كيف تعلّم موظفيك مهارات يجهلون افتقارهم إليها؟

3 دقائق

بعد إنفاق مليارات الدولارات سنوياً على التعلم المؤسسي، من المرجح أنّ شركات الولايات المتحدة تفترض أنّ موظفيها يمتلكون المعرفة والمهارات اللازمة لقيامهم بأعمالهم. وربما يعتقد الموظفون أنفسهم أنهم أصبحوا مستعدين بعد قيامهم بهذه التدريبات. ولكن ما تقوله البيانات المأخوذة من مجالات مختلفة، مثل الأوساط الأكاديمية والرعاية الصحية والتقنية والتصنيع والتجزئة والرياضات وخدمات الأعمال التجارية، أنّ الناس يعانون من "عدم كفاءة غير مدركة" في 20% إلى 40% من المجالات المهمة بالنسبة لأدائهم. فقد اكتشفت إحدى شركات التقنية العالمية التي يعمل فريقي معها أنّ موظفي المبيعات لديها، بشكل وسطي، لم يفهموا أو لم يعلموا 22% من خصائص منتجاتها، مع أنهم كانوا يعتقدون أنهم على علم بها.

توجد عدم الكفاءة غير المدركة في كل وظائف ومجالات ومستويات المؤسسات. في الواقع، تبرز أكثر بين الموظفين ذوي الخبرة، وهو ما يعد إشكالية من نوع خاص، لأنه بكونهم الأشخاص الذين يلجأ إليهم الآخرون للاستفادة منهم، فهم غالباً ما ينقلون معلومات أو مهارات غير صحيحة أو غير مكتملة إلى الآخرين عن طريق تعلم وتدريب النظراء. ما يؤدي بدوره إلى أخطاء فادحة مثل استياء العملاء وحتى الإضرار بسمعة المؤسسات.

ولكن كيف يمكن للشركة أو المدير أو الموظف إصلاح فجوة الكفاءة التي لا يدركها أحد؟ لدي بعض المقترحات بوصفي طبيب يدرس وظيفة الدماغ والتباين البيولوجي وطريقة تعلم الناس. الخطوة الأولى هي إضافة "عدم الكفاءة غير المدركة" إلى جدول التعلم الخاص بالمؤسسة.

في غضون ذلك، تحتاج برامج التدريب المؤسسي إلى إعادة التصميم لإشراك المتعلمين بشكل أفضل وتمكينهم من الإقرار بالأمور التي يجهلونها. إذ تفتقر العديد من برامج التدريب عبر الإنترنت إلى هذا الهدف لأنها تعتمد على المحتوى الثابت الذي يحاول الناس تخطيه بأسرع ما يمكن وخاصة إذا كانوا يعتقدون أنهم يعرفونه مسبقاً. وتضع هذه البرامج أيضاً افتراضات حول ما يفهمه الطلاب والمواضع التي يحتاجون فيها إلى تعميق الفكرة، وذلك باتباع منهج "واحد يناسب جميع الحالات" وهو منهج غير فعال لأن كل متعلم يختلف عن الآخر باختلاف المعرفة والخبرات والخلفية المسبقة وقابلية تلقي معلومات جديدة، حتى أنّ هذه الأمور تختلف من وقت لآخر.

بينما تكون مناهج التعلم الأفضل قابلة للتكيف، بمعنى أنها مصممة لتتناسب مع احتياجات كل شخص من خلال استكشاف ما يعلمه وما يجهله، ثم توفير محتوى مخصص يتناسب مع تحسن أداء المتعلم أو تراجعه. وعندما يتم تخصيص برامج التعلم الإلكتروني بهذه الطريقة، سيبقى المتعلمون قادرين على تسريع عملية التعلم ولكن فقط عند مرورهم بالمعلومات التي يتقنونها فعلاً. وعندما يواجهون تحديات وصعوبات، يتلقون المزيد من الدعم. وفي السياق ذاته، تعمل شركات تقنيات التعلم والناشرون بجهد كبير لتطوير مثل هذه الأنظمة، وكذلك مجموعات الصناعة، خاصة في مجال الرعاية الصحية. وأعلنت الرابطة الأميركية الطبية مؤخراً مبادرة شراكة لتشجيع الابتكار والمرونة في التعليم المستمر باستخدام طرق جديدة أو مزج عدة طرق مع بعضها. وهو ما يشبه عملنا مع مجلة "نيو إنغلند الطبية" (New England Journal of Medicine) لإنتاج دورات تسمح للأطباء بالحصول على شهادة ومواكبة الجديد في مجال يتطور باستمرار.

عندما يتم اختبار الطلاب، يجب دفعهم أيضاً لتقييم ثقتهم بإجاباتهم. على سبيل المثال: خذ أحد المتدربين الحاصل على درجة 40 من 50 في اختبار كفاءة ما، على المدرب ألا يقتصر تركيزه على تصحيح الإجابات العشر الخاطئة وحسب، بل أيضاً على الإجابات الصحيحة التي يعترف المتدرب أنها كانت مجرد تخمينات محظوظة. لقد بدأت فعلاً باستخدام هذه الطريقة عند مساعدتي ابنتاي في تدرب على تهجئة الكلمات. عند إجابتهما على أي سؤال، ترفعان ثلاثة أصابع إذا كانتا واثقتين من صحة الإجابة، وإصبعين في حالة التأكد الجزئي، وتوجهان الإبهام إلى الأسفل إذا كانت الإجابة مجرد تخمين. وبهذا فهما الآن أكثر وعياً تجاه الحالات التي تقومان فيها بالتخمين وأكثر قدرة على مراجعة كل الكلمات التي شعرتا بعدم الثقة عند الإجابة عليها. عندما تحثّ برامج التعلم المؤسسي الموظفين على الإقرار بالحالات التي يقومون فيها بالتخمين بالطريقة نفسها، سيبدأ الموظفون أيضاً بملاحظة الفجوات المخفية سابقاً في مهاراتهم ومعارفهم.

هناك استراتيجية أُخرى وهي تعزيز ثقافة تطوير مستمر. يمكننا النظر إلى قطاع الطيران كمثال رائع على استخدام هذه الاستراتيجية. يتم تدريب الطيارين على استخدام أحدث الطائرات والإجراءات عن طريق أنظمة المحاكاة التي تختبر مهاراتهم وقدراتهم وتكشف عدم الكفاءة غير المدركة. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم شركات الطيران وإدارة الطيران الفيدرالية (Federal Aviation Administration) معلومات من البيانات "شبه الخاطئة" (وهي الحوادث أو الأخطاء التي كادت أن تسبب حادثاً) لتعزيز التدريب. والنتيجة هي "السلامة التنبؤية" التي تعتمد بشكل كبير على التبليغ عن مثل هذه الأخطاء. ولا تهدف هذه الاستراتيجية إلى العقاب (بل حتى أنّ عدم وجود البيانات شبه الخاطئة يعد أمراً مريباً)، بل إلى تحسين مستوى السلامة والأداء. ويجب أن تحتفظ المزيد من الشركات بمثل هذه السجلات الرسمية أو غير الرسمية للأخطاء (ومناقشتها بوضوح) سواء في مجال الإنتاج أو خدمة العملاء أو غيرها من المجالات، لأنها تقدم أفكاراً ثمينة حول فجوات الموظفين المعرفية وتجعل الجميع أكثر وعياً تجاه الأمور التي يجهلونها. ويمكن القول أنّ الهدف هو جعل الناس يشعرون براحة أكبر تجاه الإقرار بالأخطاء السابقة أو أي شكوك تثار لديهم أثناء قيامهم بعملهم. والتأكيد على أنّ قول "لا أعلم" دائماً أفضل من التظاهر بمعرفة شيء ما.

تعد عدم الكفاءة غير المدركة مشكلة منتشرة ومتصاعدة، وخاصة في المجالات المتسارعة التي تحتاج إلى تحديث المعرفة والمهارات دائماً. ولن تكون المؤسسات قادرة على معالجة هذه المشكلة إلا باستخدام برامج تعليم مؤسسي أكثر تخصيصاً وقابلية للتكيف، وعن طريق تعزيز ثقافة التطوير المستمر أيضاً. وباتباع منهج مدروس يسمح للمتعلمين باستكشاف معارفهم والإقرار بما يجهلونه والحالات المبهمة بالنسبة لهم، حينها سيتم الكشف عن عدم الكفاءة وبالتالي لن تكون غير مدركة بعد ذلك: إذ سيعلم الموظفون مواضع جهلهم، وسيتمكن أصحاب العمل من مساعدتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي