دراسة: ما هي الحالات التي يجب ألا تفوّض فيها الآخرين لاتخاذ القرار مكانك؟

5 دقيقة
تفويض مسؤولية صناعة القرار
shutterstock.com/eamesBot

ملخص: يساعد تفويض المهام على توفير وقت المدراء وجهودهم، إلى جانب تمكين موظفيهم من تولي مسؤولية مهام هادفة، لكن ثمة أبحاثاً سابقة أثبتت أن تفويض مسؤولية صناعة القرار إلى الموظفين قد يولّد لديهم إحساساً بأنهم يتحملون عبئاً ثقيلاً. وتتناول الباحثتان في تقرير بحثي الأثر السلبي لتفويض مسؤولية صناعة القرار على العلاقة بين المدير والموظف، وتقدمان حلولاً مدعومة بالأبحاث لتفويض مسؤولية صناعة القرار على نحو أكثر إنصافاً للتخلّص من بعض العواقب السلبية للتفويض على العلاقات الشخصية.

التفويض الفعال أمرٌ بالغ الأهمية للنجاح الإداري؛ فالتفويض الذي يستند إلى أسس سليمة يساعد على تمكين الموظفين إدارياً، ويتيح للمدراء زيادة أرباحهم. يمثّل التفويض أيضاً وسيلة متاحة بين يدي المدير لإكساب موظفيه الخبرات ومنحهم زمام السيطرة، خاصة عندما يفوّضهم مسؤوليات صناعة القرار، ما يسمح للموظفين بإظهار القدرة على التعامل مع القرارات المهمة. بيد أن بعض أبحاثنا أثبت أن الموظفين قد يعتبرون تفويض مسؤولية صناعة القرار إليهم عبئاً يفضلون تجنّبه.

ونظراً لأهمية التفويض من المنظور الإداري، أردنا تعميق فهمنا للآثار السلبية الواقعة على أصحاب العمل عند إسناد مهام صناعة القرار إلى موظفيهم، ما دعانا إلى إجراء سلسلة من الدراسات في تقرير بحثي نشرته مجلة السلوك التنظيمي وعمليات القرار الإنساني (Organizational Behavior and Human Decision Processes). درسنا على وجه التحديد الآثار السلبية للتفويض على العلاقات الشخصية، وذلك بالإجابة عن السؤال الآتي: كيف يؤثر التفويض على العلاقة بين المدير والموظف؟ بالإضافة إلى دراسة التدابير العلاجية المحتملة لمواجهة الآثار السلبية المترتبة على تفويض المسؤوليات.

أجرينا دراسة شملت 2,478 مشاركاً في مزيج من التجارب والدراسات الاستقصائية المنضبطة، ولاحظنا أن تفويض مسؤوليات صناعة القرار ترتبت عليه تداعيات سلبية خطيرة أثّرت على العلاقات الشخصية التي تربط المدراء بموظفيهم، مقارنة بالاكتفاء بطلب المشورة من الموظفين دون التخلي عن مسؤولية صناعة القرار، لكننا توصّلنا أيضاً إلى طرق ملموسة بمقدور المدراء استخدامها لتغيير أساليب تفويض مسؤولية صناعة القرار وتوقيتها، بحيث يشعر الموظفون بالتمكين بدلاً من الشعور بالعبء.

الآثار السلبية لتفويض مسؤولية صناعة القرار على العلاقات الشخصية

لتعميق فهمنا لأثر التفويض على رغبة الموظفين في العمل مع المدراء في المستقبل، طلبنا من 181 موظفاً أن يستحضروا موقفاً طلب منهم رؤساؤهم فيه صناعة قرار أو تقديم مشورة، ثم سألنا المشاركين عن مدى استعدادهم لمساعدة مدرائهم أولئك على حسم قرار في المستقبل. كان الموظفون الذين تذكروا موقفاً فوضهم فيه مدير بمهمة صناعة القرار أقل استعداداً لمساعدة المدير نفسه في قرارات مستقبلية، سواء كانت نتائج قراراتهم السابقة إيجابية أو سلبية.

وفي دراسة أخرى شملت 195 مشاركاً، طلبنا من المشاركين الاختيار بين مرشحَين اثنين لمنصب إداري، لكنهم تفاعلوا أولاً مع المرشحَين من خلال الدردشة عبر الإنترنت؛ فطلب أحد المرشحَين المشورة من المشاركين في حين فوّض إليهم الآخر مهمة الاختيار، فما كان من المشاركين إلا أن أبدوا رغبة أقوى في تعيين المرشح الذي التمس النصيحة، لا المرشح الذي فوض إليهم مهمة الاختيار.

لاحظنا النمط نفسه في تجربة أخرى شملت 173 موظفاً عبر الإنترنت؛ إذ أخبرنا المشاركين بأنهم سيعملون في فريق وعرّفناهم بزميل في الفريق عبر دردشة على الإنترنت، وخلالها طلب الزميل من نصف المشاركين اتخاذ قرار، في المقابل طلب من النصف الآخر إسداءه النصيحة بشأن القرار نفسه، ثم كان لدى المشاركين خيار الاستمرار في العمل مع الزميل أو إنهاء العلاقة به والعمل مع غيره، فما كان من المشاركين الذين فوضهم الزميل باتخاذ القرار إلا أن أبدوا رغبة أقوى بكثير في إنهاء علاقتهم به، مقارنة بالذين تلقوا طلباً بتقديم النصيحة.

ونظراً للآثار الضارة الناجمة عن تفويض اتخاذ القرارات إلى الآخرين، تساءلنا: هل ثمة عوامل يمكنها الحد من هذه الآثار السلبية وتحسين نظرة الموظفين إلى المدراء؟

كيفية تفويض مسؤولية صناعة القرار

تبيَّن أن المشاركين الذين شملتهم دراساتنا رأوا أن مطالبتهم باتخاذ القرارات فيه ظلم لهم مقارنة بمطالبتهم بتقديم المشورة، وأن هذا الشعور بالظلم جعلهم ينظرون إلى المدراء نظرة سلبية. قد يبدو من الظلم أن يطلب أحدهم من زملائه تحمُّل مسؤولية اتخاذ القرار وأعبائه المحتملة، في حين يرى زملاؤه أن هذه المسؤولية تقع على عاتق صاحب الطلب نفسه.

فكيف يفوّض المدراء مسؤولية صناعة القرار دون أن يبدوا ظالمين؟ يقدم بحثنا 3 اعتبارات مهمة يجب مراعاتها:

تفويض صناعة القرارات ذات النتائج الإيجابية

أجرينا تجربة منضبطة، طلبنا فيها من 578 مشاركاً تخيّل أنهم مطالبون إما باتخاذ قرار وإما بتقديم مشورة. كان القرار لدى نصف المشاركين يتعلق بتسريح العاملين (نتيجة سلبية)، وكان يتعلق لدى النصف الآخر بالمكافآت (نتيجة إيجابية)، ثم أشار المشاركون إلى مدى شعورهم بالإنصاف من جانب مقدِّم الطلب.

عندما ارتبط القرار بتسريح العاملين، لاحظنا مجدداً أن تفويض مسؤولية صناعة القرار (مقارنة بالتماس المشورة) كان له أثر سلبي على العلاقات الشخصية، ما أدى بدوره إلى تراجع الاستعداد لتقديم المساعدة في صناعة القرارات المستقبلية، لكن عندما ارتبط القرار بالمكافآت، لم تترتب آثار سلبية على تفويض مسؤولية صناعة القرار؛ وأبدى المشاركون المفوَّضون باتخاذ القرار استعدادهم لتقديم الدعم في القرارات المستقبلية على غرار المشاركين المطالبين بتقديم المشورة، كما لاحظنا أن هذا الاختلاف مرتبط بمفهوم الناس للإنصاف؛ إذ بدا تفويض الفرد باتخاذ قرار إيجابي أكثر إنصافاً من تفويضه باتخاذ قرار سلبي.

تحميل الموظفين مسؤولية القرارات التي تدخل ضمن اختصاصاتهم

يستطيع المدراء أيضاً تجنّب الآثار السلبية لتفويض مسؤولية صناعة القرار على العلاقات الشخصية عندما يستدعي سياق الأحداث سبباً منطقياً يبرر تكليف الموظف بمسؤولية اتخاذ القرار.

وافترضنا أن مطالبته باتخاذ قرار يقع ضمن اختصاصه سيبدو مطلباً مشروعاً وعادلاً أكثر مما إذا كان القرار المحتمل يقع خارج اختصاصه. على سبيل المثال، طلبنا من المشاركين في إحدى الدراسات أن يتخيلوا أنهم يعملون في بنك، وأن مديرهم فوض إليهم مسؤولية اتخاذ القرار بشأن تحديد موقع فرع جديد يعتزم البنك إنشاءه. لاحظنا أن المشاركين اعتبروا هذا التفويض أكثر عدالة عندما كانوا يتحملون مسؤولية القرارات العقارية بحكم مناصبهم الوظيفية، مقارنة بما حدث حينما كانوا يتحملون مسؤولية مزايا الموظفين.

تقليص العواقب المحتملة على زملاء العمل

أخيراً، قد ينجح المدراء في تجنّب الآثار السلبية لتفويض مسؤولية صناعة القرار على العلاقات الشخصية عندما يؤثر القرار على الموظف المفوَّض وحده في المقام الأول. وقد اختبرنا هذه الفكرة في دراسة تخيَّل فيها 981 مشاركاً أن رؤساءهم سيطلبون منهم وضع جدول مواعيد العمل من المنزل لهم أو لمدير فريقهم.

عندما ارتبط القرار بجدول مواعيد عملهم، تلاشت الآثار السلبية لتفويض مسؤولية صناعة القرار على العلاقات الشخصية، مقارنة بالتماس المشورة. قد يكون المرء أكثر استعداداً لتحمّل المسؤولية عندما يتحمل وحده، لا زملاؤه، أي عواقب محتملة لقراره.

تشير أبحاثنا إلى أن التوجيهات العمومية التي تحث القادة على تفويض مهامهم لمرؤوسيهم قد تغفل بعض الفروق الدقيقة المهمة. وبما أن تفويض مسؤوليات صناعة القرار قد يسفر عن آثار سلبية خطيرة تضر العلاقات الشخصية، فمن الحكمة أن يقارن المدراء بين تداعياته وفوائده المحتملة ممثلة في توفير الوقت والجهد.

تقدم دراستنا نتائج ورؤى حول سياقات صناعة القرار التي تؤدي إلى تفاقم هذه الآثار السلبية أو انحسارها؛ فعندما تزداد احتمالات حدوث عواقب سلبية نتيجة القرار، وحينما يكون القرار خارج نطاق مسؤوليات الموظف ويؤثر على الآخرين في المقام الأول، فسوف يؤدي تفويضه بمسؤولية صناعة القرار إلى حدوث تداعيات سلبية تؤثر على العلاقات الشخصية في أغلب الأحوال، ويجدر بالمدير الذي يتطلع إلى الاستفادة من الخبرات المعرفية لموظفيه أن يطلب مشورتهم بدلاً من ذلك. وعندما يحدث العكس، فستقل الآثار السلبية لتفويض مسؤولية صناعة القرار على العلاقات الشخصية في أغلب الأحوال، بل قد يتيح للموظفين مجالاً أفضل لاختبار مهاراتهم في عملية صناعة القرار.

وأخيراً، تشير دراستنا إلى أن مَن يسعون إلى تفويض مسؤولية صناعة القرار قد يستفيدون من اتباع استراتيجيات تجعل طلباتهم تبدو أكثر عدالة. على سبيل المثال، بمقدور المدير مراعاة صياغة القرار بأسلوب يجعله يقع ضمن نطاق مسؤوليات زملائه أو بمقدوره توضيح المسؤوليات التي سيتحملها بصفة شخصية عن أي تداعيات نتيجة قراراتهم. ومن الجدير بالذكر أن دراستنا لا تأخذ في الحسبان بصورة مباشرة الميزة التحفيزية المحتملة لتفويض مسؤولية صناعة القرار. على سبيل المثال، قد يتفاعل الموظفون على نحو إيجابي أكثر إذا نظروا إلى عملية صناعة القرار باعتبارها وسيلة للترقي أو التقدم الوظيفي.

وعلى الرغم من أن التفويض قد يكون عنصراً بالغ الأهمية للنجاح الإداري، فالأهم من ذلك أن تعرف التوقيت المناسب وكذلك التوقيت غير المناسب للتفويض؛ والمدراء الذين يستطيعون التعامل مع هذه المسألة بفعالية يجنون فوائد التفويض دون تحمّل آثاره السلبية على العلاقات الشخصية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي