الشراكات الاستراتيجية كأداة إدارية لتعزيز كفاءة القطاع الزراعي في السعودية

4 دقيقة
الشراكة
(مصدر الصورة: هارفارد بزنس ريفيو العربية، تصميم: محمد محمود)

ملخص: يواجه قطاع الزراعة تحديات ملحة ومعقدة مثل الأمن الغذائي، وعدم كفاءة سلسلة التوريد، وضعف خيارات التمويل، يتطلب حلها بناء شراكات قوية وفعالة قائمة على الالتزام والتنسيق والثقة لتحقيق المنفعة المتبادلة في عدة جوانب:

  •  تبادل المعرفة والخبرات ما يؤدي إلى تعزيز الإنتاجية وتحسين الكفاءة في الممارسات الزراعية.
  • الاستدامة وتحقيق الأمن الغذائي من خلال تطوير حلول مبتكرة واستراتيجيات فعالة للاستثمار الزراعي وتحسين تخصيص الموارد وتعزيز رفاهية المزارعين.
  • نقل التكنولوجيا والممارسات الحديثة في الزراعة، ما يزيد من الإنتاجية ويعزز الاستدامة.

إن العمل في إطار الشراكة يمكن الحكومات والمؤسسات من تحقيق الرؤى بعيدة المدى والوصول إلى الأهداف طويلة الأجل.

تشير التقديرات إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك السعودية، يمكنها تجنب إنفاق رأسمالي قدره 164 مليار دولار وتحقيق إيرادات تصل إلى 114 مليار دولار من خلال تعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة. كما يمكن أن تصل عوائد بيع حصص في الشركات المدرجة إلى 287 مليار دولار.

هذه الأرقام، تبرز الفوائد المالية المباشرة لإشراك القطاع الخاص في إدارة المشاريع الحكومية وتشغيلها،  حيث شهدت المملكة زيادة في قيمة عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بلغت 28.2 مليار دولار في عام 2023، ما يمثل أكثر من 23% من إجمالي قيمة العقود الممنوحة في ذلك العام. يخدم ذلك هدف السعودية الطموح لرفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65% بحلول عام 2030.

المعايير اللازمة لنجاح الشراكات

تسهم الشراكات في تبادل المعرفة والخبرات التي تعزز الفهم العميق للتحديات والفرص المتاحة، كما تعمل على توفير الموارد والتمويل اللازم لإنجاز مشروع أو مبادرة ما، لكن الحفاظ عليها وضمان استدامتها ليس بالأمر السهل، فالشراكات الناجحة والفعالة التي تحقق المنفعة لجميع الأطراف تبنى على أساس الرغبة في تحقيق أهداف مشتركة، والالتزام بشراكة قوية خارج إطار بنود العقد، وتشارك وجهات النظر حول المشكلات وكيفية اتخاذ القرارات الصعبة للتحوّل من الفشل إلى الإنجاز. تقول المستشارة والخبيرة في الشراكات إليز مارتين: "هناك قاعدة بسيطة لكن صعبة التحقيق تكمن في صلب مشروعات البنية التحتية الناجحة بشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي: يجب على كل طرف الالتزام بتحقيق أهداف الآخرين بقدر التزامه بتحقيق أهدافه".

وتتمثل المعايير الأساسية للشراكات الفعّالة في النقاط التالية:

  • الثقة والاحترام المتبادل، والذي يشمل الاعتراف بالمساهمات المتنوعة لجميع الشركاء وتعزيز بيئة يمكن أن تزدهر فيها الثقة.
  • التواصل المفتوح والشفاف لمواءمة الأهداف ومعالجة التحديات على الفور.
  • اتفاق جميع الأطراف على أهداف وغايات محددة وواضحة ما يضمن توجيه الجهود نحو النتائج المشتركة.
  • القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة والمرونة في التعامل بما يساعد في استدامة الشراكات بمرور الوقت.
  • قبول المخاطر والمسؤوليات المشتركة، لتتمكن الأطراف المعنية من بناء الثقة، وتقاسم الفوائد، وتوسيع نطاق ما يمكن إنجازه.

الشراكات كحل استراتيجي لتحديات الزراعة

إن تنفيذ الشراكات التي تعزز العلاقات من خلال المصالح والرؤى والقيم المشتركة يساعد القطاعات على المساهمة في الاقتصاد بفعالية، ولا سيما قطاع الزراعة، فأمام تحديات معقدة مثل الأمن الغذائي، وعدم كفاءة سلسلة التوريد، وضعف خيارات التمويل، ومحدودية الوصول إلى التكنولوجيا والممارسات الحديثة، وفجوات المعرفة لدى المزارعين، لا يمكن لأي كيان بمفرده أن يحل هذه التحديات.

لذا، تعتمد وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية على الشراكات والتحالفات الاستراتيجية مع القطاعات الحكومية والخاصة ومؤسسات والمجتمع المدني، والجهات الدولية لتعزيز الاستدامة والمشاركة المجتمعية، وتعمل على تطويرها بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، ومن الأمثلة على هذه الشراكات:

  • اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع شركات كبرى مثل المراعي ونادك وشركة البحر الأحمر للتطوير لدعم مشاريع تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة والتحول للزراعة المستدامة، والحفاظ على الموائل الطبيعية بالمملكة وتعزيزها ولضمان توافق عمليات التطوير مع الاستدامة البيئية. على سبيل المثال، هدف التعاون مع شركة المراعي ومزارع الغربية للدواجن إلى توطين إنتاج بودرة البيض داخل المملكة، وتشمل مذكرة التفاهم إنشاء مصنع محلي لإنتاج أنواع مختلفة من هذه البودرة مثل بودرة البيض الكامل، وبودرة بياض البيض، وبودرة صفار البيض. يتميز هذا المنتج بعمر تخزين أطول وإمكانية التخزين في درجة حرارة الغرفة، ما يقلل من الهدر والتكاليف المرتبطة بالتبريد والتخزين، ويُسهم في توفير حلول غذائية أكثر استدامة وفعالية.
  • التعاون مع شركات مثل أرامكو وسابك في تنفيذ مبادرة التشجير والتشجير الحضري، للاستفادة من أوجه الدعم الفني والمالي الذي تقدمه في تعزيز الزراعة المستدامة.
  • الشراكة مع وزارة الطاقة ووزارة الصناعة والثروة المعدنية لتطبيق معايير الاستدامة البيئية في المشاريع الصناعية والطاقة المتجددة، والعمل مع وزارة التعليم على تقديم برامج توعوية حول البيئة والمياه في المدارس والجامعات.
  • إطلاق حملات توعية بالتعاون مع الجمعية السعودية للبيئة، ومشاركة مؤسسة الملك خالد الخيرية في جهود دعم المشاريع البيئية المجتمعية التي تركز على التنمية المستدامة.
  • دعم الأبحاث المتعلقة بالبيئة والمياه بالتعاون مع جامعات مثل جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لإعداد الدراسات والأبحاث العلمية المتعلقة بتحلية المياه والزراعة الذكية وتقنيات الري الحديث، وتقديم البرامج التدريبية وتنمية الموارد البشرية لتعزيز الكفاءات والخبرات.
  • العمل مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" في مشاريع تتعلق بالأمن الغذائي وإدارة الموارد المائية ومكافحة التصحر، والاستفادة من الدعم الفني والتقني الذي يقدمه البنك الدولي في مجالات تحسين جودة المياه وإدارة السدود والموارد البيئية.

الفوائد المحققة من الشراكات 

أثبتت الدراسات أن التعاون بين المزارعين والخبراء الزراعيين والحكومات والشركات الخاصة يحقق مجموعة من الفوائد، أهمها:

  • تعزيز الإنتاجية: يسهل التعاون بين المزارعين والخبراء الزراعيين تبادل الأفكار والموارد القيّمة، ما يؤدي إلى تحسين الكفاءة في الممارسات الزراعية.
  • الاستدامة: تؤدي الشراكات بين القطاعين العام والخاص دوراً حوياً في تحقيق نظام غذائي عالمي أكثر استدامة وكفاءة وعدالة، ومن خلال الجمع بين نقاط القوة في القطاعين العام والخاص، يمكن لهذه الشراكات أن تدفع إلى إيجاد حلول مبتكرة في إنتاج الغذاء وتوزيعه واستهلاكه.
  • تحسين سلاسل التوريد: تساعد الشراكات التعاونية في سلاسل التوريد الزراعية في تحسين تخصيص الموارد وإدارة المخاطر والقدرة التنافسية، ما يؤدي إلى زيادة الربحية والاستدامة.
  • رفاهة المزارعين: ارتبط التعاون في سلاسل القيمة الزراعية بتحسين رفاهة المزارعين، والمشاركة في السوق، وزيادة الإنتاج.
  • نقل المعرفة والتكنولوجيا: تسهل الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية والشركات التكنولوجية نقل المعرفة وتطبيق التقنيات الحديثة مثل الزراعة الدقيقة والزراعة المائية والزراعة العمودية، ما يزيد من الإنتاجية ويعزز الاستدامة.

من خلال الشركات القوية يمكن أن تحدث الحلول العالية التقنية تغييراً في مجال الزراعة، لذا يخلق "التحالف السعودي لتقنيات الزراعة والغذاء" مجتمع من المهتمين بتبني التقنيات المبتكرة في منظومة الزراعة والغذاء لتعزيز تبادل المعرفة، وإقامة الشراكات، وضمان تكامل القدرات، ومناقشة التحديات من وجهات نظر مختلفة، واقتراح السياسات الداعمة لقطاع الابتكار الزراعي.

الاتجاهات المستقبلية

مع التقدم التكنولوجي المتسارع والتغير المستمر للظروف المحيطة بقطاع الزراعة، تتطور الشراكات لتشمل مجالات وأدوات جديدة ومبتكرة تسهم في نمو القطاع وتعزيز دوره في دفع عجلة الاقتصاد، ومن الاتجاهات المستقبلية لهذه الشراكات:

  • الشراكات الزراعية الذكية مناخياً. تعاون الشركات والحكومات والمؤسسات غير الحكومية لتطوير ممارسات زراعية ذكية مناخياً تعمل على تقليل الانبعاثات وتحسين القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ.
  • شراكات البيانات والابتكار المفتوح. زيادة استخدام البيانات لتسريع الابتكار، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحسين الإنتاجية وتعزيز كفاءة المزارعين، واستخدام الروبوتات للقيام بمهام مثل الحصاد والتعبئة والتغليف، بالإضافة إلى إنشاء منصات رقمية لتبادل البيانات الزراعية وربط المزارعين بالمورّدين والمشترين ووكلاء الإرشاد.
  • شراكات الاستدامة الزراعة التجديدية التي تركز على صحة التربة والتنوع البيولوجي واحتجاز الكربون.

إن الشراكات ليست مفيدة فحسب، بل هي ضرورية للزراعة الحديثة. فمن تحسين الإنتاجية إلى جعل الزراعة قادرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، توفر الشراكات الطاقة التعاونية اللازمة لتحويل الزراعة إلى قطاع أكثر استدامة وربحية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي