يهتم كثير من القادة بالتنوع الجنساني وفي زيادة عدد النساء في الشركة، أو على الأقل هذا ما يقولونه. يبين بحث أجرته شركة لينكد إن أن 78% من المهنيين المتخصصين في المواهب يقولون أن التنوع هو إحدى أهم الأولويات في عملية التوظيف لدى شركاتهم، وأن التنوع الجنساني تحديداً هو أهم قضية يعملون على حلها في هذا المجال.
قد وجدنا بعض التقدم في هذا المجال في آخر نسخة من تقرير النساء في مكان العمل (Women in the Workplace) الذي تجريه شركة ماكنزي، ولكن لا يزال أمامنا مزيد من العمل. وعلى الرغم من ازدياد تمثيل المرأة في المناصب التنفيذية العليا، إلا أن هناك امرأة واحدة بين كل خمسة تنفيذيين في هذه المناصب اليوم، ولا يزال تمثيل المرأة متدنياً في جميع المستويات.
ومن أجل استكشاف هذا الفارق الكبير بين نوايا القادة الحسنة والتقدم الحقيقي في سد الفجوة بين الجنسين، أجرت شركة "لينكد إن" عدة دراسات حول الجنسانية والعمل على مدى العام الماضي. وقد زودتنا البيانات برؤى وأفكار حول استراتيجيات التعيين التي يمكنها مساعدة القادة على تعيين عدد أكبر من النساء اليوم وإعداد شركاتهم للنجاح في جذب النساء المرشحات في المستقبل.
زيادة عدد النساء في مجموعة المرشحين، الآن
تزداد فرص توظيف المرأة بمجرد انضمامها إلى مجموعة المرشحين، ويكمن التحدي في إدخالها إلى هذه المجموعة. في تقريرنا عن البيانات الجنسانية (Gender Insights Report) الذي نشرناه في وقت سابق من هذا العام، قلنا أنه في حين كان عدد الوظائف الشاغرة التي اطلع عليها كل من الرجال والنساء في عام 2018 متساوياً تقريباً (44 للنساء و46 للرجال)، إلا أن احتمال تقدم النساء لهذه الوظائف بعد الاطلاع عليها كان أقل منه للرجال بنحو 16%. ومع ذلك، كان احتمال تعيين النساء بعد تقدمهن للوظائف أكبر بنحو 16% منه للرجال. إذا كانت نسبة تقدم النساء إلى الوظائف أقل، ولكنهن المرشحات المناسبات لهذه الوظائف، لماذا يتسمن بالانتقائية فيما يتعلق بالوظائف التي يتقدمن لها؟ وكيف يمكن للشركات الوصول إليهن بفعالية أكبر؟
وجدت الأدلة التي جمعتها الصحفيتان كاتي كاي وكلير شيبمان من أجل إحدى مقالاتهما في دورية "ذي أتلانتيك" (The Atlantic) أن الرجل عموماً يبالغ في تقدير إمكاناته وأدائه في حين تقلل المرأة من تقدير إمكاناتها وأدائها. وهذا ما ندعوه "فجوة الثقة"، حيث تخرج المرأة من مجموعة المرشحين قبل أن تتقدم إلى الوظيفة بالفعل، فهي تشعر عادة بوجوب تلبية جميع المعايير المطلوبة للوظيفة، في حين يتقدم الرجل عادة إذا وجد أنه يلبي 60% فقط من المتطلبات.
يمكن للشركات بعد إدراك هذا الاختلاف في أسلوب البحث عن الوظائف بين الرجل والمرأة أن تقوم ببعض التغييرات الفورية في نموذج التعيين المتبع لديها.
جعل عملية عرض الشواغر أكثر شمولاً
فليكن التوصيف الوظيفي مركزاً على المطلوب من الدور، ولا تستخدم كلمات مثل "نجم الروك" أو "النينجا" لأنها تستبعد النساء من المتقدمين، واستعض عنها بألقاب وتوصيفات وظيفية صريحة ومباشرة. وجدنا في تقريرنا بعنوان "اللغة مهمة" (Language Matters Report), أن 44% من النساء لا يتشجعن للتقدم لوظيفة وردت كلمة "جريء" في توصيفها. وتستخدم شركات مثل سيسكو وأتلاسيان تطبيقاً يدعى "تيكستيو هاير" (Textio Hire) يستخدم علوم البيانات من أجل تسليط الضوء على الكلمات أو العبارات الإشكالية في التوصيفات الوظيفية، ويقترح كلمات قادرة على جذب عدد أكبر من المتقدمين المتنوعين. (إفصاح: جميع الشركات المذكورة في هذه المقالة هي من عملاء لينكد إن، بما فيها سيسكو وأتلاسيان وتيكستيو هاير Textio Hire).
شارك قصص نساء ناجحات على جميع المستويات في مؤسستك
وجد تقريرنا عن البيانات الجنسانية أن الرجال والنساء يزورون بنسب متساوية موقع شركة لينكد إن الإلكتروني ويجرون بحثاً عن ثقافة الشركات قبل التقدم إلى الوظائف فيها. وتزداد احتمالات تقدم النساء للوظائف عندما ترى أنهن ممثلات في ضمانات التعيين في الشركة. خذ مثلاً شركة غولدمان ساكس، فهي تعزز الموظفات والمبادرات على الموقع الإلكتروني: ضمن قسم "الحياة" (Life) في صفحتها على موقع لينكد إن وعلى العنوان الإلكتروني: وهو منتداها المهني.
انشر حدود أجور الوظائف لديك
وجدنا أن معلومات الأجور والرواتب مصنفة كأهم جزء من التوصيف الوظيفي لكلا الجنسين، وهي تتفوق على المؤهلات والثقافة والفرص طويلة الأمد، ولكن تزداد أهميتها لدى النساء بنسبة 10%. وتثبت الشركة أنها ملتزمة بدفع أجور عادلة عندما تكون صريحة فيما يتعلق بالشفافية في الأجور وتقدم معلومات عن حدود الأجور لديها. كما وجدنا في تقرير "اللغة مهمة" أن الوظائف التي تتمتع بشعبية أكبر بين النساء هي التي تعزز العمل المرن والعمل من المنزل والمزايا الصحية الإضافية.
التخطيط للمستقبل. استخدام البيانات لتحديد الأهداف وتحقيقها
يتطلب بناء استراتيجية مستقبلية للتعيين تتسم بالتنوع الجنساني وجود غاية هادفة. كانت الشركات في الماضي تحدد أهداف التنوع بناء على التحسينات المتزايدة من القاعدة إلى القمة مقارنة مع الوضع الحالي، أو بناء على هدف طموح من القمة إلى القاعدة. ولكن فشل هذين الأسلوبين. إذ لا يأخذ استهداف مناصب المجلس العليا في الحسبان الاختلافات في توفر الكفاءات لمختلف الوظائف والأدوار. وعلى الرغم من أنه يولي التنوع الجنساني أهمية، إلا أنه لا يوفر خطة واقعية للإجراءات التي يمكن للمدراء والقائمين على تعيين الموظفين اتباعها. وفي الجهة الأخرى، رغم إمكانية تحقيق التقدم المتزايد، أو تحديد الهدف بناء على التحسينات الصغيرة المستمرة، إلا أنه من الصعب تحقيق هذه القفزات الأكبر نحو تحقيق التوازن بين الجنسين.
يساعدك استخدام البيانات الداخلية للقوة العاملة والمقاييس المعيارية الخارجية في فهم الخليط الجنساني الحالي لديك من الجهة التنظيمية، أي بحسب القسم والوظيفة ومستوى الأقدمية. ومن هنا، استخدم البيانات كي تحدد الأهداف الممتدة التي تشكل عاملاً مهماً في الحقائق الفريدة لمجموعة الكفاءات المتوفرة لقطاعك أو الوظيفة الشاغرة لديك.
اجعل شركتك مكاناً جذاباً للعمل
هناك مبادرات أخرى تشكل مساعدة على المدى الطويل. إذ يمكنك عرض التزامات شركتك فيما يتعلق بالتنوع الجنساني والمساعدة على جذب الكفاءات من المصادر التقليدية والحديثة على حد سواء. خذ مجتمع بلومبرغ النسائي، على سبيل المثال، فهو يصل النساء الموظفات بعضهن ببعض ويدعمهن من خلال مبادرات التوعية الجنسانية وبناء العلاقات وتطوير الحياة المهنية. ويمتد التزام شركة بلومبرغ نيوز بالتنوع الجنساني ليتعدى قوتها العاملة الداخلية، فهي تدعو شركات حول العالم إلى المشاركة في برنامجها الذي يسمى "مؤشر المساواة بين الجنسين" والذي اختار هذا العام 230 شركة ملتزمة بالشفافية فيما يخص الإبلاغ عن القضايا الجنسانية والنهوض بتحقيق المساواة للمرأة في مكان العمل. ومن الضرورة بمكان تسليط الضوء على التزام شركتك بالتنوع الجنساني بطرق مرئية كي تتمكن من جذب عدد أكبر من النساء والرجال الراغبين في العمل في بيئة متنوعة أكثر.
وهناك نهج آخر طويل الأجل، يتمثل بتوسيع قِمع الكفاءات في المراحل المبكرة من المسار المهني. على سبيل المثال، تمكنت شركة "بليزارد إنترتينمنت" (Blizzard Entertainment) لنشر ألعاب الفيديو والتي نشرت لعبة "وورلد أوف ووركرافت" (World of Warcraft)، من زيادة عدد المتدربات من الإناث بنسبة 166% عن طريق التواصل مع المجموعات التي تقودها النساء داخل الحرم الجامعي مثل نادي "النساء في علوم الكمبيوتر" (Women in Computer Science). أما بالنسبة لشركة "يونيليفر" (Unilever)، فقد ساعدها تعيين الموظفين الجدد من نطاق أوسع من الجامعات والاستفادة من الأدوات التقنية مثل "بايمتريكس" (Pymetrics) من أجل قياس المهارات الشخصية لدى المرشحين عبر تقييمات قصيرة على الإنترنت، في تحسين التنوع الجنساني على جميع المستويات من خلال رفع عدد النساء في الإدارة من 38% في عام 2010 إلى 47% عند نهاية عام 2017.
إن هذه التغييرات هامة وبإمكانها تحقيق أثر مضاعف في جميع أنحاء مؤسستك. مثلاً، إذا تساوت نسب ترقية النساء والرجال وتعيينهم في أول منصب إداري لهم، عندئذ ستنضم مليون امرأة إضافية إلى المناصب الإدارية في الشركات الأميركية خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وهذا لن يقلص الفجوة بين الجنسين فحسب، وإنما سيحقق زيادة كبيرة في الأرباح الصافية أيضاً. ومن خلال تطبيق خطة تطوير مهني مدروسة على المستوى الإداري، سيكون طريق تقدم المرأة أكثر وضوحاً وسهولة.
لن تعالج أي من هذه المبادرات المشكلة المتعلقة بزيادة عدد النساء في الشركة بين ليلة وضحاها، وسيكون التقدم نحو التنوع الجنساني بطيئاً. إلا أن دمج تطبيق هذه المبادرات مع الحوار المفتوح والالتزام بالتغيير سيساعد قاد الشركات في صياغة استراتيجية تعيين مدروسة تتوافق أكثر مع سلوك الرجال والنساء على حدّ سواء.
اقرأ أيضاً: