كيف تبتكر قصصاً ناجحة لتغيير ثقافة شركتك؟

11 دقيقة
تغيير ثقافة شركتك

بات من المعروف أن الشركات التي تتوافق استراتيجيتها مع ثقافتها تتفوق في أدائها على غيرها، وإذا كانت شركتك تفتقر إلى هذا التوافق فمن المرجح أن عليك تغيير ثقافتها.

إن الحديث عن تغيير الثقافة سهل، لكن التنفيذ صعب؛ فالقيم والمعتقدات والقواعد التي تشكل ثقافة المؤسسة ليست ملموسة وهي متغلغلة فيها، ومن ثم لا يمكنك السيطرة عليها وتغييرها. يقاوم الأفراد التغيير المؤسسي عموماً والتغيير الثقافي على وجه الخصوص لأنه يهدد السلوكيات والعلاقات الراسخة في المؤسسة.

ولكي نعرف سر التغيير الثقافي في المؤسسة، أجرينا مقابلات حول هذا الموضوع مع أكثر من 60 من قادة الأعمال في مختلف القطاعات حول العالم، ومنهم رؤساء تنفيذيون ونواب رؤساء للمهام الوظيفية، ومدراء مصانع. كان من هؤلاء القادة مَن لم يحاول تغيير ثقافة مؤسسته، ومنهم من باءت محاولته بالفشل، ومع ذلك، تضمنت العيّنة التي درسناها عدداً كافياً من القادة الذين استخلصوا دروساً حول الأساليب الناجحة والأساليب التي لا تجدي نفعاً لتغيير الثقافة.

أدركنا سريعاً أن المبادرات الناجحة كلها لم تبدأ بوضع قائمة بالقيم الأساسية المرغوبة في الثقافة الجديدة، ولا بدراسة تفصيلية للثقافة الحالية والعلاقة بينها وبين تنفيذ الاستراتيجية، كما لم تبدأ بمراجعة سياسات الموارد البشرية ومن ضمنها تقييم الموظفين وتعويضاتهم، فلا شك في أن مثل هذه الإجراءات كانت مفيدة في مرحلة لاحقة من العملية، لكنها لم تكن حاسمة في المراحل الأولى لأنها كانت جميعها خطوات يمكن  التراجع عنها بتكلفة منخفضة. ولأن الموظفين أدركوا ذلك بسرعة فلم يلتزموا بالتغيير الثقافي التزاماً كاملاً، صحيح أنهم حضَروا الجلسات التدريبية ووافقوا على اتباع القيم المؤسسية الجديدة وعبّروا ظاهرياً عن دعمهم لتطبيق ثقافة جديدة، لكنهم كانوا يعلمون أن هذه المبادرة ستفقد زخمها تدريجياً إلى أن تنتهي، ليُستأنَف النشاط المعتاد بعد ذلك.

إذاً ما الذي فعله القادة الناجحون لتحقيق التغيير الثقافي؟ ابتكروا قصصاً تسلط الضوء على إجراءات لا تتسق مع الثقافة الراسخة في الشركة وفي الوقت نفسه تعزز ثقافة بديلة أكثر توافقاً مع استراتيجية الشركة. على سبيل المثال، ساعدت القصص التي تحكي عن الموظفين الأبطال الذين بذلوا قصارى جهدهم لخدمة العملاء على تعزيز الاستراتيجيات الموجهة نحو الخدمة، كما ساعدت القصص التي تحكي عن المخاطرة والمثابرة الإبداعية على تعزيز استراتيجيات الابتكار؛ أما القصص التي تتناول الاهتمام بالتفاصيل وإدخال تحسينات كبيرة على العمليات فقد ساعدت على دعم الاستراتيجيات التي تركز على الإنتاج العالي الجودة والمنخفض التكلفة.

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

يتعامل معظم قادة الأعمال مع التغيير الثقافي بطريقة رسمية وتحليلية من خلال عقد ورش عمل لتحديد القيم ومراجعة بروتوكولات قسم الموارد البشرية وممارساته، وهذا لا يجدي نفعاً.

السبب

يصعب تحديد القيم والمعتقدات والقواعد التي تشكل ثقافة المؤسسة، ويقاوم الناس غريزياً محاولات تغيير السلوكيات والعلاقات الراسخة.

الحل

لمّا كانت الثقافة المؤسسية تتجسد في القصص التي يشاركها الموظفون، فعليك البدء بتغيير تلك القصص. ابتكر روايات جديدة تعزز الثقافة المرغوبة وتتعارض بشدة مع الثقافة القديمة، فذلك سيشير إلى التزامك بالتغيير الثقافي ويمكّن الموظفين من صياغة قصصهم حول تغيير الثقافة.

تُرغم صياغة قصص جديدة القادة على الالتزام بالتغيير الثقافي أكثر من وضع مواثيق ثقافية أو سياسات جديدة للموارد البشرية. بمجرد انتشار القصص في المؤسسة يصعب تجاهلها أو تنحيتها، وعندما تحل القصص الجديدة محل الروايات التي عززت الثقافة القديمة، يبدأ الموظفون بابتكار قصصهم ليشاركوا بالنهاية في ابتكار قصة جديدة تتوافق مع استراتيجيات الشركة.

كيف يمكن ابتكار قصص جديدة ناجحة؟ خلص بحثنا إلى 6 قواعد على قادة الأعمال اتباعها.

الصدق

تعكس القصص الصادقة قيمك ومعتقداتك الراسخة، ودون الاتساق بينها سيكتشف موظفوك عاجلاً أو آجلاً أنك منافق وسيشككون في التزامك بالتغيير، لكن صياغة القصص الصادقة يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر لأنها تتضمن انفتاحك على نفسك شخصياً، ومن الصعب معرفة كيف سيستجيب الأفراد لصراحتك وشفافيتك.

عندما أصبح ستيفانو ريتوري رئيساً لأكبر قسم في شركة آرتشر دانيلز ميدلاند (Archer Daniels Midland)، كان أداء الشركة المالي ضعيفاً، وكان ريتوري جديداً نسبياً في منطقة أميركا الشمالية وكانت معرفته بفريقه محدودة، وأدرك أنه لكي يتمكن من إجراء تغيير في شركته سيكون عليه العمل بسرعة على اكتساب ثقة مرؤوسيه المباشرين.

إحدى طرق إثبات التزامك الصادق بثقافة جديدة هي أن تحرص على منح نفسك دوراً بارزاً في الروايات التي تصوغها.

جدول ريتوري على الفور اجتماعاً خارج مكان العمل على مدى يومين للتحدث عن استراتيجية القسم وعملياته. بدأ جلسته الأولى بأن قال لموظفيه: "أنتم لا تعرفونني، وأنا لا أعرفكم جيداً. لكننا سنعمل معاً وسنرتكب أخطاء وينبغي ألا نخاف الاعتراف بها، لذا أود التحدث بشفافية عن نفسي وعما مررت به حتى أصبحت القائد الذي أنا عليه اليوم، وعن توقعاتي من كل فرد منكم. فقدتُ والدي حين كنت أبلغ من العمر 19 عاماً، حدث الأمر فجأة، وبعد 10 سنوات فقدتُ شقيقتي وجنينها. لا يعرف أحدنا متى يحين أجله، لذا لا أود إضاعة الوقت في فعل أمور لستُ مقتنعاً بها مثل ابتكار سياسات سخيفة. إذا أردنا النجاح فعلينا التحلي بالشفافية، لذا فكرت في أنه من الأنسب أن أبدأ بذلك".

لا شك في أن بدء الاجتماع بهذه الطريقة ينطوي على مجازفة، ولم يتوقع ريتوري رد فعل موظفيه، لكن ما حدث هو أنهم شرعوا الواحد تلو الآخر في مشاركة قصصهم حول تبلور أساليبهم في القيادة. بعد هذا الاجتماع، صار الانفتاح قاعدة ثابتة في القسم، ما ساعد على تنميته وزيادة ربحيته خلال فترة الأربعة عشر شهراً التي قضاها ريتوري رئيساً والفترة التي تلتها.

لا نشير هنا إلى أن الشفافية أو أي قيمة ثقافية أخرى في حد ذاتها مهمة لكل شركة، إذ من المرجح أن تختلف الثقافة المطلوبة باختلاف الاستراتيجية، فالثقافة ليست مفهوماً موحّداً يناسب الشركات كلها.

المغزى من هذه القصة هو أن ريتوري توصل إلى أنه لا يمكن لموظفي قسمه إضاعة الوقت في تبادل الاتهامات، وأن الشفافية كانت ضرورية لتغيير الأمور، وقد أظهر التزامه الشخصي بها عندما تحدث في الاجتماع الأول بهذه الصراحة.

إظهار دورك في قصصك

أحد السبل الأخرى لتعبّر عن التزامك الصادق بثقافة جديدة هو أن تمنح نفسك دوراً بارزاً في الروايات التي تصوغها.

يُعد ألبرتو كارفالو خير مثال على ذلك؛ فعندما عُيِّن مسؤولاً عن قسم الأسواق الناشئة في شركة جيليت (Gillette)، كان الابتكار التكنولوجي يسيطر على جهود تطوير منتجات الشركة، لكن المنتجات الجديدة التي ابتكرتها مختبرات جيليت لم تحقق مبيعات جيدة في الهند، على الرغم من أنها اختُبرت بما يكفي بين الهنود الذين يعيشون في الولايات المتحدة وبريطانيا.

بدا واضحاً أن الشركة بحاجة إلى استطلاع المشكلة في الهند؛ عادةً ما توكل مهمة مثل دراسة الطريقة التي يحلق بها الرجال الهنود ذقونهم إلى أحد المتدربين في فترة الصيف، لكن كارفالو لم يكن يريد جمع المعلومات فقط بل تغيير ثقافة تطوير المنتجات في قسم الأسواق الناشئة.

لذا قرر اتخاذ خطوة غير مألوفة في شركة جيليت، ألا وهي أن يذهب إلى الهند بنفسه، وواجه رد فعل سلبياً على الفور إذ لم تكن هذه طريقة جيليت في تطوير المنتجات.

لكن كارفالو أصرَّ، وأخيراً رافقته مجموعة صغيرة من كبار المدراء إلى الهند، وإليكم ما حدث في هذه الرحلة:

يقول كارفالو: "راقبنا المستهلكين المحتملين وهم يحلقون ذقونهم في العديد من الأحياء ذات الدخل المنخفض، حيث يتشارك 30 منزلاً أو أكثر حماماً واحداً، لذلك لم يحلق الرجال ذقونهم في الحمام، بل كان الواحد منهم يتخذ ركناً في المنزل واضعاً أمامه مرآة صغيرة وكوب ماء ليحلق ذقنه. كما لم تكن لديهم أماكن لتخزين شفرات الحلاقة بل كانوا يعلقونها على مسمار في الحائط، وكانت شفرات جيليت تمتلئ بالشعر بسهولة لعدم توافر مياه جارية تمكّنهم من تنظيفها، حتى أنه لم يكن في مقبضها فتحة ليتمكنوا من تعليقها".

وفي رحلة العودة إلى الوطن، صمم الفريق شفرة حلاقة جديدة للسوق الهندية ذات سعر منافس وتلبي المتطلبات الفريدة للمستهلكين الهنود، ولها فتحة في مقبضها.

أدرك القادة أنه من أجل نشر التغيير الثقافي في جميع أنحاء مؤسساتهم، كان عليهم أن يمنحوا الآخرين الفرصة لابتكار قصصهم عن التغيير ويحتفلوا بها. 

في غضون عامين، ارتفعت حصة جيليت في سوق شفرات الحلاقة من الصفر تقريباً إلى %18، إذ اشترى أكثر من 100 مليون رجل هندي المنتج الجديد، وفقاً لكارفالو الذي كان لقراره بالذهاب إلى الهند أهمية كبيرة في بدء تغيير ثقافة تطوير المنتجات في القسم. كان الابتكار التكنولوجي لا يزال مهماً، ولكن الآن أصبح فهم احتياجات العملاء حاسماً، ولم يكن ذلك ممكناً لو لم يصغ كارفالو قصة اتخذ فيها خطوة تتعارض تماماً مع الثقافة السائدة.

قطع الصلة بالماضي ورسم مسار للمستقبل

يجب أن تُظهر قصصك التي تود تغيير الثقافة من خلالها أن القيم والمعتقدات السابقة لم تعد مستخدمة، وأن تصف قواعد ثقافية جديدة لكن دون المبالغة في تفصيلها إلى الحد الذي يمنع موظفيك من مساعدتك في ابتكار الثقافة الجديدة.

لنأخذ مثلاً تجربة أحد مؤلفي هذا المقال والرئيس التنفيذي السابق لإحدى أكبر شركات الاتصالات في البرازيل، تيليسبي (Telesp)، من أقسام شركة تيلي فونيكا (Telefonica)، مانويل أموريم. كانت شركة تيليسبي تعمل في سوق خاضعة لدرجة عالية من التنظيم حيث تحدد الحكومة أهم أهداف الشركة.

ازدهرت الشركة في هذا الوضع وكانت من شركات الاتصالات الأعلى ربحية في أميركا الجنوبية، وفي هذا السياق الاستراتيجي، طورت ثقافة تنازلية إلى حد كبير: فقد أعطت الحكومة لإدارة الشركة أهدافاً محددة للغاية، وأملَت الإدارة بدورها على الموظفين ما يجب عليهم فعله بالضبط لتحقيق هذه الأهداف، كانت الثقافة الهرمية صارمة جداً لدرجة أنه لم يكن يُسمح للموظفين العاديين بركوب المصعد مع الرئيس التنفيذي.

كان احتكار شركة تيليسبي لسوق الاتصالات في مدينة ساو باولو على وشك الانتهاء، فسرعان ما ستواجه الشركة منافسين جدداً مسلحين بمجموعة كبيرة من التكنولوجيات المتقدمة، ورأى مانويل بوضوح أن هذه السوق تتطلب الاستعاضة عن الثقافة الهرمية بثقافة موجهة نحو خدمة العملاء.

وللتكيف مع هذا الواقع الجديد قدمت شركة تيليسبي منتجاً للاتصال بالإنترنت، اشتراه مانويل ليستخدمه في منزله لكنه لم يتمكن من تشغيله، وبدلاً من الاتصال بمدير المنتج اتصل بخط المساعدة المخصص للمنتج، يقول: "مضت ساعاتان دون أن تُحل المشكلة فأخبرت الموظف الشاب الذي كان يساعدني بأنني الرئيس التنفيذي، لكنه لم يصدقني. فسألته عما كان يحتاج إلى معرفته لإصلاح مشكلتي، فأعطاني قائمة تضمنت 14 عنصراً، ثم سألته عما إذا كان هو وبعض زملائه على استعداد لإلقاء عرض تقديمي أمام الفريق التنفيذي للشركة حول هذه العناصر، تردد في البداية لكنه وافق أخيراً. وبعد أسبوع، ألقى موظفو مركز الاتصال عرضاً تقديمياً أمام فريقي التنفيذي".

وبعد توجيه الشكر لهم ومنحهم الإذن بالانصراف، أوقف مانويل على الفور مبيعات المنتج الجديد إلى أن تتمكن شركة تيليسبي من دعم العملاء الذين يشترونه، ثم أوكل إلى اثنين من المدراء التنفيذيين مهمة ابتكار خطة للحل وعرضها في الاجتماع التالي للجنة التنفيذية الذي سيحضره أيضاً موظفو مركز الاتصال.

قلب مانويل الثقافة الهرمية لشركة تيليسبي رأساً على عقب بفعالية، ومع انتشار القصص حول الإجراءات التي اتخذها في جميع أنحاء الشركة، بدأ الموظفون بابتكار قصصهم حول خدمة العملاء، ما ساعد على إحداث تغيير أكبر في ثقافة تيليسبي. انعكست السلوكيات الجديدة في أداء الشركة الذي واصل التحسن على الرغم من تزايد المنافسة وظهور التكنولوجيات الجديدة، وليس من المستغرب أن تعيّن الشركة موظف مركز الاتصال الذي تحدّث لأول مرة إلى مانويل متدرباً إدارياً جديداً.

صياغة قصص تلامس المشاعر والفكر

إذا لم تتضمن قصصك دراسة جدوى مُحكمة للثقافة الجديدة، فقد يتجاهل الآخرون مساعيك إذ يرون أن غرضك منها إرضاء ذاتك فحسب. في معظم الحالات تكون الجدوى الأساسية من التغيير الثقافي هي تحسين الاستراتيجية، وبالتالي توليد قيمة اقتصادية حقيقية للشركة.

لكن الثقافة لا تتمحور حول القيمة الاقتصادية فقط، بل تتضمن أيضاً ارتباط الموظفين بهدف الشركة ودعمهم له، لذلك ينبغي أن تلامس قصصك مشاعر موظفيك، وهو ما يوضحه النهج الذي اتبعته أول مديرة عامة لقسم الرعاية النسائية في منطقة أميركا الشمالية بشركة بروكتر آند غامبل (Procter & Gamble)، ميلاني هيلي، التي تولت المنصب عام 2001.

على الرغم من أن الشركة كانت تتمتع بحصة سوقية كبيرة، فقد كانت إيراداتها وأرباحها آخذة بالانخفاض. لسنوات عديدة، ركزت ثقافتها على كفاءة التصنيع وفعالية المنتج، لكن هيلي أرادت من منتجاتُها إسعاد العميلات وتدعيم الفتيات المراهقات اللواتي يوشكن على دخول مرحلة الرشد. كانت بحاجة إلى طريقة لمساعدة فريق الإدارة على فهم ما يعنيه النجاح في هذين الأمرين، فصاغت قصة.

بعد دعوة مجموعات من العميلات إلى الشركة، راقبت هي وفريقها من خلال مرايا المراقبة ذات الاتجاه الواحد، هذه المجموعات. تقول هيلي: "وضعنا منتجاتنا ومنتجات منافسينا وغيرها من المنتجات التي تتميز بتصميماتها ووظائفها على الطاولة، وطلبنا من المستهلكات تفحّصها لاختيار ما يردنه أكثر من غيره"، وتتابع: "انجذبت عميلاتنا إلى مجموعة منتجات مصممة بعناية تميزت بنعومتها وجاذبية مظهرها، فتبين لنا بوضوح أن الأداء الوظيفي مهم في هذه المنتجات، لكن الأهم هو أن تسعد المستهلكات كل يوم، ومنتجاتنا لم تدعم المستهلكات لدينا ولم تسعدهن".

وبفضل الرؤى المستقاة من مجموعات التركيز قادت هيلي فريقها لمراجعة تطوير منتجات الشركة بالكامل.

الاستراتيجية: استعاض الفريق عن السدادات القطنية النسائية المصنوعة من الورق المقوى بسدادات بلاستيكية، وأعاد تصميم العبوة بحيث يمكن فتحها بهدوء مثل الحقيبة، وبنى علامة بيرل (Pearl) التجارية الجديدة لتلك السدادات.

ما النتيجة؟ تقول هيلي إن علامة بيرل أصبحت رائدة في سوق السدادات القطنية، وارتفعت حصة الشركة في سوق الفوط الصحية النسائية من %50 إلى %60 في ست سنوات. هل كان ذلك ممكناً لو طالبت هيلي أفراد فريقها بأن يفكروا في منتجات تسعد المستهلكات وتدعمهن؟ غالباً لا. ولكن من خلال إشراك هيلي لفريقها في تطوير قصص حول ماهية المنتجات النسائية المطلوبة، بدأت بتغيير ثقافة قسمها.

سرد القصص بطريقة مسرحية

إذا أردت أن يشارك موظفوك قصصك يجب أن تترك فيهم انطباعاً لا يُنسى. اعتمد العديد من القادة الذين أجرينا مقابلات معهم أساليب مثيرة في ابتكار القصة، ومنهم جيف روديك، فبعد أن أصبح الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا المعلومات هايبريون سولوشنز (Hyperion Solutions)، حققت الشركة أرباحاً لعدة سنوات، لكنها بدأت تشهد خسائر مالية في فترة ركود كبير.

ابتكر روديك بالتعاون مع شركة استشارية استراتيجية جديدة تتطلب تسريح عدد كبير من الموظفين، وقبل تنفيذها قرر تحديد موعد للاجتماع مع كبار المدراء للحصول على موافقتهم على الاستراتيجية وتقليص العمالة.

كان من المقرر عقد هذا الاجتماع في فندق فاخر جداً في سان فرانسيسكو، إلا أن روديك قال إنه ليس مناسباً؛ فهو لا يستطيع عقد اجتماع حول تسريح عدد كبير من الموظفين في مثل هذا المكان، لكن القاعة كانت قد حُجزت ودُفع أجرها فقرر روديك تغيير الاجتماع.

ويقول عن ذلك: "في الساعة المحددة، بدأ الموظفون بالحضور إلى غرفة الطعام، حيث كانت أطباق الخزف الفاخرة وأدوات المائدة الرائعة، وهو ما كان متوقعاً في فندق بهذا المستوى. بدأ النوادل تقديم العشاء، وسكبوا لنا الماء وأحضروا الخبز، ثم خاطبت الفريق قائلاً: 'في الأحوال العادية، كنت لألغي هذه الفعالية ليس بسبب التكلفة فقط، بل للمظهر العام أيضاً؛ فنحن لا يحق لنا أن نحتفل بأدائنا السيئ، لذا لن نتناول الليلة سوى الخبز والماء، فهذا ما نستحق تناوله فقط. لكني سأحدد موعداً لعشاء احتفالي حقيقي بعد عام من الآن، وسيكون مستحقاً بجدارة'".

انتشرت الكلمة التي ألقاها روديك خلال العشاء في أنحاء المؤسسة، ما أدى إلى التزام الجميع بعملية التحول، وبعد عام اجتمع الفريق في القاعة نفسها للاحتفال بالأرباح الكبيرة التي حققوها خلال العام.

تمكين الآخرين من ابتكار قصصهم

أدرك قادة الأعمال الذين أجرينا معهم مقابلات أنه من أجل نشر التغيير الثقافي في جميع أنحاء مؤسساتهم، كان عليهم أن يمنحوا العاملين الفرصة لابتكار قصصهم عن التغيير ويحتفلوا بها.

كان أحد هؤلاء القادة الرئيس التنفيذي لشركة تريغر غريلز (Traeger Grills)، جيريمي أندروس، الذي رأى فرصة لزعزعة السوق الناضجة لأدوات الطهي في الهواء الطلق في الولايات المتحدة فاستثمر في الشركة. لكنه اكتشف ثقافة سامة في مقرها الرئيسي في ولاية أوريغون، وكي يبدأ من جديد أنهى عملياته في ولاية أوريغون وافتتح مقراً رئيسياً جديداً في ولاية يوتا.

كانت خدمة العملاء أحد العناصر الأساسية لهذه الثقافة الجديدة، ولكن على الرغم من جهوده لإعادة تنظيم الأمور لم يكن متأكداً من أن قيمة خدمة العملاء قد ترسخت حتى جاء رئيس المبيعات إلى مكتبه صباح أحد أيام الاثنين وقال له: "لن تصدق ما فعله روب".

يقول أندروس: "روب هو شاب مبتدئ إلى حدٍ ما في الشركة، تلقى يوم الجمعة مكالمة هاتفية من مساعد مدير في شركة كوستكو (Costco) في مدينة سياتل التي لم يكن فيها فرع لتريغر غريلز، وقال إنه سيستضيف حفلة كبيرة في اليوم التالي ولكن لديه مشكلة في شوايته. شخّص روب المشكلة عبر الهاتف، وذهب إلى المكتب لأخذ قطعة الغيار المطلوبة، ثم اشترى تذكرة وسافر إلى مدينة سياتل، فأصلح شواية الرجل وساعده في تتبيل اللحم، ثم صعد على متن طائرة وعاد إلى المنزل، وجاء يوم الاثنين إلى العمل وكأنه لم يفعل شيئاً ذا أهمية. بالطبع، أخبر مساعد مدير شركة كوستكو مديره عن روب، فأخبر هذا المدير نائبه، الذي اتصل بالتاجر في شركة كوستكو، فاتصل هذا بدوره برئيس المبيعات في شركتي الذي أخبرني بعد ذلك، فقُلت: 'لقد نجح الأمر'".

أدت الجهود التي بذلها أندروس لتغيير الثقافة في شركة تريغر غريلز إلى تمكين الموظفين مثل روب من ابتكار قصصهم، الأمر الذي لم يؤد بدوره إلى تسريع عملية التغيير فحسب، بل عزز أيضاً علاقة الشركة مع أحد شركائها الرئيسيين؛ شركة كوستكو.

يندر أن يكون التغيير الثقافي سهلاً، إلا أنه ممكن. وكما توضح الأمثلة التي أوردناها في هذه المقالة، يجب أن تبدأ بابتكار قصص جديدة تحل محل القصص القديمة التي يتبادلها موظفوك حالياً. يجب أن تكون الروايات الجديدة صادقة، وتبرز دورك القيادي في الشركة، وتقطع الصلة بالماضي وترسم مساراً للمستقبل، وتجذب الموظفين عاطفياً وفكرياً، وأن تروى بطريقة مسرحية، وتمكّن الأفراد في شركتك من ابتكار قصصهم حول تغيير الثقافة. وحينما ترى الموظفين يشاركون هذه القصص فستتمكن من التركيز على إعادة صياغة التفاصيل العملية في سياساتك وممارساتك المؤسسية لتعزيز الثقافة الناشئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي