليل وإعداد تقارير أساسية محددة.

ويُنجز مندوب مركز الاتصالات، من ناحية أخرى، عملاً تفاعلياً، حيث يضاهي ما بين عمله والمشاعر الفريدة لكل متصل واحتياجاته وأسلوب تواصله. والعمل التفاعلي عموماً أقل توافقاً مع الأتمتة، إلا أن القفزات الحاصلة في الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار يمكنها رصد مشاعر المتصل، وتحليل طلبه كي يقدم لموظف مركز الاتصالات معلومات وثيقة الصلة بحيث يقدم خدمات أفضل للمتصل بقدر أكبر من التعاطف والعناية.

العمل البدني في مقابل العمل الذهني

العمل البدني هو العمل اليدوي بطبيعته الذي يقتضي براعة يدوية وغالباً ما يتطلب قوة جسمانية، بينما يتطلب العمل الذهني القدرات الإدراكية للمرء.

يعمل مسؤول التجميع على خط تصنيع بدني. وقد يجمع مسؤول التجميع أجزاء مختلفة، ويلحمها معاً ويتحقق من العمل وينقل المنتج النهائي إلى جزء آخر من المصنع. وهذا العمل يتكيف بشكل لائق مع الروبوتات الاجتماعية أو التعاونية التي هي نتاج المزج ما بين الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار والمعدات المتنقلة. ويستطيع الروبوت المتعاون جمع الأجزاء ونقلها ولحمها معاً بدرجات من الدقة تفوق بمراحل الدقة البشرية. ومن ناحية أخرى، عادة ما يمكن إحلال أتمتة العمليات الروبوتية أو الأتمتة الإدراكية محل العمل الذهني للمحاسب، كما وصفناه في القسم المبين أعلاه، أو تعزيزه بواحدة منهما.

وتستطيع الشركات فهم العمل الذي تدرس أتمتته فهماً أفضل إذا وضعت نصب أعينها هذه الفئات الثلاث، كما تستطيع فهم كيفية تقسيم وظائف محددة إلى مهام فردية.

الخطوة التالية إذاً تتمثل في طرح الأسئلة التالية: هل هذه المهام يمكن أتمتتها من الناحية التقنية؟ هل هذه المهام مجموعة في وظيفة واحدة؟ وإذا صح ذلك، فهل يمكن فصل هذه الأنشطة بأدنى حد من التفتيت؟ وما المردود المتوقع من الأتمتة فيما يختص بالإنتاجية وسرعة اكتساب القدرات والتكلفة والمخاطر.. إلخ؟ وهذه مجموعة محدودة فقط من الأسئلة التي يتعين على الشركات طرحها، وجزء وحيد فقط من استراتيجية الأتمتة الكاملة. إلا أن الشركات تتجنب الوقوع في فخ معاملة جميع أشكال العمل بالطريقة نفسها، واعتبارها مؤهلة بالقدر نفسه للأتمتة. إن بعض ألوان العمل أصعب في الأتمتة من غيرها ولا تقل أهمية، وبعض الأعمال من المنطقي التعامل معها كوظيفة واحدة بينما البعض الآخر يمكن تقسيمه إلى مهام مختلفة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي