ملخص: تختلف القيادة كلياً وجزئياً عن تبوّؤ منصب قيادي، فالقيادة تستوجب القدرة على التواصل مع المرؤوسين وتحفيزهم وإشعارهم بأنهم يشاركون قادتهم الأهداف ذاتها. ويتطلب أن تكون قائداً أفضل أو تعزيز قدرتك على قيادة الآخرين القدرة على رؤية طريقة تفكيرك وتصرفك، وأثر سلوكك على الآخرين؛ كما تتطلب القيادة الجيدة خوض رحلة مستمرة من تطوير الذات. ومع ذلك، فكثيراً ما يتجنب الأشخاص الذين يتبوؤون مناصب قيادية العمل الطويل والشاق المتمثل في تعميق البصيرة الذاتية، ويلهثون خلف "أدوات" الإدارة، وحبذا لو كانت من النوع "السريع والسهل"، مثل تقييم السمات الشخصية التي تختصر الموظفين في بضعة ميول سلوكية بسيطة. صحيح أن هذه الأدوات قد تكون بمثابة عوامل مساعدة للقدرات القيادية الجيدة، لكن لا يمكن أن يحل أي منها محل التأمل الجريء للنفس والبحث عن آراء الغير وملاحظاتهم والجهود الدؤوبة لتغيير السلوك من أجل زيادة الفاعلية وزيادة التأثير الإيجابي في الآخرين.
إذا كنت موظفاً عادياً، فإن قدرتك على استغلال خبرتك الفنية لتحقيق النتائج ستشكل أمراً بالغ الأهمية، لكن بمجرد أن ترتقي السلم الوظيفي وتتبوأ منصباً قيادياً فلن تسعفك مجموعة الأدوات التي اعتمدت عليها في السابق للنجاح من خلال الآخرين، حتى وإن أسهمت في تحقيق النتائج المطلوبة منك حينما كنت موظفاً عادياً، لذا يجب أن تتوخى الحذر لكيلا تقع في الفخ المنطقي الذي يقول: "إذا كان بإمكاني أداء هذا العمل بشكل جيد، فلا بد وأنني سأكون قادراً على قيادة فريق من الأشخاص الذين يؤدون العمل ذاته". قد يكون هذا صحيحاً إذا كانت قيادة الآخرين أقرب إلى تشغيل نسخة أضخم من الآلة ذاتها التي اعتدت تشغيلها في السابق، لكن المسألة ليست كذلك، لأن جودة عمل الآلات لا علاقة لها من قريب أو بعيد برأيها فيك وحقيقة شعورها حيالك، أما مستوى أداء البشر في العمل فيتأثر بذلك كله.
ما هو الفرق بين القيادة وتبوؤ منصب قيادي؟
تختلف القيادة كلياً وجزئياً عن تبوّؤ منصب قيادي، فالقيادة تستوجب القدرة على التواصل مع المرؤوسين وتحفيزهم وإشعارهم بأنهم يشاركون قادتهم الأهداف ذاتها. ويتطلب تعزيز قدرتك على قيادة الآخرين القدرة على رؤية طريقة تفكيرك وتصرفك، وأثر سلوكك على الآخرين؛ كما تتطلب القيادة الجيدة خوض رحلة مستمرة من تطوير الذات. ومع ذلك، فكثيراً ما يتجنب الأشخاص الذين يتبوؤون مناصب قيادية العمل الطويل والشاق المتمثل في تعميق البصيرة الذاتية، ويلهثون خلف "أدوات" الإدارة، وحبذا لو كانت من النوع "السريع والسهل"، مثل تقييم السمات الشخصية التي تختصر الموظفين في بضعة ميول سلوكية بسيطة، أو ورشات التحيز الضمني التي تُستخدم كحل مساعد للتمييز المنهجي، أو أنظمة التصنيف التراكمي التي تهدف إلى تحديد أفضل المواهب من خلال مطالبة المدراء بمقارنة الموظفين بعضهم ببعض. وبدلاً من أن يعمل هذا النهج الآلي كطريق مختصر للقدرات القيادية الفاعلة، غالباً ما يكون طريقاً مسدوداً يصرف انتباه القادة بعيداً عن العلاقة بين سلوكهم ونتائج الموظفين.
وكمثال حي على ذلك، فقد سبق لي أن عملت مع مؤسسة لا يشعر فيها الموظفون بالاندماج ويعاني مدراؤها من الشعور بالإحباط بعد فشل جهودهم في غرس روح الالتزام والإحساس بتحمّل المسؤولية في فرقهم. كانت الشركة قد أقدمت قبل بضع سنوات على إصلاح نظام إدارة الأداء، وكان الحل الجديد يتمحور حول نظام يحفز المدراء على إدخال أهداف الأداء ووضع تصنيفات لمرؤوسيهم المباشرين وعقد اجتماعات دورية لمراجعة الأداء واستكمال عملية تقييم الأداء السنوي خلال فترة زمنية محددة. وعندما أنجز المدراء تقييمات الأداء في الوقت المحدد وصنفوا مرؤوسيهم بحسب المستهدفات المحددة، ادعى رعاة النظام أن ذلك قد أدى إلى رفع مستوى الدقة والإحساس بتحمّل المسؤولية في إدارة الأداء، لكن ما لم ترصده لوحة المتابعة الخاصة بالنظام، وما فشل رعاة النظام في تقديره، هو أن تنفيذ هذه المقترحات قد جاء مصحوباً بانخفاض معنويات الموظفين وإحساسهم بالاندماج. وقد أفاد الموظفون أن مدراءهم لم يقدروا قيمتهم ولم يهتموا بتطويرها، حتى إن الكثيرين منهم راحوا يبحثون عن فرص جديدة في أماكن أخرى. ومن جانبهم، شعر المدراء بأن المؤسسة جعلت إدارة الأداء عملاً مرهقاً، كما أنهم أغفلوا إسهاماتهم في مناخ مكان العمل وهو ما أضعف روح الالتزام والإحساس بتحمّل المسؤولية لديهم.
صحيح أن هذه الأدوات قد تكون بمثابة عوامل مساعدة للقدرات القيادية الجيدة، لكن لا يمكن أن يحل أي منها محل التأمل الجريء للنفس والبحث عن آراء الغير وملاحظاتهم والجهود الدؤوبة لتغيير السلوك من أجل زيادة الفاعلية وزيادة التأثير الإيجابي في الآخرين. واستطعت من خلال عملي مع المؤسسة سالفة الذكر أن ألفت انتباه القادة إلى أن أكبر ميزة لتحسين مستوى التزام موظفيهم وإحساسهم بتحمّل المسؤولية لا تكمن في تتبّع مدى إنجازهم للأهداف بقدر ما تكمن في خلق بيئة تفاعلية محفزة والحفاظ عليها. وعلى الرغم من أننا استخدمنا أدوات مثل أطر العمل وقوائم المراجعة، فقد اقتصرت وظيفتها على مساعدة القادة على ملاحظة جودة خبراتهم وخبرات موظفيهم في العمل وتحويلها إلى اتجاه أكثر تعاوناً، دون استخدامها كبدائل لهذا العمل الأساسي. وهكذا أدرك القادة مدى تأثير افتراضاتهم في تشكيل سلوكهم وتعلموا تبني العقليات والسلوكيات التي تؤدي إلى نتائج أفضل فيما يخص القدرات القيادية.
خطوات منهجية لرفع مستوى كفاءة قدراتك القيادية
ومن ثم يجدر بك أن تفكر في صياغة منهجية ترفع مستوى كفاءة قدراتك القيادية بدلاً من أن تنتظر عبثاً ظهور أداة سحرية تساعدك على إدارة فريقك. وينطوي هذا المسلك على أخذ فكرة أو اكتشاف توصل إليه بحث ما وتترجمه إلى سلوكيات يمكنك تكرارها بشكل منهجي لتحقيق النتيجة المنشودة. يمكنك استخدام الخطوات التالية لتصميم منهجية تعليمية لأي تحد تنموي تود مواجهته:
ابدأ بمشكلة تريد حلها أو بنتيجة تود تحقيقها في المستقبل. ما النتيجة التي ستُحدث فرقاً ذا مغزى بالنسبة لك؟ لنفترض، مثلاً، أنك تود رؤية أعضاء فريقك وقد أصبحوا أكثر استباقية في تحديد المشكلات وحلها.
وضح سبب أهمية هذه النتيجة بالنسبة لك الآن. إذ إن توضيح هدفك ودوافعك يزيد من قدرتك على الإبداع والمثابرة في تصميم منهجيتك والحفاظ عليها. ربما كان اهتمامك ينصب على تطبيق أفضل قواعد إدارة الموارد البشرية بمؤسستك وإخراج أفضل ما في أعضاء فريقك، وتؤمن بأن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من القدرات الإبداعية لكل فرد سيفيد الشركة وكذلك أعضاء فريقك، حيث تشعر بأنك تتحمل عبئاً كبيراً وتعتقد أن استقطاع بعض الوقت الذي تقضيه حالياً في الإشراف على عمل أعضاء الفريق من شأنه أن يسهم في زيادة فاعليتك، وتريد أيضاً تقليل شعورك بالإحباط الناجم عن الاضطرار إلى توليد كل الأفكار ورسم كل الخطط لفريقك.
ابحث عن معلومات عالية الجودة لبناء نهجك على أساسها. بما أنك لا تعرف أفضل الطرق المتاحة لتشجيع الحلول الاستباقية للمشكلات، فعليك الاستعانة بمدرب أو موجه أو البحث عن بعض الكتب والمقالات ذات الصلة. ولو كنت مكان هذا المدرب، لأرشدتك إلى مقالات عملية تعتمد على الأبحاث حول تشجيع الروح الاستباقية و تطوير مرونة التعلم وتيسير إمكانية التعلم في فريقك.
حدد مقاييس النجاح. كيف ستبدو زيادة الروح الاستباقية في تحديد المشكلات وحلها في الواقع العملي؟ كيف ستعرف ما إذا كنت تحرز تقدماً من عدمه؟ بعد أن تفكر فيما تريد تحقيقه وانطلاقاً من المواد التي قرأتها، حاول تتبع عدد المرات التي يعرض فيها أعضاء الفريق مقترحاتهم، ويقدّمون أفكاراً إضافية للإسهام في تحسين مسار العمل، ويتحملون مسؤولية تنفيذ القرار الذي تم التوصل إليه. احرص أيضاً على مراقبة وضعك الداخلي وكيفية تفاعلك مع أعضاء الفريق، وابحث عن تقليل مستوى الإحباط الشعوري وزيادة الحماس والمشاركة من جانب أعضاء الفريق. أخيراً، اطلب التعليقات والملاحظات من مرؤوسيك المباشرين.
ضع الهدف نصب عينيك. احرص على تعلم دعم السلوكيات الاستباقية. اكتب هذا الهدف على ورقة لاصقة وضعها على جهاز الكمبيوتر الخاص بك بحيث تراها أول شيء كل صباح. وعندما تلتقي بأعضاء الفريق، استحضر هذا الهدف في ذهنك بحيث يعمل كمنارة لإرشادك ويبقيك على المسار الصحيح ويمنعك من الانزلاق إلى عادتك القديمة في القفز إلى الإجابة إذا لم يتقدم بها أحد آخر على الفور.
اختر السلوكيات المطلوب اتباعها. يمكنك تصميم الممارسات التالية انطلاقاً من المواد التي قرأتها والمناقشات التي أجريتها مع مدربك:
- شارك خبرتك. عرّف مرؤوسيك على عملية التعلم ولا تبخل عليهم بالخبرات التي اكتسبتها حتى تكون نموذجاً يحتذى به للتعلم الموجَّه ذاتياً، واحرص على مناقشة المشاكل التي تتصدى لها حالياً واطلب من أعضاء الفريق تقديم أفكارهم حول سبل حلها.
- اطرح الأسئلة المناسبة. عندما يسألك أعضاء الفريق عن كيفية المضي قدماً، فاعمل على تحفيز تفكيرهم بطرح الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات. اطلب من أعضاء الفريق التحدث معك حول كيفية تفكيرهم في مشاكل العمل وأنسب الحلول من وجهة نظرهم. اطلب من الآخرين الإسهام بأفكارهم.
- ضع نفسك مكانهم. إذا شعرت بالإحباط تجاه أحد أعضاء الفريق، فانظر إلى هذا الشعور باعتباره فرصة لتعلم شيء جديد عن القدرات القيادية، وحاول التفكير في الموقف من وجهة نظره بدلاً من التعامل معه بطريقة تعكس شعورك بالإحباط.
- اعترف بالإنجازات. تعرف على السلوك الاستباقي وامتدحه كلما لاحظت حدوثه.
اطلب التقييم. أخبر أعضاء فريقك بأنك تعمل على دعم حلولهم الاستباقية للمشكلات وبأنك بحاجة إلى آرائهم وملاحظاتهم لمساعدتك على تحسين هذا السلوك. اطلب منهم إعلامك كلما أقدمت على فعل شيء مفيد أو مضر. لنفترض مثلاً أن بعض الموظفين لاحظوا أنك تغفل مقترحات الآخرين وتتبع منهج الإدارة التفصيلية عندما تشعر بالتوتر. التزم بالامتناع عن انتقاد الأفكار بناءً على هذه التعليقات، واطلب من أعضاء الفريق بدلاً من ذلك تقييم إيجابيات وسلبيات كل فكرة.
راجع مستوى التقدم واحتفل به. ستتمكن خلال بضعة أسابيع من معرفة أنك أحرزت تقدماً ملموساً إذا صار أعضاء الفريق أكثر نشاطاً بالمشاركة في حل المشكلات بشكل منتظم، وحينها ستنظر بعين التقدير لإبداع بعض الموظفين. وإذا واصلت طلب الملاحظات واستجاب الفريق لطلبك، فستتمكن من تخصيص قدر أكبر من الوقت لتوضيح النتائج المنشودة مع أعضاء الفريق وتقليل الوقت المخصص للإشراف على عملهم، وهو ما يؤدي إلى توفير الكثير من الوقت والجهد، وستشعر بمزيد من الحماس لقيادة فريقك وستدرك أن لديك قدرة أكبر على تطوير نفسك كقائد مقارنة بما كنت تظنه في السابق.
يختلف تبوؤ منصب قيادي اختلافاً جذرياً عن الرغبة في بذل الجهد اللازم لتعلم مهارات القيادة أو أن تكون قائداً أفضل، إذ يمكن تشبيه رفض الرحلة التطويرية للقدرات القيادية بالسفر إلى منطقة خلابة ولكن بعد وصولك إليها تقضي كل وقتك هناك في كافتيريا المطار، أما الاهتمام بالتعلم المستمر والتطور والالتزام به كقائد فسيحافظ على جذوة التجدد والحيوية مشتعلة. فهناك وادٍ لا بد من عبوره قبل أن تصل إلى القمة، وثمة وادٍ آخر بين هذه القمة والقمة التالية. لا شك أنك ستجد رحلة التطور رائعة ومثيرة إذا تقبلتها بصدر رحب، ولا داعي للانتظار حتى تتلقى التدريب المناسب، بل يمكنك تصميم منهجيات تطوير القدرات القيادية في أي وقت تريده.