كيف تقنع الآخرين بتغيير سلوكهم؟

5 دقائق
تغيير السلوك العام
shutterstock.com/Alberto Andrei Rosu

ملخص: جرت العادة لعقود من الزمان على استخدام التوجيهات باعتبارها الوسيلة الأنسب لتغيير السلوك العام. لكنها تبوء بالفشل في معظم الأحيان لأن الناس يكرهون أن تُملى عليهم الأوامر بما يجب ولا يجب فعله. وهناك 3 طرق للتغلب على هذه العقبة. أولاً: سلِّط الضوء على الفجوة بين أفكارهم وأفعالهم، أو بين ما قد ينصحون به الآخرين وما يفعلونه هم أنفسهم، وعندها سيحاولون التوفيق بين الأمرين. ثانياً: اطرح أسئلة بدلاً من الإدلاء ببيانات، لأنك عندما تجبرهم على معرفة مشاعرهم أو آرائهم الحقيقية حول المشكلة، فستدفعهم على الأرجح إلى اتخاذ إجراء حاسم. ثالثاً، وأخيراً: اطلب طلبات بسيطة. ابدأ بطلبات صغيرة، ثم انتقل تدريجياً إلى الأصعب فالأكثر صعوبة.

 

تم تكليف الهيئات الحكومية ومؤسسات الصحة العامة بالتصدي لواحد من أصعب التحديات التي نواجهها اليوم بتغيير سلوك الأفراد، وذلك من خلال إقناعهم ليس فقط بالحفاظ على التباعد الاجتماعي والاحتماء في مكانهم، بل وإقناعهم أيضاً بالمواظبة على ذلك لأسابيع وربما شهور. وليس من المستغرب أن يعتمد الجميع تقريباً على الوسيلة المعتادة لحمل الناس على التغيير والتي تتمثل في الآتي:  أخبر الناس بما يجب عليهم فعله.  وأصدر لهم أوامر من قبيل: "الزموا منازلكم"، "حافظوا على التباعد لمسافة لا تقل عن مترين"، "اغسلوا أيديكم باستمرار"، "ارتدوا الكمامات الطبية".

وعلى الرغم من أن الكثيرين منّا يحرصون حتى الآن على اتباع التوصيات، فمن الصعب أن نضمن التزام الجميع بها على المدى البعيد. إذ لا يزال البعض غير مقتنعين بالانصياع للتعليمات التي تحظر مختلف أشكال التجمع، أو سئموا الالتزام بها واستأنفوا التجمع بالمخالفة للتعليمات. والأدهى من ذلك أن بعض المسؤولين عن دور العبادة ينتهكون أوامر البقاء في المنزل. وبدأ المحتجون يطالبون بإعادة فتح الشركات في القريب العاجل بالمخالفة لتوصيات الخبراء.

وهكذا فقد ثبت فشل التوجيهات في حمل الناس على تغيير سلوكهم بصورة دائمة لأننا جميعاً نحب أن نشعر بأننا نتحكم في مصائرنا. ولو سألت أحدهم: "لماذا اشتريت هذا المنتج أو استخدمت هذه الخدمة أو اتخذت هذا الإجراء؟"  لقال لك: "لأنني أردتُ ذلك". وبالتالي إذا حاول الآخرون التأثير على قراراتنا، فلن ننصاع لمحاولاتهم تلك بكل بساطة، بل سنقاوم محاولات إقناعنا ما وسعنا ذلك، حيث نعاندهم ونحرص على مقابلة أصدقائنا والتسوق أكثر من مرة في الأسبوع ونمتنع عن ارتداء الكمامة الطبية. ونبذل كل جهدنا لتجنب الالتزام بتوصياتهم، لا لشيء إلا لأننا لا نريد أن نشعر بأن شخصاً آخر يتحكم في قراراتنا.

فكل منّا لديه رغبة فطرية تحثه على رفض محاولات الآخرين بإقناعه بشيء يخالف ما اعتاد عليه، ومن هنا فإننا نتجنب الرسالة أو نتجاهلها، والأسوأ من ذلك أننا قد نحاول إثبات خطئها ونسوّغ لأنفسنا الاستشهاد بكل الأسباب التي تثبت تهافت نصائح الآخرين وضعفها. صحيح أن المسؤولين نصحونا بالبقاء في المنازل، لكنهم ربما يبالغون في رد فعلهم.  ربما كان الفيروس متفشياً على نحو ينذر بالخطر في بعض البلدان. بالإضافة إلى أن معظم الحالات المصابة بالفيروس بخير على أي حال، فما المشكلة إذاً؟ ومن هنا فإنهم يتقمصون دور طلاب المدرسة الثانوية الذين يؤدون دور المُحاور المتحمس للدفاع عن رأيه، فلا يكفون عن المناورة والمداورة وإثارة الاعتراضات حتى تنهار القوة الإقناعية للرسالة.

طرق تغيير السلوك العام

لذا، إذا كان إخبار الناس بما يجب عليهم فعله لا يجدي نفعاً، فما الحل؟ بدلاً من محاولة إقناع الناس بشيء معين، غالباً ما يكون حملهم على إقناع أنفسهم أكثر فاعلية.  وإليك 3 طرق لفعل ذلك:

1. سلّط الضوء على الفجوة بين الصواب والخطأ

يمكنك زيادة شعور الناس بالحرية والتحكم من خلال الإشارة إلى الفجوة بين أفكارهم وأفعالهم أو بين ما قد ينصحون به الآخرين وما يفعلونه بأنفسهم.

خذ، على سبيل المثال، تعليمات البقاء في المنزل. إذا كنت تتعامل مع الشباب الذين قد يرفضون الالتزام بهذه التعليمات، فاسألهم عن مقترحاتهم للتوصيات التي ينصحون بها أجدادهم المسنين أو إخوتهم الصغار. هل سيطلبون منهم الخروج من المنزل والتفاعل مع أشخاص قد يكونون مصابين بالمرض؟  إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يعتقدون أن خرقهم لهذه التعليمات لن يضيرهم؟

تجدر الإشارة هنا إلى أن الناس يسعون لتحقيق الاتساق الداخلي. ويريدون تحقيق التوافق بين أفكارهم وأفعالهم.  وحينما تسلّط الضوء على عدم الاتساق بين الأفكار والأقوال، فإنك بذلك تشجعهم على سد الفجوة بينهما.

وقد استخدم مسؤولو الجهات الصحية في تايلاند هذا النهج في حملة مكافحة التدخين.  فبدلاً من إخبار المدخنين بأضرار التدخين، استعانوا بأطفال صغار يقصدون المدخنين في الشارع ويطلبون منهم قداحة.  ومن الطبيعي أن يرفض المدخنون إعطاءهم إياها، حتى إن الكثيرين منهم كانوا يعطون الأولاد والبنات الصغار محاضرات حول مخاطر التدخين. ولكن قبل أن يتركوهم، كان الأطفال يعطون المدخنين ورقة مكتوباً فيها: "إذا كنت تخاف عليّ ... فلماذا لا تخاف على نفسك؟" وتحت هذه الرسالة، كان هناك رقم مجاني يمكن للمدخنين الاتصال به للحصول على المساعدة.  وقد قفزت المكالمات الواردة إلى هذا الخط بأكثر من 60% خلال الحملة نتيجة اتباع هذا النهج.

2. اطرح أسئلة

ثمة طريقة أخرى لتحقيق الغاية المرجوة، تتمثل في طرح الأسئلة بدلاً من الإدلاء بالبيانات،  حيث تحاول رسائل الصحة العامة استخدام لغة مباشرة لتوصيل النصائح، فتنص على تعليمات، مثل: "الوجبات السريعة تصيبك بالسمنة". "القيادة تحت تأثير الكحول قد تتسبب في قتل أرواح بريئة". "التزم بالاحتماء في المكان". لكن المبالغة في استخدام لغة شديدة العنف قد تدفع الآخرين إلى الشعور بالتهديد. ويمكن صياغة المحتوى نفسه على هيئة سؤال: "هل تعتقد أن الوجبات السريعة مفيدة صحياً؟" إذا أجاب أحدهم بالنفي، فسيضع نفسه في موقف صعب. ومن خلال تشجيعه على التعبير عن رأيه، سيضطر إلى مواجهة الحقيقة والإقرار بأن هذه الأشياء تضر بصحته. وحينها سيجد صعوبة في الاستمرار في تبرير السلوكيات السيئة.

وهكذا، تعمل الأسئلة على تغيير دور المستمع. فبدلاً من دخول الفرد في جدال عقيم أو التفكير في أسباب رفضه للتغيير، فسوف يحلل إجاباته عن أسئلتك ويحلل مشاعره أو آراءه حول المسألة المطروحة للنقاش.  وسيؤدي هذا التغيير إلى زيادة احتمالات اقتناعه بها. وسيؤدي هذا بدوره إلى تشجيع المرء على الالتزام بالنتيجة التي تم التوصل إليها، لأنه حتى وإن كان الإنسان لا يحب اتباع توجيهات الآخرين، فإنه سيُقبِل بكل سعادة على اتباع ما يريده هو.  وبالتالي، فلن تكون الإجابة عن السؤال مجرد إجابة عادية، بل إجابة نابعة منه هو شخصياً وتعكس أفكاره الشخصية ومعتقداته وتفضيلاته الخاصة. وهذا يزيد من احتمالات قبوله باتباع التوجيهات.

وفي حالة أزمة كتلك التي نمر بها حالياً، فإن طرح أسئلة، مثل: "إلى أي مدى ستشعر بالحزن إذا مرض أحباؤك؟" قد يكون أكثر فاعلية من إصدار التوجيهات بضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي على المدى البعيد أو على فترات متقطعة والالتزام بالنظافة الشخصية.

3. اطلب طلبات بسيطة

تتمثل الطريقة الثالثة في تقليل حجم الطلبات قدر الإمكان.

كانت هناك طبيبة تعالج سائق شاحنة مصاباً بالسمنة ويشرب 3 لترات يومياً من مشروب "ماونتن ديو".  أرادت الطبيبة أن تطلب منه الإقلاع عن هذه العادة السيئة، لكنها كانت تعلم أن محاولتها ستبوء بالفشل على الأرجح، لذا قررت أن تجرب شيئاً آخر. فطلبت منه أن يشرب لترين بدلاً من 3 لترات يومياً.  غير أنه أبدى تذمره، ولكن بعد بضعة أسابيع تمكن من تخفيض الكمية بالقدر المطلوب.  ثم طلبت منه في الزيارة التالية أن يخفض كمية المشروب إلى لتر واحد يومياً. وأخيراً وبعد أن تمكن من الوصول إلى هذه الكمية، عندها فقط اقترحت عليه الإقلاع التام عن شرب الصودا. لا يزال سائق الشاحنة يشرب علبة ماونتين ديو من حين لآخر، لكنه فقد أكثر من 25 كيلو غرام من وزنه.

ونحن نعلم أن مؤسسات الصحة العامة تريد إحداث تغيير كبير على الفور، خاصة إبان الأزمات. إذ يجب على الجميع البقاء في المنزل باستمرار، بمفردهم ولمدة شهرين آخرين.  ولكن هذا الطلب الصعب يُقابل بالرفض في كثير من الأحيان.  فهذه المطالب مختلفة تماماً عما يفعله الناس حالياً لدرجة أنها تقع ضمن ما يسميه العلماء "منطقة الرفض" ويتم تجاهلها.

وثمة طريقة أفضل تتمثل في تقليل حجم الطلب الأولي. اطلب طلبات بسيطة في البداية، ثم اطلب المزيد بالتدريج. خذ طلباً كبيراً وقسمه إلى أجزاء أصغر يسهل التحكم فيها. ويلجأ المسؤولون الحكوميون الذين يتعاملون مع الجائحة إلى هذا الأسلوب نوعاً ما، وذلك من خلال تحديد تواريخ انتهاء أولية لتدابير التباعد الاجتماعي، ثم تمديدها. ولكن قد يكون هناك المزيد من الفرص، مثلما يحدث عندما يسمح الخبراء برفع بعض القيود على التجمعات الصغيرة، لكنهم يصرون على استمرار حظر البعض الآخر، مثل الحفلات الموسيقية أو الفعاليات الرياضية.

وسواء كنا نشجع الناس على التزام التباعد الاجتماعي أو التسوق مرة واحدة فقط في الأسبوع أو غسل اليدين جيداً وارتداء الكمامات الطبية، أو تغيير السلوك على نطاق أوسع، فغالباً ما نتبع نهجاً معيناً ممثلاً في إصدار التوجيهات.   فنحن نفترض أننا إذا واصلنا تذكير الناس بالمشكلة أو قدمنا لهم المزيد من الحقائق أو الأرقام أو الأسباب، فسوف يستجيبون لنا.  ولكن وكما توحي ردود الفعل السلبية الأخيرة ضد القيود المفروضة بسبب تفشي فيروس "كوفيد-19"، فإن هذه الجهود لا تجدي نفعاً على المدى البعيد، خاصة إذا لم يكن لمطالبك تاريخ انتهاء محدد.

وإذا فهمنا بدلاً من ذلك العوائق الرئيسية التي تحول دون حدوث التغيير، مثل التفاعلات النفسية، واستخدمنا الأساليب المصممة للتغلب عليها، يمكننا حينئذٍ تغيير أي شيء حتى تغيير السلوك العام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي