ملخص: سواء كنت لاعباً محترفاً في إحدى الرياضات أو مسؤولاً تنفيذياً في إحدى الشركات، ينطوي نجاحك المهني على المخاطرة. يقدم مؤلف هذه المقالة عدة اقتراحات للقادة حول المجازفات الذكية المحسوبة، تتضمن استكشاف فجوات القطاع التي لا تصلها المنتجات أو الخدمات، وإنشاء دور جديد لأنفسهم يتماشى مع مواطن قوتهم الفريدة لسد هذه الفجوات، أو البقاء في أدوارهم الحالية مع ابتكار منتج أو خدمة جديدة، أو تغيير القطاع الذي يعملون به كلياً للبحث عن أدوار جديدة مختلفة تماماً حيث يمكن أن تكون مهاراتهم أقل شيوعاً وبالتالي أكثر قيمة. في جوهره، يتعلق الأمر بالمجازفة من خلال تحديد الفرص التي تتيح لك توظيف مهاراتك بطرق جديدة أفضل، واغتنامها.
بنى لاعب كرة السلة المحترف في الدوري الأميركي للمحترفين، ستيفن كوري، مسيرته المهنية على مهارة يفتقر إليها الآخرون: تسديد رميات ثلاثية من مسافة بعيدة جداً. لم يهتم لاعبو الدفاع سابقاً بصد هذه التسديدات البعيدة لأن فرص نجاحها في الوصول إلى السلة منخفضة جداً، لكن النجم الذي يلعب في فريق غولدن ستيت ووريورز تدرب جيداً على هذه التسديدات الصعبة حتى أتقنها بنسبة نجاح مذهلة.
تعد طريقة لعب كوري كرة السلة مثالاً على تحمل المخاطر التنافسية. بدلاً من الدخول في منافسة مباشرة مع لاعبين آخرين في المنطقة المزدحمة أسفل السلة على أمل التسديد وسط منافسة حامية، اختار كوري التسديد من مسافة 9 أمتار من السلة، وهي منطقة لا يتجمع اللاعبون الآخرون فيها عادةً. لقد أتقن مهارة فريدة تتمثل في تنفيذ نسبة كبيرة من هذه التسديدات البعيدة المدى بنجاح.
يطبّق مبتكر حملات الرسائل الإلكترونية الباردة، مدير شركة تشارم أوفينسيف (Charm Offensive) في لندن، جون باكن، استراتيجية ستيفن كوري المزعزعة في لعبة كرة السلة على أعماله، إذ كتب: "ابحث عن فجوة لم يستكشفها الآخرون، عن نقطة ضعف يمكن تحويلها إلى فرصة. اسأل نفسك: ما الطرق التي لا يتبعها الآخرون؟ ولماذا لا يتبعونها؟ هل سيكون من المفيد إتقانها؟ إذا كان الأمر كذلك، فجربها".
يمكن أن يؤدي تبنّي مخاطر السوق في حياتنا المهنية إلى نسبة عالية من النجاح. يوفر اكتشاف الطرق التي لا يتبعها الآخرون ثم التفوق فيها أفضل الفرص للنجاح وتسريع الأعمال وتحقيق نمو هائل. على الرغم من ازدياد وعينا بأهمية تحمّل مخاطر السوق عند بدء المشاريع التجارية أو تنميتها، فمن الضروري أيضاً فهم أن تحمّل مخاطر السوق عامل حاسم في تسريع الزعزعة على المستوى الشخصي التي تغذي النمو المهني الفردي. أعتقد بقوة أن الأفراد هم عوامل التغيير والزعزعة لا الشركات؛ لا يمكن للشركات أن تبتكر أو تزعزع قطاعاتها من دون الموظفين. مع ذلك، لا يدرك الكثيرون كيفية تطبيق مفهوم تحمل مخاطر السوق على حياتهم المهنية.
جرّب إحدى هذه الأفكار المزعزعة لتسريع مسارك المهني:
أنشئ دوراً وظيفياً لنفسك يعتمد على مواطن قوتك وقدراتك الفردية
كان لدى محامية الشركات، سارة فاينغولد، جانب إبداعي عبّرت عنه من خلال عمل جانبي مستقل في صنع المجوهرات وبيعها على موقع إتسي (Etsy). أحبت فاينغولد شركة إتسي ونموذج أعمالها، وعندما علمت بالسياسات الجديدة التي تقدمها الشركة، تواصلت مع فريق خدمة العملاء وعرضت رؤاها القانونية بصفتها محامية. تجاهل قسم خدمة العملاء اقتراحاتها، فبادرت فاينغولد إلى الاتصال بمؤسس إتسي مباشرة وتحدثت إليه. بعد إنهاء المكالمة، بدأت تفكر: "يمكنني إضافة قيمة إلى هذه الشركة، ومن الواضح أنهم بحاجة إلى القيمة التي يمكنني إضافتها". لذلك حجزت رحلة إلى مدينة نيويورك وعاودت الاتصال بالمؤسس وقالت له: "مرحباً، لقد جئت لإجراء مقابلة عمل. تحتاج شركتكم إلى مستشار قانوني، وأنتم بحاجة إلي في هذا الدور". نتيجة لاستعداد فاينغولد لتحمل مخاطر السوق وتولي دور جديد لم يكن موجوداً بعد، استطاعت العمل مستشارة عامة لدى شركة إتسي نحو 10 سنوات، وتمكنت من الجمع بين شغفها بالإبداع والقانون في وظيفة صممتها بنفسها.
ابتكر منتجاً أو خدمة ضمن دورك أو منصبك الحالي
في عام 1979، ارتفعت أسعار الفائدة بحدّة ووصلت إلى أكثر من 20%، ما تسبب في صعوبات كبيرة لقطاع الأعمال المصرفية. كان كريغ هاتكوف، الذي أصبح حالياً مستثمراً ناجحاً وفاعل خير ومؤسساً مشاركاً لمهرجان تريبيكا السينمائي، قد تخرج حديثاً من كلية إدارة الأعمال ويعمل في بنك كيميكال بانك، وكان على وشك خسارة وظيفته. خلال فترة راحة قصيرة من الضغوط وسط حالة عدم اليقين الشديد، طرح هاتكوف فكرة ضمان البنك للقروض مع تأمين التمويل الفعلي لها من أطراف أخرى، لتخفيف التحديات الناجمة عن التزامات البنك ذات الفوائد المرتفعة. أصبحت فكرة هاتكوف، التي تُعرف الآن بخطابات الاعتماد بدلاً من التمويل، أداة مالية حيوية لبنك كيميكال بانك والقطاع المصرفي بأكمله، وأنقذت وظيفته أيضاً. في حين لا تتمتع الابتكارات جميعها بمثل هذا التأثير الواسع، تواجه الشركات كلها مشكلات مستعصية تتطلب شخصاً مستعداً لتحمل مخاطر السوق للتوصل إلى حلول لها.
استكشف الفرص التي تتجاوز مجال خبرتك
لم تعد مؤهلاتنا العلمية ما يحدد مسارنا المهني. لم تكن غالبية الوظائف الأكثر طلباً اليوم موجودة عندما أنهيت دراستي الجامعية، وهذا التطور في سوق العمل يتسارع، فالموظفون اليوم يتمتعون بمجموعة من المهارات، وليست مهارة واحدة، وبالتالي فهم مؤهلون للإسهام بطرق مختلفة. إذا كنت مديراً، ففكر في اتباع طرق توظيف غير تقليدية بأسلوب مدروس لإحداث تغيير جذري في شركتك. لقد أقدمت الطبيبة البيطرية ليزا أوميلر على تحمل مخاطر السوق وبدأت تقديم خدمة بيطرية متنقلة وصلت إيراداتها السنوية في غضون سنوات قليلة إلى أكثر من 5 ملايين دولار ويعمل بها أكثر من 60 شخصاً. كانت استراتيجية التوظيف التي تتبعها أوميلر أبرز عامل مزعزع، فقد كانت تسعى باستمرار لتعيين موظفين من خارج مجال عملها، مثل الأزياء والتصنيع الكيميائي والامتيازات التجارية وغيرها من التخصصات. تقدّر أوميلر الموظفين الذين يمكنهم تقديم أفكار مبتكرة خارج نطاق الطب البيطري ووجهات نظر جديدة مستمدة من الخبرة المكتسبة في مجالات مختلفة، وتفضل توظيف الأشخاص الذين طُردوا من وظائفهم لأسباب معينة تلائمها، لأنها تعتقد أن شركتها تحتاج إلى موظفين مستعدين للتشكيك في الوضع الراهن، حتى لو كان ذلك يعني تحدي أفكارها أيضاً.
عندما يبتكر الموظفون في مساراتهم المهنية، تتولد طاقة مزعزعة داخل فِرقهم وشركاتهم وحتى داخل القطاع بأكمله. على العكس من ذلك، إذا لم يتحمل الأشخاص مخاطر السوق بتبني مثل هذه المجازفات، يمكن أن تواجه مساراتهم المهنية وشركاتهم خطر الركود.
سَل نفسك: هل ثمة مجال تسويق محدد لا يحصل على الخدمات أو حاجة غير ملباة يمكنني تلبيتها من خلال تغيير وضعي؟ يمكن أن يمثل ذلك تغييراً داخل شركتك الحالية، ففي الشركات كلها مجالات غير مخدمة على الإطلاق واحتياجات غير ملباة، صغيرة أو كبيرة. أو قد تفكر في التحول إلى شركة مختلفة أو حتى استكشاف مجال جديد تماماً. سواء كان الدور الذي تريده موجوداً أو لا، فهو بانتظار من يتولى زمام المبادرة ويقدم فكرة جديدة يقنع الآخرين بها.
لا يبحث المبتكرون فقط عن الاحتياجات غير الملباة، بل يبحثون تحديداً عما يتوافق منها مع مواطن قوتهم الشخصية والمجالات التي يتفوقون فيها. فكر في مهاراتك ومواطن قوتك الفريدة التي تميزك عن الآخرين في مجالك، وحدد المكان الذي يمكنك استخدام هذه القدرات الفريدة فيه بفعالية. هذه هي فرصتك لتحمل مخاطر السوق، فلا تخشَ المخاطرة ومتابعة الفرص حتى لو بدا احتمال نجاحها ضئيلاً.