كيف توظف النماذج الذهنية لتعزيز تجربة المستخدم الرقمية؟

5 دقيقة
تجربة المستخدم
shutterstock.com/Black Salmon

تخيل أنك قصدت أحد الفنادق، ووجدت أن مكتب الاستقبال انتقل إلى السطح بدلاً من مكانه المعتاد عند مدخل الفندق، ماذا سيحدث؟ ستضطر إلى البحث كثيراً حتى تصل إلى السطح وسيستغرق الأمر جهداً ووقتاً غير مبررين من وجهة نظرك لأن السائد هو وجود الاستقبال في بهو الدور الأرضي، ما يخلق لديك تجربة سيئة مع هذا الفندق.

يُورد كتاب "سيكولوجية المنتجات الرقمية" للمؤلف يمان بن عدنان العرضي المثال أعلاه لتوضيح مفهوم النماذج الذهنية، والذي يشير إلى المعتقدات والافتراضات الموجودة لدى الناس من تجاربهم السابقة مع الأشياء من حولهم. ومن خلال فهم هذه النماذج، يمكن إنشاء تجارب أكثر فعالية وسهولة في الاستخدام للعملاء. إذ عادةً ما تنقلك النماذج الذهنية إلى المساحة العقلية لدى عملائك، لتعرف ما الذي كانوا يفكرون فيه عندما دخلوا إلى متجرك أو نزلوا تطبيقك؟ لماذا اختاروا حقيبة اليد مقابل المحفظة؟

النماذج الذهنية مبنية على المعتقدات وليس على الحقائق

قد تبحث عن الاتجاهات على خرائط جوجل للوصول إلى وجهتك وتجد أنها غير موجودة، أو تقرر المشي بين محطتي مترو لأن الخريطة تعكس قرب المسافة بينهما، لتكتشف بعد ذلك أنهما في الواقع متباعدتان بأميال. فقد تبدو الخرائط خادعة جداً في بعض الأحيان.

لكن الفيلسوف والمهندس البولندي الأميركي ألفريد كورزيبسكي، يقول إن "الخريطة ليست المنطقة" (The map is not the territory)، وهي عبارة صاغها للتعبير عن أن الناس غالباً ما يخلطون بين نماذج الواقع والواقع نفسه؛ ففي حين أن الخرائط تساعدنا على فهم تخطيط المكان والتنقل في طريقنا، فإنها مجرد تمثيل مختزل لما هو موجود بالفعل.

تجسد العلاقة بين الإدراك والواقع الفعلي الفكرة الكامنة وراء مفهوم النماذج الذهنية، إذ يعتقد الأفراد أن النماذج الذهنية تمثل الواقع الحقيقي، لكن عندما لا ترقى النماذج إلى مستوى الواقع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إصابتهم بحالة من الارتباك أو خيبة الأمل أو الإحباط. وبما أن النماذج الذهنية تعتمد على تجارب الماضي وتشكّل توقعات المستقبل، فقد تخلق توقعات غير واقعية عند تعرّض الأفراد لمواقف جديدة.

تأثير النماذج الذهنية على تجربة المستخدم

قدّم عالم النفس كينيث كريك مفهوم النماذج الذهنية لأول مرة في كتابه "طبيعة التفسير" (The Nature of Explanation) عام 1943، حيث اقترح أن الأفراد ينشئون تمثيلات عقلية للعالم من حولهم لفهمه والتفاعل معه، وتتطور هذه التمثيلات باستمرار مع اكتساب الأفراد معلومات وخبرات جديدة. لكن كيف تنعكس النماذج الذهنية على استخدام المنتجات الرقمية؟

في كتابه الصادر عام 1988 بعنوان "تصميم الأشياء اليومية" (The Design Of Everyday Things: Revised And Expanded Edition)، أكد دونالد نورمان أهمية فهم النماذج الذهنية للمستخدمين في تصميم واجهات بديهية وسهلة الاستخدام، إذ تمثل هذه النماذج مفاهيم المستخدمين المسبّقة وتوقعاتهم حول الواجهة، وبالتالي من خلال دمج الاستعارات المألوفة وأنماط التنقل المتسقة وسير العمل البديهي، يمكن إنشاء تجربة منتج أكثر إرضاءً وسهولة في الاستخدام.

إذ يكوّن المستخدمون تنبؤات وتوقعات حول النظام ويخططون لتصرفاتهم المستقبلية بناءً على تجاربهم السابقة، ولأن خلفية كل مستخدم وتجاربه السابقة تُنتج نماذج ذهنية فريدة يجب أن يكون هناك توافق بين النماذج الذهنية للمصممين والمستخدمين.

يساعد فهم النماذج الذهنية على توقع احتياجات المستخدمين وتفضيلاتهم بصورة أفضل، والتحقق من صحة البيانات لدعم قرار التصميم، وتطوير خدمات رقمية جديدة. إذ يمكن أن يؤدي التصميم باستخدام النماذج الذهنية إلى تقليل العبء المعرفي عن طريق استخدام ما يعرفه المستخدمون بالفعل، إذ يتمتع الأشخاص بطبيعتهم بانحياز تأكيدي يجعلهم يميلون إلى البحث عن شيء يناسب معتقداتهم.

ويعرِّف أحد مؤسسي علم المنتجات الرقمية، جاكوب نيلسون، النماذج الذهنية بقانون حمل لاحقاً اسم "قانون يعقوب" (Jakob's Law) الذي ينص على أنه: "يقضي المستخدمون معظم وقتهم في تصفح المواقع الأخرى. هذا يعني أن المستخدمين يفضلون أن يعمل موقعك بطريقة مماثلة لعمل جميع المواقع الأخرى التي يعرفونها"، بعبارة أخرى، فإن جزءاً كبيراً من النماذج الذهنية لمستخدمي موقعك سيتأثر بالمعلومات المستمدة من المواقع الأخرى.

ترجمة تفكير المستخدم إلى تصميم خدمة فعّال

تكشف النماذج الذهنية نقاط الضعف المحتملة في رحلة العميل مع الخدمة أو المنتج، وتسهم في التواصل معه بفعالية أكبر، ومن خلال استخدام اللغة والمفاهيم التي تتماشى مع النماذج الذهنية للعملاء، يمكن للمصممين التأكد من سهولة فهم رسالتهم، والتميّز عن المنافسين.

وفيما يلي 3 طرائق عملية للاستفادة من النماذج الذهنية في إنشاء تجارب أكثر فعالية وسهولة في الاستخدام للعملاء:

1. استخدم النماذج الشائعة

تميل النماذج الذهنية للمستخدمين إلى الجمود، فالأشياء التي يعرفها الناس جيداً تتسم بالثبات نوعاً ما، حتى عندما لا تكون مفيدة، واستخدام فكرة واحد خاطئة قد تسبب الإحباط للمستخدمين وتجعلهم يسيئون تفسير كل ما يحدث ويتمسكون أكثر في افتراضاتهم الأساسية، ما يمثل حجة قوية للامتثال لتوقعات المستخدم الموجودة مسبّقاً كلما أمكن ذلك، فمن الأفضل للمصممين الاستفادة من جمود النموذج الذهني بدلاً من محاربته.

تمثل إير بي إن بي (Airbnb) مثالاً على نجاح استخدام النماذج الذهنية في تصميم الخدمة، إذ أدركت عند إطلاقها أن العديد من الأشخاص لديهم تحفظات بشأن البقاء في منزل شخص غريب، فأنشأت ميزة تسمح للمضيفين بالتحقق من هويتهم وتقديم ملف تعريف تفصيلي، ما يمنح العملاء شعوراً بالأمان والثقة.

2. نفّذ الأبحاث مع الشرائح المستهدفة

إن الخطوة الأولى في فهم النماذج الذهنية لعملائك هي إجراء الأبحاث لجمع الأفكار مباشرة من جمهورك المستهدف لتتمكن من فهم معتقداتهم وافتراضاتهم وسلوكياتهم فهماً أفضل.

ومن الوسائل البحثية التي تساعدك على فهم النماذج الذهنية:

  • اختبار سهولة الاستخدام: بحيث تضع المنتج أو نسخة مصممة منه (Prototype) أمام المستخدم وتفهم توقعات العميل من بعض المناطق أو العناصر الموجودة في الواجهات.
  • فرز البطاقات (Card Sorting): بحيث تمنح المستخدمين مجموعة من البطاقات التي تحتوي على موضوعات أو معلومات وتطلب منهم تنظيمها في فئات، ما يساعد المصممين على تحديد مكان وضع المعلومات على الموقع، أو كيفية تنظيم صفحات المساعدة، أو كيفية تجميع المواضيع في قوائم التنقل.
  • دراسة منتجات المنافسين: يساعدك هذا على فهم النماذج الذهنية التي كوّنها المستخدمون من خلال تفاعلهم مع المنتجات المشابهة لمنتجك والقريبة منه.

على سبيل المثال، كان مربع البحث في أعلى صفحة جوجل مخصصاً لكتابة الروابط فقط، لكن من خلال أبحاث المستخدمين ودراسة سلوكياتهم في التعامل مع محرك البحث، وجدت الشركة أن الكثير من المستخدمين يستخدمون مكان كتابة الرابط لإدخال نص البحث أيضاً. لذلك غيّرت وظيفة مربع الرابط في أعلى الصفحة ليشمل الوظيفتين معاً، فأصبح يتوافق مع النموذج الذهني الذي تكوّن لدى المستخدمين.

3. تأكد من القيمة

تسهّل النماذج الذهنية على المستخدمين تجربتهم وتعاملهم مع الواقع من حولهم، لكن في بعض الأحيان، تحتاج إلى الابتكار، والأفضل أن تفعل ذلك فقط عندما يكون النهج الجديد متفوقاً تفوقاً واضحاً على الطرق القديمة المعروفة، لأنه مع تطبيق نمط تصميم جديد، ستواجه تحدياً في كيفية شرحة حتى يتمكن المستخدمون من بناء نموذج ذهني يتوافق معه، على سبيل المثال، يضيف موقع بيع حقائب السفر، نوماد لين (Nomad Lane) تلقائياً تأمين الشحن إلى التكلفة الإجمالية عند خروج المستخدمين من صفحة الدفع. لكن تأمين الشحن التلقائي لا يمثل جزءاً من النموذج الذهني لعربة التسوق الخاصة بالمستخدمين، وقد يؤدي إلى الإحباط لأي شخص يدفع ثمن التأمين عن طريق الخطأ.

إذا أردت تغيير نموذج ذهني شائع لدى المستخدمين، فتأكد أولاً من القيمة العائدة على المستخدم من هذا التغيير، هل هناك سبب قوي وقيمة حقيقية مضافة لهذا التغيير تدفعان المستخدم إلى تعلّم كيفية تنفيذ تصرف اعتاده بطريقة مختلفة؟ إذا كان الجواب نعم، فاحرص على تضمين الإرشادات أو فيديو تعريفي يشرح طريقة الاستخدام لسد الفجوة المتوقع حدوثها.

إن السر في اتخاذ قرارات أفضل هو تعلم الأشياء التي لن تتغير، لذا استفد من النماذج الذهنية لتؤثر على كيفية إدراك العملاء للخدمة وتفاعلهم معها، بما يؤدي في النهاية إلى تعزيز رضاهم وولائهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي