تقدم حالة نفاد المخزون؛ أي حين يرغب العميل في شراء منتج غير متوافر، نموذجاً مثالياً لإخفاق العرض في تلبية الطلب. وفقاً لأحد التقديرات، تكلف حالات نفاد المخزون متاجر التجزئة حول العالم نحو تريليون دولار سنوياً، ولا يقتصر تأثيرها على خسارة الشركات لفرص المبيعات فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تجارب سلبية للعملاء. ويمكن لهذا أن يثني العملاء عن زيارة متجر التجزئة من جديد في المستقبل، ويلحق الضرر بسمعة العلامة التجارية ويقوض ولاء العملاء، وقد يؤدي حتى إلى زيادة التكاليف التشغيلية.
تنتج حالات نفاد المخزون عن مجموعة متنوعة من المشاكل، بما فيها نقص مساحة التخزين وارتكاب الأخطاء في التنبؤ بالطلب وضعف أنظمة مراقبة المخزون وغير ذلك من العوامل المتغيرة.
قد يبدو من المنطقي أن نأمل بأن تحل التكنولوجيا هذه المشكلة، لكن هذا لم يحدث حتى الآن. فعلى الرغم من أن التقدم التكنولوجي ساهم في النمو السريع لتجارة التجزئة عبر الإنترنت، لم تتناقص حدة مشكلة نفاد المخزون سواء عبر الإنترنت أو عبر قنوات البيع داخل المتاجر.
توفر المنصات العاملة عبر الإنترنت مرونة التسوق من المنزل أو من خلال الأجهزة المحمولة، وهو مستوى من الراحة تعجز المتاجر التقليدية عن مضاهاته بسهولة، وفي المقابل تتمتع المتاجر التقليدية بأفضلية ملموسة إذ تتيح للعملاء إمكانية معاينة المنتجات لمعرفة السلع المتوفرة قبل الشراء، تسمح هذه الميزة للمتسوقين في المتاجر التقليدية بأن يغيروا رأيهم ويفكروا في شراء منتج بديل إذا كان منتجهم المفضل غير متوفر؛ في حين لا يكتشف المتسوقون عبر الإنترنت في أغلب الأحيان مشاكل المخزون إلا في وقت تنفيذ عملية الشراء بعد تقديم الطلب.
هذه المشكلة هي أحد أكبر التحديات التي تتعرض لها منصات توصيل البقالة؛ فكثير من عملائها يعرفون سلسلة الرسائل النصية العاجلة التي يتلقونها من المتجر للسؤال عن إمكانية تبديل منتج بآخر لأنه نفد من المخزون.
بسبب هذه المشكلة، يظهر أحد استطلاعات الرأي الحديثة شمل مجموعة من المستهلكين في الولايات المتحدة أن عدم توفر المنتجات هو من أكثر الأسباب شيوعاً للامتناع عن الشراء عبر الإنترنت، ويأتي في المرتبة الثالثة بعد ارتفاع رسوم التوصيل ثم المخاوف المتعلقة بضمان الجودة.
أجرينا دراسة حديثة درسنا فيها نهجاً جديداً يتيح لمنصات التجارة الإلكترونية ومتاجر التجزئة عبر الإنترنت للحد من هذه المشكلة، ولاحظنا تحديداً أنه يمكن لمتجر التجزئة أن يقلل حالات نفاد المخزون ويعزز إيراداته من خلال استخدام واجهة افتراضية ذكية تقدم للعملاء معلومات توضح لهم أن احتمالات نفاد المخزون تعتمد على فترة التسليم التي يختارونها؛ ووجدنا أنه عندما تلقى العملاء هذه المعلومات شهدت متاجر التجزئة زيادة نسبية في متوسط الإنفاق اليومي للعملاء بلغت 4.6%.
اختبارات أ/ب التجريبية تكشف حلاً
يعتمد تحليلنا على تجربة ميدانية أجرتها شركة إنستاكارت (Instacart) (حيث يعمل أحدنا) في أبريل/نيسان من عام 2022 شملت مئات الآلاف من العملاء، وكان الهدف الرئيسي منها دراسة تأثر سلوك العملاء في المتجر الإلكتروني باطلاعهم على معلومات حول فترات التوصيل التي يكون فيها مستوى المخزون مرتفعاً. الأهم من ذلك، هو أن البيانات التي حصلنا عليها من هذه التجربة الميدانية سمحت لنا بتقدير التأثيرات السببية لاستراتيجية مشاركة المعلومات في سلوكيات الشراء لدى العملاء وتوثيق التوجهات المثيرة للاهتمام في هذه السلوكيات.
في هذه التجربة، تلقى بعض العملاء معلومات إضافية حول فترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون أكثر من غيرها، وفي المجموعة التي خضعت للسياسة المقترحة، عندما أنهى العملاء عملية الشراء تلقوا إشعارات بتوافر مستويات أعلى من المخزون في فترات التوصيل الواقعة بين الساعة العاشرة صباحاً والثالثة عصراً. يتوافر المخزون بمستويات أعلى في فترات التوصيل هذه لأن معظم المتاجر تملأ رفوفها بالبضائع في الصباح الباكر أو خلال الليل لتتجنب إزعاج المتسوقين، وبما أننا اعتمدنا في هذه الدراسة على اختبار أ/ب (A/B Test) القائم على تجربة نسختين من الحل، يمكن أن نفترض أن الاختلافات بين مجموعة العلاج ومجموعة الضبط تعود فقط إلى سياسة الكشف عن معلومات توافر السلعة في فترات التوصيل الممكنة.
عندما تفحصنا البيانات أول مرة، وجدنا أن الرسائل المتعلقة بمستويات المخزون المرتفعة أدت إلى زيادة بنسبة 9.8% في احتمال اختيار العملاء فترات التوصيل التي يكون فيها مخزون المنتجات المطلوبة مرتفعاً. كما وجدنا أيضاً أن أثر تطبيق النهج الجديد كان أوضح لدى المستخدمين الذين واجهوا عدداً أكبر من حالات نفاد المخزون قبل التجربة. وترتبط ظاهرة تزايد قلق العملاء الذين عانوا من حالات نفاد المخزون من قبل بمفهوم "تأثير التوافر الإرشادي" (Availability Heuristic Effect) الذي خضع إلى دراسات مكثفة في علم النفس الاجتماعي ويصف ميل الناس إلى التفكير في العوامل التي تتبادر إلى الذهن بسرعة.
تظهر ورقتنا البحثية أيضاً أن أثر سياسة الكشف عن معلومات توافر المخزون يزداد في الطلبات الكبيرة، ويرتبط هذا بمفهوم المصلحة الذاتية في نظرية الاتصال (Communication Theory)، حيث يزيد تركيز الأفراد على قرار معين واهتمامهم به عندما يدركون أن نتيجته تعود عليهم بفوائد كبيرة. في دراستنا، تبيّن لنا أنه من المرجح أن يهتم العملاء بمعلومات فترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة عندما يكون يكون لديهم طلبات كبيرة لأن خسارتهم ستكون أكبر في حال عدم تلبية الطلب بالكامل، ثم وثّقنا اهتماماً أكبر بهذه المعلومات لدى المستخدمين الذين أظهروا على مدى فترات سابقة قدراً أكبر من المرونة في تحديد مواعيد توصيل طلباتهم؛ التفسير المنطقي لهذا الأمر هو أن المستخدمين الذين يظهرون قدراً أقل من المرونة غالباً ما تكون خياراتهم محدودة فيما يخص فترات التوصيل، ما يصعب عليهم التصرف بناء على معلومات فترات التوصيل التي تكون فيها مستويات المخزون مرتفعة.
أظهرت التجربة ازدياد ميل العملاء نحو اختيار فترات توصيل تتوافر فيها مستويات مخزون مرتفعة، إلى جانب انخفاض بمقدار 2.7% في نسبة السلع المستبدَلة، وانخفاض بمقدار 2.2% في نسبة السلع المرتجَعة، وهي نتائج متوقعة لأن عمليات الاستبدال والإرجاع تمثل نتائج طبيعية لنفاد المخزون. هذا يعني أن سياسة الإفصاح عن فترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة قد تحمي العملاء من التجارب السيئة وتحسن موثوقية الخدمة، وهي في الوقت نفسه تخفض التكاليف التي تتكبدها إنستاكارت نتيجة عمليات الإرجاع والاستبدال.
تكلفة النهج
كشف بحثنا أيضاً عن العيوب المرتبطة بتزويد المستهلكين بهذه المعلومات الإضافية.
فمعالجة المعلومات تستغرق وقتاً. وفي تجربتنا، اكتشفنا أن المستخدمين الذين حصلوا على هذه المعلومات أمضوا وقتاً أطول بنسبة 15% في عملية الدفع، ما يجعل التسوق من متاجر البقالة عبر الإنترنت يستغرق وقتاً أطول.
أيضاً، يمكن لتزويد العملاء بمعلومات عن فترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة أن يخلق لديهم شعوراً بالإحباط إذا صادف أنهم لا يستطيعون استلام مشترياتهم خلال الفترات المعلن عنها. وإذا جرى إعلام العملاء بوجود فترات توصيل يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة، ولم يستطيعوا اختيار تلك الأوقات بسبب قيود جداولهم الزمنية، فقد يجعلهم هذا يتوقعون نفاد المخزون في كل مرة يقدمون فيها طلباً للشراء. عندما تؤكد سياسات مثل مشاركة المعلومات حول مستويات المخزون نتيجة سلبية، مثل نفاد المخزون المحتمل، فقد يبدأ الناس ملاحظة الأدلة التي تشير إلى هذه النتيجة في كثير من الأحيان بغض النظر عن حدوثها فعلياً، ما يؤدي إلى تشويه تصوراتهم والتأثير على سلوكياتهم بما يتماشى مع هذه التوقعات.
لدراسة هذه المفاضلة الحاسمة، حللنا التأثير النهائي (الصافي) لسياسة مشاركة المعلومات هذه في إيرادات المنصة. ووجدنا في هذه الناحية زيادة نسبية بمقدار 4.6% في متوسط الإنفاق اليومي لدى العملاء الذين تلقوا المعلومات المتعلقة بمستويات المخزون المرتفعة على مدار شهر واحد. من الجدير بالذكر أن النسبة العظمى من هذه الزيادة تعود إلى زيادة نسبية بمقدار 3.8% في قيمة كل طلب، بدلاً من أن تكون الزيادة في وتيرة الطلبات. بعبارة أخرى، أدى توفير المعلومات التوجيهية حول فترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة إلى زيادة أحجام الطلبات، أي أن طلبات مجموعة العلاج في التجربة كانت تحتوي على سلع فريدة أكثر بمقدار 4.17% وزادت كمية كل سلعة من السلع بنسبة 0.73%، على حين ظل متوسط السعر لكل سلعة ثابتاً نسبياً. نعتقد أن هذه الآلية مدفوعة بسلوك تجنب المخاطر (risk aversion behaviour) لدى العملاء، أي أنهم يحاولون اتخاذ تدابير احتياطية ضد مخاطر نفاد المخزون في المستقبل، من خلال إضافة المزيد من البدائل إلى عربة التسوق. من الجدير بالذكر أننا اكتشفنا أيضاً أن سياسة مشاركة المعلومات هذه تشجع العملاء على تجربة أشياء جديدة على المنصة، مثل شراء سلع لم يسبق أن اشتروها من قبل، أو التسوق من متاجر جديدة. من المحتمل أن يكون هذا السلوك ناجماً عن بحث المستهلكين عن الموثوقية، وقد يزيد إيرادات المنصة على المدى الطويل.
تتمتع نتائج بحثنا بإمكانية تطبيقها على نطاق أوسع في مجموعة كبيرة من متاجر التجزئة عبر الإنترنت التي تتقلب مستويات المخزون لديها على نحو يمكن التنبؤ به. على سبيل المثال، يمكن لمتجر تجزئة مختص بالأزياء أن يعلم العملاء بشأن فترات الذروة في توافر سلع معينة في المخزون، مثل الملابس الصيفية، ما يضمن تسوقهم خلال الفترات التي تتوافر فيها أكبر مجموعة متنوعة من المقاسات والألوان. تشتمل دراستنا أيضاً على آثار كبيرة تخص متاجر التجزئة التي تتبنى قنوات بيع متعددة، لا سيما عندما تكون المعلومات المتعلقة بفترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة متاحة فقط للعملاء عبر الإنترنت. فإذا حظي المتسوقون عبر الإنترنت بالتشجيع اللازم على اختيار فترات التوصيل التي يتوافر فيها المخزون بمستويات مرتفعة، فقد يؤثر ذلك عن غير قصد في توافر المخزون للعملاء داخل المتاجر الفعلية، لا سيما الذين يتسوقون في فترات المساء.
المعلومات هي مصدر للقوة؛ وتظهر دراستنا أن تزويد المتسوقين بقدر ضئيل من المعلومات الإضافية يمكن أن يساعدهم على تجنب التجارب المزعجة، ويدفعهم إلى شراء المزيد. وهذه صفقة رابحة لكلا الطرفين، أي للمشترين والبائعين على حد سواء.