ملخص: يتمتع المستهلكون اليوم بإمكانية الوصول إلى معلومات تفصيلية متعلقة بالتغييرات في سعر المنتجات، سواء على منصات تجّار التجزئة أو من خلال خدمات تتبّع الأسعار التابعة لأطراف ثالثة. لكن كيف تؤثر هذه المعرفة في قراراتهم الشرائية؟ وجد المؤلفان من خلال سلسلة من الدراسات أنه من المرجح أن يواصل المشترون عملية الشراء إذا لاحظوا وجود انخفاض كبير في سعر منتج ما أو سلسلة من الزيادات البسيطة عليه لافتراضهم أن السعر سيرتفع إذا انتظروا. وعلى العكس من ذلك، من المرجح أن يمتنعوا عن الشراء إذا لاحظوا وجود زيادة كبيرة في سعر منتج ما أو سلسلة من الانخفاضات الطفيفة لافتراضهم أن السعر سينخفض. وتوصلوا إلى ضرورة أن يضع البائعون هذا التأثير في اعتبارهم عند تسعير منتجاتهم، وأن يعي المشترون أن توقّع تغيّرات الأسعار (الارتفاع في الأسعار واحتمالية انخفاضها) هو ميل طبيعي وأن يتخذوا قراراتهم بناءً على ذلك.
تزايد عدد منصات التسوق عبر الإنترنت التي تقدّم اليوم للمستهلكين معلومات مفصلة حول الأسعار السابقة للمنتجات، سواء كنت تشتري تذكرة طائرة أو زوجاً من الجوارب. لكن كيف تؤثر هذه المعلومات على قرارات الشراء؟
سلسلة من التجارب
أجرينا سلسلة من التجارب مع ما مجموعه أكثر من 5,000 مشارك ضمت طلاباً من كليات إدارة الأعمال وموظفين من الولايات المتحدة وأوروبا لتقصّي الإجابة عن هذا السؤال. وقيّمنا تأثير أنواع مختلفة من التغيّرات في الأسعار على اهتمامهم بشراء بعض المنتجات، كتذاكر الطائرة، أو جهاز تلفزيون جديد، أو مكبرات صوت تعمل بالبلوتوث، أو زجاجة مياه صالحة للاستخدام المتكرر. وأظهرنا للمشاركين في كل دراسة معلومات متطابقة عن المنتج، لكننا غيّرنا بيانات الأسعار السابقة من حيث الاتجاه (أي ما إذا كان السعر قد ارتفع أم انخفض) والتواتر (أي عدد الارتفاعات أو الانخفاضات). ثم سألناهم عما إذا كانوا يرغبون في شراء المنتج، ولاحظنا عدة توجهات مشتركة:
أولاً، زاد احتمال أن يشتري المستهلكون المنتج عندما لاحظوا وجود انخفاض في سعره، وافتراضهم أن السعر الحالي يمثّل صفقة جيدة. وبالمثل، قلّ احتمال أن يشتروه عندما لاحظوا وجودة زيادة في سعره، وافتراضهم أن السعر الحالي يمثّل صفقة سيئة. على سبيل المثال، زاد احتمال أن يشتري المستهلك منتجاً بسعر 100 دولار بعد أن كان سعره 200 دولار الأسبوع الماضي لافتراضه أن السعر الحالي أفضل من السعر السابق. وعلى العكس من ذلك، زاد احتمال إعراضه عن الشراء إذا لاحظ أن المنتج نفسه كان بسعر 50 دولاراً الأسبوع الماضي لافتراضه أن السعر السابق أفضل من السعر الحالي.
ومع ذلك، أصبح الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة لهم عندما عرضنا تواتر تغيّرات الأسعار السابقة: افترض المستهلكون في الدراسة أن السعر سيواصل ارتفاعه أو انخفاضه إذا لاحظوا وجود ثلاثة تغييرات على الأقل في الاتجاه نفسه، بينما توقعوا أن يتغير السعر في الاتجاه المعاكس عندما لاحظوا وجود تغيّر واحد أو اثنين فقط في الاتجاه نفسه. بعبارة أخرى، إذا كان المنتج الذي يبلغ سعره حالياً 100 دولار معروضاً بقيمة 200 دولار قبل أسبوعين، و150 دولاراً الأسبوع الماضي، و125 دولاراً أمس، فسيتوقع المستهلكون استمرار انخفاض السعر، ما يجعلهم يؤخرون فكرة الشراء. لكن إذا كان السعر الحالي للمنتج 100 دولار وكان معروضاً بقيمة 200 دولار قبل أسبوعين، أو إذا كان بقيمة 200 دولار قبل أسبوعين، وبقيمة 50 دولاراً في الأسبوع الماضي، و200 دولار أمس، فمن المرجح أن يتوقع المستهلكون وجودة زيادة أخرى على السعر، ما يدفعهم للشراء على الفور.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للبائعين؟ إذا كان هدفك تشجيع المستهلكين على الشراء على الفور، فالحل الفعال هو إجراء تخفيض واحد كبير في السعر أو سلسلة من الزيادات الطفيفة عليه. قد يكون من المغري خفض السعر رويداً رويداً، لكن تُظهر بياناتنا أن هذا النهج سيدفع المستهلكين إلى توقع مواصلة السعر في الانخفاض، ما يجعلهم يترددون في الشراء، لكنهم إذا لاحظوا وجود انخفاض واحد في السعر، فسيتوقعون انعكاساً (أي زيادة كبيرة واحدة) في المستقبل القريب، ما يدفعهم إلى شراء المنتج على الفور. وبالمثل، عندما ترفع السعر مرة واحدة فقط، فقد يتوقع المستهلكون أن ينخفض مرة أخرى، لكن رفع السعر بشكل متكرر وبزيادات بسيطة (دون أن يصبح باهظاً جداً)، سيدفع المستهلكين إلى توقع مواصلة السعر في الارتفاع، وتزداد احتمالية شرائهم قبل حدوث هذا الارتفاع.
قرارات شرائية أكثر استنارة
وعلى الجانب الآخر، قد تساعد النتائج التي توصلنا إليها المشترين على اتخاذ قرارات أكثر استنارة حول ما إذا كانوا يرغبون في الشراء بالفعل ووقت الشراء. فالوعي بوجود ميل طبيعي لتوقع استمرار الأسعار بالارتفاع أو الانخفاض قد يدفع المستهلكين إلى التساؤل عن صحة توقعاتهم قبل التصرف بناءً عليها، كما هو الحال مع التحيّزات اللاعقلانية الأخرى. ويمكن للمستهلكين التقصّي عن العوامل الأساسية التي تحفّز هذه التغييرات في الأسعار، بدلاً من جعل توقّع تعسفي واحد يوجّه قرارات شرائهم. على سبيل المثال، يختلف تأثير حدث عابر يمكن التنبؤ به، مثل الجمعة السوداء، على الأسعار عن تأثير حدث جيوسياسي عليها، مثل الحرب الروسية الأوكرانية الشتاء الماضي، أو توجهات الاقتصاد الكلي، مثل ارتفاع التضخم. ويمكن للمشترين الاستفادة من معرفة تاريخ سعر منتج ما على المدى الطويل وتقلباته ونطاقه السعري على مستوى القطاع لتجنب التأثر بتغيّرات الأسعار على المدى القريب. ومن المفيد دائماً التفكير في مدى حاجتك إلى منتج معين واستعدادك لتحمّل مخاطر الزيادة المحتملة في الأسعار، إذ قد يؤثر ذلك على قرارك في التريث والترقب لمعرفة ما إذا كان السعر سينخفض أم لا.
وهناك بالطبع عدد لا يحصى من العوامل التي تؤثر على قرارات المستهلكين في الشراء ووقت الشراء وعلى قرارات البائعين حول كيفية تسعير منتجاتهم، لكن من المهم لكلا الجانبين إدراك دور التوقعات في التأثير على هذه القرارات. ونظراً لتزايد توفّر بيانات الأسعار السابقة عبر منصات تجّار التجزئة وخدمات تتبّع الأسعار التابعة لأطراف ثالثة، يمكن للمدراء والمستهلكين زيادة وعيهم بتأثير كل من التغيّرات في الأسعار وتواترها على افتراضاتهم فيما يتعلق بالتغيّر المحتمل للأسعار من الآن فصاعداً، وفي مدى حاجتهم إلى الشراء في الأساس.