رواد الأعمال الأفضل يفكّرون على نطاق عالمي وليس رقمياً فقط

3 دقائق

أصبحت رؤية "توجّه الشركة منذ نشأتها نحو العالمية" (Born Global) تعني في الوقت الحالي "التوجّه نحو الرقمنة" (Born Digital)، فوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية التي تُوفر للشركات الناشئة المحلية نافذة عالمية، تُسهّل عليها أن تكون شركات "ذات توجّه عالمي منذ نشأتها". ونموذج "الشخصين في مرآب في وادي السيليكون" يتراجع لصالح نموذج التعاون العابر للحدود بين "شخصين في مرآب في "نوي فالي" (Noe Valley)، وثلاث كاتبات شيفرات برمجية من الإناث في حديقة مكتب في مدينة بونه الهندية، وخبير ميكانيكي أياً كان جنسه، إضافة إلى مجمّع للطابعة ثلاثية الأبعاد في نانجينغ الصينية".

بعبارة أخرى، لم يعد المبتكرون اليوم يعتمدون رؤية "التوجه عالمياً" لأن العالمية أصبحت من الأساسيات، ولم يعد الابتكار يقتصر على الاستعانة بمقدمي خدمات ذوي تكلفة منخفضة فسحب، بل أصبح يقوم على شبكة عالمية تربط بين الأقران والشركاء. كما أن الأفراد الذين يمتلكون أفكاراً قابلة للتمويل يبدون مرتاحين وواثقين من اكتساب المواهب ورؤوس الأموال الضرورية من أنحاء العالم كله، كما من أنحاء البلاد كلها. وأصبح من الممكن المفاضلة بين مجموعة موهوبة من المبرمجين الإستونيين وغيرهم من المبرمجين المستقلين من مدينة رالي دورهام في ولاية كارولينا الشمالية الأميركية.

ظاهرة العالمية هذه مدهشة لعالميتها بحدّ ذاتها: على سبيل المثال، تبدو بيئات الشركات الناشئة في برلين وبكين عابرة للأوطان تكنولوجياً بما يشبه تلك التي في بوسطن ومنطقة خليج سان فرانسيسكو. "أصبحت المنظومات الريادية مترابطة أكثر وأصبحت فرَق الشركات الناشئة عالمية أكثر"، بحسب استطلاع بحثي عالمي شامل أجري عام 2015.

على وجه التحديد، كانت بيانات البحث أولية ولكنها مثلت توجهاً رائجاً: على سبيل المثال، بلغ متوسط نسبة الموظفين الأجانب في الشركات الناشئة حوالي 29% في أفضل 20 منظومة ابتكار شملها الاستطلاع، وترتفع هذه النسبة في وادي السيليكون إلى 45%.

وعلى صعيد عالمي، فإنّ عدد مكاتب الشركات الناشئة في هذه المنظومات العشرين الأفضل - وهي مكاتب ثانوية خارج المنظومة الريادية الأساسية أو مقار رئيسية تأسيسية - ارتفع إلى أكثر من 8.4 أضعاف بين عامي 2012 و2014.

وعلى الرغم من أن المنظومات الريادية في وادي السيليكون وبرلين وجامعة "كامبريدج" (Cambridge) وبنغالور أصبحت حيوية أكثر من الناحية الريادية محلياً، إلا أنها أصبحت عالمية أكثر من الناحية التشغيلية. مبدئياً، أصبح المبتكرون، ومن خلفهم مستثمروهم، يشعرون الآن بالقلق من أنهم في حال لم يتوجهوا نحو العالمية هل سيخاطرون بالانطلاق متأخّرين؟

خذ على سبيل المثال "كاغل" (Kaggle) و"إنوسنتيف" (Innocentive) وغيرها من المسابقات العالمية المصمّمة لجذب المواهب العالمية من أجل المساهمة في حلّ المشاكل الاستفزازية، تجد أنّ الفائزين فيها عادة ما يكونون من جميع أنحاء العالم. كما أنّ شركات مثل "جوجل"، و"لينكد إن"، و"فيسبوك"، و"تويتر"، و"سكايب"، و"سلاك" (Slack)، تعمل على جعل تنظيم الذات ريادياً حول المشاريع أو النماذج الأولية أسرع وأبسط وأرخص. وعملية "إثبات المفهوم" التي يمكن أن تستغرق ستة أشهر و100 ألف دولار، يمكن أن تُرتجَل عالمياً، ومن ثمّ تُحسّن وتُختبر ميدانياً خلال أسبوعين، مقابل بضعة آلاف من الدولارات.

أصبحت الفوائد في الوقت الفعلي لخيارات "التوجه عالمياً منذ نشأة الشركة" تتخطى تكاليفها باطّراد. هل يخيف الأمر محامي الملكية الفكرية؟ بالطبع، ولكن السرعة والرشاقة تهم الكثيرين من المبتكرين أكثر من تطوير البرمجيات المسجّلة الملكية وتسجيل براءات الاختراع.

اتصلت بي قبل عامين شركة ناشئة هندية لعلم البيانات من أجل توظيفها في بحثي الأكاديمي، فأُعجبت بها ولكنني لم أكن أحتاج إلى ما تقدّمه، ولكن، وبعدما أصرّت عليّ وعادت بقدرات حسابية جديدة لم أستطع المقاومة، قلت لهم "إن كان باستطاعتكم فعل هذا حقاً سأختاركم لتطوير منتَج جديد كنت أفكّر فيه أكثر من العمل على بحثي".

على الفور، "فهم" الفكرة أحد مؤسسي الشركة، وسرعان ما بات أحد أفضل مهندسي برمجيات الشركات الناشئة بين يدي لمدة أسبوع، وشرعنا بتصميم النماذج الأولية. كنّا نأخذ العمل إلى المنزل كل ليلة، كما تم اختبار خدمات النموذج الأولي في جامعات هندية وأميركية.

لم ينجح المشروع في النهاية (لكنّه يبقى مفهوماً رائعاً)، غير أن التجربة تركت أثراً كبيراً على مؤسستي، في حين أصبحت الآن مستشاراً للشركة الهندية.

تكمن الفكرة والرسالة الأساسيتين في أن عمليات ارتجال الابتكار الدولية غير الرسمية هذه هي توقّعات أكثر منها استثناء. لا أفكر في إجراء تجربة أو كتابة ورقة بحثية دون إجراء عملية بحث على مستوى عالمي أولاً. واليوم، لن أفكر في وضع نموذج أولي لمفهوم شركة ناشئة قبل استكشاف من يُحتمل التعاون معه في جميع أنحاء العالم.

في الواقع، أصبح تقييم "معدل أو حاصل العالمية" (Globality Quotient) لأيّ مبتكر اختباراً أساسياً في السوق. سواء كان المنتَج جهازاً طبياً، أو مادة جديدة، أو تطبيقاً جديداً، بت أعمد حالياً إلى حثّ قادة فرق الابتكار على وصف مدى عالمية مواهبهم ومصادرهم واختباراتهم. المبتكرون الأكثر إبداعاً هم، مِن دون استثناء، مَن يعكسون روح "التوجّه عالمياً منذ نشأة شركتهم" ويحترمونها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي