ملخص: يدّعي القادة عادة أنهم يقدّرون علاقات العمل الجيدة، لكن قد لا تعكس ممارسات الشركة هذا الادعاء. ومعالجة هذه المشكلة تتطلب حلاً مؤسسياً، بمعنى وضع نظام يُسهم في بناء علاقات إيجابية بين الموظفين يشمل 1) تخصيص وقت للاستماع إلى موظفيهم والتحقق من جودة العلاقات في مكان العمل؛ و2) توفير بنية تنظيمية تُسهم في تنمية العلاقات؛ و3) تحفيز العلاقات الإيجابية.
على المؤسسات أن تشجع موظفيها على بناء العلاقات الشخصية الوثيقة مع زملائهم في العمل.
هل تبدو لك التجربة التالية مألوفة؟ يجد موظف المعرفة، علاء، صعوبة في إجراء محادثات بنّاءة في مؤسسته، خاصة مع زملائه في المناصب الخدمية المصممة لمساعدته على أداء وظيفته، مثل (فريق تكنولوجيا المعلومات أو فريق الموارد البشرية)؛ فرسائل البريد الإلكتروني التي يُرسلونها والمحادثات التي يجرونها غير ودية وغير تعاونية وفظة أحياناً.
وعندما عرض هذه المشكلة على الرئيسة التنفيذية، أكدت له أن المؤسسة تتبنى "ثقافة التعاون"، وأن "الموظفين يدعم بعضهم بعضاً"، وأن "السلوك المسيء غير مرحّب به"، أما عندما تحدث إلى نائبة الرئيسة التنفيذية، فلم تستمع إلى مخاوفه بل حوّلت الحديث إلى تذمر من زملائه.
فشعر علاء بالارتباك، بسبب التناقض بين ما أكدته الرئيسة التنفيذية حول ثقافة التعاون، وبين سلوكيات مديرته المباشرة التي تحب الانتقاد والتذمر. هل تتبنى المؤسسة ثقافة التعاون أو لا تتبناها؟
يكمن حل هذه المشكلة في إدراك أنها مشكلة في الثقافة المؤسسية، وليست قضية محدودة بسلوك فردي أو مدير متطلّب، أي أن معالجة المشكلة تتطلب حلاً مؤسسياً، بمعنى وضع بنى تنظيمية وأنظمة وإجراءات تُسهم في بناء علاقات إيجابية بين الموظفين.
لاحظنا في بحثنا أن قلة من الشركات تدرك هذا الحل، وبالنظر إلى أثر العلاقات بين الموظفين في الإنتاجية والقدرة على التحمل، فثمة فرصة كبيرة للاستفادة من هذا الجانب.
من الواضح أن نائبة رئيسة علاء لا تهتم بتنمية العلاقات؛ ولأن موظفي تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية يتبعون لها إدارياً أصيبت أقسامهم بعدوى سلوكها لا شعورياً، ولم تغرس قيم اللطف والاحترام والمساعدة في نظام إدارة أداء موظفيها. هل لدى الموظفين ما يحفزهم على تقديم المساعدة وإبداء الاحترام؟ على الأرجح لا، ومن المحتمل أنهم لم يتلقوا تدريباً في مجالَي التواصل أو تطوير العلاقات.
لنلقِ نظرة على الخطوات التي يجب على الإدارة العليا اتخاذها لتجنب مثل هذا الوضع:
1. استمع إلى آراء الموظفين وتحدث عن أهمية العلاقات
تتمثّل الخطوة الأولى لفريق القيادة في الاستماع بعناية لفهم الوضع بدقة، لا ينحصر ذلك في الاستماع للموظفين ضمن دائرتهم المقربة أو الذين يتحدثون إليهم دوماً بشأن قضايا الأعمال، بل عليهم الاستماع لجميع الموظفين. وفي الواقع، على القادة تخصيص وقت في جداول أعمالهم للاجتماع مع مدراء الوحدات والفِرق التي تخضع لإشرافهم من أجل نقاط الضعف في العلاقات ومناقشتها: ما المشكلات التي يشعر بها الموظفون في علاقاتهم المهنية؟
ففي حالة علاء مثلاً، يمكن للقادة أن يتواصلوا مع الأطراف المعنية ويسألونها عن تجاربها وسبب اختيارها ذلك الأسلوب غير المهني للتواصل والتدريب الذي تلقّته وهلّم جرّاً، وقد يكشف ذلك عن خلل في العلاقات يعكس غياب الهيكلية التي تعزز العلاقات الإيجابية وتحفزها.
قد تكون تلك المحادثات مشحونة عاطفياً في بدايتها، استناداً إلى حالة العلاقات بين الأشخاص (هل تريدون أن تعرفوا شعوري حيال الفريق؟ سأخبركم!). فالهدف هو إجراء محادثات بنّاءة تصل إلى حلول فعالة للنزاعات أو الخلافات، ولكن القصد أيضاً هو الإشارة إلى أن العلاقات الشخصية مهمة، وجعل القادة نموذجاً للسلوك المرغوب فيه، ومنحهم فرصة منظمة لتوطيد العلاقات بين وحدات العمل بفعالية.
2. احرص على وضع هيكلية حقيقية لبناء العلاقات
تقول محللة البيانات المبتدئة في شركة استشارات كبيرة، رُبى، إن شركتها تدّعي اتباع ممارسات تدعم بناء العلاقات القوية في بيئة العمل وتحفزه. على سبيل المثال، عندما ينضم موظفون جدد إلى الشركة تعيّن الإدارة لكل منهم "رفيق عمل" يدعمه ويساعده على إقامة علاقات جديدة وتحقيق النجاح المهني.
لكن رفيق ربى، أحمد، يعمل في مرفق حكومي محمي، فلم تستطع التحدث إليه خلال ساعات العمل. وكان جميع مَن في المؤسسة يعلم أن المشاركة في برنامج رفيق العمل ليس إلزامياً، حتى إن المؤسسة لا توفر فرص التوجيه أو المتابعة لضمان بناء علاقات مفيدة بين الموظفين الجدد ورفاق العمل.
ومن الضروري بالتالي أن يوضح قادة الشركة أهمية التوجيه ويشرحوا طبيعة الموضوعات التي تُناقش خلال جلسات التوجيه، ويضعوا أنظمة مساءلة لمتابعة تنفيذ فريق البرنامج والمشاركين فيه لهذه العمليات. في حين أن عدم وجود تدابير محددة يعني ألا يأخذ بعض الموظفين البرنامج على محمل الجد، ويتجاهلون أهمية بناء علاقات قائمة على الانفتاح والثقة والاحترام؛ وقد يتجاهل أغلب الموظفين البرنامج بالطبع، ما يُسفر عن تفاوت كبير في الحصول على الدعم والموارد والفرص للتقدم.
ويمكن تصميم بنى هيكليات وأنظمة وممارسات عمل لتركيز الانتباه على التفاعلات بين الموظفين ودعم بناء العلاقات بينهم، مثل وضع ترتيبات عمل ثابتة (تقليل عدد الوظائف بدوام جزئي والمؤقتة، واعتماد العقود الطويلة الأمد) وتنظيم الأدوار (مثل زيادة استخدام هيكليات الفرق المتعددة الوظائف والفرق الدائمة ذات العضوية الثابتة)، إذ تخلق فرصاً للتفاعل المتكرر الذي يُسهم في تنمية العلاقات.
ومن المهم بذل جهود إضافية تُكمل الخطوات السابقة، مثل عقد اجتماعات يشارك فيها جميع أفراد المؤسسة أو أعضاء وحدة محددة يُخصص فيها وقت لعرض جهود بناء العلاقات داخل المؤسسة والاحتفاء بها، وتُوضح فيها أهمية العلاقات في سياق العمل ودورها في تحقيق النجاح على مستوى المؤسسة أو الوحدة. لكن من الجدير ذكره أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال تنفيذ نشاط "تنمية علاقات الفريق" مرة واحدة، فعادة ما ينسى المدراء بسهولة متابعة العلاقات بين موظفيهم بعد تطبيقه.
3. استثمر في العلاقات الإيجابية
يعمل رامي، وهو في الأربعينيات من عمره، مديراً للأمن السيبراني في شركة يتحدث قادتها بانتظام عن أهمية ثقافة المؤسسة، وعن رغبتهم في تكريس الوقت لتعزيز العلاقات الإيجابية بين الموظفين من جميع المستويات. لكن يُشير رامي إلى أن القادة لا يتخذون أي إجراء فعّال لمتابعة تحقيق تلك الأهداف، بل يُدعى وزملاؤه إلى جلسات مراجعة أداء أسبوعية تسلّط الضوء على أدائهم الضعيف وتسبب لهم الإحراج أمام زملائهم الآخرين فقط؛ فواجه رامي مشكلات كبيرة في استبقاء الموظفين في فريقه.
لم يُسفر التحدث عن أهمية العلاقات الإيجابية خلال الاجتماعات النادرة عن أي تحسينات فعلية، بل كانت الحوافز المدمجة في الثقافة المؤسسية لها أثر كبير في استجابة مدراء الإدارة الوسطى. ولم يجد في الشركة ما يحفزه للتعامل بروح الزمالة مع الآخرين وبناء علاقات قوية وفعالة معهم، بل كانت الحوافز تتجه نحو تحقيق أهداف قصيرة الأجل مهما كلّف الأمر.
وبالتالي، على المؤسسات أن تدمج فكرة العلاقات الإيجابية في مقابلات العمل والوصف الوظيفي وتقييم الأداء، وأن تحرص على أن يعرف موظفوها أنه "من واجباتهم في عملهم مساعدة الآخرين على أداء وظائفهم"؛ إذا وضحت ذلك وغرسته في نظام إدارة الأداء فستصبح مساعدة الزملاء نشاطاً ذا قيمة لا مجرد مهمة ثقيلة. ولا تنطوي مهمة المدير على التواصل الفردي مع الموظفين فقط، بل على تسهيل التفاعلات الإيجابية بينهم أيضاً، وهو ما يضمن مشاركة الأفراد الذين يشعرون بالعزلة وتواصل الموظفين فيما بينهم، ويساعد على اكتشاف المشكلات في العلاقات ومعالجتها سريعاً قبل فوات الأوان.
باختصار، سيساعد وضع هيكليات وحوافز للتفاعل بين الموظفين في تحويل نظام يهمل العلاقات إلى نظام يعززها، ما يقود إلى إجراء فحص دوري للتفاعلات بين الموظفين داخل المؤسسة يقيّم تفاعل الموظفين وتواصلهم فيما بينهم، والأهم هو أنه يكافئهم عليه. وعندما يُدرك الموظفون أهمية العلاقات، تصبح الأسئلة التالية جزءاً من تفكيرهم اليومي: "كيف يمكنني تحديد احتياجات الآخرين؟" و"كيف يمكنني بناء الثقة وتعزيزها؟" و"من هو الموظف المنعزل وما الذي يمكنني فعله لتغيير سلوكه؟" و"ما المجالات التي يمكنني إضافة قيمة إليها في العلاقة؟"