ملخص: من الممكن أن يعتبر تقبّل الواقع موافقة عليه أو معارضة للتغيير لكنه ليس هذا ولا ذاك، بل هو الإقرار بالحقائق وعدم هدر الوقت والجهد والطاقة في محاربة الواقع. قد يتمثل واقعك في نقص إيراداتك، أو تغلب أحد المنافسين عليك بمنتجه الجديد أو في أنّ آثار الجائحة لا تزال تضر بشركتك، مهما يكن ما تواجهه، فلن تتمكن من توظيف أفضل مهاراتك للتعامل معه إلا عندما توقف خلافك مع الواقع وتتقبل ما حصلت عليه وتصبح مستعداً لتغيير الأمور نحو الأفضل. يقدم المؤلف 3 أنواع من التقبّل يجب أن يركز القادة عليها؛ 1) تقبّل نتائجهم 2) تقبّل الظروف 3) تقبّل فشلهم وفشل الآخرين.
القدرة على تقبّل الواقع هي واحدة من أكثر المهارات فائدة وعرضة لسوء الفهم لدى القائد. هي مفهوم موجود منذ قرون في الفلسفة وظهر بعدها في علم النفس، ويمكن أن يؤدي تطبيقه الصحيح إلى تحفيز التغيير. قال كارل يونغ: "لا يمكننا تغيير شيء قبل أن نتقبّله. الاستنكار لا يحررنا، بل يرهقنا". لكني لا أرى القادة اليوم يستخدمون تقبّل الواقع بما يكفي على اعتباره أداة لتحقيق نتائج أفضل.
قد لا يبدو تقبّل الواقع مهارة ذات قيمة كبيرة، خصوصاً أننا نسمع كثيراً عن قادة يبدون قادرين على تحدي الواقع بقوة إرادتهم، وخير مثال على ذلك مؤسس شركة "آبل"، ستيف جوبز، الذي ذاع صيته بسبب دفعه الموظفين لفعل المستحيل، حتى أصبح الأمر يعدّ من أفعال العظماء. يقال إن جوبز شوه إحساس موظفيه بحجم العمل عن طريق دفعهم للإيمان بأن الهدف غير القابل للتحقيق ممكن، الأمر الذي أطلق عليه زملاؤه "تحريف الواقع". في حين أن قوة الإرادة هذه سمة جديرة بالإعجاب، فغالباً ما يبالغ فيها القادة الذين يفتقرون إلى القوة الموازنة الناجمة عن تقبّل الواقع. قال جاك ويلش، وهو ثاني أهم قائد شركة تتحدث عنه المؤلفات اليوم: "واجه الواقع كما هو، وليس كما كان أو كما تتمنى أن يكون".
وبالنتيجة، تمتد جذور معظم السلوكات القيادية السيئة التي لاحظتها إلى القدرة على تقبّل حدود ما يحدث أو الظروف الحالية والعمل ضمنها، ويمكننا غالباً ملاحظة السلوك القاسي غير الضروري لدى القادة الذين لا يحسنون التعامل مع الواقع حالياً، متمثلاً بنوبات الغضب وردود الفعل العدوانية وتجنب الناس وإبعادهم. منذ بضعة أعوام مضت راقبت الرئيس التنفيذي لشركة عامة يصرخ غضباً في وجه رئيس أحد أقسام شركته: "لن أقبل هذه التوقعات!"، وتفوه ببعض الألفاظ النابية. وفي الأيام التالية، بقي الرئيس التنفيذي ورئيس القسم في حالة صدّ وردّ يراجعان تقديرات الإيرادات في محاولة لتوجيهها نحو نتائج "مقبولة" أكثر إلى أن وضعا توقعات للربع التالي ووافق الرئيس التنفيذي عليها أخيراً. على الرغم من أن الأرقام بدت أفضل على الورق، فهي لم تكن مبنية على أي تقدم حقيقي مع العملاء أو الواقع ضمن الشركة.
ما الذي حدث عند نهاية الربع التالي؟ كان الرئيس التنفيذي غاضباً لأن أرقام الإيرادات لم تتطابق مع التوقعات المعدّلة والمقبولة أكثر بالنسبة له، ولأجل المفارقة كانت النتائج متطابقة تماماً مع التوقعات الأولية. وبالنتيجة، بدأ الرئيس التنفيذي فجأة بحملة تسريح للموظفين وخفض الاستثمارات الداخلية من أجل مساعدة الشركة على العمل بكفاءة أكبر مع العملاء. كانت الأرقام تبين القصة الحقيقية منذ البداية لكن الرئيس التنفيذي لم يتقبّل الواقع الذي لم يعجبه ولم يتخذ إجراءاته بناء عليه، تسبب ذلك بسيل من المشكلات بالنسبة للموظفين والعملاء أثرت سلباً على قيمة الشركة المستقبلية.
كان من الممكن أن يمرّ هذا الموقف بصورة مغايرة تماماً؛ كان بإمكان الرئيس التنفيذي ورئيس القسم التعاون على وضع خطط الطوارئ لاستعادة النمو المرغوب واسترداد النفقات، لكن عدم رغبة الرئيس التنفيذي بتقبّل حقيقة الموقف منع أي نقاش أو فرصة للتغيير.
يحدث هذا الانفصال بصورة ما في الشركات حول العالم كل يوم، وهذا مثال كلاسيكي عن قائد لم تعجبه الظروف أو النتائج أو لم يعجبه موظف ما ويصرّ على أن يكون الواقع مختلفاً، هذا القدر الكبير من الوقت والجهد والطاقة الذي يهدره القادة في جدالهم وشجارهم حول الواقع مذهل. يجب أن تتحلى بالشجاعة كي تتقبل الواقع، وعندئذ فقط ستتمكن مع فريقك من البدء بإحداث التغيير.
كيف يمكنك تقبّل الواقع؟
فيما يلي 3 أنواع من التقبّل يجب أن يركز القادة عليها:
تقبّل النتائج
ربما وقع الأسوأ أو ربما كانت النتائج سيئة ببساطة، وهذا يشمل استراتيجية فاشلة أو أداء مالياً ضعيفاً أو خسارة وظيفة أو أي عثرة أخرى. يمكن أن يعيا لسان القائد أو تثور ثائرته، لكنه لن يتقدم خطوة إلى الأمام أو يقود أي شخص إلى الأمام قبل أن يتقبّل ما حدث تماماً.
هذا لا يعني أن عليك أن تكون راضياً عن النتائج، بل ألا تتمنى باستمرار لو أنها كانت مختلفة وتصب طاقتك على ذلك أو تتصرف على نحو غير مهني أو تستمر في المجادلة حول النتائج. وقد يتطلب منك الأمر أن تتمعن في دورك في هذه النتائج وتتقبله. يجب أن يتذكر القادة أن عدم تقبّل نتيجة ما أو تعمد مقاومتها لن يغيرها، والأهم هو أن ذلك لن يضعك في موقف قوي لإحداث التغييرات اللازمة لمنع الفشل في المستقبل.
تقبّل الظروف
ربما تأخرت بعض المشاريع المهمة عن جداولها الزمنية، أو ربما تم تأجيل عودتك إلى العمل ضمن المقر المكتبي بسبب متحور كورونا، أو ربما تجاوزت الميزانية ويتعين عليك القيام ببعض التضحيات. نحن كقادة نواجه في كثير من الأحيان ظروفاً خارجة عن سيطرتنا. تؤكد سوزان ديفيد، مؤلفة كتاب المرونة العاطفية، أهمية البدء بالتخلي عن السيطرة على ما لا يمكنك السيطرة عليه وإفساح المجال لردود فعلك العاطفية من دون اتخاذ الإجراءات بناء على كل فكرة سلبية تراودك أو شعور سلبي ينتابك. كتبت: "نرى قادة يتعثرون ليس بسبب امتلاكهم أفكاراً ومشاعر غير مرغوب فيها، فهذا أمر لا مفر منه، ولكن لأنهميتعلقون فيها تعلق السمكة بخيط الصيد... في اقتصادنا المعرفي المعقد وسريع التغيير تكون قدرة المرء على إدارة أفكاره ومشاعره أساسية في نجاحه في الأعمال".
مجدداً، هذا لا يعني أن تسعد بالوضع أو توافق عليه، بل إنّ تقبّل الواقع يمنحك القوة للتقدم بأفضل طريقة فعالة ممكنة بدلاً من شن الحرب عبثاً على الظروف التي لا يمكنك السيطرة عليها. لن يتولّد أفضل سلوك منتج عن رد فعلنا العاطفي، لا سيما عندما يتمثل في مقاومة أمر لا يمكننا التحكم به.
تقبّل فشلك وفشل الآخرين
لن تجد موظفاً أو زميلاً كامل الأوصاف، لكن النبأ الجيد هو أننا جميعاً قادرون على إحداث التغييرات والتحسينات. على الرغم من أن جهود التقييم والتطوير قادرة على بناء مكامن القوة ومعالجة الأخطاء القاتلة، فإن بادرة التغيير الحاسمة لدى أي قائد تتمثل في تقبّل واقع أنه يحتاج إلى التغيير. كانت واحدة من كبار القادة التنفيذيين الذين عملت معهم تتلقى تقييمات سنوية على مدى أعوام تفيد بأنها ليست قادرة على العمل التعاوني بدرجة كافية. وعندما راجعنا هذه التقييمات معاً قالت: "حسناً، لقد فهمت، هذا ما يراه الموظفون مني، ولا أرغب في أن يكون الحال هكذا. ما الذي يمكنني البدء بفعله؟" عندما يتمكن القائد من تقبّل فشله تتاح له الحرية اللازمة للسعي إلى النمو واستكشاف طرق جديدة للقيادة تساعده على رفع كفاءته.
كما يجب عليه أيضاً أن يتقبّل الآخرين كما هم، ويتخذ قراراته بناء على حقيقتهم لا على ما نريدهم أن يكونوا عليه. إذا كان فريقك يضم شخصاً لا يلبي توقعاتك على الرغم من بذله الجهد اللازم في الخضوع للتدريب والتوجيه والتطوير، فيتعين عليك اتخاذ قرار؛ فإما أن تتقبل أنه يتمتع بقيمة بالنسبة للشركة كما هو، وإما أن تتركه يغادر. أرى أقوى مشاعر الإحباط والافتقار إلى الجهود المنتجة في الاستمرار باستثمار الوقت والمال والطاقة في الموظفين على أمل أن يتحولوا إلى أشخاص آخرين أو يطوروا مهارات جديدة على الرغم من أنهم يثبتون مرة بعد مرة ألا شيء من ذلك يتحقق.
إذا كنت مثلي وتركز بشدة على النتائج فقد تشعر أن سمة "التقبّل" سلبية جداً، لكنها بعيدة كل البعد عن ذلك؛ من الممكن أن يعتبر تقبّل الواقع موافقة عليه أو معارضة للتغيير لكنه ليس هذا ولا ذاك، بل هو الإقرار بالحقائق وعدم هدر الوقت والجهد والطاقة في محاربة الواقع. قد يتمثل واقعك في نقص إيراداتك، أو تغلب أحد المنافسين عليك بمنتجه الجديد أو في أنّ آثار الجائحة لا تزال تضر بشركتك، مهما يكن ما تواجهه، فلن تتمكن من توظيف أفضل مهاراتك للتعامل معه إلا عندما توقف خلافك مع الواقع وتتقبل ما حصلت عليه وتصبح مستعداً لتغيير الأمور نحو الأفضل.