ملخص: إذا أردنا الحد من تعيين الرجال عديمي الكفاءة في المناصب القيادية (تعيين القادة غير الأكفاء)، فيجب على المسؤولين عن تقييم المرشحين لشغل هذه المناصب أن يطوّروا قدرتهم على التمييز بين الثقة بالنفس والكفاءة. وما يبعث على التفاؤل أننا قد صرنا نمتلك بين أيدينا الآن تقييمات سليمة علمياً لتوقع انعدام الكفاءة الإدارية والقيادية وتجنبها. وهناك فوارق فردية منهجية في أساليب تسويق الناس لأنفسهم وطريقتهم في عرض إمكاناتهم، ويمكن من خلال هذه الفوارق التنبؤ بأسلوب الفرد في القيادة ومستوى كفاءته. وعندما تضع آلاف القادة في الاستبانات الذاتية نفسها، وتربط إجاباتهم بأسلوبهم في القيادة ومستوى أدائهم ومدى فاعليتهم، يمكنك حينئذ أن تحدّد الأنماط الرئيسية لتسويق الذات التي تميّز بين القادة الجيدين والسيئين. المشكلة الأساسية أن مثل هذه الأدوات لا يستخدمها إلا عدد ضئيل للغاية من المؤسسات، على الرغم من توافرها.
إذا أردت أن تفهم سبب وجود ثقافة مضرة في بعض الشركات وانخفاض مستوى الأداء بها مقارنة بإمكاناتها وقدراتها الحقيقية، ومن ثم انهيارها في النهاية، فلا تنظر إلى أبعد من جودة قياداتها. ففي حين أن القادة الأكفاء يتسببون في رفع مستويات الثقة والاندماج والإنتاجية، فإن القادة عديمي الكفاءة يتسببون في إصابة العاملين بالقلق وشعورهم بالعزلة وإقدامهم على ممارسة سلوكيات تأتي بنتائج عكسية في العمل وتخلق مناخاً مسموماً في الشركة كلها. ولك أن تعرف أن الأثر الاقتصادي لتجنب موظف ذي أفكار مسممة أكبر مرتين من أثر تعيين موظف متميز الأداء.
القادة غير الأكفاء
إذ يُعتبر القادة غير الأكفاء هم السبب الرئيسي لانخفاض مستويات اندماج الموظفين وارتفاع مستويات البحث عن وظائف بديلة وتجربة العمل الحر بكل ما يحمله هذا السلوك من دلالات سلبية.
عندما أشرت إلى هذه النقطة لأول مرة قبل 8 سنوات، تساءل الكثيرون عن معنى انعدام الكفاءة، خاصة فيما يتعلق بالقيادة. وأياً كانت الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر، فمن السهل تعريف ماهية انعدام الكفاءة القيادية، ممثلة في الآثار الضارة التي يخلفها القائد على مرؤوسيه أو أتباعه أو مؤسسته. ومن النادر أن تجد سمة تضاهي الغطرسة كركيزة أساسية لانعدام الكفاءة القيادية. وعلى عكس الاعتقاد الشائع، فإن معظم الناس لديهم ثقة مفرطة بالنفس ولا يعانون انعدام الثقة. كما أننا لن نكون أفضل حالاً عندما يكون لدى القادة قدر كبير من الثقة بالنفس. وتظهر فوائد الثقة بالنفس (إلى أي مدى تعتقد أنك جيد) في المقام الأول عندما تأتي متزامنة مع مستوى كفاءتك (كم أنت جيد فعلياً). لكن الكثير من البحوث أثبت أن الشخص صاحب المستوى السيئ بالمعنى الحقيقي للكلمة يعتبر أن مهاراته لا تقل بحال من الأحوال عن الأشخاص البارعين في أيّ من المجالات، ويرجع ذلك في الأساس إلى انعدام الوعي الذاتي.
وهذا يعني على أرض الواقع أنه لا يمكننا الاعتماد على القادة الذين يمسكون بمقاليد السلطة لقياس قدراتهم الخاصة. ولكن إذا كان هذا صحيحاً، فمن الذي يتحمل مسؤولية توقع انعدام الكفاءة لدى القادة والتخفيف من حدته إن أمكن؟
هناك أشخاص مسؤولون عن فحص مهارات المرشحين لشغل المناصب القيادية في عالم السياسة وفي مجال الأعمال، ويُفترَض بهؤلاء الأشخاص أن يبذلوا كل جهدهم لاكتشاف أي إشارة قد توحي بانعدام الكفاءة. وما جودة الثقافة المشتركة أو سوؤها إلا نتاجٌ لقيم قادتنا وسلوكياتهم. ويترتب على ذلك أن أفضل طريقة لخلق ثقافة إيجابية تتمثل في منع أي شخص يفتقر إلى القيم الأخلاقية من الصعود إلى القمة. وتنطبق هذه القاعدة على الرجل والمرأة على حدٍّ سواء، ولكن لسبب ما يبدو أننا أقل حرصاً على مكافحة انعدام الكفاءة لدى الرجال مقارنة بالنساء. ويستطيع مدراء التعيينات بطبيعة الحال أن يتذرعوا بالدعوات المنادية بالإنصاف ويسهلوا على النساء غير المؤهلات شغل المناصب القيادية، ولكن ثمة بديل أفضل بكثير وهو أن يتم التمييز على نطاق أوسع ضد الرجال غير الأكفاء لأن معدلات تمثيلهم حالياً في هذه المناصب أكبر من اللازم.
إذ يجب بداية على المسؤولين عن تقييم المرشحين لشغل المناصب القيادية أن يطوروا قدرتهم على التمييز بين الثقة بالنفس والكفاءة. فالميزة الرئيسية الوحيدة التي يتفوق بها الرجل على المرأة عند اختيارهم لهذه المناصب هي ميلنا نحن البشر إلى المساواة بين العجرفة والغطرسة من جانب والموهبة من جانب آخر. صحيح أننا جميعاً لدينا ثقة مفرطة بالنفس على وجه العموم، لكن الرجل أكثر ميلاً إلى الإفراط في الثقة بالنفس (والغطرسة) مقارنة بالمرأة. ويرجع هذا جزئياً لأسباب بيولوجية بحتة، حيث تظهر الفوارق بين الجنسين من حيث الاندفاع وحب الهيمنة والسلوك العدواني في كل الثقافات وفي سن مبكرة جداً، ولكنها تُعزَى أيضاً إلى أسباب ثقافية.
إذ تعتبر الثقة المفرطة نتيجة طبيعية لثقافة التمييز. ولو أن مستقبل القيادة كان مبنياً على الكفاءة وكان المدراء يختارون القادة على أساس مواهبهم وإمكاناتهم، لا على أساس الانتهازية القائمة على المباهاة بالذات أو تجشم مخاطر غير مدروسة أو الغرق في أوهام النرجسية، ما انتهى بنا المطاف إلى زيادة أعداد القيادات النسائية فحسب، بل لصار لدينا أيضاً نُخبٌ قيادية أفضل. ويتم أيضاً إغفال الكثير من الرجال الأكفاء وحرمانهم من المناصب القيادية لأنهم لا يستوفون معايير نماذج القيادة المعيبة المطُبَّقة لدينا، ما يعني أنه يُنظر إليهم باعتبارهم "ليسوا ذكوريين بدرجة كافية" أو لا يُظهرون السمات ذاتها التي تجعل القادة أقل فاعلية.
ما يبعث على التفاؤل أن العلم قد توصل إلى طريقة للتصدي لهذه المشكلة. وقد صرنا نمتلك بين أيدينا الآن تقييمات سليمة علمياً لتوقع انعدام الكفاءة الإدارية والقيادية وتجنبها. ويمكن التنبؤ بانعدام الكفاءة القيادية لأي شخص، وذلك من خلال إجراء اختبارات بسيطة وإن بدت تافهة أو غير فاعلة في ظاهر الأمر. ويرجع السبب الأساسي في ذلك إلى أن هناك فوارق فردية منهجية في أساليب تسويق الناس لأنفسهم وطريقتهم في عرض إمكاناتهم، ويمكن من خلال هذه الفوارق التنبؤ بأسلوب الفرد في القيادة ومستوى كفاءته. وعندما تضع آلاف القادة في الاستبانات الذاتية نفسها، وتربط إجاباتهم بأسلوبهم في القيادة ومستوى أدائهم ومدى فاعليتهم، يمكنك حينئذٍ أن تحدّد الأنماط الرئيسية لتسويق الذات التي تميّز بين القادة الجيدين والسيئين.
تقييم الإمكانات القيادية
حاول الإجابة عن الأسئلة التالية التي تعتبر بمثابة تقييمات قائمة على العلم ويجري استخدامها لتقييم الإمكانات القيادية وملاءمة الفرد لمهماته الوظيفية. وقد استعانت مئات الدراسات العلمية المستقلة بمثل هذه الأسئلة من أجل التنبؤ بمستويات الكفاءة المستقبلية للقادة. وتتميز هذه العملية بالوضوح التام، فهي تقارن بين ردود فعل القادة على اختلافهم وتربطها بمستويات أدائهم (أي مدى تأثيرهم على فرقهم ومؤسساتهم)، حيث يتم حساب درجة قدرة السؤال على التنبؤ بالآثار الإيجابية أو السلبية للقادة على فرقهم، ومن ثم يتم الاحتفاظ به واستخدامه لحساب معامل الكفاءة العام (لإجراء التقييم الفعلي ومعرفة درجاتك، انقر هنا):
- هل لديك موهبة استثنائية في القيادة؟
- هل يريد معظم الناس أن يتشبّهوا بك؟
- هل يستحيل أن ترتكب أخطاء في العمل إلا في أحوال نادرة؟
- هل أنعمت عليك الطبيعة بشخصية كاريزمية؟
- هل تمتلك القدرة على تحقيق أي شيء تريده من خلال التركيز عليه بكل قواك العقلية؟
- هل لديك موهبة خاصة في ممارسة سياسة الوصولية في العمل؟
- هل قُدِّر لك أن تكون ناجحاً؟
- هل خداعك للآخرين أيسر من خداع الآخرين لك؟
- هل تتمتع بتلك الموهبة التي تتيح لك القدرة على اصطناع التواضع؟
لماذا تستطيع مثل هذه التقييمات الذاتية البسيطة التنبؤ بانعدام الكفاءة القيادية؟ لأنها تستطيع قياس الغطرسة والثقة المفرطة بدقة متناهية، ذلك أن الأشخاص الذين لديهم هذه الميول، وغيرها من الميول المشابهة كالنرجسية، لا يكترثون عادة بتصوير أنفسهم كأشخاص متواضعين. ولك أن تنظر إلى هذه الورقة الأكاديمية التي تم نشرها مؤخراً، استناداً إلى 11 تجربة مستقلة، والتي تُثبت أنه يمكنك اكتشاف الشخصيات النرجسية بطرح سؤال واحد فقط: "هل أنت نرجسي؟" المدهش هنا أن هذا السؤال الصريح والمباشر كافٍ لتحديد الشخصيات النرجسية، ليس هذا فحسب، لكن النتائج أثبتت أيضاً أن الأشخاص النرجسيين: (أ) يدركون نرجسيتهم إلى حد ما، (ب) يفخرون بها. بعبارة أخرى، غالباً ما يكون الأشخاص الذين يحبون أنفسهم أكثر من اللازم فخورين بغرورهم وأكثر وعياً بأوهامهم مما قد يظن المرء.
المشكلة الأساسية أن مثل هذه الأدوات لا يستخدمها إلا عدد ضئيل للغاية من المؤسسات، على الرغم من توافرها. وبالتالي فإن المشكلة لا علاقة لها فيما يبدو بافتقارنا إلى الوسائل اللازمة لاكتشاف انعدام الكفاءة، ولكننا نختار في كثير من الأحيان أن ننخدع بمدّعي الكفاءة. وهذا يعني أنه يجب ألا نلوم أحداً غير أنفسنا على اختياراتنا القيادية المدمرة. وربما حان الوقت للتوقف عن التشدق بالتواضع والنزاهة، حتى نطبّق ما ندعيه ونختار القادة على أساس هذه السمات. ويجب أن نحرص على تسليم زمام القيادة إلى الأشخاص ذوي الكفاءة الفعلية والتواضع والنزاهة بدلاً من ترقية الموظفين على أساس الكاريزما الشخصية والثقة المفرطة والنرجسية. ولا تكمن المشكلة في صعوبة قياس هذه السمات، ولكن يبدو أننا لا نريد تطبيقها على أرض الواقع بخلاف ما ندّعي.